بَاب: مَا جَاءَ فِي التَّعْرِيضِ
 
6847- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ. قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ"
قوله: "باب ما جاء في التعريض" بعين مهملة وضاد معجمة، قال الراغب: هو كلام له وجهان ظاهر وباطن، فيقصد قائله الباطن ويظهر إرادة الظاهر، وتقدم شيء من الكلام فيه في " باب التعريض بنفي الولد " من كتاب اللعان في شرح حدث أبي هريرة في قصة الأعرابي الذي قال: "إن امرأتي ولدت غلاما أسود " الحديث، وذكرت هناك ما قيل في اسمه وبيان الاختلاف في حكم التعريض، وأن الشافعي استدل بهذا الحديث على أن التعريض بالقذف لا يعطي حكم التصريح، فتبعه البخاري حيث أورد هذا الحديث في الموضوعين، وقد وقع في آخر رواية معمر التي أشرت إليها هناك " ولم يرخص له في الانتفاء منه " وقول الزهري: إنما تكون الملاعنة إذا قال رأيت الفاحشة، قال ابن بطال: احتج الشافعي بأن التعريض في خطبة المعتدة جائز مع تحريم التصريح بخطبتها، فدل على افتراق حكمها، قال وأجاب القاضي إسماعيل بأن التعريض بالخطبة جائز لأن النكاح لا يكون إلا بين اثنين، فإذا صرح بالخطبة وقع عليه الجواب بالإيجاب أو الوعد فمنع، وإذا عوض فأفهم أن المرأة من حاجته لم يحتج إلى جواب، والتعريض بالقذف يقع من الواحد ولا يفتقر إلى جواب، فهو قاذف من غير أن يخفيه عن أحد فقام مقام الصريح، كذا فرق، ويعكر عليه أن الحد يدفع بالشبهة والتعريض يحتمل الأمرين، بل عدم القذف فيه هو الظاهر وإلا لما كان تعريضا، ومن لم يقل بالحد في التعريض يقول بالتأديب فيه لأن في التعريض أذى المسلم، وقد أجمعوا على تأديب من وجد مع امرأة أجنبية في بيت والباب مغلق عليهما، وقد ثبت عن إبراهيم النخعي أنه قال في التعريض عقوبة. وقال عبد الرزاق " أنبأنا ابن جريج قلت لعطاء: فالتعريض؟ قال: ليس فيه حد، قال عطاء وعمرو بن دينار: فيه نكال " ونقل ابن التين عن الداودي أنه قال تبويب البخاري غير معتدل، قال: ولو قال: ما جاء في ذكر ما يقع في النفوس عندما يرى ما ينكره لكان صوابا. قلت: ولو سكت عن هذا لكان هو الصواب، قال ابن التين: وقد انفصل المالكية عن حديث الباب بأن الأعرابي إنما جاء مستفتيا ولم يرد بتعريضه قذفا. وحاصله أن القذف في التعريض إنما يثبت على من عرف من إرادته القذف، وهذا يقوى أن لا حد في التعريض لتعذر الاطلاع على الإرادة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(12/175)

باب كم التعزير و الأدب
...