بَاب: مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ أَوْ اقْتَصَّ دُونَ السُّلْطَانِ
 
6887- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ "سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ
(12/215)

إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
6888- وَبِإِسْنَادِهِ "لَوْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِكَ أَحَدٌ وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ خَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ"
[الحديث 6888- طرفه في: 6902]
6889- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ "أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَدَّدَ إِلَيْهِ مِشْقَصًا" فَقُلْتُ مَنْ حَدَّثَكَ قَالَ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
قوله: "باب من أخذ حقه" أي من جهة غريمه بغير حكم حاكم "أو اقتص" أي إذا وجب له على أحد قصاص في نفس أو طرف هل يشترط أن يرفع أمره إلى الحاكم أو يجوز أن يستوفيه دون الحاكم وهو المراد بالسلطان في الترجمة. قال ابن بطال: اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من حقه دون السلطان، قال: وإنما اختلفوا فيمن أقام الحد على عبده كما تقدم تفصيله. قال: وأما أخذ الحق فإنه يجوز عندهم أن يأخذ حقه من المال خاصة إذا جحده إياه ولا بينة عليه كما سيأتي تقريره قريبا. ثم أجاب عن حديث الباب بأنه خرج على التغليظ والزجر عن الاطلاع على عورات الناس انتهى. قلت: فأما من نقل الاتفاق فكأنه استند فيه إلى ما أخرجه إسماعيل القاضي في " نسخة أبي الزناد " عن الفقهاء الذين ينتهي إلى قولهم ومنه: لا ينبغي لأحد أن يقيم شيئا من الحدود دون السلطان، إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده، وهذا إنما هو اتفاق أهل المدينة في زمن أبي الزناد. وأما الجواب فإن أراد أنه لا يعمل بظاهر الخبر فهو محل النزاع. قوله: "أنه سمع أبا هريرة يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة" كذا لأبي ذر وسقط "يوم القيامة" للباقين. قوله: "وبإسناده لو اطلع إلخ" هو المراد في هذه الترجمة، والأول ذكره لكونه أول حديث في نسخة شعيب عن أبي الزناد، ومن ثم لم يسق الحديث بتمامه هنا بل اقتصر على أوله إشارة إلى ذلك، وساقه بتمامه في كتاب الجمعة، ولم يطرد للبخاري صنيع في ذلك واطرد صنيع مسلم في " نسخة همام " بأن يسوق السند ثم يقول فذكر أحاديث منها ثم يذكر الحديث الذي يريده وقد أشرت إلى ذلك في كتاب الرقاق، وجوز الكرماني أن الراوي سمع الحديثين في نسق واحد فجمعهما فاستمر من بعده على ذلك. قلت: وهذا يحتاج إلى تكملة، وهو أن البخاري اختصر الأول لأنه لا يحتاج إليه هنا. قوله: "لو اطلع" الفاعل مؤخر وهو "أحد". قوله: "ولم تأذن له" احتراز ممن اطلع بإذن. قوله: "حذفته بحصاة" كذا هنا بغير فاء، وأخرجه الطبراني عن أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه بلفظ: "فحذفته " وهو الأولى والأول جائز، وسيأتي بعد سبعة أبواب من رواية سفيان بن عيينة عن أبي الزناد بلفظ: "لو أن امرءا اطلع عليك بغير إذن فحذفته " وقوله حذفته بالحاء المهملة عند أبي ذر والقابسي وعند غيرهما بالخاء المعجمة وهو أوجه لأن الرمي بحصاة أو نواة ونحوهما إما بين الإبهام والسبابة وإما بين السبابتين وجزم النووي بأنه في مسلم بالمعجمة، وسيأتي في رواية سفيان المشار إليها بالمهملة، وقال القرطبي: الرواية بالمهملة خطأ لأن في نفس الخبر أنه الرمي بالحصى وهو بالمعجمة جزما. قلت: ولا مانع من استعمال المهملة في ذلك مجازا. قوله: "ففقأت عينه" بقاف ثم همزة ساكنة أي شققت عينه، قال ابن القطاع: فقأ عينه أطفأ ضوءها.
(12/216)

قوله: "جناح" أي إثم أو مؤاخذة. قوله: "يحيى" هو القطان وحميد هو الطويل. قوله: "إن رجلا" هذا ظاهره الإرسال لأن حميدا لم يدرك القصة، لكن بين في آخر الحديث أنه موصول. وسيأتي بعد سبعة أبواب من وجه آخر عن أنس ويذكر فيه ما قيل في تسمية الرجل المذكور. قوله: "فسدد إليه" بدالين مهملتين الأولى ثقيلة قبلها سين مهملة أي صوب وزنه ومعناه، والتصويب توجيه السهم إلى مرماه وكذلك التسديد ومنه البيت المشهور:
أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
وقد حكي فيه الإعجام ويترجح كونه بالمهملة بإسناده إلى التعليم لأنه الذي في قدرة المعلم بخلاف الشدة بمعنى القوة فإنه لا قدرة للمعلم عل اجتلابها، ووقع في رواية أبي ذر عن السرخسي وفي رواية كريمة عن الكشميهني بالشين المعجمة والأول أولى فقد أخرجه أحمد عن محمد بن أبي عدي عن حميد بلفظ: "فأهوى إليه " أي أمال إليه. قوله: "مشقصا" تقدم ضبطه وتفسيره في كتاب الاستئذان في الكلام على رواية عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس وسياقه أتم، ووقع هنا في رواية حميد مختصرا أيضا، وقد أخرجه أحمد عن يحيى القطان شيخ شيخ البخاري فيه فزاد في آخره حتى أخر رأسه بتشديد الخاء المعجمة أي أخرجها من المكان الذي اطلع فيه وفاعل أخر هو الرجل، ويحتمل أن يكون المشقص وأسند الفعل إليه مجازا، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لكونه السبب في ذلك والأول أظهر، فقد أخرجه أحمد أيضا عن سهل بن يوسف عن حميد بلفظ: "فأخرج الرجل رأسه " وعنده في رواية ابن أبي عدي التي أشرت إليها: فتأخر الرجل. قوله: "فقلت من حدثك" القائل هو يحيى القطان والمقول له هو حميد وجوابه بقوله أنس بن مالك يقتضي أنه سمعه منه بغير واسطة، وهذا من المتون التي سمعها حميد من أنس وقد قيل إنه لم يسمع منه سوى خمسة أحاديث والبقية سمعها من أصحابه عنه كثابت وقتادة فكان يدلسها فيرويها عن أنس بلا واسطة، والحق أنه سمع منه أضعاف ذلك، وقد أكثر البخاري من تخريج حديث حميد عن أنس، بخلاف مسلم فلم يخرج منها إلا القليل لهذه العلة، لكن البخاري لا يخرج من حديثه إلا ما صرح فيه بالتحديث أو ما قام مقام التصريح ولو باللزوم كما لو كان من رواية شعبة عنه فإن شعبة لا يحمل عن شيوخه إلا ما عرف أنهم سمعوه من شيوخهم، وقد أوضحت ذلك في ترجمة حميد في مقدمة هذا الشرح ولله الحمد.
(12/217)



الموضوع السابق


بَاب: الْقِصَاصِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْجِرَاحَاتِ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ. وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ: "تُقَادُ الْمَرْأَةُ مِنْ الرَّجُلِ فِي كُلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ نَفْسَهُ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْجِرَاحِ. وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِبْرَاهِيمُ وَأَبُو الزِّنَادِ عَنْ أَصْحَابِهِ. وَجَرَحَتْ أُخْتُ الرُّبَيِّعِ إِنْسَانًا فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الْقِصَاصُ"