بَاب: جَنِينِ الْمَرْأَةِ
 
6904- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ
(12/246)

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ"
6905- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ "عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِي إِمْلاَصِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ"
[الحديث 6905- أطرافه في: 6907 ، 6908 م ، 7317]
6906- قال ائت من يشهد معك"فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهِ"
[الحديث 6906- طرفه في: 6908 ، 7318]
6907- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ عُمَرَ نَشَدَ النَّاسَ مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي السِّقْطِ؟ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: أَنَا سَمِعْتُهُ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ"
6908- "قَالَ: ائْتِ مَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ عَلَى هَذَا فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَا"
6908 م- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّهُ سَمِعَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِي إِمْلاَصِ الْمَرْأَةِ.. مِثْلَهُ"
قوله: "باب جنين المرأة" الجنين بجيم ونونين وزن عظيم حمل المرأة ما دام في بطنها، سمي بذلك لاستتاره، فإن خرج حيا فهو ولد أو ميتا فهو سقط، وقد يطلق عليه جنين، قال الباجي في " شرح رجال الموطأ " الجنين ما ألقته المرأة مما يعرف أنه ولد سواء كان ذكرا أو أنثى ما لم يستهل صارخا كذا قال. قوله: "حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك وحدثنا إسماعيل" يعني ابن أبي أويس "حدثنا مالك" كذا للأكثر، وسقط رواية إسماعيل هنا لأبي ذر. قوله: "عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن" كذا قال عبد الله بن يوسف عن مالك وقال كما في الباب الذي يليه عن الليث " عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب " وكلا القولين صواب إلا أن مالكا كان يرويه عن ابن شهاب عن سعيد مرسلا وعن أبي سلمة موصولا، وقد مضى في الطب عن قتيبة عن مالك بالوجهين وهو عند الليث من رواية أبي سلمة أيضا لكن بواسطة، كما تقدم في الطب أيضا عن سعيد بن عفير عن الليث عن عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب، ورواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب عنهما جميعا كما في الباب الذي يليه أيضا، ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة وحده أخرجه مسلم، وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة. وذكر فيه حديثين: الحديث الأول، قوله: "أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى" وفي رواية يونس "اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت" وفي رواية حمل التي سأنبه عليها إحداهما لحيانية قلت: ولحيان بطن من هذيل، وهاتان المرأتان كانتا ضرتين وكانتا تحت حمل بن النابغة الهذلي فأخرج أبو داود من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس "عن عمر أنه سأل عن قضية النبي صلى الله عليه وسلم فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى" هكذا رواه موصولا، وأخرجه
(12/247)

الشافعي عن سفيان ابن عيينة عن عمر فلم يذكر ابن عباس في السند ولفظه: "أن عمر قال: أذكر الله امرأ سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين شيئا " وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن عمر استشار، وأخرج الطبراني من طريق أبي المليح بن أسامة بن عمير الهذلي عن أبيه قال: "كان فينا رجل يقال له حمل بن مالك له امرأتان إحداهما هذلية والأخرى عامرية فضربت الهذلية بطن العامرية " وأخرجه الحارث من طريق أبي المليح فأرسله لم يقل عن أبيه ولفظه: "أن حمل بن النابغة كانت له امرأتان مليكة وأم عفيف " وأخرج الطبراني من طريق عون بن عويم قال: "كانت أختي مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح تحت حمل بن النابغة فضربت أم عفيف مليكة " ووقع في رواية عكرمة عن ابن عباس في آخر هذه القصة " قال ابن عباس: إحداهما مليكة والأخرى أم عفيف " أخرجه أبو داود، وهذا الذي وقفت عليه منقولا، وبالآخر جزم الخطيب في " المبهمات " وزاد بعض شراح العمدة " وقيل أم مكلف وقيل أم مليكة " وأما قوله: "رمت " فوقع في رواية يونس وعبد الرحمن بن خالد " فرمت إحداهما الأخرى بحجر " زاد عبد الرحمن " فأصاب بطنها وهي حامل " وكذا في رواية أبي المليح عند الحارث لكن قال: "فخذفت " وقال: "فأصاب قبلها " ووقع في رواية أبي داود المذكورة من طريق حمل بن مالك " فضربت إحداهما الأخرى بمسطح " وعند مسلم من طريق عبيد بن نضيلة - بنون وضاد معجمة مصغر - عن المغيرة بن شعبة قال: "ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط وهي حبلى فقتلتها " وكذا في حديث أبي المليح بن أسامة عن أبيه " فضربت الهذلية بطن العامرية بعمود فسطاط أو خباء " وفي حديث عويم " ضربتها بمسطح بيتها وهي حامل " وكذا عند أبي داود من حديث حمل بن مالك " بمسطح " ومن حديث بريدة أن امرأة خذفت امرأة أخرى. قوله: "فطرحت جنينها" في رواية عبد الرحمن بن خالد " فقتلت ولدها في بطنها " وفي رواية يونس " فقتلتها وما في بطنها " وفي حديث حمل بن مالك مثله بلفظ: "فقتلتها وجنينها " ونحوه في رواية عويم وكذا في رواية أبي المليح عن أبيه. قوله: "فقضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو أمة" في رواية عبد الرحمن بن خالد ويونس " فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى أن دية ما في بطنها غرة عبد أو أمة " ونحوه في رواية يونس لكن قال: "أو وليدة " وفي رواية معمر من طريق أبي سلمة فقال قائل " كيف يعقل " وفي رواية يونس عند مسلم وأبي داود " وورثها ولدها ومن معهم فقال حمل بن النابغة " وفي رواية عبد الرحمن بن خالد الماضية في الطب " فقال ولي المرأة التي غرمت ثم اتفقا: كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هذا من إخوان الكهان " وفي مرسل سعيد بن المسيب عند مالك " قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة " وفي رواية الليث من طريق سعيد الموصولة نحوه عند الترمذي ولكن قال: "إن هذا ليقول بقول شاعر بل فيه غرة " وفيه: "ثم إن المرأة التي قضي عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وإن العقل على عصبتها " وفي رواية عكرمة عن ابن عباس " فقال عمها إنها قد أسقطت غلاما قد نبت شعره، فقال أبو القاتلة إنه كاذب، إنه والله ما استهل ولا شرب ولا أكل، فمثله يطل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أسجع كسجع الجاهلية وكهانتها " وفي رواية عبيد بن نضيلة عن المغيرة " فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة وغرة لما في بطنها، فقال رجل من عصبة القاتلة: أنغرم من لا أكل - وفي آخره - أسجع كسجع الأعراب؟ وجعل عليهم الدية " وفي حديث عويم عند الطبراني "فقال أخوها العلاء بن مسروح: يا رسول الله أنغرم من لا شرب ولا أكل
(12/248)

ولا نطق ولا استهل، فمثل هذا يطل. فقال: أسجع كسجع الجاهلية " ونحوه عند أبي يعلى من حديث جابر لكن قال: "فقالت عاقلة القاتلة " وعند البيهقي من حديث أسامة بن عميرة " فقال أبوها إنما يعقلها بنوها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الدية على العصبة وفي الجنين غرة، فقال: ما وضع فحل ولا صاح فاستهل، فأبطله فمثله يطل " وبهذا يجمع الاختلاف فيكون كل من أبيها وأخيها وزوجها قالوا ذلك لأنهم كلهم من عصبتها بخلاف المقتولة فإن في حديث أسامة بن عمير أن المقتولة عامرية والقاتلة هذلية، ووقع في رواية أسامة " فقال دعني من أراجيز الأعراب " وفي لفظ: "أسجاعة بك " وفي آخر " أسجع كسجع الجاهلية؟ قيل يا رسول الله إنه شاعر " وفي لفظ: "لسنا من أساجيع الجاهلية في شيء " وفيه: "فقال إن لها ولدا هم سادة الحي وهم أحق أن يعقلوا عن أمهم، قال بل أنت أحق أن تعقل عن أختك من ولدها، فقال ما لي شيء، قال حمل وهو يومئذ على صدقات هذيل وهو زوج المرأة وأبو الجنين أقبض من صدقات هذيل " أخرجه البيهقي، وفي رواية ابن أبي عاصم " ما له عبد ولا أمة قال عشر من الإبل، قالوا ما له من شيء إلا أن تعينه من صدقة بني لحيان فأعانه بها، فسعى حمل عليها حتى استوفاها " وفي حديثه عند الحارث بن أبي أسامة " فقضى أن الدية على عاقلة القاتلة وفي الجنين غرة عبد أو أمة وعشر من الإبل أو مائة شاة " ووقع في حديث أبي هريرة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل " وكذا وقع عند عبد الرزاق في رواية ابن طاوس عن أبيه عن عمر مرسلا " فقال حمل بن النابغة قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية في المرأة وفي الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس " وأشار البيهقي إلى أن ذكر الفرس في المرفوع وهم وأن ذلك أدرج من بعض رواته على سبيل التفسير للغرة، وذكر أنه في رواية حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس بلفظ: "فقضى أن في الجنين غرة قال طاوس الفرس غرة". قلت: وكذا أخرج الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: "الفرس غرة " وكأنهما رأيا أن الفرس أحق بإطلاق لفظ الغرة من الآدمي، ونقل ابن المنذر والخطابي عن طاوس ومجاهد وعروة بن الزبير " الغرة عبد أو أمة أو فرس " وتوسع داود ومن تبعه من أهل الظاهر فقالوا: يجزئ كل ما وقع عليه اسم غرة، والغرة في الأصل البياض يكون في جبهة الفرس، وقد استعمل للآدمي في الحديث المتقدم في الوضوء " إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا " وتطلق الغرة على الشيء النفيس آدميا كان أو غيره ذكرا كان أو أنثى، وقيل أطلق على الآدمي غرة لأنه أشرف الحيوان، فإن محل الغرة الوجه والوجه أشرف الأعضاء، وقوله في الحديث: "غرة عبد أو أمة " قال الإسماعيلي قرأه العامة بالإضافة وغيرهم بالتنوين، وحكى القاضي عياض الخلاف، وقال: التنوين أوجه لأنه بيان للغرة ما هي، وتوجيه الآخر أن الشيء قد يضاف إلى نفسه لكنه نادر، وقال الباجي: يحتمل أن تكون " أو " شكا من الراوي في تلك الواقعة المخصوصة، ويحتمل أن تكون للتنويع وهو الأظهر، وقيل المرفوع من الحديث قوله: "بغرة " وأما قوله عبد أو أمة فشك من الراوي في المراد بها، قال وقال مالك: الحمران أولى من السودان في هذا، وعن أبي عمرو بن العلاء قال: الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء، قال فلا يجزئ في دية الجنين سوداء إذ لو لم يكن في الغرة معنى زائد لما ذكرها ولقال عبد أو أمة، ويقال إنه انفرد بذلك وسائر الفقهاء على الإجزاء فيما لو أخرج سوداء، وأجابوا بأن المعنى الزائد كونه نفيسا فلذلك فسره بعبد أو أمة لأن الآدمي أشرف الحيوان، وعلى هذا فالذي وقع في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة من زيادة ذكر
(12/249)

الفرس في هذا الحديث وهم ولفظه: "غرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل " ويمكن إن كان محفوظا أن الفرس هي الأصل في الغرة كما تقدم، وعلى قول الجمهور فأقل ما يجزئ من العبد والأمة ما سلم من العيوب التي يثبت بها الرد في البيع لأن المعيب ليس من الخيار، واستنبط الشافعي من ذلك أن يكون منتفعا به فشرط أن لا ينقص عن سبع سنين لأن من لم يبلغها لا يستقل غالبا بنفسه فيحتاج إلى التعهد بالتربية فلا يجبر المستحق على أخذه، وأخذ بعضهم من لفظ الغلام أن لا يزيد على خمس عشرة ولا تزيد الجارية على عشرين، ومنهم من جعل الحد ما بين السبع والعشرين، والراجح كما قال ابن دقيق العيد أنه يجزئ ولو بلغ الستين وأكثر منها ما لم يصل إلى عدم الاستقلال بالهرم والله أعلم. واستدل به على عدم وجوب القصاص في القتل بالمثقل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر فيه بالقود وإنما أمر بالدية، وأجاب من قال به بأن عمود الفسطاط يختلف بالكبر والصغر بحيث يقتل بعضه غالبا ولا يقتل بعضه غالبا، وطرد المماثلة في القصاص إنما يشرع فيما إذا وقعت الجناية بما يقتل غالبا، وفي هذا الجواب نظر، فإن الذي يظهر أنه إنما لم يوجب فيه القود لأنها لم يقصد مثلها، وشرط القود العمد وهذا إنما هو شبه العمد فلا حجة فيه للقتل بالمثقل ولا عكسه. الحديث الثاني، قوله: "حدثنا وهيب" هو ابن خالد وصرح أبو داود في روايته عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري به. قوله: "عن هشام" هو ابن عروة، وصرح الإسماعيلي من طريق عفان عن وهيب به. قوله: "عن أبيه عن المغيرة" في رواية الإسماعيلي من طريق ابن جريج " حدثني هشام بن عروة عن أبيه أنه حدثه عن المغيرة بن شعبة أنه حدثه " قال أبو داود عقب رواية وهيب: رواه حماد بن زيد وحماد بن سلمة عن هشام عن أبيه أن عمر، يعني لم يذكر المغيرة في السند. قلت: وهي رواية عبيد الله بن موسى التي تلي حديث الباب، وساق الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وعبيدة كلهم عن هشام نحوه، وخالف الجميع وكيع فقال: "عن هشام عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة فقال المغيرة " أخرجه مسلم. قوله: "عن عمر رضي الله عنه أنه استشارهم" في رواية الإسماعيلي من طريق سفيان بن عيينة " عن هشام عن أبيه عن المغيرة أن عمر". قوله: "في إملاص المرأة" في رواية المصنف في الاعتصام من طريق أبي معاوية عن هشام عن أبيه " عن المغيرة سأل عمر بن الخطاب في إملاص المرأة وهي التي تضرب بطنها فتلقي جنينها فقال: أيكم سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيئا " وهذا التفسير أخص من قول أهل اللغة أن الإملاص أن تزلقه المرأة قبل الولادة أي قبل حين الولادة، هكذا نقله أبو داود في السنن عن أبي عبيد، وهو كذلك في الغريب له، وقال الخليل أملصت المرأة والناقة إذا رمت ولدها، وقال ابن القطاع أملصت الحامل ألقت ولدها، ووقع في بعض الروايات ملاص بغير ألف كأنه اسم فعل الولد فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أو اسم لتلك الولادة كالخداج، ووقع عند الإسماعيلي من رواية ابن جريج عن هشام المشار إليها قال هشام الملاص للجنين، وهذا يتخرج أيضا على الحذف. وقال صاحب البارع: الإملاص الإسقاط، وإذا قبضت على شيء فسقط من يدك تقول أملص من يدي إملاصا وملص ملصا ووقع في رواية عبيد الله بن موسى التي تلي حديث الباب: "أن عمر نشد الناس من سمع النبي صلى الله عليه وسلم قضى في السقط". قوله: "قال المغيرة" كذا في رواية عبيد الله بن موسى، وفي رواية ابن عيينة " فقام المغيرة بن شعبة فقال: بلى أنا يا أمير المؤمنين " وفيه تجريد، وكان السياق يقتضي أن يقول فقلت، وقد وقع في رواية أبي معاوية المذكورة " فقلت أنا". قوله: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالغرة عبد أو أمة" كذا
(12/250)

في رواية عفان عن وهيب باللام، وهو يؤيد رواية التنوين وسائر الروايات بغرة ومنها رواية أبي معاوية بلفظ: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيها غرة عبد أو أمة". قوله: "فشهد محمد بن مسلمة أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم قضى به" كذا في رواية وهيب مختصرا وفي رواية ابن عيينة " فقال عمر من يشهد معك؟ فقام محمد فشهد بذلك " وفي رواية وكيع " فقال ائتني بمن يشهد معك فجاء محمد بن مسلمة فشهد له " وفي رواية أبي معاوية فقال لا تبرح حتى تجيء بالمخرج مما قلت " قال فخرجت فوجدت محمد بن مسلمة فجئت به فشهد معي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قضى به". قوله: "حدثنا عبيد الله بن موسى عن هشام" هو ابن عروة، وهذا في حكم الثلاثيات لأن هشاما تابعي كما سبق تقريره في رواية عبيد الله بن موسى أيضا عن الأعمش في أول الديات. قوله: "عن أبيه أن عمر" هذا صورته الإرسال لكن تبين من الرواية السابقة واللاحقة أن عروة حمله عن المغيرة وإن لم يصرح به في هذه الرواية، وفي عدول البخاري عن رواية وكيع إشارة إلى ترجيح رواية من قال فيه: "عن عروة عن المغيرة " وهم الأكثر. قوله: "فقال المغيرة" كذا لأبي ذر وهو الأوجه، ولغيره: "وقال المغيرة " بالواو. قوله: "ائت بمن يشهد" كذا للأكثر بصيغة فعل الأمر من الإتيان، وحذفت عند بعضهم الباء من قوله: "بمن " ووقع في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني بألف ممدودة ثم نون ثم مثناة بصيغة استفهام الخاطب على إرادة الاستثبات أي أنت تشهد، ثم استفهمه ثانيا: من يشهد معك؟ قوله: "حدثنا محمد بن عبد الله" هو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي نسبه إلى جده، وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق ابن خزيمة عن محمد بن يحيى عن محمد بن سابق، وكلام الإسماعيلي يشعر بأن البخاري أخرجه عن محمد بن سابق نفسه بلا واسطة. قوله: "أنه استشارهم في إملاص المرأة مثله" يعني مثل رواية وهيب قال ابن دقيق العيد: الحديث أصل في إثبات دية الجنين وأن الواجب فيه غرة إما عبد وإما أمة، وذلك إذا ألقته ميتا بسبب الجناية، وتصرف الفقهاء بالتقييد في سن الغرة وليس ذلك من مقتضى الحديث كما تقدم، واستشارة عمر في ذلك أصل في سؤال الإمام عن الحكم إذا كان لا يعلمه أو كان عنده شك أو أراد الاستثبات. وفيه أن الوقائع الخاصة قد تخفى على الأكابر ويعلمها من دونهم، وفي ذلك رد على المقلد إذا استدل عليه بخبر يخالفه فيجيب لو كان صحيحا لعلمه فلان مثلا فإن ذلك إذا جاز خفاؤه عن مثل عمر فخفاؤه عمن بعده أجوز، وقد تعلق بقول عمر لتأتين بمن يشهد معك من يرى اعتبار العدد في الرواية ويشترط أنه لا يقبل أقل من اثنين كما في غالب الشهادات، وهو ضعيف كما قال ابن دقيق العيد، فإنه قد ثبت قبول الفرد في عدة مواطن، وطلب العدد في صورة جزئية لا يدل على اعتباره في كل واقعة لجواز المانع الخاص بتلك الصورة أو وجود سبب يقتضي التثبت وزيادة الاستظهار ولا سيما إذا قامت قرينة وقريب من هذا قصة عمر مع أبي موسى في الاستئذان. قلت: وقد تقدم شرحها مستوفى في كتاب الاستئذان وبسط هذه المسألة أيضا هناك، ويأتي أيضا في باب إجازة خبر الواحد من كتاب الأحكام، وقد صرح عمر في قصة أبي موسى بأنه أراد الاستثبات. وقوله: "في إملاص المرأة " أصرح في وجوب بالانفصال ميتا من قوله في حديث أبي هريرة " قضى في الجنين " وقد شرط الفقهاء في وجوب الغرة انفصال الجنين ميتا بسبب الجناية، فلو انفصل حيا ثم مات وجب فيه القود أو الدية كاملة، ولو ماتت الأم ولم ينفصل الجنين لم يجب شيء عند الشافعية لعدم تيقن وجود الجنين، وعلى هذا هل المعتبر نفس الانفصال أو تحقق حصول الجنين؟ فيه وجهان: أصحهما الثاني، ويظهر أثره فيما لو قدت نصفين أو شق بطنها فشوهد الجنين، وأما إذا خرج رأس الجنين مثلا بعد ما ضرب
(12/251)

وماتت الأم ولم ينفصل قال ابن دقيق العيد: ويحتاج من قال ذلك إلى تأويل الرواية وحملها على أنه انفصل وإن لم يكن في اللفظ ما يدل عليه. قلت: وقع في حديث ابن عباس عند أبي داود " فأسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا " فهذا صريح في الانفصال، ووقع مجموع ذلك في حديث الزهري، ففي رواية عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الماضية في الطب " فأصاب بطنها وهي حامل فقتل ولدها في بطنها " وفي رواية مالك في هذا الباب: "فطرحت جنينها" واستدل به على أن الحكم المذكور خاص بولد الحرة لأن القصة وردت في ذلك، وقوله: "في إملاص المرأة" وإن كان فيه عموم لكن الراوي ذكر أنه شهد واقعة مخصوصة، وقد تصرف الفقهاء في ذلك فقال الشافعية: الواجب في جنين الأمة عشر قيمة أمه كما أن الواجب في جنين الحرة عشر ديتها، وعلى أن الحكم المذكور خاص بمن يحكم بإسلامه (1) ولم يتعرض لجنين محكوم بتهوده أو تنصره، ومن الفقهاء من قاسه على الجنين المحكوم بإسلامه تبعا وليس هذا من الحديث، وفيه أن القتل المذكور لا يجري مجرى العمد والله أعلم. واستدل به على ذم السجع في الكلام، ومحل الكراهة إذا كان ظاهر التكلف، وكذا لو كان منسجما لكنه في إبطال حق أو تحقيق باطل، فأما لو كان منسجما وهو في حق أو مباح فلا كراهة، بل ربما كان في بعضه ما يستحب مثل أن يكون فيه إذعان مخالف للطاعة كما وقع لمثل القاضي الفاضل في بعض رسائله " أو إقلاع عن معصية كما وقع لمثل أبي الفرج بن الجوزي في بعض مواعظه " وعلى هذا يحمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا عن غيره من السلف الصالح، والذي يظهر لي أن الذي جاء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عن قصد إلى التسجيع وإنما جاء اتفاقا لعظم بلاغته، وأما من بعده فقد يكون كذلك وقد يكون عن قصد وهو الغالب، ومراتبهم في ذلك متفاوتة جدا. والله أعلم
ـــــــ
(1) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها قبل قوله ولم يتعرض "ولا سلامة تبعا" ولعل فيه سقطا وتحريفا
(12/252)

باب جنين المرأة و ان العقل على الوالد
...