بَاب: مَا جَاءَ فِي الْمُتَأَوِّلِينَ |
6936- قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيَّ أَخْبَرَاهُ "أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى سَلَّمَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ - أَوْ بِرِدَائِي – فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ؟ قَالَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ. فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِي هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَؤُهَا. فَانْطَلَقْتُ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ له: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، وَأَنْتَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الْفُرْقَانِ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ اقْرَأْ يَا هِشَامُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَؤُهَا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ. ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأْ يَا عُمَرُ، فَقَرَأْتُ، فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ"
6937- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ ح وحَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}" 6938- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ "سَمِعْتُ عِتْبَانَ ابْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "غَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا: ذَلِكَ مُنَافِقٌ (12/303) لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ تَقُولُوهُ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ فَإِنَّهُ لاَ يُوَافَى عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ" 6939- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ فُلاَنٍ قَالَ: "تَنَازَعَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحِبَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِحِبَّانَ: لَقَدْ عَلِمْتُ مَا الَّذِي جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَى الدِّمَاءِ - يَعْنِي عَلِيًّا – قَالَ: مَا هُوَ لاَ أَبَا لَكَ؟ قَالَ شَيْءٌ سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ. قَالَ مَا هُوَ؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالزُّبَيْرَ وَأَبَا مَرْثَدٍ - وَكُلُّنَا فَارِسٌ – قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ حَاجٍ - قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: هَكَذَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ حَاجٍ - فَإِنَّ فِيهَا امْرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأْتُونِي بِهَا. فَانْطَلَقْنَا عَلَى أَفْرَاسِنَا حَتَّى أَدْرَكْنَاهَا حَيْثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، وَقَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ. فَقُلْنَا أَيْنَ الْكِتَابُ الَّذِي مَعَكِ؟ قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَأَنَخْنَا بِهَا بَعِيرَهَا فَابْتَغَيْنَا فِي رَحْلِهَا فَمَا وَجَدْنَا شَيْئًا. فَقَالَ صَاحِبَايَ مَا نَرَى مَعَهَا كِتَابًا، قَالَ فَقُلْتُ: لَقَدْ عَلِمْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ حَلَفَ عَلِيٌّ: وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لاَجَرِّدَنَّكِ. فَأَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا - وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْ الصَّحِيفَةَ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، دَعْنِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ". فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا حَاطِبُ مَا حَمَلكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي أَنْ لاَ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يُدْفَعُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلاَّ لَهُ هُنَالِكَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. قَالَ: صَدَقَ، لاَ تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا. قَالَ فَعَادَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، دَعْنِي فَلِأَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ: أَوَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمْ الْجَنَّةَ: فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ" قوله: "باب: ما جاء في المتأولين" تقدم في "باب: كل من أكفر أخاه بغير تأويل" من كتاب الأدب وفي الباب الذي يليه كل من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا وبيان المراد بذلك، والحاصل أن من أكفر المسلم نظر فإن كان بغير تأويل استحق الذم وربما كان هو الكافر. وإن كان بتأويل نظر إن كان غير سائغ استحق الذم أيضا ولا يصل إلى الكفر بل يبين له وجه خطئه ويزجر بما يليق به ولا يلتحق بالأول عند الجمهور، وإن كان بتأويل سائغ لم يستحق الذم بل تقام عليه الحجة حتى يرجع إلى الصواب قال العلماء كل متأول معذور بتأويله ليس بآثم إذ كان تأويله سائغا في لسان العرب وكان له وجه في العلم. وذكر هنا أربعة أحاديث: الحديث الأول حديث عمر في قصته مع هشام بن حكيم بن حزام حين سمعه يقرأ سورة الفرقان في الصلاة بحروف تخالف ما قرأه هو على (12/304) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب فضائل القرآن، ومناسبته للترجمة من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ عمر بتكذيب هشام ولا بكونه لببه بردائه وأراد الإيقاع به، بل صدق هشاما فيما نقله وعذر عمر في إنكاره ولم يزده على بيان الحجة في جواز القراءتين. وقوله في أول السند "وقال الليث إلخ" وصله الإسماعيلي من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه، ويونس شيخ الليث فيه هو ابن يزيد، وقد تقدم في فضائل القرآن وغيره من رواية الليث أيضا موصولا لكن عن عقيل لا عن يونس، ووهم مغلطاي ومن تبعه في أن البخاري وصله عن سعيد بن عفير عن الليث عن يونس، وقوله: "كدت أساوره" بسين مهملة أي أواثبه وزنه ومعناه، وقيل هو من قولهم سار يسور إذا ارتفع ذكره، وقد يكون بمعنى البطش لأن السورة قد تطلق على البطش لأنه ينشأ عنها. الحديث الثاني حديث ابن مسعود في نزول قوله تعالى :{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} وقد تقدم شرحه في أول حديث من كتاب استتابة المرتدين، وسنده هنا كلهم كوفيون، ووجه دخوله في الترجمة من جهة أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ الصحابة بحملهم الظلم في الآية على عمومه حتى يتناول كل معصية بل عذرهم لأنه ظاهر في التأويل ثم بين لهم المراد بما رفع الإشكال. الحديث الثالث حديث عتبان بن مالك في قصة مالك بن الدخشم، وهو بضم المهملة وسكون المعجمة ثم شين معجمة مضمومة ثم ميم أو نون وهو الذي وقع هنا وقد يصغر، وقد تقدم شرحه مستوفي في أبواب المساجد في البيوت من كتاب الصلاة، ومناسبته من جهة أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ القائلين في حق مالك بن الدخشم بما قالوا، بل بين لهم أن إجراء أحكام الإسلام على الظاهر دون ما في الباطن. وقوله هنا "ألا تقولونه يقول لا إله إلا الله " كذا في رواية الكشميهني وفي رواية المستملي والسرخسي "لا تقولوه" بصيغة النهي. وقال ابن التين "ألا تقولوه" جاءت الرواية والصواب "تقولونه" أي تظنونه. قلت: الذي رأيته "لا تقولوه" بغير ألف في أوله وهو موجه، وتفسير القول بالظن فيه نظر، والذي يظهر أنه بمعنى الرؤية أو السماع، وجوز ابن التين أنه خطاب للمفرد وأصله ألا تقوله فأشبع ضمة اللام حتى صارت واوا وأنشد لذلك شاهدا. الحديث الرابع حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة في مكاتبته قريشا ونزول قوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} وقد تقدم في "باب الجاسوس" من كتاب الجهاد وما يتعلق به، وفي باب النظر في شعور أهل الذمة ما يتعلق بذلك، والجمع بين قوله حجزتها وعقيصتها وضبط ذلك، وتقدم في "باب فضل من شهد بدرا" من كتاب المغازي الكلام على قوله: "لعل الله اطلع على أهل بدر وفي تفسير الممتحنة بأبسط منه، وفيها الجواب عن اعتراض عمر على حاطب بعد أن قبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره، وفي غزوة الفتح الجمع بين قوله: "بعثني أنا والزبير والمقداد " وقوله: "بعثني أنا وأبا مرثد" وفيه قصة المرأة وبيان ما قيل في اسمها وما في الكتاب الذي حملته وأذكر هنا بقية شرحه. قوله: "عن حصين" بالتصغير هو ابن عبد الرحمن الواسطي. قوله: "عن فلان" كذا وقع مبهما وسمي في رواية هشيم في الجهاد، وعبد الله بن إدريس في الاستئذان "سعد بن عبيدة" وكذا وقع في رواية خالد بن عبد الله ومحمد بن فضيل عند مسلم. وأخرجه أحمد عن عفان عن أبي عوانة فسماه ونحوه للإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن عفان قالا " حدثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن حدثني سعد بن عبيدة هو السلمي الكوفي يكنى أبا حمزة وكان زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي شيخه في هذا الحديث: "وقد وقع نسخه الصغاني هنا بعد قوله: "عن فلان" ما نصه هو أبو حمزة سعد بن عبيدة السلمي ختن أبي عبد الرحمن السلمي انتهى، ولعل (12/305) القائل "هو إلخ" من دون البخاري، وسعد تابعي روى عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر والبراء. قوله: "تنازع أبو عبد الرحمن" هو السلمي وصرح به في رواية عفان. قوله: "وحبان بن عطية" بكسر المهملة وتشديد الموحدة، وحكى أبو علي الجياني وتبعه صاحب المشارق والمطالع أن بعض رواة أبي ذر ضبطه بفتح أوله، وهو وهم. قلت: وحكى المزي أن ابن ماكولا ذكره بالكسر وأن ابن الفرضي ضبطه بالفتح قال: وتبعه أبو علي الجياني، كذا قال، والذي جزم به أبو علي الجياني توهيم من ضبطه بالفتح كما نقلته وذلك في تقييد المهمل، وصوب أنه بالكسر حيث ذكره مع حبان بن موسى وهو بالكسر إجماعا، وكان حبان بن عطية سلميا أيضا ومؤاخيا لأبي عبد الرحمن السلمي وإن كان مختلفين في تفضيل عثمان وعلي، وقد تقدم في أواخر الجهاد من طريق هشيم عن حصين في هذا الحديث: "وكان أبو عبد الرحمن عثمانيا أي يفضل عثمان على علي وحبان بن عطية علويا أي يفضل عليا على عثمان. قوله: "لقد علمت ما الذي" كذا الكشميهني وكذا في أكثر الطرق، وللحموي والمستملي هنا " من الذي " وعلى الرواية الأولى ففاعل التجرئ هو القول المعبر عنه هنا بقوله: "شيء يقوله: "وعلى الثانية الفاعل هو القائل. قوله: "جرأ" بفتح الجيم وتشديد الراء مع الهمز. قوله: "صاحبك" زاد عفان " يعني عليا". قوله: "على الدماء" أي إراقة دماء المسلمين لأن دماء المشركين مندوب إلى إراقتها اتفاقا. قوله: "لا أبا لك" بفتح الهمزة وهي كلمة تقال عند الحث على الشيء، والأصل فيه أن الإنسان إذا وقع في شدة عاونه أبوه فإذا قيل لا أبا لك فمعناه ليس لك أب، جد في الأمر جد من ليس له معاون، ثم أطلق في الاستعمال في موضع استبعاد ما يصدر من الخاطب من قول أو فعل. قوله: "سمعته يقوله" في رواية المستملي والكشميهني هنا " سمعته يقول: "بحذف الضمير والأول أوجه لقوله قال ما هو. قوله: "قال بعثني" كذا لهم وكأن " قال: "الثانية سقطت على عادتهم في إسقاطها خطأ والأصل قال أي أبو عبد الرحمن قال أي علي. قوله: "والزبير وأبا مرثد" تقدم في غزوة الفتح من طريق عبد الله بن أبي رافع عن علي ذكر المقداد بدل أبي مرثد، وجمع بأن الثلاثة كانوا مع علي، ووقع عند الطبري في "تهذيب الآثار" من طريق أعشى ثقيف عن أبي عبد الرحمن السلمي في هذا الحديث: "ومعي الزبير في العوام ورجل من الأنصار " وليس المقداد ولا أبو مرثد من الأنصار إلا إن كان بالمعنى الأعم، ووقع في " الأسباب " للواحدي أن عمر وعمارا وطلحة كانوا معهم ولم يذكر له مستندا وكأنه من تفسير ابن الكلبي فإني لم أره في سير الواقدي ووجدت ذكر فيه عمر من وجه آخر أخرجه ابن مردويه في تفسيره من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس في قصة المرأة المذكورة فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بخبرها فبعث في أثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. قوله: "روضة حاج" بمهملة ثم جيم. قوله: "قال أبو سلمة" هو موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه. قوله: "هكذا قال أبو عوانة حاج" فيه إشارة إلى أن موسى كان يعرف أن الصواب " خاخ " بمعجمتين ولكن شيخه قالها بالمهملة والجيم وقد أخرجه أبو عوانة في صحيحه من رواية محمد بن إسماعيل الصائغ عن عفان فذكرها بلفظ: "حاج" بمهملة ثم جيم قال عفان والناس يقولون " خاخ " أي بمعجمتين، قال النووي قال العلماء هو غلط من أبي عوانة وكأنه اشتبه عليه بمكان آخر يقال له "ذات حاج" بمهملة ثم جيم وهو موضع بين المدينة والشام يسلكه الحاج، وأما " روضة خاخ " فإنها بين مكة والمدينة بقرب المدينة. قلت: وذكر الواقدي أنها بالقرب من ذي الحليفة على بريد من المدينة، وأخرج سمويه في فوائده من طريق عبد الرحمن بن حاطب قال: (12/306) وكان حاطب من أهل اليمن حليفا للزبير فذكر القصة وفيها أن المكان على قريب من اثنى عشر ميلا من المدينة، وزعم السهيلي أن هشيما كان يقولها أيضا: "حاج " بمهملة ثم جيم وهو وهم أيضا، وسيأتي ذلك في آخر الباب، وقد سبق في أواخر الجهاد من طريق هشيم بلفظ: "حتى تأتوا روضة كذا " فلعل البخاري كنى عنها أو شيخه إشارة إلى أن هشيما كان يصحفها، وعلى هذا فلم ينفرد أبو عوانة بتصحيفها لكن أكثر الرواة عن حصين قالوها على الصواب بمعجمتين. قوله: "فإن فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فائتوني بها" في رواية عبيد الله بن أبي رافع " فإن بها ظعينة معها كتاب " والظعينة بظاء معجمة وزن عظيمة فعيلة بمعنى فاعلة من الظعن وهو الرحيل، وقيل سميت ظعينة لأنها تركب الظعين التي تظعن براكبها، وقال الخطابي: سميت ظعينة لأنها تظعن مع زوجها ولا يقال لها ظعينة إلا إذا كانت في الهودج وقيل إنه اسم الهودج سميت المرأة لركوبها فيه، ثم توسعوا فأطلقوه على المرأة ولو لم تكن في هودج، وقد تقدم في غزوة الفتح بيان الاختلاف في اسمها، وذكر الواقدي أنها من مزينة وأنها من أهل العرج بفتح الراء بعدها جيم يعني قرية بين مكة والمدينة، وذكر الثعلبي ومن تبعه أنها كانت مولاة أبي صيفي ابن عمرو بن هاشم بن عبد مناف، وقيل عمران بدل عمرو، وقيل مولاة بني أسد بن عبد العزى، وقيل كانت من موالى العباس، وفي حديث أنس الذي أشرت إليه عند ابن مروديه أنها مولاة لقريش " وفي تفسير مقاتل بن حبان أن حاطبا أعطاها عشرة دنانير وكساها بردا، وعند الواحدي أنها قدمت المدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: جئت مسلمة؟ قالت: لا ولكن احتجت، قال: فأين أنت عن شباب قريش؟ وكانت مغنية، قالت: ما طلب مني بعد وقعة بدر شيء من ذلك، فكساها وحملها فأتاها حاطب فكتب معها كتابا إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يغزو فخذوا حذركم؟، وفي حديث عبد الرحمن بن حاطب: فكتب حاطب إلى كفار قريش بكتاب ينتصح لهم، وعند أبي يعلى والطبري من طريق الحارث بن علي لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزو مكة أسر إلى ناس من أصحابه ذلك وأفشى في الناس أنه يريد غير مكة، فسمعه حاطب بن أبي بلتعة فكتب حاطب إلى أهل مكة بذلك، وذكر الواقدي أنه كان في كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه إلا يريدكم، وقد أحببت أن يكون إنذاري لكم بكتابي إليكم، وتقدم بقية ما نقل مما وقع في الكتاب في غزوة الفتح. قوله: "تسير على بعير لها" في رواية محمد بن فضيل عن حصين " تشتد " بشين معجمة ومثناة فوقانية. قوله: "فابتغينا في رحلها" أي طلبنا كأنهما فتشا ما معها ظاهرا وفي رواية محمد بن فضيل " فأنخنا بعيرها فابتغينا " وفي رواية الحارث فوضعنا متاعها وفتشنا فلم نجد". قوله: "لقد علمنا" في رواية الكشميهني: "لقد علمتما " وهي رواية عفان أيضا قوله: "ثم حلف على: والذي يحلف به" أي قال والله وصرح به في حديث أنس، وفي حديث عبد الرحمن بن حاطب. قوله: "لتخرجن الكتاب أو لأجردنك" أي أنزع ثيابك حتى تصيري عريانة، وفي رواية ابن فضيل "أو لأقتلنك" وذكر الإسماعيلي أن في رواية خالد بن عبد الله مثله، وعنده من رواية أبي فضيل لأجزرنك بجيم ثم زاي أي أضيرك مثل الجزور إذا ذبحت. ثم قال الإسماعيلي ترجم البخاري النظر في شعور أهل الذمة يعني الترجمة الماضية في كتاب الجهاد، وهذه الرواية تخالفه أي رواية: "أو لأقتلنك". قلت: رواية: "لأجردنك" أشهر ورواية، "لأجزرنك" كأنها مفسرة منها ورواية: "لأقتلنك" كأنها بالمعنى من لأجردنك، ومع ذلك فلا تنافي الترجمة لأنها إذا قتلت سلبت ثيابها في العادة فيستلزم التجرد الذي ترجم به. ويؤيد الرواية المشهورة ما وقع في رواية (12/307) عبيد الله بن أبي رافع بلفظ: "لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب " قال ابن التين: كذا وقع بكسر القاف وفتح الياء التحتانية وتشديد النون قال: والياء زائدة، وقال الكرماني: هو بكسر الياء وبفتحها كذا جاء في الرواية بإثبات الياء والقواعد التصريفية تقتضي حذفها. لكن إذا صحت الرواية فتحمل على أنها وقعت على طريق المشاكلة لتخرجن، وهذا توجيه الكسرة وأما الفتحة فتحمل على خطاب المؤنث الغائب على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، قال: ويجوز فتح القاف على البناء للمجهول وعلى هذا فترفع الثياب، قلت: ويظهر لي أن صواب الرواية: "لتلقين" بالنون بلفظ الجمع وهو ظاهر جدا لا إشكال فيه البتة ولا يفتقر إلى تكلف تخريج، ووقع في حديث أنس " فقالت ليس معي كتاب فقال كذبت فقال قد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معك كتاب والله لتعطيني الكتاب الذي معك أو لا أترك عليك ثوبا إلا التمسنا فيه، قالت أو لستم بناس من مسلمين! حتى إذا ظنت أنهما يلتمسان في كل ثوب معها حلت عقاصها، وفية " فرجع إليها فسلا سيفيهما فقالا: والله لنذيقنك الموت أو لتدفعن إلينا الكتاب، فأنكرت " ويجمع بينهما بأنهما هدداها بالقتل أولا فلما أصرت على الإنكار ولم يكن معهما إذن بقتلها هدداها بتجريد ثيابها فلما تحققت ذلك خشيت أن يقتلاها حقيقة، وزاد في حديث أنس أيضا: "فقالت: أدفعه إليكما على أن ترداني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وفي رواية أعشى ثقيف عن عبد الرحمن عند الطبري " فلم يزل علي بها حتى خافته " وقد اختلف هل كانت مسلمة أو على دين قومها فالأكثر على الثاني فقد عدت فيمن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهم يوم الفتح لأنها كانت تغني بهجائه وهجاء أصحابه، وقد وقع في أول حديث أنس " أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بقتل أربعة " فذكرها فيهم ثم قال: "وأما أمر سارة فذكر قصتها مع حاطب". قوله: "فأتوا بها" أي الصحيفة وفي رواية عبد الله بن أبي رافع " فأتينا به " أي الكتاب، ونحوه في رواية ابن عباس وزاد: "فقرئ عليه فإذا فيه من حاطب إلى ناس من المشركين من أهل مكة " سماهم الواقدي في روايته سهيل بن عمرو العامري وعكرمة بن أبي جهل المخزومي وصفوان بن أمية الجمحي. قوله: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب ما حملك على ما صنعت" في رواية عبد الرحمن بن حاطب " فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم. قال: فما حملك على ذلك " وكأن حاطبا لم يكن حاضرا لما جاء الكتاب فاستدعى به لذلك، وقد تبين ذلك في حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب ولفظه: "فأرسل إلى حاطب " فذكر نحو رواية عبد الرحمن أخرجه الطبري بسند صحيح. قوله: "قال: يا رسول الله مالي أن أكون مؤمنا بالله ورسوله" وفي رواية المستملي: "ما بي " بالموحدة بدل اللام وهو أوضح، وفي رواية عبد الرحمن بن حاطب " أما والله ما ارتبت منذ أسلمت في الله " وفي رواية ابن عباس " قال والله إني لناصح لله ولرسوله". قوله: "ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد" أي منة أدفع بها عن أهلي ومالي، زاد في رواية أعشى ثقيف " والله ورسوله أحب إلي من أهلي ومالي" وتقدم في تفسير الممتحنة قوله: "كنت ملصقا " وتفسيره وفي رواية عبد الرحمن بن حاطب " ولكني كنت امرأ غريبا فيكم وكان لي بنون وإخوة بمكة فكتبت لعلي أدفع عنهم". قوله: "وليس من أصحابك أحد إلا له هنا لك" وفي رواية المستملي هناك " من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله " وفي حديث أنس وليس منكم رجل إلا له بمكة من يحفظه في عياله غيري. قوله: "قال: صدق، ولا تقولوا له إلا خيرا" ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم عرف صدقه مما ذكر، ويحتمل أن يكون بوحي. قوله: "فعاد عمر" أي عاد إلى الكلام الأول في حاطب وفيه تصريح بأنه قال ذلك مرتين فأما المرة الأولى (12/308) فكان فيها معذورا لأنه لم يتضح له عذره في ذلك، وأما الثانية فكان اتضح عذره وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم فيه ونهى أن يقولوا له إلا خيرا، ففي إعادة عمر الكلام إشكال. وأجيب عنه بأنه ظن أن صدقه في عذره لا يدفع ما وجب عليه من القتل، وتقدم إيضاحه في تفسير الممتحنة. قوله: "فلأضرب عنقه" قال الكرماني هو بكسر اللام ونصب الباء وهو في تأويل مصدر محذوف وهو خبر مبتدأ محذوف أي اتركني لأضرب عنقه فتركك لي من أجل الضرب، ويجوز سكون الباء والفاء زائدة على رأي الأخفش واللام للأمر، ويجوز فتحها على لغة وأمر المتكلم نفسه باللام فصيح قليل الاستعمال، وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع " دعني أضرب عنق هذا المنافق " وفي حديث ابن عباس " قال عمر فاخترطت سيفي وقلت: يا رسول الله أمكني منه فإنه قد كفر " وقد أنكر القاضي أبو بكر بن الباقلاني هذه الرواية وقال ليست بمعروفة قاله في الرد على الجاحظ لأنه احتج بها على تكفير العاصي، وليس لإنكار القاضي معنى لأنها وردت بسند صحيح وذكر البرقاني في مستخرجه أن مسلما أخرجها، ورده الحميدي، والجمع بينهما أن مسلما خرج سندها ولم يسق لفظها، وإذا ثبت فلعله أطلق الكفر وأراد به كفر النعمة كما أطلق النفاق وأراد به نفاق المعصية، وفيه نظر لأنه استأذن في ضرب عنقه فأشعر بأنه ظن أنه نافق نفاق كفر ولذلك أطلق أنه كفر، ولكن مع ذلك لا يلزم منه أن يكون عمر يرى تكفير من ارتكب معصية ولو كبرت كما يقوله المبتدعة ولكنه غلب على ظنه ذلك في حق حاطب، فلما بين له النبي صلى الله عليه وسلم عذر حاطب رجع. قوله: "أو ليس من أهل بدر" في رواية الحارث " أو ليس قد شهد بدرا " وهو استفهام تقرير، وجزم في رواية عبيد الله بن أبي رافع أنه قد شهد بدرا وزاد الحارث " فقال عمر بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك". قوله: "وما يدريك لعل الله اطلع" تقدم في فضل من شهد بدرا رواية من رواه بالجزم والبحث في ذلك وفي معنى قوله: "اعملوا ما شئتم " ومما يؤيد أن المراد أن ذنوبهم تقع مغفورة حتى لو تركوا فرضا مثلا لم يؤاخذوا بذلك ما وقع في حديث سهل بن الحنظلية في قصة الذي حرس ليلة حنين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل نزلت؟ قال: لا، إلا لقضاء حاجة قال لا عليك أن لا تعمل بعدها. وهذا يوافق ما فهمه أبو عبد الرحمن السلمي، ويؤيده قول علي فيمن قتل الحرورية " لو أخبرتكم بما قضى الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لمن قتلهم لنكلتم عن العمل " وقد تقدم بيانه، فهذا فيه إشعار بأن من باشر بعض الأعمال الصالحة يثاب من جزيل الثواب بما يقاوم الآثام الحاصلة من ترك الفرائض الكثيرة، وقد تعقب ابن بطال على أبي عبد الرحمن السلمي فقال: هذا الذي قاله ظنا منه لأن عليا على مكانته من العلم والفضل والدين لا يقتل إلا من وجب عليه القتل، ووجه ابن الجوزي والقرطبي في "المفهم" قول السلمي كما تقدم، وقال الكرماني: يحتمل أن يكون مراده أن عليا استفاد من هذا الحديث الجزم بأنه من أهل الجنة فعرف أنه لو وقع منه خطأ في اجتهاده لم يؤاخذ به قطعا، كذا قال وفيه نظر، لأن المجتهد معفو عنه فيما أخطأ فيه إذا بذل فيه وسعه، وله مع ذلك أجر فإن أصاب فله أجران، والحق أن عليا كان مصيبا في حروبه فله في كل ما اجتهد فيه من ذلك أجران، فظهر أن الذي فهمه السلمي استند فيه إلى ظنه كما قال ابن بطال والله أعلم، ولو كان الذي فهمه السلمي صحيحا لكان علي يتجرأ على غير الدماء كالأموال، والواقع أنه كان في غاية الورع وهو القائل " يا صفراء ويا بيضاء غري غيري " ولم ينقل عنه قط في أمر المال إلا التحري بالمهملة لا التحري بالجيم. قوله: "فقد أوجبت لكم الجنة" في رواية عبيد الله بن أبي رافع "فقد غفرت لكم" وكذا في حديث عمر، ومثله في (12/309) مغازي أبي الأسود عن عروة وكذا عند أبي عائد. قوله: "فاغرورقت عيناه" بالغين المعجمة الساكنة والراء المكررة بينهما واو ساكنة ثم قاف أي امتلأت من الدموع حتى كأنها غرقت فهو افعوعلت من الغرق، ووقع في رواية الحارث عن علي " ففاضت عينا عمر " ويجمع على أنها امتلأت ثم فاضت. قوله: "قال أبو عبد الله" هو المصنف. قوله: "خاخ أصح" يعني بمعجمتين. قوله: "ولكن كذا قال أبو عوانة حاج" أي بمهملة ثم جيم. قوله: "وحاج تصحيف وهو موضع". قلت: تقدم بيانه. قوله: "وهشيم يقول خاخ" وقع للأكثر بالمعجمتين، وقيل بل هو كقول أبي عوانة وبه جزم السهيلي، ويؤيده أن البخاري لما أخرجه من طريقه في الجهاد عبر بقوله: "روضة كذا " كما تقدم فلو كان بالمعجمتين لما كنى عنه، ووقع في السيرة للقطب الحلبي " روضة خاخ " بمعجمتين وكان هشيم يروي الأخيرة منها بالجيم وكذا ذكره البخاري عن أبي عوانة انتهى، وهو يوهم أن المغايرة بينها وبين الرواية المشهورة إنما هو في الخاء الآخرة فقط وليس كذلك بل وقع كذلك في الأولى فعند أبي عوانة أنها بالحاء المهملة جزما وأما هشيم فالرواية عنه محتملة. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن المؤمن ولو بلغ بالصلاح أن يقطع له بالجنة لا يعصم من الوقوع في الذنب لأن حاطبا دخل فيمن أوجب الله لهم الجنة ووقع منه ما وقع، وفيه تعقب على من تأول أن المراد بقوله: "اعملوا ما شئتم " أنهم حفظوا من الوقوع في شيء من الذنوب. وفيه الرد على من كفر المسلم بارتكاب الذنب، وعلى من جزم بتخليده في النار، وعلى من قطع بأنه لا بد وأن يعذب. وفيه أن من وقع منه الخطأ لا ينبغي له أن يجحده بل يعترف ويعتذر لئلا يجمع بين ذنبين. وفيه جواز التشديد في استخلاص الحق والتهديد بما لا يفعله المهدد تخويفا لمن يستخرج منه الحق. وفيه هتك ستر الجاسوس، وقد استدل به من يرى قتله من المالكية لاستئذان عمر في قتله ولم يرده النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلا لكونه من أهل بدر، ومنهم من قيده بأن يتكرر ذلك منه، والمعروف عن مالك يجتهد فيه الإمام، وقد نقل الطحاوي الإجماع على أن الجاسوس المسلم لا يباح دمه وقال الشافعية والأكثر يعزر، وإن كان من أهل الهيئات يعفى عنه. وكذا قال الأوزاعي وأبو حنيفة يوجع عقوبة ويطال حبسه. وفيه العفو عن زلة ذوي الهيئة. وأجاب الطبري عن قصة حاطب واحتجاج من احتج بأنه إنما صفح عنه لما أطلعه الله عليه من صدقه في اعتذاره فلا يكون غيره كذلك، قال القرطبي وهو ظن خطأ لأن أحكام الله في عباده إنما تجري على ما ظهر منهم، وقد أخبر الله تعالى نبيه عن المنافقين الذين كانوا بحضرته ولم يبح له قتلهم مع ذلك لإظهارهم الإسلام، وكذلك الحكم في كل من أظهر الإسلام تجري عليه أحكام الإسلام. وفيه من أعلام النبوة إطلاع الله نبيه على قصة حاطب مع المرأة كما تقدم بيانه من الروايات في ذلك، وفيه إشارة الكبير على الإمام بما يظهر له من الرأي العائد نفعه على المسلمين ويتخير الإمام في ذلك. وفيه جواز العفو عن العاصي. وفيه أن العاصي لا حرمة له وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة ولولا أنها لعصيانها سقطت حرمتها ما هددها على بتجريدها قاله ابن بطال. وفيه جواز غفران جميع الذنوب الجائزة الوقوع عمن شاء الله خلافا لمن أبى ذلك من أهل البدع، وقد استشكلت إقامة الحد على مسطح بقذف عائشة رضي الله عنها كما تقدم مع أنه من أهل بدر فلم يسامح بما ارتكبه من الكبيرة وسومح حاطب، وعلل بكونه من أهل بدر، والجواب ما تقدم في "باب فضل من شهد بدرا" أن محل العفو عن البدري في الأمور التي لا حد فيها. وفيه جواز غفران ما تأخر من الذنوب ويدل على ذلك الدعاء به في عدة أخبار، وقد جمعت جزءا في الأحاديث الواردة في بيان (12/310) الأعمال الموعود لعاملها بغفران ما تقدم وما تأخر سميته " الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة " وفيها عدة أحاديث بأسانيد جياد، وفيه تأدب عمر، وأنه لا ينبغي إقامة الحد والتأديب بحضرة الإمام إلا بعد استئذانه. وفيه منقبة لعمر ولأهل بدر كلهم، وفيه البكاء عند السرور ويحتمل أن يكون عمر بكى حينئذ لما لحقه من الخشوع والندم على ما قاله في حق حاطب. "خاتمة" اشتمل كتاب استتابة المرتدين من الأحاديث المرفوعة على أحد وعشرين حديثا فيها واحد معلق والبقية موصولة المكرر منه فيه وفيما مضى سبعة عشر حديثا والأربعة خالصة وافقه مسلم على تخريجها جميعها، وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة آثار بعضها موصول، والله أعلم. (12/311) |