بَاب: مَنْ اخْتَارَ الضَّرْبَ وَالْقَتْلَ وَالْهَوَانَ عَلَى الْكُفْرِ
 
6941- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ "عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"
6942- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ سَمِعْتُ قَيْسًا سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ مُوثِقِي عَلَى الإِسْلاَمِ. وَلَوْ انْقَضَّ أُحُدٌ مِمَّا فَعَلْتُمْ بِعُثْمَانَ كَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ"
6943- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ "عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: "شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ
(12/315)

وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"
قوله: "باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر" تقدمت الإشارة إلى ذلك في الباب الذي قبله وأن بلالا كان ممن اختار الضرب والهوان على التلفظ بالكفر وكذلك خباب المذكور في هذا الباب ومن ذكر معه وأن والدي عمار ماتا تحت العذاب، ولما لم يكن ذلك على شرط الصحة اكتفى المصنف بما يدل عليه، وذكر فيه ثلاثة أحاديث: الحديث الأول حديث : "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان في أوائل الصحيح، ووجه أخذ الترجمة منه أنه سوى بين كراهية الكفر وكراهية دخول النار، والقتل والضرب والهوان أسهل عند المؤمن من دخول النار فيكون أسهل من الكفر إن اختار الأخذ بالشدة، ذكره ابن بطال وقال أيضا: فيه حجة لأصحاب مالك، وتعقبه ابن التين بأن العلماء متفقون على اختيار القتل على الكفر، وإنما يكون حجة على من يقول إن التلفظ بالكفر أولى من الصبر على القتل، ونقل عن المهلب أن قوما منعوا من ذلك واحتجوا بقوله تعالى :{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} الآية، ولا حجة فيه لأنه قال تلو الآية المذكورة {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً} فقيده بذلك، وليس من أهلك نفسه في طاعة الله ظالما ولا معتديا. وقد أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد انتهى، وهذا يقدح في نقل ابن التين الاتفاق المذكور وأن ثم من قال بأولوية التلفظ على بذل النفس للقتل، وإن كان قائل ذلك يعمم فليس بشيء، وإن قيده بما لو عرض ما يرجح المفضول كما لو عرض على من إذا تلفظ به نفع متعد ظاهرا فيتجه. الحديث الثاني. قوله: "عباد" هو ابن أبي العوام فيما جزم به أبو مسعود، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وسعيد بن زيد أي ابن عمرو بن نفيل وهو ابن ابن عم عمر بن الخطاب بن تفيل وقد تقدم حديثه في " باب إسلام سعيد بن زيد " من السيرة النبوية، وهو ظاهر فيما ترجم له لأن سعيدا وزوجته أخت عمر اختارا الهوان على الكفر، وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة. وقال الكرماني: هي مأخوذة من كون عثمان اختار القتل على ما يرضى قاتليه فيكون اختياره القتل على الكفر بطريق الأولى، واسم زوجته فاطمة بنت الخطاب وهي أول امرأة أسلمت بعد خديجة فيما يقال، وقيل سبقتها أم الفضل زوج العباس. الحديث الثالث. قوله: "يحيى" هو القطان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم أيضا، وخباب بفتح الخاء المعجمة وموحدتين الأولى مشددة بينهما ألف وقد تقدم شرحه مستوفي في " باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بمكة " من السيرة النبوية، ودخوله في الترجمة من جهة أن طلب خباب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار دال على أنهم كانوا قد اعتدوا عليهم بالأذى ظلما وعدوانا، قال ابن بطال: إنما لم يجب النبي صلى الله عليه وسلم سؤال خباب ومن معه بالدعاء على الكفار مع قوله تعالى :{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وقوله: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} لأنه علم أنه قد سبق القدر بما جرى عليهم من البلوى ليؤجروا عليها كما جرت به عادة الله تعالى في من اتبع الأنبياء فصيروا على الشدة في ذات الله، ثم كانت لهم العاقبة بالنصر وجزيل الأجر، قال: فأما غير الأنبياء فواجب عليهم الدعاء عند كل نازلة لأنهم لم يطلعوا على ما اطلع عليه النبي صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصا. وليس في الحديث تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لم يدع لهم بل يحتمل أنه دعا، وإنما قال: "قد كان من قبلكم يؤخذ إلخ" تسلية لهم وإشارة إلى الصبر حتى تنقضي
(12/316)

المدة المقدورة، وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر الحديث: "ولكنكم تستعجلون". وقوله في الحديث: "بالمنشار" بنون ساكنة ثم شين معجمة معروف، وفي نسخة بياء مثناة من تحت بغير همزة بدل النون وهي لغة فيه، وقوله: "من دون لحمه وعظمه" وللأكثر "ما" بدل "من" وقوله: "هو الأمر" أي الإسلام، وتقدم المراد بصنعاء في شرح الحديث، قال ابن بطال: أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة، وأما غير الكفر فإن أكره على أكل الخنزير وشرب الخمر مثلا فالفعل أولى، وقال بعض المالكية: بل يأثم إن منع من أكل غيرها فإنه يصير كالمضطر على أكل الميتة إذا خاف على نفسه الموت فلم يأكل.
(12/317)

باب في بيع المكره و نحوه في الحق و غيره
...