بَاب: لاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُكْرَهِ {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
 
6945- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَارِيِّ "عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهَا"
(12/318)

6946- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو - وهُوَ ذَكْوَانُ - "عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، يُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحْيِي فَتَسْكُتُ، قَالَ سُكَاتُهَا إِذْنُهَا"
قوله: "باب لا يجوز نكاح المكره" المكره بفتح الراء. قول {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ - إلى قوله - غَفُورٌ رَحِيمٌ} كذا لأبي ذر والإسماعيلي وزاد القابسي لفظ: "إكراههن" وعند النسفي "الآية" بدل قوله إلخ، وكذا للجرجاني، وساق في رواية كريمة الآية كلها. والفتيات بفتح الفاء والتاء جمع فتاة والمراد بها الأمة وكذا الخادم ولو كانت حرة، وحكمة التقييد ب قوله: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} أن الإكراه لا يتأتى إلا مع إرادة التحصن لأن المطيعة لا تسمى مكرهة فالتقدير فتياتكم اللاتي جرت عادتهن بالبغاء وخفي هذا على بعض المفسرين فجعل {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} متعلقا بقوله فيما قبل ذلك {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} وسيأتي بقية الكلام على هذه الآية بعد بابين، وقد استشكل بعضهم مناسبة الآية للترجمة وجوز أنه أشار إلى أنه يستفاد مطلوب الترجمة بطريق الأولى لأنه إذا نهى عن الإكراه فيما لا يحل فالنهي عن الإكراه فيما يحل أولى، قال ابن بطال: ذهب الجمهور إلى بطلان نكاح المكره، وأجازه الكوفيون قالوا فلو أكره رجل على تزويج امرأة بعشرة آلاف وكان صداق مثلها ألفا صح النكاح ولزمته الألف وبطل الزائد، قال: فلما أبطلوا الزائد بالإكراه كان أصل النكاح بالإكراه أيضا باطلا ا هـ، فلو كان راضيا بالنكاح وأكره على المهر كانت المسألة اتفاقية يصح العقد ويلزم المسمى بالدخول، ولو أكره على النكاح والوطء لم يحد ولم يلزمه شيء، وإن وطئ مختارا غير راض بالعقد حد. ثم ذكر في الباب حديثين: أحدهما حديث خنساء بفتح المعجمة وسكون النون بعدها مهملة ومد بنت خدام بكسر المعجمة وتخفيف المهملة وجارية جد الراويين عنها بجيم وياء مثناه من تحت، وقد تقدم شرحه في كتاب النكاح وأنها كانت غير بكر وذكر ما ورد فيه من الاختلاف. ثانيهما قوله: "حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان" الظاهر أنه الفريابي وشيخه الثوري، ويحتمل أن يكون البيكندي وشيخه ابن عيينة فإن كلا من السفيانين معروف بالرواية عن ابن جريج، لكن هذا الحديث إنما هو عن الفريابي كما جزم به أبو نعيم، والفريابي إذا أطلق سفيان أراد الثوري وإذا أراد ابن عيينة نسبه. قوله: "ذكوان" يعني مولى عائشة. قوله: "قلت: يا رسول الله يستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال: نعم" في رواية حجاج بن محمد وأبو عاصم عن ابن جرير " سمعت ابن أبي مليكة يقول قال ذكوان: سمعت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها هل تستأمر أم لا؟ فقال: نعم تستأمر " وفيه تقوية لمضمون الحديث الذي قبله وإرشاد أبي السلامة من إبطال العقد، وقوله: "سكاتها " وهو لغة في السكوت، ووقع الإسماعيلي من رواية الذهلي وأحمد عن يوسف عن الفريابي بلفظ، " سكوتها " وفي رواية حجاج وأبي عاصم "ذلك إذنها إذا سكتت" وتقدم في النكاح من طريق الليث عن ابن أبي مليكة بلفظ: "صمتها" وتقدم شرحه أيضا هناك وبيان الاختلاف في صحة إنكاح الولي المجبر البكر الكبيرة، وأن الصغيرة لا خلاف في صحة إجباره لها.
(12/319)