مدخل كتاب الحيل
 
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
90- كِتَاب الْحِيَلِ
قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الحيل" جمع حيلة وهي ما يتوصل به إلى مقصود بطريق خفي. وهي عند العلماء على أقسام بحسب الحامل عليها، فإن توصل بها بطريق مباح إلى إبطال حق أو إثبات باطل فهي حرام أو إلى إثبات حق أو دفع باطل فهي واجبة أو مستحبة، وإن توصل بها بطريق مباح إلى سلامة من وقوع في مكروه فهي مستحبة أو مباحة، أو إلى ترك مندوب فهي مكروهة. ووقع الخلاف بين الأئمة في القسم الأول: هل يصح مطلقا وينفذ ظاهرا وباطنا، أو يبطل مطلقا، أو يصح مع الإثم؟ ولمن أجازها مطلقا أو أبطلها مطلقا أدلة كثيرة، فمن الأول قوله تعالى :{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} وقد عمل به النبي صلى الله عليه وسلم في حق الضعيف الذي زنى، وهو من حديث أبي أمامة بن سهل في السنن، ومنه قوله تعالى :{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} وفي الحيل مخارج من المضايق، ومنه مشروعية الاستثناء فإن فيه تخليصا من الحنث، وكذلك الشروط كلها فإن فيها سلامة من الوقوع في الحرج، ومنه حديث أبي هريرة وأبي سعيد في قصة بلال " بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا " ومن الثاني قصة أصحاب السبت وحديث: "حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها " وحديث النهي عن النجش، وحديث لعن المحلل والمحلل له، والأصل في اختلاف العلماء في ذلك اختلافهم: هل المعتبر في صيغ العقود ألفاظها أو معانيها؟ فمن قال بالأول أجاز الحيل. ثم اختلفوا: فمنهم من جعلها تنفذ ظاهرا وباطنا في جميع الصور أو في بعضها ومنهم من قال تنفذ ظاهرا لا باطنا، ومن قال بالثاني أبطلها ولم يجز منها إلا ما وافق فيه اللفظ المعنى الذي تدل عليه القرائن الحالية، وقد اشتهر القول بالحيل عن الحنفية لكون أبي يوسف صنف فيها كتابا، لكن المعروف عنه وعن كثير من أئمتهم تقييد أعمالها بقصد الحق، قال صاحب المحيط أصل الحيل قوله تعالى :{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً} الآية، وضابطها إن كانت للفرار من الحرام والتباعد من الإثم فحسن، وإن كانت لإبطال حق مسلم فلا بل هي إثم وعدوان.
(12/326)