بَاب: مَا يُكْرَهُ مِنْ احْتِيَالِ الْمَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَالضَّرَائِرِ وَمَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ
 
6972- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَيُحِبُّ الْعَسَلَ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ أَجَازَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ
(12/342)

فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِي: أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ فَسَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَرْبَةً. فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ. لَهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ وقُلْتُ لها: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ فَقُولِي لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: لاَ. فَقُولِي لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، وَسَأَقُولُ ذَلِكِ، وَقُولِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَوْدَةَ قُلْتُ - تَقُولُ سَوْدَةُ - وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَقَدْ كِدْتُ أَنْ أُبَادِئَهُ بِالَّذِي قُلْتِ لِي وَإِنَّهُ لَعَلَى الْبَابِ فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ له: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ قُلْتُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَدَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ. قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ. قَالَتْ: قُلْتُ لَهَا اسْكُتِي"
قوله: "باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك" قال ابن التين معنى الترجمة ظاهر. إلا أنه لم يبين ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وهو قوله تعالى :{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}. قلت: وقد ذكرت في التفسير الخلاف في المراد بذلك، وأن الذي في الصحيح هو العسل، وهو الذي وقع في قصة زينب بنت جحش، وقيل في تحريم مارية، وأن الصحيح أنه نزل في كلا الأمرين. ثم وجدت في الطبراني وتفسير ابن مردويه من طريق أبي عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند سودة " فذكر نحو حديث الباب وفي آخره: "فأنزلت: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} ورواته موثقون: إلا أن أبا عامر وهم في قوله سودة. وذكر فيه حديث عائشة "كان يجب الحلواء والعسل وكان إذا صلى العصر دخل على نسائه فيدنو منهن" الحديث بطوله، وقد تقدم في كتاب الطلاق مشروحا وذكر معه حديث عائشة معه طريق عبيد بن عمير عنها وفيه أن التي سقته العسل زينب بنت جحش، واستشكلت قصة حفصة بأن في الآية ما يدل على أن نزول ذلك كان في حق عائشة وحفصة فقط لتكرار الثنية في قوله: {إِنْ تَتُوبَا} {وَإِنْ تَظَاهَرَا} وهنا جاء فيه ذكر ثلاثة، وجميع الكرماني بينهما بأن قصة حفصة سابقة وليس فيها سبب نزول ولا تثنية بخلاف قصة زينب ففيها "تواطأت أنا وحفصة" وفيها التصريح بأن الآية نزلت في ذلك. وحكى ابن التين عن الداودي أن قوله في هذا الحديث أن التي سقته العسل حفصة غلط لأن صفية هي التي تظاهرت مع عائشة في هذه القصة وإنما شربه عند صفية وقيل عند زينب، كذا قال، وجزمه بأن الرواية التي فيها حفصة غلط مردود فإنها ليست غلطا بل هي قصة أخرى، والحديث الصحيح لا يرد بمثل هذا، ويكفي في الرد عليه أنه جعل قصة زينب لصفية وأشار إلى أن نسبة ذلك لزينب ضعيف، والواقع أنه صحيح وكلاهما متفق على صحته، وللداودي عجائب في شرحه ذكرت منها شيئا كثرا ومنها في هذا الحديث أنه قال في قوله: "جرست نحله العرفط " جرست معناه تغير طعم العسل لشيء يأكله
(12/343)

النحل والعرفط موضع وتفسير الجرس بالتغير والعرفط بالموضوع مخالف للجميع وقد تقدم بيانه مع شرح الحديث، وقوله في هذه الرواية: "أجاز" ثبت هكذا لهم، وهو صحيح يقال أجزت الوادي إذا قطعته والمراد أنه يقطع المسافة التي بين كل واحدة والتي تليها. ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي هنا "جاز" وحكى ابن التين جاز على نسائه أي مر أو سلك، ووقع في رواية علي بن مسهر الماضية في الطلاق "إذا صلى العصر دخل" وقوله فيها "أبادئه" بهمزة وموحدة وفيه اختلاف ذكرته فيما مضى، وقوله: "فرقا" بفتح الراء أي خوفا، وقال ابن المنير: إنما ساغ لهن أن يقلن "أكلت مغافير" لأنهن أوردنه على طريق الاستفهام بدليل جوابه بقوله: "لا " وأردن بذلك التعريض لا صريح الكذب، فهذا وجه الاحتيال التي قالت عائشة " لتحتالن له " ولو كان كذبا محضا لم يسم حيلة إذ لا شبهة لصاحبه.
(12/344)