بَاب: فِي الْهِبَةِ وَالشُّفْعَةِ
 
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ وَهَبَ هِبَةً أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى مَكَثَ عِنْدَهُ سِنِينَ وَاحْتَالَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا فَلاَ زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَخَالَفَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِبَةِ وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ
6975- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ "عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ"
6976- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ "عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الشُّفْعَةُ لِلْجِوَارِ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فَأَبْطَلَهُ وَقَالَ: إِنْ اشْتَرَى دَارًا فَخَافَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارُ بِالشُّفْعَةِ فَاشْتَرَى سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَ وَكَانَ لِلْجَارِ الشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ الأَوَّلِ وَلاَ شُفْعَةَ لَهُ فِي بَاقِي الدَّارِ وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِي ذَلِكَ
6977- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ قَالَ "جَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ لِلْمِسْوَرِ: أَلاَ تَأْمُرُ هَذَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنِّي بَيْتِي الَّذِي فِي دَارِي؟ فَقَالَ: لاَ أَزِيدُهُ عَلَى أَرْبَعِ مِائَةٍ إِمَّا مُقَطَّعَةٍ وَإِمَّا مُنَجَّمَةٍ، قَالَ: أُعْطِيتُ خَمْسَ مِائَةٍ نَقْدًا فَمَنَعْتُهُ، وَلَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ مَا بِعْتُكَهُ" - أَوْ قَالَ: مَا أَعْطَيْتُكَهُ - قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ مَعْمَرًا لَمْ يَقُلْ هَكَذَا، قَالَ: لَكِنَّهُ قَالَ لِي هَكَذَا". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الشُّفْعَةَ فَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، فَيَهَبَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ وَيَحُدُّهَا وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ وَيُعَوِّضُهُ الْمُشْتَرِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلاَ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ
6978- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ "عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ سَعْدًا سَاوَمَهُ بَيْتًا بِأَرْبَعِ مِائَةِ مِثْقَالٍ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ لَمَا أَعْطَيْتُكَه" وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ اشْتَرَى نَصِيبَ دَارٍ فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ
قوله: "باب: في الهبة والشفعة" أي كيف تدخل الحيلة فيهما معا ومنفردين. قوله: "وقال بعض الناس: إن وهب هبة ألف درهم أو أكثر حتى مكث عنده سنين واحتال في ذلك" أي بأن تواطأ مع الموهوب له على ذلك
(12/345)

وإلا فالهبة لا تتم إلا بالقبض وإذا قبض كان بالخيار في التصرف فيها ولا يتهيأ للواهب الرجوع فيها بعد التصرف فلا بد من المواطأة بأن لا يتصرف فيها ليتم الحيلة. قوله: "ثم رجع الواهب فيها فلا زكاة على واحد منهما فخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في الهبة وأسقط الزكاة" قال ابن بطال: إذا قبض الموهوب له هبة فهو مالك لها فإذا حال عليها الحول عنده وجبت عليه الزكاة فيها عند الجميع وأما الرجوع فلا يكون عند الجمهور إلا فيما يوهب للولد فإن رجع فيها الأب بعد الحول وجبت فيها الزكاة على الابن. قلت: فإن رجع فيها قبل الحول صح الرجوع ويستأنف الحول فإن كان فعل ذلك ليريد إسقاط الزكاة سقطت وهو آثم مع ذلك، وعلى طريقة من يبطل الحيل مطلقا لا يصح رجوعه لثبوت النهي عن الرجوع في الهبة ولا سيما إذا قارن ذلك التحيل في إسقاط الزكاة، وقوله: "فخالف الرسول صلى الله عليه وسلم: "يعني خالف ظاهر حديث الرسول وهو النهي عن العود في الهبة، وقال ابن التين: مراده أن مذهب أبي حنيفة أن من سوى الوالدين يرجع في هبته ولا يرجع الوالد فيما وهب لولده، وهو خلاف قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لرجل أن يعط عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يرجع في عطيته كالكلب يعود في قيئه". قلت: فعلي هذا إنما أخرج البخاري حديث ابن عباس للإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث، وهو مخرج عند أبي داود عن ابن عباس من وجه آخر كما تقدم بيانه في كتاب الهبة، وذهب الجمهور ومنهم الشافعي إلى أن الزكاة تجب على المتهب مدة مكث المال عنده. ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث: الحديث الأول، قوله: "سفيان" هو الثوري وقد تقدم شرح حديث ابن عباس في كتاب الهبة. الحديث الثاني حديث جابر في الشفعة وقد تقدم شرحه في كتاب الشفعة، وظاهره أنه لا شفعة للجار لأنه نفي الشفعة في كل مقسوم كما تقدم تقريره. قوله: "وقال بعض الناس: الشفعة للجوار" بكسر الجيم من المجاورة أي تشرع الشفعة للجار كما تشرع للشريك. قوله: "ثم عمد إلى ما شدده" بالشين المعجمة ولبعضهم بالمهملة. قوله: "فأبطله" أي حيث قال لا شفعة للجار في هذه الصورة، وقال: إن اشترى دارا أي أراد شراءها كاملة فخاف أن يأخذ الجار بالشفعة فاشترى سهما من مائة سهم ثم اشترى الباقي كان للجار الشفعة في السهم الأول ولا شفعة له في باقي الدار قال ابن بطال: أصل هذه المسألة أن رجلا أراد شراء دار فخاف أن يأخذها جاره بالشفعة، فسأل أبا حنيفة كيف الحيلة في إسقاط الشفعة؟ فقال له: اشتر منها سهما واحدا من مائة سهم فتصير شريكا لمالكها، ثم اشتر منه الباقي فتصير أنت أحق بالشفعة من الجار لأن الشريك في المشاع أحق من الجار، وإنما أمره بأن يشتري سهما من مائة سهم لعدم رغبة الجار شراء السهم الواحد لحقارته وقلة انتفاعه به، قال: وهذا ليس فيه شيء من خلاف السنة، وإنما أراد البخاري إلزامهم التناقض لأنهم احتجوا في شفعة الجار بحديث: "الجار أحق بسقبه " ثم تحيلوا في إسقاطها بما يقتضي أن يكون غير الجار أحق بالشفعة من الجار انتهى. والمعروف عند الحنفية أن الحيلة المذكورة لأبي يوسف، وأما محمد بن الحسن فقال: يكره ذلك أشد الكراهية لأن الشفعة شرعت لدفع الضرر عن الشفيع فالذي يحتال لإسقاطها بمنزلة القاصد إلى الإضرار بالغير وذلك مكروه، ولا سيما إن كان بين المشتري وبين الشفيع عداوة ويتضرر من مشاركته، ثم إن محل هذا إنما هو فيمن احتال قبل وجوب الشفعة أما بعده كمن قال للشفيع خذ هذا المال ولا تطالبني بالشفعة فرضي وأخذ فإن شفعته تبطل اتفاقا انتهى. الحديث الثالث، قوله "سفيان" هو بن عيينة. قوله "عن إبراهيم بن ميسرة" في رواية الحميدي عن سفيان "حدثنا إبراهيم" قوله "جاء المسور بن مخرمة فوضع يده على منكبي" في رواية
(12/346)