باب مَنْ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَلَمْ يَنْصَحْ
 
7150 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ
(13/126)

فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلاَّ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ
7151 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ قَالَ زَائِدَةُ ذَكَرَهُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ أَتَيْنَا مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ نَعُودُهُ فَدَخَلَ عَلَيْنَا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
قوله: "باب من استرعى" بضم المثناة على البناء للمجهول. قوله: "رعية فلم ينصح" أي لها. قوله: "أبو الأشهب" هو جعفر بن حبان بمهملة وتحتانية ثقيلة. قوله: "عن الحسن" هو البصري. وفي رواية الإسماعيلي من طريق شيبان عن أبي الأشهب " حدثنا الحسن". قوله: "أن عبيد الله بن زياد" يعني أم البصرة في زمن معاوية وولده يزيد، ووقع في رواية هشام المذكورة بعد هذه ما يدل على أن الحسن حضر ذلك من عبيد الله بن زياد عند معقل. قوله: "عاد معقل بن يسار" بتحتانية ثم مهملة خفيفة هو المزني الصحابي المشهور. قوله: "في مرضه الذي مات فيه" كانت وفاة معقل بالبصرة فيما ذكره البخاري في الأوسط ما بين الستين إلى السبعين وذلك في خلافة يزيد بن معاوية. قوله: "فقال له معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم" زاد مسلم عن شيبان بن فروخ عن أبي الأشهب " لو علمت أن لي حياة ما حدثتك". قوله: "يسترعيه الله" في نسخة الصغاني " استرعاه". قوله: "فلم يحطها" بفتح أوله وضم الحاء وسكون الطاء المهملتين أي يكلؤها أو يصنها وزنه ومعناه والاسم الحياطة يقال حاطه إذا استولى عليه وأحاط به مثله. قوله: "بنصحه" كذا للأكثر بهاء الضمير. وفي رواية المستملي: "بالنصيحة " ووقع لمسلم في رواية شيبان " يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته". قوله: "لم يجد" في نسخة الصغاني " إلا لم يجد " بزيادة إلا "رائحة الجنة" زاد في رواية الطبراني من حديث عبد الله بن مغفل " وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عاما " ووقع رواية مسلم: "إلا حرم الله عليه الجنة " وله مثله من طريق يونس بن عبيد عن الحسن. قال الكرماني مفهوم الحديث أنه يجدها، وهو عكس المقصود، والجواب أن " إلا " مقدرة أي إلا لم يجد، والخبر محذوف والتقدير ما من عبد فعل كذا إلا حرم الله عليه الجنة ولم يجد رائحة الجنة استئناف كالمفسر له، أو ليست ما للنفي، وجازت زيادة من للتأكيد في الإثبات عند بعض النحاة، وقد ثبت " إلا " في بعض النسخ. قلت: لم يقع الجمع بين اللفظين المتوعد بهما في طريق واحدة، فقوله: "لم يجد رائحة الجنة " وقع في رواية أبي الأشهب، وقوله: "حرم الله عليه الجنة " وقع في رواية هشام، فكأنه أراد أن الأصل في الحديث الجمع بين اللفظين فحفظ بعض ما لم يحفظ بعض وهو محتمل، لكن الظاهر أنه لفظ واحد تصرفت فيه الرواة. وزاد مسلم في آخره قال: "ألا كنت حدثتني هذا قبل اليوم؟ قال: لم أكن لأحدثك " قيل سبب ذلك هو ما وصفه به الحسن البصري من سفك الدماء، ووقع في رواية الإسماعيلي من الوجه الذي أخرجه مسلم: "لولا أني ميت ما حدثتك " فكأنه كان يخشى بطشه، فلما نزل به الموت أراد أن يكف بذلك بعض شره عن المسلمين، وإلى ذلك وقعت الإشارة في رواية لمسلم من طريق أبي المليح " أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار " فقال له معقل: "لولا أني في الموت ما حدثتك " وقد أخرج
(13/127)

الطبراني في الكبير من وجه آخر عن الحسن قال: "لما قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرا أمره علينا معاوية غلاما سفيها يسفك الدماء سفكا شديدا وفينا عبد الله بن مغفل المزني، فدخل عليه ذات يوم فقال له: انته عما أراك تصنع، فقال له: وما أنت وذاك؟ قال ثم خرج إلى المسجد فقلنا له: ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رءوس الناس؟ فقال إنه كان عندي علم فأحببت أن لا أموت حتى أقول به على رءوس الناس، ثم قام فما لبث أن مرض مرضه الذي توفي فيه فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده " فذكر نحو حديث الباب، فيحتمل أن تكون القصة وقعت للصحابيين. قوله: "قال زائدة ذكره هشام" هو بحذف قال الثانية والتقدير: قال الحسين الجعفي قال زائدة ذكره أي الحديث الذي سيأتي هشام وهو ابن حسان، ووقع في رواية مسلم عن القاسم بن زكريا عن الحسين الجعفي بالعنعنة في جميع السند، وحاصل الروايتين أنه أثبت الغش في إحداهما، ونفى النصيحة في الأخرى فكأنه لا واسطة بينهما، ويحصل ذلك بظلمه لهم بأخذ أموالهم أو سفك دمائهم أو انتهاك أعراضهم وحبس حقوقهم وترك تعريفهم ما يجب عليهم في أمر دينهم ودنياهم وبإهمال إقامة الحدود فيهم وردع المفسدين منهم وترك حمايتهم ونحو ذلك. قوله: "فقال له معقل أحدثك حديثا" قد ذكرت زيادة أبي المليح عند مسلم. قوله: "ما من وال يلي رعية من المسلمين إلخ" وقع في رواية أبي المليح " ما من أمير " بدل " وال " وقال فيه: "ثم لا يجد له " بجيم ودال مشددة من الجد بالكسر ضد الهزل. وقال فيه: "إلا لم يدخل معهم الجنة " وللطبراني في الأوسط " فلم يعدل فيهم إلا كبه الله على وجهه في النار " قال ابن التين: يلي جاء على غير القياس لأن ماضيه ولي بالكسر ومستقبله يولى بالفتح وهو مثل ورث يرث. وقال ابن بطال: هذا وعيد شديد على أئمة الجور فمن ضيع من استرعاه الله أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد " يوم القيامة " فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة ومعنى " حرم الله عليه الجنة " أي أنفذ الله عليه الوعيد ولم يرض عنه المظلومين. ونقل ابن التين عن الداودي نحوه قال: ويحتمل أن يكون هذا في حق الكافر لأن المؤمن لا بد له من نصيحة. قلت: وهو احتمال بعيد جدا، والتعليل مردود، فالكافر أيضا قد يكون ناصحا فيما تولاه ولا يمنعه ذلك الكفر. وقال غيره: يحمل على المستحل، والأولى أنه محمول على غير المستحل وإنما أريد به الزجر والتغليظ، وقد وقع في رواية لمسلم بلفظ: "لم يدخل معهم الجنة " وهو يؤيد أن المراد أنه لا يدخل الجنة وقت دون وقت: وقال الطيبي: الفاء في قوله: "فلم يحطها " وفي قوله: "فيموت " مثل اللام في قوله: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} وقوله وهو غاش " قيد للفعل مقصود بالذكر يريد أن الله إنما ولاه على عباده ليديم لهم النصيحة لا ليغشهم حتى يموت على ذلك، فلما قلب القضية استحق أن يعاقب.
(13/128)