باب مَتَى يَسْتَوْجِبُ الرَّجُلُ الْقَضَاءَ ؟
 
(13/145)

وَقَالَ الْحَسَنُ أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ أَنْ لاَ يَتَّبِعُوا الْهَوَى وَلاَ يَخْشَوْا النَّاسَ وَلاَ يَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ثُمَّ قَرَأَ {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ, إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} . وَقَرَأَ {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا, وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} بِمَا اسْتُحْفِظُوا: اسْتُوْدِعُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَقَرَأَ {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ, فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} فَحَمِدَ سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَلُمْ دَاوُدَ وَلَوْلاَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ هَذَيْنِ لَرَأَيْتُ أَنَّ الْقُضَاةَ هَلَكُوا فَإِنَّهُ أَثْنَى عَلَى هَذَا بِعِلْمِهِ وَعَذَرَ هَذَا بِاجْتِهَادِهِ وَقَالَ مُزَاحِمُ بْنُ زُفَرَ قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَمْسٌ إِذَا أَخْطَأَ الْقَاضِي مِنْهُنَّ خَصْلَةً كَانَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ: أَنْ يَكُونَ فَهِمًا, حَلِيمًا, عَفِيفًا, صَلِيبًا, عَالِمًا, سَئُولًا عَنْ الْعِلْمِ
قوله: "باب متى يستوجب الرجل القضاء" ؟ أي متى يستحق أن يكون قاضيا. قال أبو علي الكرابيسي صاحب الشافعي في " كتاب آداب القضاء " له: لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافا أن أحق الناس أن يقضي بين المسلمين من بان فضله وصدقه وعلمه وورعه، قارئا لكتاب الله، عالما بأكثر أحكامه، عالما بسنن رسول الله حافظا لأكثرها، وكذا أقوال الصحابة، عالما بالوفاق والخلاف وأقوال فقهاء التابعين يعرف الصحيح من السقيم يتبع في النوازل الكتاب فإن لم يجد فالسنن فإن لم يجد عمل بما اتفق عليه الصحابة، فإن اختلفوا فما وجده أشبه بالقرآن ثم بالسنة ثم بفتوى أكابر الصحابة عمل به؛ ويكون كثير المذاكرة مع أهل العلم والمشاورة لهم مع فضل وورع، ويكون حافظا للسانه وبطنه وفوجه، فهما بكلام الخصوم، ثم لا بد أن يكون عاقلا مائلا عن الهوى ثم قال: وهذا وإن كنا نعلم أنه ليس على وجه الأرض أحد يجمع هذه الصفات، ولكن يجب أن يطلب من أهل كل زمان أكملهم وأفضلهم. وقال المهلب: لا يكفي في استحباب القضاء أن يرى نفسه أهلا لذلك بل أن يراه الناس أهلا لذلك. وقال ابن حبيب عن مالك " لا بد أن يكون القاضي عالما عاقلا". قال ابن حبيب فإن لم يكن علم فعقل وورع، لأنه بالورع يقف وبالعقل يسأل، وهو إذا طلب العلم وجده وإذا طلب العقل لم يجده. قال ابن العربي: واتفقوا على أنه لا يشترط أن يكون غنيا، والأصل قوله تعالى :{وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ} الآية. قال: والقاضي لا يكون في حكم الشرع إلا غنيا لأن غناه في بيت المال فإذا منع من بيت المال واحتاج كان تولية من يكون غنيا أولى من تولية من يكون فقيرا، لأنه يصير في مظنة من يتعرض لتناول ما لا يجوز تناوله قلت: وهذا قاله بالنسبة إلى الزمان الذي كان فيه ولم يدرك زمانه هذا الذي صار من يطلب القضاء فيه يصرح بأن سبب طلبه الاحتياج إلى ما يقوم بأوده، مع العلم بأنه لا يحصل له شيء من بيت المال. واتفقوا على اشتراط الذكورية في القاضي إلا عن
(13/146)

الحنفية، واستثنوا الحدود، وأطلق ابن جرير، وحجة الجمهور الحديث الصحيح " ما أفلح قوم ولوا أمورهم امرأة " وقد تقدم؛ ولأن القاضي يحتاج إلى كمال الرأي ورأي المرأة ناقص ولا سيما في محافل الرجال. قوله: "وقال الحسن" هو البصري. قوله: "أخذ الله على الحكام أن لا يتبعوا الهوى ولا يخشوا الناس" ولا يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ثم قرأ: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ - إلى - يَوْمَ الْحِسَابِ} وقرأ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ - إلى قوله - وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قلت: فأراد من آية {يَا دَاوُدُ} قوله: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وأراد من آية المائدة بقية ما ذكر وأطلق على هذه المناهي أمرا إشارة إلى أن النهي عن الشيء أمر بضده، ففي النهي عن الهوى أمر بالحكم بالحق، وفي النهي عن خشية الناس أمر بخشية الله، ومن لازم خشية الله الحكم بالحق، وفي النهي عن بيع آياته الأمر باتباع ما دلت عليه، وإنما وصف الثمن بالقلة إشارة إلى أنه وصف لازم له بالنسبة للعوض فإنه أغلى من جميع ما حوته الدنيا. قوله: "بما استحفظوا: استودعوا من كتاب الله الآية" ثبت هذا للمستملي، وهو تفسير أبي عبيدة، قال في قوله تعالى :{مَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} أي بما استودعوا، استحفظته كذا استودعته إياه. قوله: "وقرأ" أي الحسن البصري المذكور " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إلى آخرها " رويناه موصلا في " حلية الأولياء لأبي نعيم " من رواية محمد بن إبراهيم الحافظ المعروف بمربع بموحدة ومهملة وزن محمد، قال حدثنا سعيد هو ابن سليمان الواسطي حدثنا أبو العوام هو عمران القطان عن قتادة عن الحسن وهو ابن أبي الحسن البصري فذكره، ومعنى أخذ الله على الحكام عهد إليهم. قوله: "فحمد سليمان ولم يلم داود، ولولا ما ذكر الله من أمر هذين" يعني داود وسليمان، وقوله: "لرأيت " في رواية الكشميهني: "لرويت أن القضاة هلكوا " يعني لما تضمنته الآيتان الماضيتان أن من لم يحكم بما أنزل الله كافر، فدخل في عمومه العامد والمخطئ، وكذا قوله تعالى :{إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} يشمل العامد والمخطئ، فاستدل بالآية الأخرى في قصة الحرث أن الوعيد خاص بالعامد، فأشار إلى ذلك بقوله: "فإنه أثنى على هذا بعلمه " أي بسب علمه أي معرفته وفهمه وجه الحكم والحكم به، وعذر بفتح الذال المعجمة هذا باجتهاده. وروينا بعضه في تفسير ابن أبي حاتم وفي المجالسة لأبي بكر الدينوري وفي أمالي الصولي جميعا يزيد بعضهم على بعض من طريق حماد بن سلمة عن حميد الطويل قال: دخلنا مع الحسن على إياس ابن معاوية حين استقضى قال فبكى إياس وقال: يا أبا سعيد - يعني الحسن البصري المذكور يقولون: القضاة ثلاثة: رجل اجتهد فأخطأ فهو في النار، ورجل مال مع الهوى فهو في النار؛ ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة فقال الحسن: إن فيما قص الله عليك من نبأ سليمان ما يرد على من قال هذا وقرأ: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ - إلى قوله – شَاهِدِينَ} قال: فحمد سليمان لصوابه ولم يذم داود لخطئه. ثم قال: إن الله أخذ على الحكام عهدا بأن لا يشتروا به ثمنا ولا يتبعوا فيه الهوى ولا يخشوا فيه أحدا، ثم تلا: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً} إلى آخر الآية. قلت: والحديث الذي أشار إليه إياس أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة، ولكن عندهم الثالث قضى بغير علم، وقد جمعت طرقه في جزء مفرد، وليس في شيء منها أنه اجتهد فأخطأ، وسيأتي حكم من اجتهد فأخطأ بعد أبواب، واستدل بهذه القصة على أن للنبي أن يجتهد في الأحكام ولا ينتظر نزول الوحي، لأن داود عليه السلام على ما ورد اجتهد في المسألة المذكورة قطعا، لأنه لو كان قضى فيها بالوحي ما خص الله سليمان بفهمها دونه. وقد اختلف من أجاز للنبي أن يجتهد هل يجوز عليه الخطأ في اجتهاده؟ فاستدل من أجاز
(13/147)

ذلك بهذه القصة. وقد اتفق الفريقان على أنه لو أخطأ في اجتهاده لم يقر على الخطأ " وأجاب من منع الاجتهاد أنه ليس في الآية دليل على أن داود اجتهد ولا أخطأ، وإنما ظاهرها أن الواقعة اتفقت فعرضت على داود وسليمان فقضى فيها سليمان لأن الله فهمه حكمها، ولم يقض فيها داود بشيء، ويرد على من تمسك بذلك بما ذكره أهل النقل في صورة هذه الواقعة. وقد تضمن أثر الحسن المذكور أنهما جميعا حكما. وقد تعقب ابن المنير قول الحسن البصري، ولم يذم داود بأن فيه نقصا لحق، داود، وذلك أن الله تعالى قد قال: {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} فجمعهما في الحكم والعلم، وميز سليمان بالفهم، وهو علم خاص زاد على العام بفصل الخصومة. قال: والأصح في الواقعة أن داود أصاب الحكم وسليمان أرشد إلى الصلح، ولا يخلو قوله تعالى :{وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} أن يكون عاما أو في واقعة الحرث فقط " وعلى التقديرين يكون أثنى على داود فيها بالحكم والعلم فلا يكون من قبيل عذر المجتهد إذا أخطأ، لأن الخطأ ليس حكما ولا علما وإنما هو ظن غير مصيب " وإن كان في غير الواقعة فلا يكون تعالى أخبر في هذه الواقعة بخصوصها عن داود بإصابة ولا خطأ، وغايته أنه أخبر بتفهيم سليمان ومفهومه لقب والاحتجاج به ضعيف فلا يقال فهمها سليمان دون داود، وإنما خص سليمان بالتفهيم لصغر سنه فيستغرب ما يأتي به. قلت: ومن تأمل ما نقل في القصة ظهر له أن الاختلاف بين الحكمين كان في الأولوية لا في العمد والخطأ، ويكون معنى قول الحسن " حمد سليمان " أي لموافقته الطري الأرجح " ولم يذم داود " لاقتصاره على الطريق، الراجح وقد وقع لعمر رضي الله عنه قريب مما وقع لسليمان، وذلك أن بعض الصحابة مات وخلف مالا له نماء وديونا، فأراد أصحاب الديون بيع المال في وفاء الدين لهم فاسترضاهم عمر بأن يؤخروا التقاضي حتى يقبضوا ديونهم من النماء ويتوفر لأيتام المتوفي أصل المال؛ فاستحسن ذلك من نظره. ولو أن الخصوم امتنعوا لما منعهم من البيع. وعلى هذا التفصيل يمكن تنزيل قصة أصحاب الحرث والغنم والله أعلم. وتقدم في أحاديث الأنبياء شرح القصة التي وقعت لداود وسليمان في المرأتين اللتين أخذ الذئب ابن إحداهما واختلاف حكم داود وسليمان في ذلك، وتوجيه حكم داود بما يقرب مما ذكر هنا في هذه القصة ووقعت لهما قصة ثالثة في التفرقة بين الشهود في قصة المرأة التي اتهمت بأنها تحمل على نفسها فشهد عليها أربعة بذلك، فأمر داود برجمها، فعمد سليمان وهو غلام فصور مثل قصتها بين الغلمان ثم فرق بين الشهود وامتحنهم فتخالفوا فدرأ عنها، ووقعت لهما رابعة في قصة المرأة التي صب في دبرها ماء البيض وهي نائمة، وقيل إنها زنت فأمر داود برجمها، فقال سليمان: يشوي ذلك الماء فإن اجتمع فهو بيض، وإلا فهو مني، فشوى فاجتمع. وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن مسروق قال: كان حرثهم عنبا نفشت فيه الغنم أي رعت ليلا، فقضى داود بالغنم لهم، فمروا على سليمان فأخبروه الخبر فقال سليمان: لا، ولكن أقضي بينهم أن يأخذوا الغنم فيكون لهم لبنها وصوفها ومنفعتها ويقوم هؤلاء على حرثهم، حتى إذا عاد كان ردوا عليهم غنمهم. وأخرجه الطبري من وجه آخر لين فقال: فيه عن مسروق عن ابن مسعود وأخرجه ابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن ابن مسعود وسنده حسن، وعن معمر عن قتادة: قضى داود أن يأخذوا الغنم، ففهمها الله سليمان فقال: خذوا الغنم فلكم ما خرج من رسلها وأولادها وصوفها إلى الحول. وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: أعطاهم داود رقاب الغنم بالحرث، فحكم سليمان بجزة الغنم وألبانها لأهل الحرث وعليهم رعايتها ويحرث لهم أهل الغنم حتى يكون كهيئة يوم أكل، ثم يدفع لأهله ويأخذون غنمهم. وأخرج الطبري القصة من طريق علي بن
(13/148)

زيد عن خليفة عن ابن عباس نحوه، ومن طريق قتادة قال: ذكر لنا فذكر نحوه. ومن طريق العوفي عن عطية عن ابن عباس ولكن قال فيها: قال سليمان إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه كل عام، فله من صاحب الغنم أن يبيع من أولادها وصوفها حتى يستوفي ثمن حرثه، فقال داود: قد أصبت وأخرج ابن مردويه من طريق الحسن عن الأحنف بن قيس نحو الأول. قال ابن التين: قيل علم سليمان أن قيمة ما أفسدت الغنم مثل ما يصير إليهم من لبنها وصوفها. وقال أيضا: ورد في قصة ناقة البراء التي أفسدت في حائط أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وإن الذي أفسدت المواشي بالليل ضمانه على أهلها أي ضمان قيمته، هذا خلاف شرع سليمان قال: فلو تراضيا بالدفع " عن قيمة ما أفسدت فالمشهور أنه لا يجوز حتى يعرفا القيمة " قلت: ورواية العوفي إن كانت محفوظة ترفع الإشكال، وإلا فالجواب ما نقل ابن التين أولا، ولا يكون بين الشرعين مخالفة. قوله: "وقال مزاحم" بضم الميم وتخفيف الزاي وبعد الألف حاء مهملة "ابن زفر" بزاي وفاء وزن عمر. هو الكوفي، ويقال مزاحم بن أبي مزاحم ثقة أخرج له مسلم. قوله: "قال لنا عمر بن عبد العزيز" أي الخليفة المشهور العادل. قوله: "خمس إذا أخطأ القاضي منهن خصلة" بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء، كذا لأبي ذر عن غير الكشميهني، وله عنه " خصلة " بفتح أوله وسكون الصاد المهملة، وكذا في رواية الباقين وهما بمعنى. قوله: "وصمة" بفتح الواو وسكون الصاد المهملة أي عيبا. قوله: "أن يكون" تفسير لحال القاضي المذكور. قوله: "فهما" بفتح الفاء وكسر الهاء وهو من صيغ المبالغة، ويجوز تسكين الهاء أيضا، ووقع في رواية المستملي: "فقيها " والأول أولى لأن خصلة الفقه داخلة في خصلة العلم وهي مذكورة بعد. قوله: "حليما" أي يغضي على من يؤذيه ولا يبادر إلى الانتقام ولا ينافي ذلك قوله بعد ذلك " صليبا " لأن الأول في حق نفسه والثاني في حق غيره. قوله: "عفيفا" أي يعف عن الحرام فإنه إذ كان عالما ولم يكن عفيفا كان ضرره أشد من ضرر الجاهل. قوله: "صليبا" بصاد مهملة وباء موحدة من الصلابة بوزن عظيم، أي قويا شديدا يقف عند الحق ولا يميل مع الهوى، ويستخلص حق المحق من المبطل ولا يجابيه. قوله: "عالما سئولا عن العلم" هي خصلة واحدة أي يكون مع ما يستحضره من العلم مذاكرا له غيره، لاحتمال أن يظهر له ما هو أقوى مما عنده. وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور في السنن عن عباد بن عباد ومحمد بن سعد في الطبقات عن عفان كلاهما قال: "حدثنا مزاحم بن زفر قال قدمنا على عمر بن عبد العزيز في خلافته وفد من أهل الكوفة، فسألنا عن بلادنا وقاضينا وأمره. وقال: خمس إذا أخطأ " ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن عبد العزيز بلفظ آخر أخرجه أيضا محمد بن سعد في الطبقات عن محمد ابن عبد الله الأسدي هو أحمد الزبيري عن سفيان هو الثوري عن يحيى بن سعيد عن عمر بن عبد العزيز قال: لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضيا حتى يكون فيه خمس خصال: "عفيف، حليم، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الرأي، لا يبالي، بملامة الناس " وجاء في استحباب الاستشارة آثار جياد. وأخرج يعقوب بن سفيان بسند جيد عن الشعبي قال: من سره أن يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر، فإنه كان يستشير.
(13/149)