باب الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ
 
7180- حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن هندا قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح فأحتاج أن آخذ من ماله قال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف "
قوله: "القضاء على الغائب" أي في حقوق الآدميين دون حقوق الله بالاتفاق، حتى لو قامت البينة على غائب بسرقة مثلا، حكم بالمال دون القطع، قال ابن بطال: أجاز مالك والليث والشافعي وأبو عبيد وجماعة الحكم على الغائب، واستثنى ابن القاسم عن مالك ما يكون للغائب فيه حجج كالأرض والعقار إلا إن طالت غيبته أو انقطع خبره، وأنكر ابن الماجشون صحة ذلك عن مالك وقال: "العمل بالمدينة على الحكم على الغائب مطلقا حتى لو غاب بعد أن توجه عليه الحكم قضي عليه " وقال ابن أبي ليلى وأبو حنيفة: "لا يقضي على الغائب مطلقا. وأما من هرب أو استتر بعد إقامة البينة فينادي القاضي عليه ثلاثا فإن جاء وإلا أنفذ الحكم عليه " وقال ابن قدامة: أجازه أيضا ابن شبرمة والأوزاعي وإسحاق وهو أحد الروايتين عن أحمد، ومنعه أيضا الشعبي والثوري وهي الرواية الأخرى عن أحمد قال: "واستثنى أبو حنيفة من له وكيل مثلا، فيجوز الحكم عليه بعد الدعوى على وكيله " واحتج من منع بحديث على رفعه: "لا تقضي لأحد الخصمين حتى تسمع من الآخر " وهو حديث حسن، أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما، وبحديث: "الأمر بالمساواة بين الخصمين، وبأنه لو حضر لم تسمع بينة المدعي حتى يسأل
(13/171)

المدعى عليه فإذا غاب فلا تسمع، وبأنه لو جاز الحكم مع غيبته لم يكن الحضور واجبا عليه " وأجاب من أجاز: بأن ذلك كله لا يمنع الحكم على الغائب لأن حجته إذا حضر قائمة فتسمع ويعمل بمقتضاها ولو أدى إلى نقض الحكم السابق، وحديث على محمول على الحاضرين. وقال ابن العربي: حديث علي، إنما هو مع إمكان السماع فأما مع تعذره بمغيب فلا يمنع الحكم، كما لو تعذر بإغماء أو جنون أو حجر أو صغر، وقد عمل الحنفية بذلك في الشفعة والحكم على من عنده للغائب مال أن يدفع منه " نفقة زوج الغائب". ثم ذكر المصنف حديث عائشة في قصة هند، وقد احتج بها الشافعي وجماعة لجواز القضاء على الغائب، وتعقب بأن أبا سفيان كان حاضرا في البلد، وتقدم بيان ذلك مستوفى في " كتاب النفقات " مع شرح الحديث المذكور ولله الحمد. وذكر ابن التين فيه من الفوائد غير ما تقدم " خروج المرأة في حوائجها، وإن صوتها ليس بعورة". قلت: وفي كل منهما نظر، وأما الأول فلأنه جاء أن هندا كانت جاءت للبيعة فوقع ذكر النفقة تبعا. وأما الثاني فحال الضرورة مستثنى وإنما النزاع حيث لا ضرورة.
(13/172)