باب مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّمَنِّي {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}
 
7233 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاَ تَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ لَتَمَنَّيْتُ
7234 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ قَالَ أَتَيْنَا خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ نَعُودُهُ وَقَدْ اكْتَوَى سَبْعًا فَقَالَ لَوْلاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ
7235 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ - اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ
قوله: "باب ما يكره من التمني" قال ابن عطية: يجوز تمني ما لا يتعلق بالغير أي مما يباح وعلى هذا فالنهي عن التمني بخصوص بما يكون داعية إلى الحسد والتباغض وعلى هذا محصل قول الشافعي " لولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون كذا " ولم يرد أن كل التمني يحصل به الإثم. قوله: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} - إلى قوله:- {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الآية كلها، ذكر فيه ثلاثة أحاديث كلها في الزجر عن تمني الموت، وفي مناسبتها للآية غموض، إلا إن كان أراد أن المكروه من التمني هو جنس ما دلت عليه الآية وما دل
(13/220)

عليه الحديث، وحاصل ما في الآية الزجر عن الحسد، وحاصل ما له في الحديث الحث على الصبر" لأن تمني الموت غالبا ينشأ عن وقوع أمر يختار الذي يقع به الموت على الحياة، فإذا نهى عن تمني الموت كأن أمر بالصبر على ما نزل به، ويجمع الحديث والآية الحث على الرضا بالقضاء والتسليم لأمر الله تعالى. ووقع في حديث أنس من طريق ثابت عنه في " باب تمني المريض الموت من كتاب المرضى " بعد النهي عن تمني الموت؛ فإن كان لا بد فاعلا فليقل " اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، الحديث ولا يرد على ذلك مشروعية الدعاء بالعافية مثلا، لأن الدعاء بتحصيل الأمور الأخروية يتضمن الإيمان بالغيب مع ما فيه من إظهار الافتقار إلى الله تعالى والتذلل له والاحتياج والمسكنة بين يديه، والدعاء بتحصيل الأمور الدنيوية لاحتياج الداعي إليها فقد تكون قدرت له إن دعا بها فكل من الأسباب والمسببات مقدر، وهذا كله بخلاف الدعاء بالموت فليست فيه مصلحة ظاهرة بل فيه مفسدة. وهي طلب إزالة نعمة الحياة وما يترتب عليها من الفوائد، لا سيما لمن يكون مؤمنا، فإن استمرار الإيمان من أفضل الأعمال، والله أعلم. وقوله: "عاصم " هو ابن سليمان المعروف بالأحول وقد سمع من أنس، وربما أدخل بينهما واسطة كهذا، ووقع عند مسلم في هذا الحديث من رواية عبد الواحد بن زياد عن عاصم عن النضر بن أنس قال قال أنس، وأنس يومئذ حي، فذكره. وقوله: "لا تمنوا " بفتح أوله وثانيه وثالثه مشددا وهي على حذف إحدى التاءين، وثبتت في رواية الكشميهني: "لا تتمنوا " وزاد في رواية ثابت المذكورة عن أنس " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به " الحديث. وقد مضى الكلام عليه في " كتاب المرضى " وأورد نحوه من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس في " كتاب الدعوات " و " محمد" " محمد " هو ابن سلام و " عبدة " هو ابن سليمان و " ابن أبي خالد " هو إسماعيل و " قيس " هو ابن أبي حازم، والسند كله كوفيون إلا شيخ البخاري وقد مضى الكلام عليه في " كتاب المرضى" وقوله: "عن الزهري " كذا لهشام بن يوسف عن معمر. وقال عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة أخرجه مسلم والطريقان محفوظان لمعمر، وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، وتابعه فيه عن الزهري، شعيب وابن أبي حفصة ويونس بن يزيد، وقوله: "عن أبي عبيد " هو سعد بن عبيد مولى ابن أزهر وقد أخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق إبراهيم ابن سعد عبد الزهري فقال: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة، لكن قال النسائي إن الأول هو الصواب. قوله: "لا يتمنى" كذا للأكثر بلفظ النفي، والمراد به النهي أو هو للنهي وأشبعت الفتحة، ووقع في رواية الكشميهني: "لا يتمنين " بزيادة نون التأكيد، ووقع في رواية همام المشار إليها لا يتمن أحدكم الموت، ولا يدع به قبل أن يأتيه " فجمع في النهي عن ذلك بين القصد والنطق. وفي قوله: "قبل أن يأتيه " إشارة إلى الزجر عن كراهيته إذا حضر لئلا يدخل فيمن كره لقاء الله تعالى، وإلى ذلك الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم عند حضور أجله " اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى " وكلامه صلى الله عليه وسلم بعدما خير بين، البقاء في الدنيا والموت فاختار ما عند الله وقد خطب بذلك وفهمه عنه أبو بكر الصديق كما تقدم بيانه في المناقب، وحكمة النهي عن ذلك أن في طلب الموت قيل حلوله نوع اعتراض ومراغمة للقدر وإن كانت الآجال لا تزيد ولا تنقص، فإن تمنى الموت لا يؤثر في زيادتها ولا نقصها، ولكنه أمر قد غيب عنه، وقد تقدم في " كتاب الفتن " ما يدل عل ذم ذلك في حديث أبي هريرة " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل يقول يا ليتني مكانه " وليس به الدين إلا البلاء، وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في " باب
(13/221)

تمني المريض الموت من كتاب المرضى " قال النووي في الحديث التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من فاقة أو محنة بعدو ونحوه من مشاق الدنيا، فأما إذا خاف ضررا أو فتنة في دينه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث، وقد فعله خلائق من السلف بذلك وفيه أن من خالف فلم يصبر على الضر وتمنى الموت لضر نزل به فليقل الدعاء المذكور. قلت: ظاهر الحديث المنع مطلقا والاقتصار على الدعاء مطلقا، لكن الذي قاله الشيخ لا بأس به لمن وقع منه التمني ليكون عونا على ترك التمني. قوله: "إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب" كذا لهم بالنصب فيهما وهو على تقدير عامل نصب نحو يكون، ووقع في رواية أحمد عن عبد الرزاق بالرفع فيهما، وكذا في رواية إبراهيم بن سعد المذكورة وهي واضحة، وقوله: "يستعتب " أي يسترضى الله بالإقلاع والاستغفار والاستعتاب طلب الإعتاب والهمزة للإزالة أي يطلب إزالة العتاب، عاتبه: لامه، وأعتبه: أزال عتابه: قال الكرماني وهو مما جاء على غير القياس إذ الاستفعال إنما ينبني من الثلاثي لا من المزيد فيه انتهى، وظاهر الحديث انحصار حال المكلف في هاتين الحالتين، وبقي قسم ثالث وهو أن يكون مخلطا فيستمر على ذلك أو يزيد إحسانا أو يزيد إساءة أو يكون محسنا فينقلب مسيئا أو يكون مسيئا فيزداد إساءة، والجواب أن ذلك خرج مخرج الغالب لأن غالب حال المؤمنين ذلك، ولا سيما والمخاطب بذلك شفاها الصحابة، وقد تقدم بيان ذلك مبسوطا مع شرحه هناك، وقد خطر لي في معنى الحديث أن فيه إشارة إلى تغبيط المحسن بإحسانه وتحذير المسيء من إساءته، فكأنه يقول: من كان محسنا فليترك تمني الموت وليستمر على إحسانه والازدياد منه، ومن كان مسيئا فليترك تمني الموت وليقلع عن الإساءة لئلا يموت على إساءته فيكون على خطر، وأما من عدا ذلك ممن تضمنه التقسيم فيؤخذ حكمه من هاتين الحالتين إذ لا انفكاك عن أحدهما والله أعلم. تنبيه: أورد البخاري في " كتاب الأدب " في هذه الترجمة حديث أبي هريرة رفعه: "إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى فإنه لا يدري ما يعطي وهو عنده " من رواية عمر بن أبي سلمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة وليس على شرطه فلم يعرج عليه في الصحيح.
(13/222)