باب الِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
 
7298 - حدثنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ
قوله: "باب الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم" الأصل فيه قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وقد ذهب جمع إلى وجوبه لدخوله في عموم الأمر بقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} وبقوله: {فاتبعوني يحببكم الله} وبقوله تعالى: {َاتَّبِعُوهُ} فيجب اتباعه في فعله كما يجب في قوله حتى يقوم دليل على الندب أو الخصوصية. وقال آخرون: يحتمل الوجوب والندب والإباحة فيحتاج إلى القرينة، والجمهور. للندب إذا ظهر وجه القربة، وقيل ولو لم يظهر، ومنهم من فصل بين التكرار وعدمه. وقال آخرون ما يفعله صلى الله عليه وسلم إن كان بيانا لمجمل فحكمه حكم ذلك المجمل وجوبا أو ندبا أو إباحة، فإن ظهر وجه القربة فللندب وما لم يظهر فيه وجه التقرب فللإباحة، وأما تقريره على ما يفعل بحضرته فيدل على الجواز، والمسألة مبسوطة في أصول الفقه، ويتعلق بها تعارض قوله وفعله، ويتفرع من ذلك حكم الخصائص وقد أفردت بالتصنيف، ولشيخ شيوخنا الحافظ صلاح الدين العلائي فيه مصنف جليل، وحاصل ما ذكر فيه ثلاثة أقوال أحدها يقدم القول لأن له صيغة تتضمن المعاني بخلاف الفعل، ثانيها الفعل لأنه لا يطرقه من الاحتمال ما يطرق القول، ثالثها يفزع إلى الترجيح، وكل ذلك محله
(13/274)

ما لم تقم قرينة تدل على الخصوصية، وذهب الجمهور إلى الأول، والحجة له أن القول يعبر به عن المحسوس والمعقول بخلاف الفعل فيختص بالمحسوس، فكان القول أتم، وبأن القول متفق على أنه دليل بخلاف الفعل، ولأن القول يدل بنفسه بخلاف الفعل فيحتاج إلى واسطة، وبأن تقديم الفعل يفضي إلى ترك العمل بالقول والعمل بالقول يمكن معه العمل بما دل عليه الفعل فكان القول أرجح بهذه الاعتبارات. فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَنَبَذَهُ وَقَالَ إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ قوله: "حدثنا سفيان" هو الثوري كما جزم به المزي. قوله: "عن ابن عمر" في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي نعيم بسنده سمعت ابن عمر. قوله: "فاتخذ الناس خواتيم من ذهب" وفيه: "فنبذه وقال: إني لم ألبسه أبدا فنبذ الناس خواتيمهم " اقتصر على هذا المثال لاشتماله على تأسيهم به في الفعل والترك، وقد تقدم شرح ما يتعلق بخاتم الذهب في " كتاب اللباس " قال ابن بطال بعد أن حكى الاختلاف في أفعاله عليه الصلاة والسلام محتجا لمن قال بالوجوب بحديث الباب، لأنه خلع خاتمه فخلعوا خواتمهم، ونزع نعله في الصلاة فنزعوا، ولما أمرهم عام الحديبية بالتحلل وتأخروا عن المبادرة رجاء أن يأذن لهم في القتال وأن ينصروا فيكملوا عمرتهم، قالت له أم سلمة أخرج إليهم واحلق واذبح ففعل فتابعوه مسرعين، فدل ذلك على أن الفعل أبلغ من القول، ولما نهاهم عن الوصال قالوا إنك تواصل، فقال: إني أطعم وأسقى فلولا أن لهم الاقتداء به لقال: وما في مواصلتي ما يبيح لكم الوصال، لكنه عدل عن ذلك وبين لهم وجه اختصاصه بالمواصلة انتهى. وليس في جميع ما ذكره ما يدل على المدعي من الوجوب، بل على مطلق التأسي به والعلم عند الله تعالى.
(13/275)