باب قَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}
 
وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
7347 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَم بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ أَلاَ تُصَلُّونَ فَقَالَ عَلِيٌّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ سَمِعَهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ يُقَالُ مَا أَتَاكَ لَيْلًا فَهُوَ طَارِقٌ وَيُقَالُ الطَّارِقُ النَّجْمُ وَ الثَّاقِبُ الْمُضِيءُ يُقَالُ أَثْقِبْ نَارَكَ لِلْمُوقِدِ
(13/313)

7348 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا فَقَالُوا قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أُرِيدُ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا فَقَالُوا قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أُرِيدُ ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ فَقَالَ اعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ وَإِلاَ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
قوله: "باب {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} ، وقوله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} "ذكر فيه حديثين: حديث علي في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا تصلون " وجوابه بقوله: "إنما أنفسنا بيد الله " وتلاوة النبي صلى الله عليه وسلم الآية، وهو متعلق بالركن الأول من الترجمة. وحديث أبي هريرة في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في بيت مدراسهم، وهو متعلق بالركن الثاني منها كما سأذكره. قال الكرماني الجدال: هو الخصام ومنه قبيح وحسن وأحسن، فما كان للفرائض فهو أحسن، وما كان للمستحبات فهو حسن، وما كان لغير ذلك فهو قبيح، قال: أو هو تابع للطريق، فباعتباره يتنوع أنواعا وهذا هو الظاهر انتهى. ويلزم على الأول أن يكون في المباح قبيحا، وفاته تنويع القبيح إلى أقبح وهو ما كان في الحرام، وقد تقدم شرح حديث علي في الدعوات، ويؤخذ منه أن عليا ترك فعل الأولى، وإن كان ما احتج به متجها، ومن ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم الآية ولم يلزمه مع ذلك بالقيام إلى الصلاة، ولو كان امتثل وقام لكان أولى، ويؤخذ منه الإشارة إلى مراتب الجدال فإذا كان فيما لا بد له منه تعين نصر الحق بالحق، فإن جاوز الذي ينكر عليه المأمور نسب إلى التقصير، وإن كان في مباح اكتفى فيه بمجرد الأمر والإشارة إلى ترك الأولى، وفيه أن الإنسان طبع على الدفاع عن نفسه بالقول والفعل، وأنه ينبغي له أن يجاهد نفسه أن يقبل النصيحة ولو كانت في غير واجب. وأن لا يدفع إلا بطريق معتدلة من غير إفراط ولا تفريط، ونقل ابن بطال عن المهلب ما ملخصه: أن عليا لم يكن له أن يدفع ما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إليه من الصلاة بقوله ذلك، بل كان عليه الاعتصام بقوله، فلا حجة لأحد في ترك المأمور انتهى، ومن أين له أن عليا لم يمتثل ما دعاه إليه فليس في القصة تصريح بذلك، وإنما أجاب على بما ذكر اعتذارا عن تركه القيام بغلبة النوم، ولا يمتنع أنه صلى عقب هذه المراجعة إذ ليس في الخبر ما ينفيه. وقال الكرماني حرضهم النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار الكسب والقدرة الكاسبة، وأجاب علي باعتبار القضاء والقدر، قال: وضرب النبي صلى الله عليه وسلم فخذه تعجبا من سرعة جواب علي، ويحتمل أن يكون تسليما لما قال: وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة، في هذا الحديث من الفوائد مشروعية التذكير للغافل خصوصا القريب والصاحب، لأن الغفلة من طبع البشر فينبغي للمرء أن يتفقد نفسه ومن يحبه بتذكير الخير والعون عليه، وفيه أن الاعتراض بأثر الحكمة لا يناسبه الجواب. بأثر القدرة، وأن للعالم إذا تكلم بمقتضى الحكمة في أمر غير واجب، أن يكتفي من الذي كلمه في احتجاجه بالقدرة، يؤخذ الأول من ضربه صلى الله عليه وسلم على فخذه، والثاني من عدم إنكاره بالقول صريحا.قال: وإنما لم يشافهه بقوله {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} لعلمه أن عليا
(13/314)

لا يجهل أن الجواب بالقدرة ليس من الحكمة، بل يحتمل أن لهما عذرا يمنعهما من الصلاة فاستحيا على من ذكره، فأراد دفع الخجل عن نفسه وعن أهله فاحتج بالقدرة، ويؤيده رجوعه صلى الله عليه وسلم عنهم مسرعا، قال: ويحتمل أن يكون علي أراد بما قال استدعاء جواب يزداد به فائدة، وفيه جواز محادثة الشخص نفسه فيما يتعلق بغيره، وجواز ضربه بعض أعضائه عند التعجب وكذا الأسف، ويستفاد من القصة أن من شأن العبودية أن لا يطلب لها مع مقتضى الشرع معذرة إلا الاعتراف بالتقصير والأخذ في الاستغفار، وفيه فضيلة ظاهرة لعلي من جهة عظم تواضعه لكونه روى هذا الحديث مع ما يشعر به عند من لا يعرف مقداره أنه يوجب غاية العتاب، فلم يلتفت لذلك بل حدث به لما فيه من الفوائد الدينية انتهى ملخصا. وقوله في السند الثاني " حدثني محمد " وقع عند النسفي غير منسوب، ووقع عند أبي ذر وغيره منسوبا " محمد بن سلام " و " عتاب " بالمهملة وتشديد المثناة وآخره موحدة، وأبوه " بشير " بموحدة ومعجمة وزن عظيم، و " إسحاق " عند النسفي وأبي ذر غير منسوب، ونسب عند الباقين " ابن راشد " وساق المتن على لفظه، ومضى في التهجد على لفظ شعيب بن أبي حمزة، ويأتي في التوحيد من طريق شعيب وابن أبي عتيق مجموعا وساقه على لفظ ابن أبي عتيق. قوله: "طرقه وفاطمة" زاد شعيب " ليلة " قوله: "ألا تصلون" في رواية شعيب " ألا تصليان " بالتثنية، والأول محمول على ضم من يتبعهما إليهما أو للتعظيم أو لأن أقل الجمع اثنان، وقوله: "حين قال له ذلك " فيه التفات، ومضى في رواية شعيب بلفظ: "حين قلت له " وكذا قوله: "سمعه " في رواية شعيب " سمعته " وقوله: "وهو مدبر " بضم أوله وكسر الموحدة أي مول بتشدد اللام كما في رواية شعيب، ووقع هنا عند الكشميهني: "وهو منصرف". قوله: "قال أبو عبد الله" هو المصنف "يقال ما أتاك ليلا فهو طارق" كذا لأبي ذر وسقط للنسفي وثبت للباقين لكن بدون " يقال: "وقد تقدم الكلام عليه في سورة الطارق. قوله: "عن سعيد" هو ابن أبي سعيد المقبري. قوله: "بيت المدراس" تقدم الكلام عليه في " كتاب الإكراه " قريبا، وقوله في آخره: "ذلك أريد " بضم أوله بصيغة المضارعة من الإرادة: أي أريد أن تقروا بأني بلغت، لأن التبليغ هو الذي أمر به، ووقع في رواية أبي زيد المروزي فيما ذكره القابسي بفتح أوله وبزاي معجمة، وأطبقوا على أنه تصحيف لكن وجهه بعضهم بأن معناه أكرر مقالتي مبالغة في التبليغ، قال المهلب: بعد أن قرر أنه يتعلق بالركن الثاني من الترجمة وجه ذلك أنه بلغ اليهود ودعاهم إلى الإسلام والاعتصام به، فقالوا بلغت ولم يذعنوا لطاعته فبالغ في تبليغهم وكرره، وهذه مجادلة بالتي هي أحسن، وهو في ذلك موافق لقول مجاهد أنها نزلت فيمن لم يؤمن منهم وله عهد، أخرجه الطبري، وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: المراد " ممن ظلم منهم " من استمر على أمره، وعن قتادة هي منسوخة بآية السيف انتهى، والذي أخرجه الطبري بسند صحيح عن مجاهد " إن قالوا شرا فقولوا خيرا إلا الذين ظلموا منهم فانتصروا منهم " وبسند فيه ضعف " قال إلا من ظلم من قاتل ولم يعط الجزية " وأخرج بسند حسن عن سعيد بن جبير قال: هم أهل الحرب من لا عهد له جادله بالسيف، ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المراد: من آمن من أهل الكتاب نهى عن مجادلتهم فيما يحدثون به من الكتاب، لعله يكون حقا لا تعلمه أنت ولا ينبغي أن تجادل إلا المقيم منهم على دينه، وبسند صحيح عن قتادة هي منسوخة بآية براءة، أن يقاتلوا حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله أو يؤدوا الجزية، ورجح الطبري قول من قال: المراد من امتنع من أداء الجزية، قال: ومن
(13/315)

أداها وإن كان ظالما لنفسه باستمراره على كفره، لكن المراد في هذا الآية: من ظلم أهل الإسلام فحاربهم وامتنع من الإسلام " أو بذل الجزية ورد على من ادعى النسخ، لكونه لا يثبت إلا بدليل والله أعلم، وحاصل ما رجحه أنه أمر بمجادلة أهل الكتاب بالبيان والحجة بطريق الإنصاف ممن عاند منهم، فمفهوم الآية: جواز مجادلته بغير التي هي أحسن وهي المجادلة بالسيف والله أعلم.
(13/316)