باب الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ أَحْكَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ ظَاهِرَةً وَمَا كَانَ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُورِ الإِسْلاَمِ
 
7353 - حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن بن جريج حدثني عطاء عن عبيد بن عمير قال "استأذن أبو
(13/320)

موسى على عمر فكأنه وجده مشغولا فرجع فقال عمر ألم عبد الله بن قيس ائذنوا له فدعي له فقال ما حملك على ما صنعت فقال إنا كنا نؤمر بهذا قال فأتني على هذا ببينة أو لأفعلن بك فانطلق إلى مجلس من الأنصار فقالوا لا يشهد إلا أصاغرنا فقام أبو سعيد الخدري فقال قد كنا نؤمر بهذا فقال عمر خفي علي هذا من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألهاني الصفق بالأسواق"
7354 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الأَعْرَجِ يَقُولُ أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ وَكَانَتْ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمْ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ فَشَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَالَ مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي ثُمَّ يَقْبِضْهُ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ
قوله: "باب الحجة على من قال أن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم كانت ظاهرة" أي للناس لا تخفي إلا على النادر، وقوله: "وما كان يغيب بعضهم عن مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وأمور الإسلام " كذا للأكثر وفي رواية النسفي وعليها شرح ابن بطال " مشاهده " ولبعضهم " مشهد " بالإفراد، ووقع في مستخرج أبي نعيم " وما كان يفيد بعضهم بعضا " بالفاء والدال من الإفادة ولم أره لغيره: "وما " في قوله: "ما كان " موصولة، وجوز بعضهم أن تكون نافية، وأنها من بقية القول المذكور، وظاهر السياق يأباه، وهذه الترجمة معقودة لبيان أن كثيرا من الأكابر من الصحابة كان يغيب عن بعض ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم أو يفعله من الأعمال التكليفية، فيستمر على ما كان اطلع عليه هو إما على المنسوخ لعدم اطلاعه على ناسخه، وإما على البراءة الأصلية، وإذا تقرر ذلك قامت الحجة على من قدم عمل الصحابي الكبير، ولا سيما إذا كان قد ولى الحكم على رواية غيره متمسكا بأن ذلك الكبير لولا أن عنده ما هو أقوى من تلك الرواية لما خالفها، ويرده أن في اعتماد ذلك ترك المحقق للمظنون وقال ابن بطال أراد الرد على الرافضة والخوارج الذين يزعمون أن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم وسننه منقولة عنه نقل تواتر، وأنه لا يجوز العمل بما لم ينقل متواترا، قال: وقولهم مردود بما صح أن الصحابة كان يأخذ بعضهم عن بعض، ورجع بعضهم إلى ما رواه غيره، وانعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد. قلت: وقد عقد البيهقي في المدخل باب الدليل على أنه قد يعزب على المتقدم الصحبة الواسع العلم الذي يعلمه غيره، ثم ذكر حديث أبي بكر في الجدة وهو في الموطأ، وحديث عمر في الاستئذان وهو المذكور في هذا الباب، وحديث ابن مسعود في الرجل الذي عقد على امرأة ثم طلقها فأراد أن يتزوج أمها، فقال: لا بأس وإجازته بيع الفضة المكسرة بالصحيحة متفاضلا، ثم رجوعه عن الأمرين معا لما سمع من غيره من الصحابة النهي عنهما، وأشياء غير ذلك، وذكر فيه حديث البراء " ليس كلنا كان يسمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، كانت لنا صنعة وأشغال، ولكن كان الناس لا يكذبون، فيحدث الشاهد الغائب " وسنده ضعيف. وكذا حديث أنس " ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه ولكن لم يكذب بعضنا بعضا " ثم سرد ما رواه
(13/321)

صحابي عن صحابي مما وقع في الصحيحين. وقال في هذا دلالة على إتقانهم في الرواية، وفيه أبين الحجة وأوضح الدلالة على تثبيت خبر الواحد، وأن بعض السنن كان يخفي عن بعضهم، وأن الشاهد منهم كان يبلغ الغائب ما شهد، وأن الغائب كان يقبله ممن حدثه ويعتمده ويعمل به. قلت: خبر الواحد في الاصطلاح خلاف المتواتر، سواء كان من رواية شخص واحد أو أكثر، وهو المراد بما وقع فيه الاختلاف ويدخل فيه خبر الشخص الواحد دخولا أوليا، ولا يرد على من عمل به ما وقع في حديث الباب من طلب عمر من أبي موسى البينة على حديث الاستئذان فإنه لم يخرج مع شهادة أبي سعيد له وغيره عن كونه خبر واحد، وإنما طلب عمر من أبي موسى البينة للاحتياط كما تقدم شرحه واضحا في " كتاب الاستئذان " وإلا فقد قبل عمر حديث عبد الرحمن ابن عوف في أخذ الجزية من المجوس، وحديثه في الطاعون، وحديث عمرو بن حزم في التسوية بين الأصابع في الدية، وحديث الضحاك بن سفيان في توريث المرأة من دية زوجها، وحديث سعد بن أبي وقاص في المسح على الخفين إلى غير ذلك، وتقدم في العلم من حديث عمر أنه كان يتناوب النبي صلى الله عليه وسلم هو ورجل من الأنصار فينزل هذا يوما وهذا يوما، ويخبر كل منهما الآخر بما غاب عنه، وكان غرضه بذلك تحصيل ما يقوم بحاله وحال عياله ليغني عن الاحتياج لغيره، ليتقوى على ما هو بصدده من الجهاد، وفيه أنه لا يشترط على من أمكنته المشافهة أن يعتمدها، ولا يكتفي بالواسطة لثبوت ذلك من فعل الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بغير نكير، وأما حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب، فإن فيه بيان السبب في خفاء بعض السنن على بعض كبار الصحابة، وقوله وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وهو موافق لقول عمر في الذي قبله " ألهاني الصفق بالأسواق " يشير إلى أنهم كانوا أصحاب تجارة، وقد تقدم ذلك في أوائل البيوع، وتوجيه قول عمر " ألهاني " واختلف على الزهري في الواسطة بينه وبين أبي هريرة فيه كما بينته في العلم، وتقدم عنه من رواية مالك مثله لكن عند مالك زيادة ليست في رواية سفيان هذه، وهي قوله: "ولولا آيتان من كتاب الله " وفي رواية سفيان مما ليس في رواية مالك قوله: "والله الموعد " وكذلك ما في آخره كما سأبينه، وأما إبراهيم بن سعد فذكر الحديث بتمامه فهو أتم الجميع سياقا، وثبت ذلك في رواية شعيب في البيوع بزيادة سأبينها لكن لم يقع عنده ذكر الآيتين، وقد تقدم هذا الحديث في العلم من طريق مالك، وفي المزارعة من طريق إبراهيم بن سعد كلاهما عن الزهري عن الأعرج، وتقدم في أول البيوع من رواية شعيب وأخرجه مسلم من رواية يونس كلاهما عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة. قوله: "إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث" في رواية مالك " إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان ابن شهاب يذكر قيل هذا حديثه عن عروة أنه حدثه عن عائشة قالت: ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث، يسمعني ذلك ولو أدركته لرددت عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم، فذكر الحديث. ثم يقول: قال سعيد بن المسيب " قال: يقولون إن أبا هريرة قد أكثر " هكذا أخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب. وحديث عائشة تقدم في الترجمة النبوية من طريق الليث عن يونس بن يزيد معلقا، وتقدم شرحه هناك، وتقدم أيضا في الجنائز من طريق جرير بن حازم عن نافع قال: "حدث ابن عمر أن أبا هريرة يقول: "فذكر الحديث في فضل اتباع الجنائز فقال ابن عمر " أكثر علينا أبو هريرة فصدقت عائشة أبا هريرة " أي في الحديث المذكور، وقوله: "على " يتعلق بقوله: "يكثر " ولو تعلق بقوله: "الحديث: "لقال عن. قوله: "والله الموعد" تقدم
(13/322)

شرحها في " كتاب المزارعة " زاد شعيب بن أبي حمزة في روايته: ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث أبي هريرة، في رواية يونس عند مسلم مثل أحاديثه وزاد: سأخبركم عن ذلك وتقدم في المزارعة نحو هذا ونبهت على ذلك في " كتاب العلم". قوله: "إني كنت امرأ مسكينا" في رواية مسلم: "رجلا". قوله: "ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية مسلم أخدم. قوله: "على ملء بطني" بكسر الميم وبهمزة آخره أي بسبب شبعي، أي إن السبب الأصلي الذي اقتضى له كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ملازمته له ليجد ما يأكله، لأنه لم يكن له شيء يتجر فيه، ولا أرض يزرعها ولا يعمل فيها، فكان لا ينقطع عنه خشية أن يفوته القوت، فيحصل في هذه الملازمة من سماع الأقوال ورواية الأفعال ما لا يحصل لغيره ممن لم يلازمه ملازمته، وأعانه على استمرار حفظه لذلك ما أشار إليه من الدعوة النبوية له بذلك. قوله: "وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق" في وراية يونس " وإن إخواني من المهاجرين". قوله: "وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم" في رواية يونس " وأن إخواني عن الأنصار كان يشغلهم عمل أرضهم " وفي رواية شعيب " عمل أموالهم " وقد تقدم بيان ذلك قريبا، وزاد في رواية يونس " فيشهد إذا غابوا ويحفظ إذا نسوا". وفي رواية شعيب " وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة أعي حيث ينسون". قوله: "فشهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم" في رواية شعيب " وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في حديث يحدثه". قوله: "من يبسط رداءه" في رواية الكشميهني: "من بسط " بلفظ الفعل الماضي. قوله: "فلم ينس" في رواية الكشميهني: "فلن ينسى " ونقل ابن التين أنه وقع في رواية: "فلن ينس " بالنون وبالجزم، وذكر أن القزاز نقل عن بعض البصريين: أن من العرب من يجزم بلن قال: وما وجدت له شاهدا، وأقره ابن التين ومن تبعه، وقد ذكر غيره لذلك شاهدا وهو قول الشاعر:
لن يحب اليوم من رجائك من ... حرك من دون بابك الحلقة
وفيه نظر لأنه يصح أن يكون في الأصل " لم " الجازمة فتغيرت بلن، لكن إن كان محفوظا فلعل الشاعر قصد " لن " لكونها أبلغ هنا في المدح من لم والله أعلم. وتقدم في باب الأمن من " كتاب التعبير " توجيه ابن مالك لنظير هذا في قول " لن ترع " وحكايته عن الكسائي أن الجزم بلن لغة لبعض العرب، قوله: "فبسطت بردة" في رواية شعيب " نمرة " وتقدم تفسيرها في أول البيوع، وذكر في العلم بيان الاختلاف في المراد بقوله: "ما نسيت شيئا سمعته منه".
(13/323)