باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} , {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}
 
وَأَنَّ الْمُشَاوَرَةَ قَبْلَ الْعَزْمِ وَالتَّبَيُّنِ لِقَوْلِهِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِذَا عَزَمَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ التَّقَدُّمُ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَشَاوَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْمُقَامِ وَالْخُرُوجِ فَرَأَوْا لَهُ الْخُرُوجَ فَلَمَّا لَبِسَ لاَمَتَهُ وَعَزَمَ قَالُوا أَقِمْ فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْعَزْمِ وَقَالَ لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لاَمَتَهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَشَاوَرَ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ فِيمَا رَمَى بِهِ أَهْلُ الإِفْكِ عَائِشَةَ فَسَمِعَ مِنْهُمَا حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ فَجَلَدَ الرَّامِينَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى تَنَازُعِهِمْ وَلَكِنْ حَكَمَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَكَانَتْ الأَئِمَّةُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَشِيرُونَ الأُمَنَاءَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِيَأْخُذُوا بِأَسْهَلِهَا فَإِذَا وَضَحَ الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ لَمْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ قِتَالَ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ فَقَالَ عُمَرُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَإِذَا قَالُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لاَقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَابَعَهُ بَعْدُ عُمَرُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَشُورَةٍ إِذْ كَانَ عِنْدَهُ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَأَرَادُوا تَبْدِيلَ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَشُورَةِ عُمَرَ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
7369 - حدثنا الأويسي حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن بن شهاب حدثني عروة وابن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله عن عائشة رضي الله عنها "حين قال لها أهل الإفك ما قالوا قالت ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي يسألهما وهو يستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة فأشار بالذي يعلم من براءة أهله وأما علي فقال لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير
(13/339)

وسل الجارية تصدقك فقال هل رأيت من شيء يريبك قالت ما رأيت أمرا أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام على المنبر فقال يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيرا فذكر براءة عائشة
7370 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْغَسَّانِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ مَا تُشِيرُونَ عَلَيَّ فِي قَوْمٍ يَسُبُّونَ أَهْلِي مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُوءٍ قَطُّ وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ لَمَّا أُخْبِرَتْ عَائِشَةُ بِالأَمْرِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْطَلِقَ إِلَى أَهْلِي فَأَذِنَ لَهَا وَأَرْسَلَ مَعَهَا الْغُلاَمَ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ
قوله: "باب قول الله تعالى : {أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ، وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} " هكذا وقعت هذه الترجمة مقدمة على اللتين بعدها عند أبي ذر، ولغيره مؤخرة عنهما وأخرها النسفي أيضا، لكن سقطت عنده ترجمة النهي على التحريم وما معها، فأما الآية الأولى فأخرج البخاري في " الأدب المفرد " وابن أبي حاتم بسند قوي عن الحسن قال: "ما تشاور قوم قط بينهم إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم " وفي لفظ: "إلا عزم الله لهم بالرشد أو بالذي ينفع " وأما الآية الثانية فأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن الحسن أيضا قال: قد علم أنه ما به إليهم حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده، في حديث أبي هريرة " ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم: "ورجاله ثقات إلا أنه منقطع، وقد أشار إليه الترمذي في الجهاد فقال: ويروى عن أبي هريرة فذكره، وتقدم في الشروط من حديث المسور بن مخرمة قوله صلى الله عليه وسلم: "أشيروا علي في هؤلاء القوم، وفيه: جواب أبي بكر وعمر وعمله صلى الله عليه وسلم بما أشارا به وهو في الحديث الطويل في صلح الحديبية. قوله: "وإن المشاورة قبل العزم والتبين بقوله تعالى: {فإذا عزمت فتوكل على الله} وجه الدلالة ما ورد عن قراءة عكرمة وجعفر الصادق بضم التاء من عزمت أي إذا أرشدتك إليه فلا تعدل عنه فكأن المشاورة إنما تشرع عند عدم العزم وهو واضح. وقد اختلف في متعلق المشاورة فقيل في كل شيء ليس فيه نص وقيل في الأمر الدنيوي فقط وقال الداودي إنما كان يشاوره في أمر الحرب مما ليس فيه حكم لأن معرفة الحكم إنما تلتمس منه قال: ومن زعم أنه كان يشاوره في الأحكام فقد غفل غفلة عظيمة وأما في غير الأحكام فربما رأى غيره أو سمع ما لم يسمعه أو يره كما كان يستصحب الدليل في الطريق وقال غيره اللفظ وإن كان عاما لكن المراد به الخصوص للاتفاق على أنه لم يكن يشاورهم في فرائض الأحكام. قلت: وفي هذا الإطلاق نظر فقد أخرج الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان من حديث علي قال: "لما نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} الآية، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ترى؟ دينار. قلت: لا يطيقونه قال: فنصف دينار؟ قلت: لا يطيقونه. قال: فكم؟ قلت شعيرة. قال: إنك لزهيد . فنزلت {أَأَشْفَقْتُمْ}. الآية قال: فبي خفف الله عن هذه الأمة ، ففي هذا الحديث المشاورة في بعض الأحكام. ونقل السهيلي عن ابن عباس أن المشاورة مختصة بأبي بكر وعمر ولعله من تفسير الكلبي ثم وجدت له مستندا في فضائل الصحابة لأسد بن موسى والمعرفة ليعقوب بن سفيان بسند لا بأس به عن عبد الرحمن
(13/340)

ابن غنم بفتح المعجمة وسكون النون وهو مختلف في صحبته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر " لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدا " وقد وقع في حديث أبي قتادة في نومهم في الوادي " إن تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا " لكن لا حجة فيه للتخصيص ووقع في الأدب من رواية طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى {وَشَاوِرْهُمْ فِي} قال في بعض الأمر قيل وهذا تفسير لا تلاوة، ونقله بعضهم قراءة عن ابن مسعود وعد كثير من الشافعية المشاورة في الخصائص واختلفوا في وجوبها فنقل البيهقي في المعرفة الاستحباب عن النص وبه جزم أبو نصر القشيري في تفسيره وهو المرجح. قوله: "فإذا عزم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله" يريد أنه صلى الله عليه وسلم بعد المشورة إذا عزم على فعل أمر مما وقعت عليه المشورة وشرع فيه لم يكن لأحد بعد ذلك أن يشير عليه بخلافه لورود النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله في آية الحجرات وظهر من الجمع بين آية المشورة وبينها تخصيص عمومها بالمشورة فيجوز التقدم لكن بإذنه منه حيث يستشير، وفي غير صورة المشورة لا يجوز لهم التقدم فأباح لهم القول جواب الاستشارة وزجرهم عن الابتداء بالمشورة وغيرها، ويدخل في ذلك الاعتراض على ما يراه بطريق الأولى، ويستفاد من ذلك أن أمره صلى الله عليه وسلم إذا ثبت لم يكن لأحد أن يخالفه ولا يتحيل في مخالفته بل يجعله الأصل الذي يرد إليه ما خالفه لا بالعكس كما يفعل بعض المقلدين، ويغفل عن قوله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الآية. والمشورة بفتح الميم. وضم المعجمة وسكون الواو، وبسكون المعجمة وفتح الواو لغتان والأولى أرجح. قوله: "وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المقام والخروج إلخ" هذا مثال لما ترجم به أنه شاور فإذا عزم لم يرجع، والقدر الذي ذكره هنا مختصر من قصة طويلة لم تقع موصولة في موضع آخر من الجامع الصحيح وقد وصلها الطبراني وصححها الحاكم من رواية عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: "تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر " وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا، أخرج بنا يا رسول الله إليهم نقاتلهم بأحد، ونرجو أن نصيب من الفضيلة ما أصاب أهل بدر، فما زالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لبس لأمته، فلما لبسها ندموا. وقالوا يا رسول الله أقم فالرأي رأيك، فقال ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه " وكان ذكر لهم قبل أن يلبس الأداة أني رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة، وهذا سند حسن وأخرج أحمد والدارمي والنسائي من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر نحوه، وتقدمت الإشارة إليه في " كتاب التعبير " وسنده صحيح ولفظ أحمد "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا تنحر فأولت الدرع الحصينة المدينة، الحديث وقد ساق محمد بن إسحاق هذه القصة في المغازي مطولة، وفيها أن عبد الله بن أبي رأس الخزرج كان رأيه الإقامة فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب وقال أطاعهم وعصاني، فرجع بمن أطاعه وكانوا ثلث الناس. قوله: "فلما لبس لأمته" بسكون الهمزة هي الدرع وقيل الأداة بفتح الهمزة وتخفيف الدال وهي الآلة من درع وبيضة وغيرهما من السلاح، والجمع لأم بسكون الهمزة مثل تمرة وتمر وقد تسهل وتجمع أيضا على لؤم بضم ثم فتح على غير قياس، واستلأم للقتال إذا لبس سلاحه كاملا. قوله: "وشاور عليا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين" قال ابن بطال عن القابسي: الضمير في قوله: "منهما " لعلي وأسامة
(13/341)

وأما جلده الرامين فلم يأت فيه بإسناد. قلت: أما أصل مشاورتهما فذكره موصولا في الباب باختصار وتقدم في قصة الإفك مطولا في تفسير سورة النور مشروحا، وقوله: "فسمع منهما " أي فسمع كلامهما ولم يعمل بجميعه حتى نزل الوحي، أما علي فأومأ إلى الفراق بقوله: "والنساء سواها كثير " وتقدم بيان عذره في ذلك، وأما أسامة فنفى أن يعلم عليها إلا الخير، فلم يعمل بما أومأ إليه على من المفارقة، وعمل بقوله وسل الجارية فسألها وعمل بقول أسامة في عدم المفارقة، ولكنه أذن لها في التوجه إلى بيت أبيها، وأما قوله: "فجلد الرامين " فلم يقع في شيء من طرق حديث الإفك في الصحيحين ولا أحدهما، وهو عند أحمد وأصحاب السنن من رواية محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة " قالت: لما نزلت براءتي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فدعا بهم وحدهم " وفي لفظ: "فأمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم " وسموا في رواية أبي داود مسطح ابن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، قال الترمذي حسن لا نعرفه إلا من حديث ابن إسحاق من هذا الوجه قلت: ووقع التصريح بتحديثه في بعض طرقه، وقد تقدم بسط القول في ذلك في شرح حديث الإفك في التفسير. قوله: "ولم يلتفت إلى تنازعهم ولكن حكم بما أمره الله" قال ابن بطال عن القابسي. كأنه أراد تنازعهما فسقطت الألف لأن المراد أسامة وعلي. وقال الكرماني القياس أن يقال: "تنازعهما، إلا أن يقال إن أقل الجمع اثنان أو أراد بالجمع هما ومن معهما أو من وافقهما على ذلك انتهى. وأخرج الطبراني عن ابن عمر في قصة الإفك، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أي طالب وأسامة بن زيد وبريرة، فكأنه أشار بصيغة الجمع إلى ضم بريرة إلى علي وأسامة لكن استشكله بعضهم بأن ظاهر سياق الحديث الصحيح أنها لم تكن حاضرة لتصريحه بأنه أرسل إليها، وجوابه أن المراد بالتنازع اختلاف قول المذكورين عند مساءلتهم واستشارتهم، وهو أعم من أن يكونوا مجتمعين أو متفرقين ويجوز أن يكون مراده بقوله فلم يلتفت إلى تنازعهم كلا من الفريقين في قصتي أحد والإفك. قوله: "وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها" أي إذا لم يكن فيها نص بحكم معين وكانت على أصل الإباحة، فمراده ما احتمل الفعل والترك احتمالا واحدا، وأما ما عرف وجه الحكم فيه فلا، وأما تقييده بالأمناء فهي صفة موضحة لأن غير المؤتمن لا يستشار ولا يلتفت لقوله، وأما قوله: "بأسهلها " فلعموم الأمر بالأخذ بالتيسير والتسهيل والنهي عن التشديد الذي يدخل المشقة على المسلم، قال الشافعي: إنما يؤمر الحاكم بالمشورة لكون المشير ينبهه على ما يغفل عنه ويدله على مالا يستحضره من الدليل لا ليقلد المشير فيما يقوله، فإن الله لم يجعل هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ورد من استشارة الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخبار كثيرة: منها مشاورة أبي بكر رضي الله عنه في قتال أهل الردة، وقد أشار إليها المصنف. وأخرج البيهقي بسند صحيح عن ميمون بن مهران قال: "كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم، وإن علمه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنة، فإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم " وأن عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك، وتقدم قريبا أن القراء كانوا أصحاب مجلس عمر ومشاورته، ومشاورة عمر الصحابة في حد الخمر تقدمت في " كتاب الحدود " ومشاورة عمر الصحابة في إملاص المرأة تقدمت في الديات، ومشاورة عمر في قتال الفرس تقدمت في الجهاد، ومشاورة عمر المهاجرين والأنصار ثم قريشا لما أرادوا دخول الشام وبلغه أن الطاعون وقع بها، وقد مضى مطولا مع شرحه في " كتاب الطب " وروينا في القطعيات
(13/342)

من رواية إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة فقال سل عنها عليا، قال ولقد شهدت عمر أشكل عليه شيء فقال هاهنا على، وفي كتاب النوادر للحميدي، والطبقات لمحمد بن سعد من رواية سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن - يعني علي بن أبي طالب - ومشاورة عثمان الصحابة أول ما استخلف فيما يفعل بعبيد الله بن عمر لما قتل الهرمزان وغيره، ظنا منه أن لهم في قتل أبيه مدخلا، وهي عند ابن سعد وغيره بسند حسن، ومشاورته الصحابة في جمع الناس على مصحف واحد، أخرجها ابن أبي داود في " كتاب المصاحف " من طرق عن علي منها قوله: "ما فعل عثمان الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا " وسنده حسن. قوله: "ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة إلخ" يشير إلى حديث أبي هريرة الذي تقدم قريبا في باب الاقتداء بالسلف. قوله: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" تقدم موصولا من حديث ابن عباس في " كتاب المحاربين". قوله: "وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولا كانوا أو شبانا" هذا طرف من حديث ابن عباس في قصة الحر بن قيس وعمه عيينة بن حصن؛ وتقديم قريبا في باب الاقتداء بالسلف أيضا بلفظ: "ومشاورته " ووقع بلفظ: "ومشورته " موصولا في التفسير، وقوله في آخره هنا: "وكان وقافا " بقاف ثقيلة أي كثير الوقوف، وهذه الزيادة لم تقع في الطريق الموصولة في باب الاقتداء وإنما وقعت في التفسير، ثم ذكر طرفا من حديث الإفك من طريق صالح بن كيسان عن الزهري، وقد تقدم بطوله في " كتاب المغازي " واقتصر منه على موضع حاجته وهي مشاورة علي وأسامة. وقال في آخره. فذكر براءة عائشة وأشار بذلك إلى أنه هو الذي اختصره وذكر طرفا منه من طريق هشام بن عروة عن أبيه، وقد أورد طريق أبي أسامة عن هشام التي علقها هنا مطولة في " كتاب التفسير " وقد ذكرت هناك من وصلها عن أبي أسامة وشيخه هنا في الطريق الموصولة، هو محمد بن حرب النشائي بنون ومعجمة خفيفة و " يحيى بن أبي زكريا " هو يحيى بن يحيى الشامي نزيل واسط، وهو أكبر من يحيى بن يحيى النيسابوري شيخ الشيخين، و " الغساني " بفتح المعجمة وتشديد المهملة نسبته مشهورة، ووقع في بعض النسخ بضم العين المهملة وتخفيف الشين المعجمة، وهو تصحيف شنيع وقوله فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم: "خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه " تقدم في رواية أبي أسامة أن ذلك كان عقب سماعه كلام بريرة، وفيه: "قام في خطيبا - أي من أجلي - فتشهد وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد". قوله: "ما تشيرون علي" هكذا هنا بلفظ الاستفهام، وتقدم في طريق أبي أسامة بصيغة الأمر " أشيروا علي " والحاصل أنه استشارهم فيما يفعل بمن قذف عائشة، فأشار عليه سعد بن معاذ وأسيد بن حضير بأنهم واقفون عند أمره موافقون له فيما يقول ويفعل، ووقع النزاع في ذلك بين السعدين، فلما نزل عليه الوحي ببراءتها أقام حد القذف على من وقع منه. وقوله: "يسبون أهلي " كذا هنا بالمهملة ثم الموحدة الثقيلة من السب، وتقدم في التفسير بلفظ: "أبنوا " بموحدة ثم نون، وتقدم تفسيره هناك وأن منهم من فسر ذلك بالسب. قوله: "ما علمت عليهم من سوء قط" يعني أهله وجمع باعتبار لفظ الأهل، والقصة إنما كانت لعائشة وحدها لكن لما كان يلزم من سبها سب أبويها ومن هو بسبيل منها؛ وكلهم كانوا بسبب عائشة معدودين في أهله صح الجمع، وقد تقدم في حديث الهجرة الطويل قول أبي بكر " إنما هم أهلك يا رسول الله " يعني عائشة وأمها وأسماء بنت أبي بكر. قوله: "وعن عروة" هو موصول بالسند المذكور، وقوله: "أخبرت " بضم أوله على البناء للمجهول، وقد تقدمت تسمية من أخبرها بذلك.
(13/343)

قوله: "أتأذن لي أن انطلق إلى أهلي" في رواية أبي أسامة " أرسلني إلى بيت أبي". قوله: "وقال رجل من الأنصار إلخ" وقع عند ابن إسحاق أنه أبو أيوب الأنصاري وأخرجه الحاكم من طريقه، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين وأبو بكر الآجري في طرق حديث الإفك، من طريق عطاء الخراساني عن الزهري عن عروة عن عائشة، وتقدم في شرحه في التفسير أن أسامة بن زيد قال ذلك أيضا لكن ليس هو أنصاريا، وفي روايتنا في فوائد محمد بن عبد الله المعروف بابن أخي ميمي من مرسل سعيد بن المسيب وغيره، وكان رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعا شيئا من ذلك قالا سبحانك هذا بهتان عظيم، زيد بن حارثة وأبو أيوب، وزيد أيضا ليس أنصاريا، وفي تفسير سنيد من مرسل سعيد بن جبير أن سعد ابن معاذ لما سمع ما قيل في أمر عائشة قال: "سبحانك هذا بهتان عظيم " وفي الإكليل للحاكم من طريق الواقدي أن أبي بن كعب قال ذلك، وحكي عن المبهمات لابن بشكوال ولم أره أنا فيها أن قتادة بن النعمان قال ذلك " فإن ثبت فقد اجتمع ممن قال ذلك ستة: أربعة من الأنصار ومهاجريان". "تنبيه": وقع في بعض النسخ في هذه الأبواب الثلاثة الأخيرة تقديم وتأخير والخطب فيها سهل "خاتمة": اشتمل " كتاب الاعتصام " من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها على مائة وسبعة وعشرين حديثا، المعلق منها وما في معناه من المتابعة ستة وعشرون حديثا وسائرها موصول، المكرر منها فيه وفيما مضى مائة حديث وعشرة أحاديث والباقي خالص، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة، كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، وحديث عمر: نهينا عن التكلف، وحديث أبي هريرة: في مأخذ القرون، وحديث عائشة: في الرفق وحديثها: لا أزكي به؛ وحديث عثمان: في الخطبة، وحديث أبي سلمة المرسل: في الاجتهاد، وحديث: المشاورة في الخروج إلى أحد، وفيه من الآثار عن الصحابة ومن بعدهم ستة عشر أثرا والله سبحانه وتعالى الهادي إلى الصواب
(13/344)