باب مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي اللَّهِ
 
وَقَالَ خُبَيْبٌ وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ تَعَالَى
7402 - حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي حليف لبني زهرة وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة قال ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة منهم خبيب الأنصاري فأخبرني عبيد الله بن عياض أن ابنة الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه قال خبيب الأنصاري
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان لله مصرعي
على أي شق كان لله مصرعي ... يبارك على أوصال شلو ممزع
فقتله بن الحارث, فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم يوم أصيبوا"
قوله: "باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله عز وجل" أي ما يذكر في ذات الله ونعوته من تجويز إطلاق ذلك كأسمائه، أو منعه لعدم ورود النص به فأما الذات فقال الراغب: هي تأنيث ذو، وهي كلمة يتوصل بها إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع وتضاف إلى الظاهر دون المضمر وتثنى وتجمع ولا يستعمل شيء منها إلا مضافا، وقد استعاروا لفظ الذات لعين الشيء واستعملوها مفردة ومضافة وأدخلوا عليها الألف واللام وأجروها مجرى النفس والخاصة، وليس ذلك من كلام العرب انتهى. وقال عياض ذات الشيء نفسه وحقيقته، وقد استعمل أهل الكلام الذات بالألف واللام، وغلطهم أكثر النحاة وجوزه بعضهم لأنها ترد بمعنى النفس
(13/381)

وحقيقة الشيء، وجاء في الشعر لكنه شاذ، واستعمال البخاري لها دال على ما تقدم من أن المراد بها نفس الشيء على طريقة المتكلمين في حق الله تعالى ففرق بين النعوت والذات. وقال ابن برهان: إطلاق المتكلمين الذات في حق الله تعالى من جهلهم، لأن ذات تأنيث ذو، وهو جلت عظمته لا يصح له إلحاق تاء التأنيث، ولهذا امتنع أن يقال علامة وإن كان أعلم العالمين. قال: وقولهم الصفات الذاتية جهل منهم أيضا لأن النسب إلى ذات: ذوي. وقال التاج الكندي في الرد على الخطيب بن نباتة في قوله كنه ذاته ذات، بمعنى صاحبة تأنيث ذو وليس لها في اللغة مدلول غير ذلك، وإطلاق المتكلمين وغيرهم الذات بمعنى النفس خطأ عند المحققين، وتعقب بأن الممتنع استعمالها بمعنى صاحبة، أما إذا قطعت عن هذا المعنى واستعملت بمعنى الاسمية فلا محذور لقوله تعالى :{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُو} أي بنفس الصدور، وقد حكى المطرزي كل ذات شيء وليس كل شيء ذاتا، وأنشد أبو الحسين فارس:
فنعم ابن عم القوم في ذات ماله ... إذا كان بعض القوم في ماله وفر
ويحتمل أن تكون " ذات " هنا مقحمة كما في قولهم ذات ليلة، وقد ذكرت ما فيه في " كتاب العلم " في باب العظة بالليل. وقال النووي في تهذيبه: وأما قولهم - أي الفقهاء - في باب الأيمان فإن حلف بصفة من صفات الذات، وقول المهذب اللون كالسواد والبياض أعراض تحل الذات فمرادها بالذات الحقيقة وهو اصطلاح المتكلمين وقد أنكره بعض الأدباء وقال لا يعرف في لغة العرب ذات بمعنى حقيقة، قال وهذا الإنكار منكر فقد قال الواحدي في قوله تعالى :{فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} قال ثعلب أي الحالة التي بينكم فالتأنيث عنده لحالة. وقال: الزجاج معنى ذات حقيقة والمراد بالبين الوصل، فالتقدير: فأصلحوا حقيقة وصلكم، قال فذات عنده بمعنى النفس. وقال غيره ذات هنا كناية عن المنازعة فأمروا بالموافقة، وتقدم في أواخر النفقات شيء آخر في معنى ذات يده، وأما " النعوت " فإنها جمع نعت وهو الوصف، يقال نعت فلان نعتا مثل وصفه وصفا وزنه ومعناه، وقد تقدم البحث في إطلاق الصفة في أوائل " كتاب التوحيد " وأما " الأسامي " فهي جمع اسم وتجمع أيضا على أسماء قال ابن بطال أسماء الله تعالى على ثلاثة أضرب أحدها يرجع إلى ذاته وهو الله، والثاني يرجع إلى صفة قائمة به كالحي، والثالث يرجع إلى فعله كالخالق؛ وطريق إثباتها السمع، والفرق بين صفات الذات وصفات الفعل أن صفات الذات قائمة به وصفات الفعل ثابتة له بالقدرة ووجود المفعول بإرادته جل وعلا. قوله: "وقال خبيب" بالمعجمة والموحدة مصغر هو ابن عدي الأنصاري. قوله: "وذلك في ذات الإله" يشير إلى البيت المذكور في الحديث المساق في الباب، وقد تقدم شرحه مستوفى في المغازي، وتقدم في " كتاب الجهاد " في باب هل يستأسر الرجل.قوله: "فذكر الذات باسمه تعالى" أي ذكر الذات متلبسا باسم الله، أو ذكر حقيقة الله بلفظ الذات قاله الكرماني. قلت: وظاهر لفظه أن مراده أضاف لفظ الذات إلى اسم الله تعالى، وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره فكان جائزا. وقال الكرماني " قيل ليس فيه: "يعني قوله ذات الإله دلالة على الترجمة لأنه لم يرد بالذات الحقيقة التي هي مراد البخاري وإنما مراده وذلك في طاعة الله أو في سبيل الله، وقد يجاب بأن غرضه جواز إطلاق الذات في الجملة انتهى. والاعتراض أقوى من الجواب وأصل الاعتراض للشيخ تقي الدين السبكي فيما أخبرني به عنه شيخنا أبو الفضل الحافظ، وقد ترجم البيهقي في الأسماء والصفات ما جاء في الذات، وأورد حديث أبي هريرة المتفق عليه في ذكر إبراهيم عليه
(13/382)

السلام " إلا ثلاث كذبا اثنتين في ذات الله " وتقدم شرحه في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء، وحديث أبي هريرة المذكور في الباب، وحديث ابن عباس " تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله " موقوف وسنده جيد، وحديث أبي الدرداء " لا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله " ورجاله ثقات إلا أنه منقطع، ولفظ ذات في الأحاديث المذكورة بمعنى من أجل أو بمعنى حق، ومثله قول حسان:
وإن أخا الأحقاف إذ قام فيهم ... يجاهد في ذات الإله ويعدل
وهي كقوله تعالى حكاية عن قول القائل: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله، فالذي يظهر أن المراد جواز إطلاق لفظ ذات لا بالمعنى الذي أحدثه المتكلمون ولكنه غير مردود إذا عرف أن المراد به النفس لثبوت لفظ النفس في الكتاب العزيز، ولهذه النكتة عقب المصنف بترجمة النفس، وسيأتي في باب الوجه أنه ورد بمعنى الرضا وقال ابن دقيق العيد في العقيدة: تقول في الصفات المشكلة أنها حق وصدق على المعنى الذي أراده الله، ومن تأولها نظرنا فإن كان تأويله قريبا على مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه، وإن كان بعيدا توقفنا عنه ورجعنا إلى التصديق مع التنزيه. وما كان منها معناه ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب حملناه عليه لقوله: "على ما فرطت في جنب الله " فإن المراد به في استعمالهم الشائع حق الله فلا يتوقف في حمله عليه، وكذا قوله: "إن قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن " فإن المراد به إرادة قلب ابن آدم مصرفة بقدرة الله وما يوقعه فيه، وكذا قوله تعالى :{فأتى الله بنيانهم من القواعد} معناه خرب الله بنيانهم، وقوله: {إنما نطعمكم لوجه الله} معناه لأجل الله، وقس على ذلك وهو تفصيل بالغ قل من تيقظ له. وقال غيره اتفق المحققون على أن حقيقة الله مخالفة لسائر الحقائق، وذهب بعض أهل الكلام إلى أنها من حيث إنها ذات مساوية لسائر الذوات، وإنما تمتاز عنها بالصفات التي تختص بها كوجوب الوجود، والقدرة التامة، والعلم التام، وتعقب بأن الأشياء المتساوية في تمام الحقيقة يجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر " فيلزم من دعوى التساوي المحال، وبأن أصل ما ذكروه قياس الغائب على الشاهد وهو أصل كل خبط، والصواب الإمساك عن أمثال هذه المباحث والتفويض إلى الله في جميعها والاكتفاء بالإيمان بكل ما أوجب الله في كتابه أو على لسان نبيه إثباته له أو تنزيهه عنه على طريق الإجمال وبالله التوفيق، ولو لم يكن في ترجيح التفويض على التأويل إلا أن صاحب التأويل ليس جازما بتأويله بخلاف صاحب التفويض.
(13/383)