باب قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ
 
فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ شَيْئًا وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ شَيْئًا وَهُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ
7417 - حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل "أمعك من القرآن شيء قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها"
قوله: "باب" بالتنوين "قل أي شيء أكبر شهادة؟ قل الله. فسمى الله تعالى نفسه شيئا" كذا لأبي ذر والقابسي وسقط لفظ: "باب " لغيرهما من رواية الفربري، وسقطت الترجمة من رواية النسفي وذكر قوله: "قل أي شيء أكبر شهادة " وحديث سهل بن سعد بعد أثرى أبي العالية ومجاهد في تفسير "استوى على العرش" ووقع عند الأصيلي وكريم " قل أي شيء أكبر شهادة؟ - سمى الله نفسه شيئا - قل الله " والأول أولى وتوجيه الترجمة أن لفظ: "أي " إذا جاءت استفهامية اقتضى الظاهر أن يكون سمى باسم ما أضيف إليه، فعلى هذا يصح أن يسمى الله شيئا وتكون الجلالة خبر مبتدأ محذوف أي ذلك الشيء هو الله، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير الله أكبر شهادة والله أعلم. قوله: "وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئا وهو صفة من صفات الله" يشير إلى الحديث الذي أورده من حديث سهل بن سعد وفيه: "أمعك من القرآن شيء " وهو مختصر من حديث طويل في قصة الواهبة تقدم بطوله مشروحا في " كتاب النكاح " وتوجيهه أن بعض القرآن قرآن وقد سماه الله شيئا. قوله: {وقال كل شيء هالك إلا وجهه} الاستدلال بهذه الآية للمطلوب ينبني على أن الاستثناء فيها متصل، فإنه يقتضي اندراج المستثنى في المستثنى منه وهو الراجح، على أن لفظ شيء يطلق على الله تعالى وهو الراجح أيضا، والمراد بالوجه الذات وتوجيهه أنه عبر عن الجملة بأشهر ما فيها، ويحتمل أن يراد بالوجه ما يعمل لأجل الله أو الجاه، وقيل إن الاستثناء منقطع والتقدير: لكن هو سبحانه لا يهلك، والشيء يساوي الموجود لغة وعرفا، وأما قولهم فلان ليس بشيء فهو على طريق المبالغة في الذم، فلذلك وصفه بصفة المعدوم، وأشار ابن بطال إلى أن البخاري انتزع هذه الترجمة من كلام عبد العزيز بن يحيى المكي فإنه قال في " كتاب الحيدة " سمى الله تعالى نفسه شيئا إثباتا لوجوده ونفيا للعدم عنه، وكذا أجرى على
(13/402)

كلامه ما أجراه على نفسه ولم يجعل لفظ شيء من أسمائه بل دل على نفسه أنه شيء تكذيبا للدهرية ومنكري الإلهية من الأمم، وسبق في علمه أنه سيكون من يلحد في أسمائه ويلبس على خلقه ويدخل كلامه في الأشياء المخلوقة، فقال: {ليس كمثله شيء} فأخرج نفسه وكلامه من الأشياء المخلوقة ثم وصف كلامه بما وصف به نفسه فقال: {وما قدروا الله حق قدره، إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} وقال تعالى :{أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} فدل على كلامه بما دل على نفسه ليعلم أن كلامه صفة من صفات ذاته فكل صفة تسمى شيئا بمعنى أنها موجودة وحكى ابن بطال أيضا أن في هذه الآيات والآثار ردا على من زعم أنه لا يجوز أن يطلق على الله شيء، كما صرح به عبد الله الناشئ المتكلم وغيره، وردا على من زعم أن المعدوم شيء، وقد أطبق العقلاء على أن لفظ شيء يقتضي إثبات موجود، وعلى أن لفظ لا شيء يقتضي نفي موجود إلا ما تقدم من إطلاقهم ليس بشيء في الذم فإنه بطريق المجاز.
(13/403)