باب وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ 2
 
عن جامع. قوله: "جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان" هذه الرواية أتم الروايات الواقعة عند المصنف، وحذف ذلك كله في بعضها أو بعضه، ووقع في رواية أبي معاوية عن الأعمش عند الإسماعيلي: "قالوا قد بشرتنا فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان " ولم أعرف اسم قائل ذلك من أهل اليمن، والمراد بالأمر في قولهم " هذا الأمر " تقدم بيانه في بدء الخلق. قوله: "كان الله ولم يكن شيء قبله" تقدم في بدء الخلق بلفظ: "ولم يكن شيء غيره: " وفي رواية أبي معاوية " كان الله قبل كل شيء " وهو بمعنى " كان الله ولا شيء معه " وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها من رواية الباب، وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية، ووقفت في كلام له على هذا الحديث يرجح الرواية التي في هذا الباب على غيرها، مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه على التي في بدء الخلق لا العكس، والجمع يقدم على الترجيح بالاتفاق، قال الطيبي: قوله ولم يكن شيء قبله حال، وفي المذهب الكوفي خبر، والمعنى يساعده إذ التقدير كان الله منفردا، وقد جوز الأخفش دخول الواو في خبر كان وأخواتها نحو: كان زيد وأبوه قائم، على جعل الجملة خبرا مع الواو تشبيها للخبر بالحال، ومال التوربشتي إلى أنهما جملتان مستقلتان، وقد تقدم تقريره في بدء الخلق. وقال الطيبي لفظة " كان " في الموضعين بحسب حال مدخولها، فالمراد بالأول الأزلية والقدم، وبالثاني الحدوث بعد العدم، ثم قال فالحاصل أن عطف قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} على قوله: "كان الله " من باب الإخبار عن حصول الجملتين في الوجود وتفويض الترتيب إلى الذهن قالوا وفيه بمنزلة ثم. وقال الكرماني قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} معطوف على قوله كان الله ولا يلزم منه المعية إذ اللازم من الواو العاطفة الاجتماع في أصل الثبوت وإن كان هناك تقديم وتأخير، قال غيره ومن ثم جاء شيء غيره ومن ثم جاء قوله: "ولم يكن شيء غيره: " لنفي توهم المعية قال الراغب كان عبارة عما مضى من الزمان، لكنها في كثير من وصف الله تعالى تنبئ عن معنى الأزلية كقوله تعالى :{كَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} قال وما استعمل منه في وصف شيء متعلقا بوصف له هو موجود فيه فللتنبيه على أن ذلك الوصف لازم له أو قليل الانفكاك عنه، كقوله تعالى :{وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} وقوله: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً} وإذا استعمل في الزمن الماضي جاز أن يكون المستعمل على حاله، وجاز أن يكون قد تغير، نحو: كان فلان كذا ثم صار كذا، واستدل به على أن العالم حادث لأن قوله: "ولم يكن شيء غيره: " ظاهر في ذلك فإن كل شيء سوى الله وجد بعد أن لم يكن موجودا. قوله: "أدرك ناقتك فقد ذهبت" في رواية أبي معاوية " انحلت ناقتك من عقالها " وزاد في آخر الحديث: "فلا أدري ما كان بعد ذلك " أي مما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم تكملة لذلك الحديث. قلت: ولم أقف في شيء من المسانيد عن أحد من الصحابة على نظير هذه القصة التي ذكرها عمران، ولو وجد ذلك لأمكن أن يعرف منه ما أشار إليه عمران، ويحتمل أن يكون اتفق أن الحديث انتهى عند قيامه. قوله: "وأيم الله" تقدم شرحها في " كتاب الأيمان والنذور". قوله: "لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم" الود المذكور تسلط على مجموع ذهابها وعدم قيامه لا على أحدهما فقط، لأن ذهابها كان قد تحقق بانفلاتها، والمراد بالذهاب الفقد الكلي. حديث أبي هريرة " إن يمين الله ملأى " وقد تقدم شرحه قبل بابين، وقوله هنا " وعرشه على الماء " وقع في رواية إسحاق بن راهويه " والعرش على الماء " وظاهره أنه كذلك حين التحديث بذلك؛ وظاهر الحديث الذي قبله أن العرش كان على الماء قبل خلق السموات والأرض، ويجمع بأنه لم يزل على الماء وليس المراد بالماء ماء البحر بل هو ماء تحت العرش كما شاء الله
(13/410)

تعالى، وقد جاء بيان ذلك في حديث ذكرته في أوائل الباب، ويحتمل أن يكون على البحر، بمعنى أن أرجل حملته في البحر كما ورد في بعض الآثار، مما أخرجه الطبري والبيهقي من طريق السدي عن أبي مالك في قوله تعالى:َ {سِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} قال إن الصخرة التي الأرض السابعة عليها وهي منتهى الخلق على أرجائها أربعة من الملائكة، لكل أحد منهم أربعة أوجه وجه إنسان وأسد وثور ونسر، فهم قيام عليها قد أحاطوا بالأرضين والسموات رءوسهم تحت الكرسي والكرسي تحت العرش، وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه ابن حبان: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أبا ذر ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة " وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في التفسير بسند صحيح عنه. قوله: "حدثنا أحمد" كذا للجميع غير منسوب وذكر أبو نصر الكلاباذي أنه أحمد بن يسار المروزي. وقال الحاكم هو أحمد بن نصر النيسابوري، يعني المذكور في سورة الأنفال وشيخه فيه محمد بن أبي بكر المقدمي قد أخرج عنه البخاري في " كتاب الصلاة " بغير واسطة، وجزم أبو نعيم في المستخرج بأن البخاري أخرج هذا الحديث عن محمد بن أبي بكر المقدمي ولم يذكر واسطة، والأول هو المعتمد، وقد أخرج البخاري طرفا منه في تفسير سورة الأحزاب من وجه آخر عن حماد بن زيد، وتقدم الكلام على قصة زينب بنت جحش وزيد بن حارثة هناك مبسوطا. قوله: "قال أنس لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه" ظاهره أنه موصول بالسند المذكور، لكن أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة والإسماعيلي عنه نزلت: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} في شأن زينب بنت جحش وكان زيد يشكو وهم بطلاقها يستأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له "أمسك عليك زوجك واتق الله" وهذا القدر هو المذكور في آخر الحديث هنا بلفظ: "وعن ثابت وتخفي في نفسك " إلخ، ويستفاد منه موصول أنه بالسند المذكور وليس بمعلق، وأما قوله: "لو كان كاتما " إلخ، فلم أره في غير هذا الموضع موصولا عن أنس، وذكر ابن التين عن الداودي أنه نسب قوله: "لو كان كاتما لكتم قصة زينب " إلى عائشة، قال وعن غيرها " لكتم عبس وتولى"، قلت: قد ذكرت في تفسير سورة الأحزاب حديث عائشة قالت: "لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي " الحديث، وأنه أخرجه مسلم والترمذي ثم وجدته في مسند الفردوس من وجه آخر عن عائشة من لفظه صلى الله عليه وسلم: "لو كنت كاتما شيئا من الوحي " الحديث، واقتصر عياض في الشفاء على نسبتها إلى عائشة والحسن البصري وأغفل حديث أنس هذا وهو عند البخاري، وقد قال الترمذي بعد تخريج حديث عائشة، وفي الباب عن ابن عباس، وأشار إلى ما أخرجه وأما الرواية الأخرى في عبس وتولى فلم أرها إلا عند عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أحد الضعفاء، أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عنه قال: "كان يقال لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي لكتم هذا عن نفسه " وذكر قصة ابن أم مكتوم ونزول عبس وتولى انتهى، وقد أخرج القصة الترمذي وأبو يعلى والطبري والحاكم موصولة عن عائشة وليس فيها هذه الزيادة، وأخرجها مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلة وهو المحفوظ عن هشام، وتفرد يحيى بن سعيد الأموي بوصله عن هشام، وأخرجها ابن مردويه من وجه آخر عن عائشة كذلك بدونها، وكذا من حديث أبي أمامة، وأوردها عبد بن حميد والطبراني وابن أبي حاتم من مرسل قتادة ومجاهد وعكرمة وأبي مالك الغفاري والضحاك والحكم وغيرهم، وليس في رواية أحد منهم هذه الزيادة، والله تعالى أعلم. قوله: "قال فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - إلى قولها - وزوجني الله عز وجل من فوق
(13/411)

سبع سماوات" أخرجه الإسماعيلي من طريق عارم بن الفضل عن حماد بهذا السند بلفظ: "نزلت في زينب بنت جحش: فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها الآية؛ وكانت تفخر " إلخ ثم ذكر رواية عيسى بن طهمان عن أنس في ذلك وهو آخر ما وقع في الصحيح من ثلاثيات البخاري، وقد تقدم لعيسى حديث آخر في اللباس لكنه ليس ثلاثيا ولفظه هنا " وكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تقول إن الله أنكحني في السماء " وزاد الإسماعيلي من طريق الفريابي وأبي قتيبة عن عيسى " أنتن أنكحكن آباؤكن " وهذا الإطلاق محمول على البعض، وإلا فالمحقق أن التي زوجها أبوها منهن عائشة وحفصة فقط، وفي سودة وزينب بنت خزيمة وجويرية احتمال، وأما أم سلمة وأم حبيبة وصفية وميمونة فلم يزوج واحدة منهن أبوها، ووقع عند ابن سعد من وجه آخر عن أنس بلفظ: "قالت زينب يا رسول الله إني لست كأحد من نسائك، ليست منهن امرأة إلا زوجها أبوها أو أخوها أو أهلها غيري " وسنده ضعيف من وجه آخر موصول عن أم سلمة " قالت زينب ما أنا كأحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم إنهن زوجهن بالمهور زوجهن الأولياء، وأنا زوجني الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله في الكتاب " وفي مرسل الشعبي " قالت زينب يا رسول الله أنا أعظم نسائك عليك حقا، أنا خيرهن منكحا وأكرمهن سفيرا وأقربهن رحما فزوجنيك الرحمن من فوق عرشه، وكان جبريل هو السفير بذلك، وأنا ابنة عمتك وليس لك من نسائك قريبة غيري " أخرجه الطبري وأبو القاسم الطحاوي في " كتاب الحجة والتبيان " له. قوله: "من فوق سبع سماوات" في رواية عيسى بن طهمان عن أنس المذكورة عقب هذا " وكانت تقول إن الله عز وجل أنكحني في السماء " وسنده هذه آخر الثلاثيات التي ذكرت في البخاري، وتقدم لعيسى بن طهمان حديث آخر غير ثلاثي تكلم فيه ابن حبان بكلام لم يقبلوه منه، وقوله في هذه الرواية: "وأطعم عليها يومئذ خبزا ولحما " يعني في وليمتها، وقد تقدم بيانه واضحا في تفسير سورة الأحزاب. قوله: "في رواية حماد بن زيد، بعد قوله سبع سماوات، وعن ثابت وتخفي في نفسك إلخ" كذا وقع مرسلا ليس فيه أنس، وقد تقدم من رواية يعلى بن منصور عن حماد بن زيد موصولا بذكر أنس فيه، وكذلك وقع في رواية أحمد بن عبدة موصولا، وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن سليمان لوين عن حماد موصولا أيضا وقد بين سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس كيفية تزويج زينب " قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لزيد أذكرها علي " فذكر الحديث، وقد أورده في تفسير سورة الأحزاب. قال الكرماني قوله: "في السماء " ظاهره غير مراد، إذ الله منزه عن الحلول في المكان، لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه إشارة إلى علو الذات والصفات، وبنحو هذا أجاب غيره عن الألفاظ الواردة من الفوقية ونحوها، قال الراغب " فوق " يستعمل في المكان والزمان والجسم والعدد والمنزلة والقهر، فالأول: باعتبار العلو ويقابله تحت نحو {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} والثاني: باعتبار الصعود والانحدار، نحو {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} ، والثالث: في العدد نحو {فإن كن نساء فوق اثنتين} ، الرابع في الكبر والصغر، كقوله: {بعوضة فما فوقها} ، والخامس: يقع تارة باعتبار الفضيلة الدنيوية، نحو {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} ، أو الأخروية نحو {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة} ، والسادس: نحو قوله: {وهو القاهر فوق عباده - يخافون ربهم من فوقهم} انتهى ملخصا. حديث أبي هريرة " إن الله تعالى لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي غلبت غضبي " وقد تقدم في باب {ويحذركم الله نفسه} ويأتي بعض
(13/412)

الكلام عليه في باب قوله تعالى :{في لوح محفوظ} قال الخطابي المراد بالكتاب أحد شيئين: إما القضاء الذي قضاه كقوله تعالى :{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} أي قضى ذلك، قال ويكون معنى قوله: "فوق العرش " أي عنده علم ذلك فهو لا ينساه ولا يبدله، كقوله تعالى :{فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى}. وإما اللوح المحفوظ الذي فيه ذكر أصناف الخلق وبيان أمورهم وآجالهم وأرزاقهم وأحوالهم، ويكون معنى " فهو عنده فوق العرش " أي ذكره وعلمه وكل ذلك جائز في التخريج، على أن العرش خلق مخلوق تحمله الملائكة، فلا يستحيل أن يماسوا العرش إذا حملوه، وإن كان حامل العرش وحامل حملته هو الله، وليس قولنا إن الله على العرش أي مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته بل هو خبر جاء به التوقيف، فقلنا له به ونفينا عنه التكييف إذ ليس كمثله شيء وبالله التوفيق. وقوله: "فوق عرشه " صفة الكتاب، وقيل إن فوق هنا بمعنى دون، كما جاء في قوله تعالى :{بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} وهو بعيد. وقال ابن أبي جمرة يؤخذ من كون الكتاب المذكور فوق العرش أن الحكمة اقتضت أن يكون العرش حاملا لما شاء الله من أثر حكمة الله وقدرته وغامض غيبه ليستأثر هو بذلك من طريق العلم والإحاطة، فيكون من أكبر الأدلة على انفراده بعلم الغيب، قال: وقد يكون ذلك تفسيرا لقوله: {الرحمن على العرش استوى} أي ما شاءه من قدرته وهو كتابه الذي وضعه فوق العرش. حديث أبي هريرة الذي فيه: "إن في الجنة مائه درجة أعدها الله للمجاهدين " وقد تقدم شرحه في الجهاد مع الكلام على قوله: {كان حقا على الله} وأن معناه معنى قوله تعالى :{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وليس معناه أن ذلك لازم له لأنه لا آمر له ولا ناهي يوجب عليه ما يلزمه المطالبة به، وإنما معناه إنجاز ما وعد به من الثواب، وهو لا يخلف الميعاد، وأما قوله: "مائة درجة " فليس في سياقه التصريح بأن العدد المذكور هو جميع درج الجنة من غير زيادة إذ ليس فيه ما ينفيها ويؤيد ذلك أن في حديث أبي سعيد المرفوع الذي أخرجه أبو داود وصححه الترمذي وابن حبان، ويقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها وعدد أي القرآن أكثر من ستة آلاف ومائتين، والحلف فيما زاد على ذلك من الكسور، وقوله فيه: "كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض " اختلف الخبر الوارد في قدر مسافة ما بين السماء والأرض، وذكر هناك ما ورد في الترمذي أنها مائة عام وفي الطبراني خمسمائة، ويزاد هنا ما أخرجه ابن خزيمة في التوحيد من صحيحه وابن أبي عاصم في " كتاب السنة " عن ابن مسعود قال: بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام. وفي رواية: "وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء والله فوق العرش ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم " وأخرجه البيهقي من حديث أبي ذر مرفوعا نحوه دون قوله، وبين السابعة والكرسي إلخ، وزاد فيه: "وما بين السماء السابعة إلى العرش مثل جميع ذلك " وفي حديث العباس بن عبد المطلب عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم مرفوعا: "هل تدرون بعدما بين السماء والأرض؟ قلنا لا، قال: إحدى أو اثنتان أو ثلاث وسبعون، قال وما فوقها مثل ذلك حتى عد سبع سموات، ثم فوق السماء السابعة البحر أسفله من أعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوقه ثمانية أو عال ما بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء ثم العرش فوق ذلك بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله فوق ذلك " والجمع بين اختلاف هذا العدد في هاتين الروايتين أن تحمل الخمسمائة على السير البطيء كسير الماشي على هينته، وتحمل السبعين على السير السريع
(13/413)

كسير السعاة، ولولا التحديد بالزيادة على السبعين لحملنا السبعين على المبالغة، فلا تنافي الخمسمائة، وقد تقدم الجواب عن الفوقية في الذي قبله. وقوله فيه وفوقه عرش الرحمن كذا للأكثر بنصب فوق على الظرفية، ويؤيده الأحاديث التي قبل هذا، وحكى في المشارق أن الأصيلي ضبطه بالرفع بمعنى أعلاه وأنكر ذلك في المطالع. وقال إنما قيده الأصيلي بالنصب كغيره، والضمير في قوله فوقه للفردوس. وقال ابن التين بل هو راجع إلى الجنة كلها، وتعقب بما في آخر الحديث هنا ومنه " تفجر أنهار الجنة " فإن الضمير للفردوس جزما ولا يستقيم أن يكون للجنان كلها وإن كان وقع في رواية الكشميهني: "ومنها تفجر " لأنها خطأ فقد أخرج الإسماعيلي عن الحسن وسفيان عن إبراهيم بن المنذر شيخ البخاري فيه بلفظ: "ومنه " بالضمير المذكر. حديث أبي ذر وقد تقدم شرحه في بدء الخلق وفي تفسير سورة يس، والمراد منه هنا إثبات أن العرش مخلوق لأنه ثبت أن له فوقا وتحتا وهما من صفات المخلوقات وقد تقدم صفة طلوع الشمس من المغرب في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين " من كتاب الرقاق قال ابن بطال استئذان الشمس معناه أن الله يخلق فيها حياة يوجد القول عندها لأن الله قادر على إحياء الجماد والموات. وقال غيره يحتمل أن يكون الاستئذان أسند إليها مجازا، والمراد من هو موكل بها من الملائكة. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ بِهَذَا وَقَالَ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ حديث زيد بن ثابت في جمع القرآن وقد تقدم شرحه في فضائل القرآن، والمراد منه آخر سورة براءة المشار إليه بقوله تعالى :{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ - إلى قوله - وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} لأنه أثبت أن للعرش ربا فهو مربوب وكل مربوب مخلوق، وموسى شيخه فيه هو ابن إسماعيل وإبراهيم شيخ شيخه في السند الأول هو ابن سعد، ورواية الليث المعلقة تقدم ذكر من وصلها في تفسير سورة براءة، وروايته المسندة تقدم سياقها في فضائل القرآن مع شرح الحديث. حديث ابن عباس في دعاء الكرب وقد تقدم شرحه في " كتاب الدعوات"، و " سعيد " في سنده هو ابن أبي عروبة " وأبو العالية " هو الرياحي بكسر ثم تحتانية خفيفة واسمه رفيع بفاء مصغر، وأما " أبو العالية البراء " بفتح الموحدة وتشديد الراء فاسمه زياد بن فيروز، وروايته عن ابن عباس في أبواب تقصير الصلاة. حديث أبي سعيد ذكره مختصرا، وتقدم بهذا السند الذي هنا تاما في " كتاب الأشخاص " وقوله: "وقال الماجشون " بكسر الجيم وضم المعجمة، هو عبد العزيز بن أبي سلمة " وعبد الله بن الفضل " أي ابن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي. قوله: "عن أبي سلمة" هو ابن عبد الرحمن بن عوف قال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف وتبعه جماعة من المحدثين، إنما روى الماجشون هذا عن عبد الله ابن الفضل عن الأعرج لا عن أبي سلمة، وحكموا على البخاري بالوهم في قوله عن أبي سلمة، وحديث الأعرج الذي أشير إليه تقدم في أحاديث الأنبياء من رواية عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون كما قالوا، وكذا أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في التفسير من طريقه، ولكن تحرر لي أن لعبد الله بن الفضل في هذا الحديث شيخين، فقد أخرج أبو داود الطيالسي في مسنده عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة طرفا من هذا الحديث، وظهر لي أن قول من قال: "عن الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج " أرجح، ومن ثم وصلها البخاري وعلق الأخرى، فإن سلكنا سبيل الجمع استغنى عن الترجيح وإلا فلا استدراك على البخاري في الحالين، وكذا لا تعقب على ابن الصلاح في تفرقته بين ما يقول فيه البخاري: قال فلان جازما، فيكون محكوما بصحته بخلاف ما لا يجزم به فإنه لا يكون جازما بصحته، وقد تمسك بعض من أعترض عليه بهذا المثال فقال: جزم بهذه الرواية وهي وهم، وقد
(13/414)

عرف مما حررته الجواب عن هذا الاعتراض، وتقدم شرح المتن في أحاديث الأنبياء في قصة موسى، وقد ساقه هناك بتمامه بسند الحديث هنا. تكملة: وقع في مرسل قتادة أن العرش من ياقوتة حمراء، أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه في قوله: "وكان عرشه على الماء" قال هذا بدء خلقه قبل أن يخلق السماء وعرشه من ياقوتة حمراء، وله شاهد عن سهل بن سعد مرفوع لكن سنده ضعيف.
(13/415)



الموضوع التالي


باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِأَخِيهِ اعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ يُقَالُ ذِي الْمَعَارِجِ الْمَلاَئِكَةُ تَعْرُجُ إِلَى اللَّهِ