باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ}
 
7459 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ
7460 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّأْمِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّأْمِ
7461 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ
حديث ابن عباس في شأن مسيلمة ذكر منه طرفا، وقد تقدم بتمامه في أواخر المغازي مع شرحه، والغرض منه قوله ولن يعدو أمر الله فيك أي ما قدره عليك من الشقاء أو السعادة.
7462 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ حَرْثِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ تَسْأَلُوهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَنَسْأَلَنَّهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا} قَالَ الأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا
(13/442)

قوله: "باب قول الله تعالى :{إنما أمرنا لشيء إذا أردناه} زاد غير أبي ذر " أن نقول له كن فيكون " ونقص " إذا أردناه " من رواية أبي زيد المروزي قال عياض: كذا وقع لجميع الرواة عن الفربري من طريق أبي ذر والأصيلي والقابسي وغيرهم، وكذا وقع في رواية النسفي وصواب التلاوة " إنما قولنا " وكأنه أراد أن يترجم بالآية الأخرى {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} وسبق القلم إلى هذه. قلت: وقع في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر " إنما قولنا " على وفق التلاوة وعليها شرح ابن التين فإن لم يكن من إصلاح من تأخر عنه وإلا فالقول ما قاله القاضي عياض: قال ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية حدثنا أبي قال قال أحمد بن حنبل: دل على أن القرآن غير مخلوق حديث عبادة " أول ما خلق الله القلم فقال اكتب " الحديث قال: وإنما نطق القلم بكلامه لقوله {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} قال فكلام الله سابق على أول خلقه فهو غير مخلوق، وعن الربيع بن سليمان سمعت البويطي يقول خلق الله الخلق كله بقوله: {كُنْ} فلو كان كن مخلوقا لكان قد خلق الخلق بمخلوق ليس كذلك، ثم ذكر فيه خمسة أحاديث.الأول: حديث المغيرة وقوله فيه عن " إسماعيل " هو ابن أبي خالد " وقيس " هو ابن أبي حازم، والغرض منه ومن الذي بعده قوله: "حتى يأتيهم أمر الله " وقد تقدم بيان المراد به عند شرحه في " كتاب الاعتصام " وقال ابن بطال المراد بأمر الله في هذا الحديث الساعة والصواب أمر الله بقيام الساعة فيرجع إلى حكمه وقضائه. الثاني والثالث حديث معاوية في ذلك وفيه رواية مالك بن يخامر بضم التحتانية وتخفيف الخاء المعجمة وكسر الميم عن معاذ وهم بالشام، وذكر معاوية عنه ذلك وقوله فيه: "ولا من خذلهم " وقع في رواية الأصيلي: "حذاهم " بكسر المهملة ثم ذال معجمة بعدها ألف لينة، قال: ولها وجه، يعني من جاورهم ممن لا يوافقهم، قال: ولكن الصواب بفتح الحاء المعجمة وباللام من الخذلان، و " ابن جابر " المذكور فيه هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر نسب لجده. حديث ابن مسعود في سؤال اليهود عن الروح، و قوله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} تمسك به من زعم أن الروح قديمة زعما أن المراد بالأمر هنا الأمر الذي في قوله تعالى :{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} وهو فاسد فإن الأمر ورد في القرآن لمعان يتبين المراد بكل منها من سياق الكلام وسيأتي في باب {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ما يتعلق بالأمر الذي في قوله تعالى :{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} وأنه بمعنى الطلب الذي هو أحد أنواع الكلام، وأما الأمر في حديث ابن مسعود هذا فإن المراد به المأمور كما يقال الخلق ويراد به المخلوق وقد وقع التصريح في بعض طرق الحديث ففي تفسير السدي عن أبي مالك عن ابن عباس وعن غيره في قوله تعالى :{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} يقول هو خلق من خلق الله ليس هو شيء من أمر الله، وقد اختلف في المراد بالروح المسئول عنها هل هي الروح التي تقوم بها الحياة أو الروح المذكور في قوله تعالى :{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً} وفي قوله تعالى :{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} وتمسك من قال بالثاني بأن السؤال إنما يقع في العادة عما لا يعرف إلا بالوحي، والروح التي بها الحياة قد تكلم الناس فيها قديما وحديثا، بخلاف الروح المذكور فإن أكثر الناس لا علم لهم به بل هي من علم الغيب بخلاف الأولى، وقد أطلق الله لفظ الروح على الوحي في قوله تعالى :{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} وفي قوله: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى
(13/443)

مَنْ يَشَاءُ} وعلى القوة والثبات والنصر في قوله تعالى :{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} وعلى جبريل في عدة آيات وعلى عيسى بن مريم ولم يقع في القرآن تسمية روح بني آدم روحا بل سماها نفسا في قوله: النفس المطمئنة، والنفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، وأخرجوا أنفسكم، ونفس وما سواها، كل نفس ذائقة الموت، وتمسك من زعم بأنها قديمة بإضافتها إلى الله تعالى في قوله تعالى :{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} ولا حجة فيه لأن الإضافة تقع على صفة تقوم بالموصوف كالعلم والقدرة، وعلى ما ينفصل عنه كبيت الله وناقة الله فقوله: روح الله، من هذا القبيل. الثاني: وهي إضافة تخصيص وتشريف وهي فوق الإضافة العامة التي بمعنى الإيجاد فالإضافة على ثلاث مراتب: إضافة إيجاد وإضافة تشريف وإضافة صفة، والذي يدل على أن الروح مخلوقة عموم قوله تعالى:الله خالق كل شيء، وهو رب كل شيء، ربكم ورب آبائكم الأولين، والأرواح مربوبة وكل مربوب مخلوق، رب العالمين، وقوله تعالى لزكريا: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} وهذا الخطاب لجسده وروحه معا، ومنه قوله: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} وقوله تعالى :{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} سواء قلنا إن قوله خلقنا يتناول الأرواح والأجساد معا أو الأرواح فقط، ومن الأحاديث الصحيحة حديث عمران بن حصين " كان الله ولم يكن شيء غيره: " وقد تقدم التنبيه عليه في " كتاب بدء الخلق " وقد وقع الاتفاق على أن الملائكة مخلوقون وهم أرواح، وحديث: "الأرواح جنود مجندة " والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة، وقد تقدم هذا الحديث وشرحه في " كتاب الأدب " وحديث أبي قتادة أن بلالا قال لما ناموا في الوادي: يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، والمراد بالنفس الروح قطعا لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: "إن الله قبض أرواحكم حين شاء " الحديث، كما في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} الآية، وقد تقدم الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في سورة سبحان، وقوله في آخره {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} كذا للأكثر، ووقع في رواية الكشميهني: "وما أوتيتم " على وفق القراءة المشهورة ويؤيد الأول قوله في بقيته: قال الأعمش هكذا في قراءتنا، قال ابن بطال غرضه الرد على المعتزلة في زعمهم أن أمر الله مخلوق، فتبين أن الأمر هو قوله تعالى للشيء كن فيكون بأمره له وأن أمره وقوله بمعنى واحد، وأنه يقول كن حقيقة، وأن الأمر غير الخلق لعطفه عليه بالواو انتهى. وسيأتي مزيد لهذا في باب: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}
(13/444)



الموضوع التالي


باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} , {وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّه} ,{إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} سَخَّرَ ذَلَّلَ