باب كَلاَمِ الرَّبِّ مَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ
 
7518 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ فَيَقُولُ أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا
7519 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَجِدُ هَذَا إِلاَّ قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ
(13/487)

قوله: "باب كلام الرب مع أهل الجنة" أي بعد دخولهم الجنة ذكر فيه حديثين ظاهرين فيما ترجم له. حديث أبي سعيد " أن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة " الحديث، وفيه فيقول: أحل عليكم رضواني، وقد تقدم شرحه في أواخر " كتاب الرقاق " في باب صفة الجنة والنار، قال ابن بطال: استشكل بعضهم هذا لأنه يوهم أن له أن يسخط على أهل الجنة وهو خلاف ظواهر القرآن، كقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} وأجاب بأن إخراج العباد من العدم إلى الوجود من تفضله وإحسانه، وكذلك تنجيز ما وعدهم به من الجنة والنعيم من تفضله وإحسانه، وأما دوام ذلك فزيادة من فضله على المجازاة لو كانت لازمة، ومعاذ الله أن يجب عليه شيء فلما كانت المجازاة لا تزيد في العادة على المدة ومدة الدنيا متناهية جاز أن تتناهى مدة المجازاة فتفضل عليهم بالدوام فارتفع الإشكال جملة انتهى ملخصا. وقال غيره ظاهر الحديث أن الرضا أفضل من اللقاء وهو مشكل وأجيب بأنه ليس في الخبر أن الرضا أفضل من كل شيء وإنما فيه أن الرضا أفضل من العطاء، وعلى تقدير التسليم فاللقاء مستلزم للرضا فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، كذا نقل الكرماني، ويحتمل أن يقال المراد حصول أنواع الرضوان ومن جملتها اللقاء فلا إشكال، قال الشيخ أبو محمد بن أبي حمزة: في هذا الحديث جواز إضافة المنزل لساكنه، وإن لم يكن في الأصل له فإن الجنة ملك الله عز وجل، وقد أضافها لساكنها بقوله يا أهل الجنة، قال: والحكمة في ذكر دوام رضاه بعد الاستقرار أنه لو أخبر به قبل الاستقرار لكان خبرا من باب علم اليقين، فأخبر به بعد الاستقرار ليكون من باب عين اليقين، وإليه الإشارة بقوله تعالى :{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} قال: ويستفاد من هذا أنه لا ينبغي أن يخاطب أحد بشيء حتى يكون عنده ما يستدل به عليه ولو على بعضه، وكذا ينبغي للمرء أن لا يأخذ من الأمور إلا قدر ما يحمله، وفيه الأدب في السؤال لقولهم: وأي شيء أفضل من ذلك، لأنهم لم يعلموا شيئا أفضل مما هم فيه فاستفهموا عما لا علم لهم به، وفيه أن الخير كله والفضل والاغتباط إنما هو في رضا الله سبحانه وتعالى، وكل شيء ما عداه وإن اختلفت أنواعه فهو من أثره، وفيه دليل على رضا كل من أهل الجنة بحاله مع اختلاف منازلهم وتنويع درجاتهم لأن الكل أجابوا بلفظ واحد وهو " أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك " وبالله التوفيق. حديث أبي هريرة " أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه " في رواية السرخسي " يستأذن ربه في الزرع". قوله: "فأحب أن أزرع فأسرع" فيه حذف تقديره فأذن له فزرع فأسرع. قوله: "فإنه لا يشبعك شيء" كذا للأكثر بالمعجمة والموحدة من الشبع، وللمستملي: "لا يسعك شيء " بالمهملة بغير موحدة من الوسع. قوله: "فقال الأعرابي يا رسول الله لا تجد هذا إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع" قال الداودي قوله: "قرشيا " وهم لأنه لم يكن لأكثرهم زرع. قلت: وتعليله يرد على نفيه المطلق فإذا ثبت أن لبعضهم زرعا صدق قوله أن الزارع المذكور منهم، واستشكل قوله لا يشبعك شيء بقوله تعالى في صفة الجنة {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} وأجيب بأن نفي الشبع لا يوجب الجوع لأن بينهما واسطة وهي الكفاية، أكل أهل الجنة للتنعم والاستلذاذ لا عن الجوع، واختلف في الشبع فيها والصواب أن لا شبع فيها إذ لو كان لمنع دوام أكل المستلذ، والمراد بقوله: "لا يشبعك شيء " جنس الآدمي، وما طبع عليه فهو في طلب الازدياد إلا من شاء الله تعالى، وقد تقدم شرح الحديث في أواخر " كتاب المزارعة " بعون الله تعالى.
(13/488)



الموضوع التالي


باب ذِكْرِ اللَّهِ بِالأَمْرِ وَذِكْرِ الْعِبَادِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالرِّسَالَةِ وَالإِبْلاَغِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ} غُمَّةٌ هَمٌّ وَضِيقٌ