باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ يُقَالُ مُيَسَّرٌ مُهَيَّأٌ
 
وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ بِلِسَانِكَ هَوَّنَّا قِرَاءَتَهُ عَلَيْكَ
وَقَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قَالَ هَلْ مِنْ طَالِبِ عِلْمٍ فَيُعَانَ عَلَيْهِ
7551 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ يَزِيدُ حَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ قَالَ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ
7552 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ سَمِعَا سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ عُودًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ فَقَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ أَوْ مِنْ الْجَنَّةِ قَالُوا أَلاَ نَتَّكِلُ قَالَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الْآيَةَ
قوله: "باب قول الله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" قيل المراد بالذكر الأذكار والاتعاظ وقيل الحفظ وهو مقتضى قول مجاهد. قوله: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل ميسر لما خلق له" فذكره موصولا في الباب من حديث علي.
قوله: "وقال مجاهد يسرنا القرآن بلسانك هوناه عليك" في رواية غير أبي ذر " هونا قراءته عليك " وهو بفتح الهاء والواو وتشديد النون من التهوين، وقد وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى :{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قال هوناه، قال ابن بطال تيسير القرآن: تسهيله على لسان القارئ حتى يسارع إلى قراءته فربما سبق لسانه في القراءة فيجاوز الحرف إلى ما بعده ويحذف الكلمة حرصا على ما بعدها انتهى، وفي دخول هذا في المراد نظر كبير. قوله: "وقال مطر الوراق {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} قال هل من طالب علم فيعان عليه وقع هذا التعليق عند أبي ذر عن الكشميهني وحده وثبت أيضا للجرجاني عن الفربري ووصله الفريابي عن ضمرة بن زمعة عن عبد الله بن شوذب عن مطر، وأخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في " كتاب العلم " من طريق ضمرة حديث عمران بن حصين " قلت يا رسول الله فيم يعمل العاملون؟ قال كل ميسر لما خلق له " وهو مختصر من حديث سبق في كتاب القدر فيه: "عن عمران قال قال: رجل يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار قال نعم. قال: فلم يعمل العاملون " وقد تقدم شرحه هناك و " يزيد " شيخ عبد الوارث فيه هو المعروف بالرشك، وتقدم هناك من رواية شعبة قال حدثنا يزيد الرشك فذكره. وحديث علي رضي الله عنه وفيه: "وما منكم من أحد إلا كتب مقعده من النار أو من الجنة " وتقدم شرحه هناك أيضا وفيه: "وفي حديث عمران الذي قبله كل ميسر " قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في شرح حديث أبي سعيد المذكور في باب كلام الله مع أهل
(13/521)

الجنة فيه نداء الله تعالى لأهل الجنة بقرينة جوابهم " بلبيك وسعديك " والمراجعة بقوله: "هل رضيتم " وقولهم " وما لنا لا نرضى " وقوله: "ألا أعطيكم أفضل " وقولهم " يا ربنا وأي شيء أفضل " وقوله: "أحل عليكم رضواني " فإن ذلك كله يدل على أنه سبحانه وتعالى هو الذي كلمهم وكلامه قديم أزلي ميسر بلغة العرب، والنظر في كيفيته ممنوع ولا نقول بالحلول في المحدث وهي الحروف ولا أنه دل عليه وليس بموجود، بل الإيمان بأنه منزل حق ميسر باللغة العربية صدق وبالله التوفيق. قال الكرماني حاصل الكلام أنهم قالوا إذا كان الأمر مقدرا فلنترك المشقة في العمل الذي من أجلها سمي بالتكليف، وحاصل الجواب أن كل من خلق لشيء يسر لعمله فلا مشقة مع التيسير. وقال الخطابي أرادوا أن يتخذوا ما سبق حجة في ترك العمل فأخبرهم أن هنا أمرين لا يبطل أحدهما الآخر: باطن وهو ما اقتضاه حكم الربوبية، وظاهر وهو السمة اللازمة بحق العبودية وهو أمارة للعاقبة فبين لهم أن العمل في العاجل يظهر أثره في الآجل وأن الظاهر لا يترك للباطن. قلت: وكأن مناسبة هذا الباب لما قبله من جهة الاشتراك في لفظ التيسير والله أعلم.
(13/522)