قِصَّةُ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ (ع) ـ أ ـ |
قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: هُوَ سَلْمَانُ ابْنُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الفَارِسِيُّ، سَابِقُ الفُرْسِ إِلَى الإِسْلاَمِ.
صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَدَمَهُ، وَحَدَّثَ عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الطُّفَيْلِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَشُرَحْبِيْلُ بنُ السِّمْطِ، وَأَبُو قُرَّةَ سَلَمَةُ بنُ مُعَاوِيَةَ الكِنْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ النَّخَعِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ زَاذَانُ، وَأَبُو ظِبْيَانَ حُصَيْنُ بنُ جُنْدَبٍ الجَنْبِيُّ، وَقَرْثَعٌ الضَّبِّيُّ الكُوْفِيُّوْنَ. لَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ): سِتُّوْنَ حَدِيْثاً. وَأَخْرَجَ لَهُ البُخَارِيُّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ. وَكَانَ لَبِيْباً، حَازِماً، مِنْ عُقَلاَءِ الرِّجَالِ، وَعُبَّادِهِم، وَنُبَلاَئِهِم. قَالَ يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي: عَنْ عُرْوَةَ بنِ رُوَيْمٍ، عَنِ القَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ، قَالَ: زَارَنَا سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، فَصَلَّى الإِمَامُ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجَ وَخَرَجَ النَّاسُ، يَتَلَقَّوْنَهُ كَمَا يُتَلَقَّى الخَلِيْفَةُ، فَلَقِيْنَاهُ وَقَدْ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ العَصْرَ، وَهُوَ يَمْشِي، فَوَقَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ فِيْنَا شَرِيْفٌ إِلاَّ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ. فَقَالَ: جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي مَرَّتِي هَذِهِ أَنْ أَنْزِلَ عَلَى بَشِيْرِ بنِ سَعْدٍ. فَلَمَّا قَدِمَ، سَأَلَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالُوا: هُوَ مُرَابِطٌ. (1/449) فَقَالَ: أَيْنَ مُرَابَطُكُم؟ قَالُوا: بَيْرُوْتُ. فَتَوَجَّهَ قِبَلَهُ. قَالَ: فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا أَهْلَ بَيْرُوْتَ! أَلاَ أُحَدِّثُكُم حَدِيْثاً يُذْهِبُ اللهُ بِهِ عَنْكُمْ عَرَضَ الرِّبَاطِ؟ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، كَصِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطاً أُجِيْرَ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وَجَرَى لَهُ صَالِحُ عَمَلِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ). (1/506) أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ القَوِيِّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَغْلَبِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ النَّحَّاسِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الوَرْدِ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ (ح). وَأَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ إِجَازَةً، أَنَّ حَنْبَلَ بنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُم، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الوَاعِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ المَالِكِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبِي (ح). ومُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ (ح). وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ (ح). وَعَنْ يَحْيَى بنِ آدَمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ (ح). (1/450) وَحَجَّاجُ بنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زُفَرُ بنُ قُرَّةَ، جَمِيْعُهُمْ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً فَارِسِيّاً مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا، يُقَالُ لَهَا: جَيٌّ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَهَا، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِي حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الجَارِيَةُ. فَاجْتَهَدْتُ فِي المَجُوْسِيَّةِ، حَتَّى كُنْتُ قَاطِنَ النَّارِ الَّذِي يُوْقِدُهَا، لاَ يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً. وَكَانَتْ لأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيْمَةٌ، فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْماً، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ! إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانِي هَذَا اليَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ، فَاطَّلِعْهَا. (1/507) وَأَمَرَنِي بِبَعْضِ مَا يُرِيْدُ، فَخَرَجْتُ، ثُمَّ قَالَ: لاَ تَحْتَبِسْ عَلَيَّ، فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَلَيَّ كُنْتَ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ضَيْعَتِي، وَشَغَلَتْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي. فَخَرَجْتُ أُرِيْدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيْسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُم فِيْهَا وَهُمْ يُصَلُّوْنَ، وَكُنْتُ لاَ أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ بِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ. فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِم، وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ، دَخَلْتُ إِلَيْهِم أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُوْنَ. فَلَمَّا رَأَيْتُهُم، أَعْجَبَتْنِي صَلَوَاتُهُم، وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِم، وَقُلْتُ: هَذَا -وَاللهِ- خَيْرٌ مِنَ الدِّيْنِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ. فَوَاللهِ مَا تَرَكْتُهُم حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي، وَلَمْ آتِهَا. (1/451) فَقُلْتُ لَهُم: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّيْنِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ. قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي، وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي، وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ. فَلَمَّا جِئْتُهُ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قُلْتُ: يَا أَبَةِ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّوْنَ فِي كَنِيْسَةٍ لَهُم، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِيْنِهِم، فَوَاللهِ مَا زِلْتُ عِنْدَهُم حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ. قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّيْنِ خَيْرٌ، دِيْنُكَ وَدِيْنُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ. قُلْتُ: كَلاَّ -وَاللهِ-! إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِيْنِنَا. قَالَ: فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْداً، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ. قَالَ: وَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى، فَقُلْتُ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُم رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ، تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى، فَأَخْبِرُوْنِي بِهِم. فَقَدِمَ عَلَيْهِم رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ. قَالَ: فَأَخْبَرُوْنِي بِهِم. فَقُلْتُ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُم، وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ، فَأَخْبِرُوْنِي. قَالَ: فَفَعَلُوا، فَأَلْقَيْتُ الحَدِيْدَ مِنْ رِجْلِي، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُم حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ. فَلَمَّا قَدِمْتُهَا، قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّيْنِ؟ قَالُوا: الأُسْقُفُ فِي الكَنِيْسَةِ. فجِئْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّيْنِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُوْنَ مَعَكَ، أَخْدِمُكَ فِي كَنِيْسَتِكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ، وَأُصَلِّي مَعَكَ. (1/508) قَالَ: فَادْخُلْ. (1/452) فَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَكَانَ رَجُلَ سُوْءٍ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَيُرَغِّبُهُم فِيْهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا شَيْئاً، اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ المَسَاكِيْنَ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلاَلٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرَقٍ، فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضاً شَدِيْداً لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ. ثُمَّ مَاتَ، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوُهْ. فَقُلْتُ لَهُم: إِنَّ هَذَا رَجُلُ سُوْءٍ، يَأْمُرُكُم بِالصَّدَقَةِ، وَيُرَغِّبُكُم فِيْهَا، فَإِذَا جِئْتُم بِهَا كَنَزَهَا لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِ المَسَاكِيْنَ. وَأَرَيْتُهُم مَوْضِعَ كَنْزِهِ سَبْعَ قِلاَلٍ مَمْلُوْءةٍ، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللهِ لاَ نَدْفِنُهُ أَبَداً. فَصَلَبُوْهُ، ثُمَّ رَمَوْهُ بِالحِجَارَةِ، ثُمَّ جَاؤُوا بِرَجُلٍ جَعَلُوْهُ مَكَانَهُ، فَمَا رَأَيْت رَجُلاً - يَعْنِي لاَ يُصَلِّي الخَمْسَ - أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلَ مِنْهُ، أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، وَلاَ أَرْغَبَ فِي الآخِرَةِ، وَلاَ أَدْأَبَ لَيْلاً وَنَهَاراً، مَا أَعْلَمُنِي أَحَبَبْتُ شَيْئاً قَطُّ قَبْلَهُ حُبَّهُ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ. فَقُلْتُ: يَا فُلاَنُ! قَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ، وَإِنِّي -وَاللهِ- مَا أَحْبَبْتُ شَيْئاً قَطُّ حُبَّكَ، فَمَاذَا تَأْمُرُنِي؟ وَإِلَى مَنْ تُوْصِيْنِي؟ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ! وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ رَجُلاً بِالمَوْصِلِ، فَائْتِهِ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِي. فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ، لَحِقْتُ بِالمَوْصِلِ، فَأَتَيْتُ صَاحِبَهَا، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الاجْتِهَادِ وَالزُّهْدِ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلاَناً أَوْصَانِي إِلَيْكَ أَنْ آتِيَكَ، وَأكُوْنَ مَعَكَ. قَالَ: فَأَقِمْ، أَيْ بُنَيَّ! (1/453) فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِ صَاحِبِهِ، حَتَّى حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلاَناً أَوْصَى بِي إِلَيْكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوْصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: وَاللهِ مَا أَعْلَمُ - أَيْ بُنَيَّ - إِلاَّ رَجُلاً بِنَصِيْبِيْنَ. فَلَمَّا دَفَنَّاهُ، لَحِقْتُ بِالآخَرِ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِم، حَتَّى حَضَرَهُ المَوْتُ، فَأَوْصَى بِي إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ عَمُّوْرِيَةَ بِالرُّوْمِ، فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِم، وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي غُنَيْمَةٌ وَبُقَيْرَاتٌ. (1/509) ثُمَّ احْتُضِرَ، فَكَلَّمْتُهُ إِلَى مَنْ يُوْصِي بِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ آمُرُكَ أَنْ تَأتِيَهُ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنَ الحَرَمِ، مُهَاجَرُهُ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ إِلَى أَرْضٍ سَبْخَةٍ ذَاتِ نَخْلٍ، وَإِنَّ فِيْهِ عَلاَمَاتٍ لاَ تَخْفَى: بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَإِنِ اسْتَطْعَتَ أَنْ تَخْلُصَ إِلَى تِلْكَ البِلاَدِ، فَافْعَلْ، فَإِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُهُ. فَلَمَّا وَارَيْنَاهُ، أَقَمْتُ حَتَّى مَرَّ بِي رِجَالٌ مِنْ تُجَّارِ العَرَبِ مِنْ كَلْبٍ. فَقُلْتُ لَهُم: تَحْمِلُوْنِي إِلَى أَرْضِ العَرَبِ، وَأُعْطِيَكُم غُنَيْمَتِي وَبَقَرَاتِي هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَأَعْطَيْتُهُم إِيَّاهَا، وَحَمَلُوْنِي، حَتَّى إِذَا جَاؤُوا بِي وَادِيَ القُرَى ظَلَمُوْنِي، فَبَاعُوْنِي عَبْداً مِنْ رَجُلٍ يَهُوْدِيٍّ بِوَادِي القُرَى، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخْلَ، وَطَمِعْتُ أَنْ يَكُوْنَ البَلَدَ الَّذِي نَعَتَ لِي صَاحِبِي. (1/454) ومَا حَقَّتْ عِنْدِي حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَادِي القُرَى، فَابْتَاعَنِي مِنْ صَاحِبِي، فَخَرَجَ بِي حَتَّى قَدِمْنَا المَدِيْنَةَ، فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُهَا، فَعَرَفْتُ نَعْتَهَا. فَأَقَمْتُ فِي رِقِّي، وَبَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ، لاَ يُذْكَرُ لِي شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ، مَعَ مَا أَنَا فِيْهِ مِنَ الرِّقِّ، حَتَّى قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُبَاءَ، وَأَنَا أَعْمَلُ لِصَاحِبِي فِي نَخْلَةٍ لَهُ، فَوَاللهِ إِنِّي لَفِيْهَا إِذْ جَاءهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ! قَاتَلَ اللهُ بَنِي قَيْلَةَ، وَاللهِ إِنَّهُمُ الآنَ لَفِي قُبَاءَ مُجْتَمِعُوْنَ عَلَى رَجُلٍ جَاءَ مِنْ مَكَّةَ، يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ نَبِيٌّ. فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ سَمِعْتُهَا، فَأَخَذَتْنِي العُرَوَاءُ - يَقُوْلُ: الرِّعْدَةُ - حَتَّى ظَنَنْتُ لأَسْقُطَنَّ عَلَى صَاحِبِي، وَنَزَلْتُ أَقُوْلُ: مَا هَذَا الخَبَرُ؟ (1/510) فَرَفَعَ مَوْلاَيَ يَدَهُ، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيْدَةً، وَقَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا، أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ. فَقُلْتُ: لاَ شَيْءَ، إِنَّمَا سَمِعْتُ خَبَراً، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَهُ. فَلَمَّا أَمْسَيْتُ، وَكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مِنْ طَعَامٍ، فَحَمَلْتُهُ وَذَهَبْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِقُبَاءَ. فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَأَنَّ مَعَكَ أَصْحَاباً لَكَ غُرَبَاءَ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُم أَحَقَّ مَنْ بِهَذِهِ البِلاَدِ، فَهَاكَ هَذَا، فَكُلْ مِنْهُ. قَالَ: فَأَمْسَكَ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: (كُلُوا). فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ خَلَّةٌ مِمَّا وَصَفَ لِي صَاحِبِي. (1/455) ثُمَّ رَجَعْتُ، وَتَحَوَّلَ رَسُوْلُ اللهِ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَجَمَعْتُ شَيْئاً كَانَ عِنْدِي، ثُمَّ جِئْتُهُ بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ لاَ تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ. فَأَكَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ. فَقُلْتُ: هَذِهِ خَلَّتَانِ. ثُمَّ جِئْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَتْبَعُ جِنَازَةً، وَعَلَيَّ شَمْلَتَانِ لِي، وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَاسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ، هَلْ أَرَى الخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ؟ فَلَمَّا رَآنِي اسْتَدْبَرْتُهُ، عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي، فَأَلْقَى رِدَاءهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الخَاتَمِ، فَعَرَفْتُهُ، فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي. فَقَالَ لِي: تَحَوَّلْ. فَتَحَوَّلْتُ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيْثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَأَعْجَبَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ. ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَدْرٌ وَأُحُدٌ. ثُمَّ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ). فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلاَثِ مَائَةِ نَخْلَةٍ، أُحْيِيْهَا لَهُ بِالفَقِيْرِ، وَبأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً. (1/511) فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِهِ: (أَعِيْنُوا أَخَاكُم). فَأَعَانُوْنِي بِالنَّخْلِ، الرَّجُلُ بِثَلاَثِيْنَ وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِيْنَ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ ثَلاَثَ مَائَةِ وَدِيَّةٍ. (1/456) فَقَالَ: (اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ، فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَائْتِنِي أَكُوْنُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدِي). فَفَقَّرْتُ لَهَا، وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي، حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا، جِئْتُهُ وَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ مَعِي إِلَيْهَا نُقَرِّبُ لَهُ الوَدِيَّ، وَيَضَعُهُ بِيَدِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ، مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ. فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ، وَبَقِيَ عَلَيَّ المَالُ، فَأُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِ بَيْضَةِ دَجَاجَةٍ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ المَغَازِي. فَقَالَ: (مَا فَعَلَ الفَارِسِيُّ المُكَاتَبُ؟). فَدُعِيْتُ لَهُ، فَقَالَ: (خُذْهَا، فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ). قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ: (خُذْهَا، فَإِنَّ اللهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ). فَأَخَذْتُهَا، فَوَزَنْتُ لَهُم مِنْهَا أَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً، وَأَوْفَيْتُهُم حَقَّهُم، وَعُتِقْتُ، فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخَنْدَقَ حُرّاً، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ. زَادَ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: لَمَّا قُلْتُ لَهُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنَ الَّذِي عَلَيَّ؟ أَخَذَهَا، فَقَلَّبَهَا عَلَى لِسَانِهِ، ثُمَّ قَالَ: (خُذْهَا). وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِدْرِيْسَ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي مَنْ حَدَّثَهُ سَلْمَانُ: أَنَّهُ كَانَ فِي حَدِيْثِهِ حِيْنَ سَاقَهُ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (1/457) أَنَّ صَاحِبَ عَمُّوْرِيَةَ قَالَ لَهُ: إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً كَذَا وَكَذَا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، بَيْنَ غَيْضَتَيْنِ، يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الغَيْضَةِ إِلَى هَذِهِ الغَيْضَةِ، فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، يَتَعَرَّضُهُ النَّاسُ، وَيُدَاوِي الأَسْقَامَ، يَدْعُو لَهُم فَيُشْفَوْنَ، فَائْتِهِ، فَسَلْهُ عَنِ الدِّيْنِ الَّذِي يُلْتَمَسُ. فَجِئْتُ، حَتَّى أَقَمْتُ مَعَ النَّاسِ بَيْنَ تَيْنَكِ الغَيْضَتَيْنِ. (1/512) فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ فِيْهَا مِنَ الغَيْضَةِ، خَرَجَ، وَغَلَبَنِي النَّاسُ عَلَيْهِ، حَتَّى دَخَلَ الغَيْضَةَ الأُخْرَى، وَتَوَارَى مِنِّي، إِلاَّ مَنْكِبَيْهِ، فَتنَاوَلْتُهُ، فَأَخَذْتُ بِمَنْكِبَيْهِ، فَلَمْ يَلْتَفِت إِلَيَّ، وَقَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: أَسْأَلُ عَنْ دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَنِيْفِيَّةِ. قَالَ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ مَا يَسْأَلُ النَّاسُ عَنْهُ اليَوْمَ، وَقَدْ أَظَلَّكَ نَبِيٌّ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِ هَذَا البَيْتِ الَّذِي بِمَكَّةَ، يَأْتِي بِهَذَا الدِّيْنِ الَّذِي تَسْأَلُ عَنْهُ، فَالْحَقْ بِهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي، لَقَدْ لَقِيْتَ وَصِيَّ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ). تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُ إِسْحَاقَ. وَقَاطِنُ النَّارِ: مُلاَزِمُهَا. وَبَنُوْ قَيْلَةَ: الأَنْصَارُ. وَالفَقِيْرُ: الحُفْرَةُ. وَالوَدِيُّ: النّصْبَةُ. وَقَالَ يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ بِنَحْوٍ مِمَّا مَرَّ. وَفِيْهِ: وَقَدْ أَظَلَّكَ نَبِيٌّ يَخْرُجُ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ، وَيُبْعَثُ بِسَفْكِ الدَّمِ. (1/458) فَلَمَّا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي يَا سَلْمَانُ، لَقَدْ رَأَيْتَ حَوَارِيَّ عِيْسَى). (1/513) عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَعَمْرٌو العَنْقَزِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي قُرَّةَ الكِنْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: كَانَ أَبِي مِنَ الأَسَاوِرَةِ، فَأَسْلَمَنِي فِي الكُتَّابِ، فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ، وَكَانَ مَعِي غُلاَمَانِ، فَكَانَا إِذَا رَجَعَا دَخَلاَ عَلَى قِسٍّ أَوْ رَاهِبٍ، فَأَدْخُلُ مَعَهُمَا. فَقَالَ لَهُمَا: أَلَمْ أَنْهَكُمَا أَنْ تُدْخِلاَ عَلَيَّ أَحَداً، أَوْ تُعْلِمَا بِي أَحَداً؟ فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ، حَتَّى كُنْتُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُمَا. فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ! إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ. قُلْتُ: فَأَنَا مَعَكَ. فَأَتَى قَرْيَةً، فَنَزَلَهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا حُضِرَ، قَالَ: احْفِرْ عِنْدَ رَأْسِي. فَاسْتَخْرَجْتُ جَرَّةً مِنْ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: ضَعْهَا عَلَى صَدْرِي. قَالَ: فَجَعَلَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ، وَيَقُوْلُ: وَيْلٌ لِلْقَنَّائِيْنَ. قَالَ: وَمَاتَ، فَاجْتَمَعَ القِسِّيْسُوْنَ وَالرُّهْبَانُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَحْتَمِلَ المَالَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَصَمَنِي. فَقُلْتُ لَهُم: إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ مَالاً. فَوَثَبَ شُبَّانٌ مِنْ أَهْلِ القَرْيَةِ، فَقَالُوا: هَذَا مَالُ أَبِيْنَا، كَانَت سَرِيَّتُهُ تَخْتَلِف إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا مَعْشَرَ القِسِّيْسِيْنَ وَالرُّهْبَانِ! دُلُّوْنِي عَلَى عَالِمٍ أَكُوْنُ مَعَهُ. قَالُوا: مَا نَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ رَاهِبٍ بِحِمْصَ. فَأَتَيْتُهُ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ إِلاَّ طَلَبُ العِلْمِ؟ (1/459) قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَداً فِي الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ يَأْتِي بَيْتَ المَقْدِسِ كُلَّ سَنَةٍ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَإِن انْطَلَقْتَ وَجَدْتَ حِمَارَهُ وَاقِفاً. فَانْطَلَقْتُ، فَوَجَدْتُ حِمَارَهُ وَاقِفاً عَلَى بَابِ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَجَلَسْتُ حَتَّى خَرَجَ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اجْلِسْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْك. (1/514) فَذَهَبَ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى العَامِ المُقْبِلِ. فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: وَإِنَّكَ لَهَا هُنَا بَعْدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَداً فِي الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ يَخْرُجُ بِأَرْضِ تَيْمَاءَ، وَهُوَ نَبِيٌّ، وَهَذَا زَمَانُهُ، وَإِنِ انْطَلَقْتَ الآنَ وَافَقْتَهُ، وَفِيْهِ ثَلاَثٌ: خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَيَأْكُلُ الهَدِيَّةَ، خَاتَمُ النُّبُوَّةِ عِنْدَ غُرْضُوْفِ كَتِفِهِ، كَأَنَّهَا بَيْضَةُ حَمَامَةٍ، لَوْنُهَا لَوْنُ جِلْدِهِ. فَانْطَلَقْتُ، فَأَصَابَنِي قَوْمٌ مِنَ الأَعْرَابِ، فَاسْتَعْبَدُوْنِي، فَبَاعُوْنِي، حَتَّى وَقَعْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَسَمِعْتُهُم يَذْكُرُوْنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْتُ أَهْلِي أَنْ يَهَبُوا لِي يَوْماً، فَفَعَلُوا. فَخَرَجْتُ، فَاحْتَطَبْتُ، فَبِعْتُهُ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ، ثُمَّ جِئْتُ بِطَعَامٍ اشْتَرَيْتُهُ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَا هَذَا؟). فَقُلْتُ: صَدَقَةٌ. فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا، وَكَانَ العَيْشُ يَوْمَئِذٍ عَزِيْزاً. فَقُلْتُ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ. ثُمَّ أَمْكُثُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ قُلْتُ لأَهْلِي: هَبُوا لِي يَوْماً. (1/460) فَوَهَبُوا لِي يَوْماً، فَخَرَجْتُ، فَاحْتَطَبْتُ، فَبِعْتُهُ بِأَفَضْلَ مِمَّا كُنْتُ بِعْتُ بِهِ - يَعْنِي الأَوَّلَ - فَاشْتَرَيْتُ بِهِ طَعَاماً، ثُمَّ جِئْتُ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَا هَذَا؟). قُلْتُ: هَدِيَّةٌ. قَالَ: (كُلُوا)، وَأَكَلَ. قُلْتُ: هَذِهِ أُخْرَى. ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَهُ، فَوَضَعَ رِدَاءهُ، فَرَأَيْتُ عِنْدَ غُرْضُوْفِ كَتِفِهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ. فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ. فَقَالَ: (مَا هَذَا؟). فَحَدَّثْتُهُ، وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا الرَّاهِبُ، أَفِي الجَنَّةِ هُوَ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّكَ نَبِيُّ اللهِ؟ قَالَ: (إِنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ). فَقُلْتُ: إِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّكَ نَبِيٌّ. فَقَالَ: (إِنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ). (1/515) رَوَاهُ: الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ)، عَنْ أَبِي كَامِلٍ. وَرَوَاهُ: أَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءٍ، كِلاَهُمَا، عَنْ إِسْرَائِيْلَ. سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ، حَدَّثَنِي السَّلْمُ بنُ الصَّلْتِ العَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ البَكْرِيِّ: أَنَّ سَلْمَانَ الخَيْرَ حَدَّثَهُ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ جَيٍّ، مَدِيْنَةِ أَصْبَهَانَ، فَأَتَيْتُ رَجُلاً يَتَحَرَّجُ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، فَسَأَلْتُهُ: أَيُّ الدِّيْنِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً غَيْرَ رَاهِبٍ بِالمَوْصِلِ. فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ، فَكُنْتُ عِنْدَهُ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَيْتُ حِجَازِيّاً، فَقُلْتُ: تَحْمِلُنِي إِلَى المَدِيْنَةِ، وَأَنَا لَكَ عَبْدٌ؟ (1/461) فَلَمَّا قَدِمْتُ، جَعَلَنِي فِي نَخْلِهِ، فَكُنْتُ أَسْتَقِي كَمَا يَسْتَقِي البَعِيْرُ، حَتَّى دَبِرَ ظَهْرِي، وَلاَ أَجِدُ مَنْ يَفْقَهُ كَلاَمِي، حَتَّى جَاءتْ عَجُوْزٌ فَارِسِيَّةٌ تَسْتَقِي، فَكَلَّمْتُهَا، فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي خَرَجَ؟ قَالَتْ: سَيَمُرُّ عَلَيْكَ بُكْرَةً. فَجَمَعْتُ تَمْراً، ثُمَّ جِئْتُهُ، وَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ التَّمْرَ. فَقَالَ: (أَصَدَقَةٌ أَمْ هَدِيَّةٌ؟). أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَمِيْلٍ، وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زِيَادٍ القَطَوَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَيَّارُ بنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَعِيْدٍ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاذٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ وُلِدَ بِرَامَهُرْمُزَ، وَبِهَا نَشَأْتُ، وَأَمَّا أَبِي فَمِنْ أَصْبَهَانَ، وَكَانَت أُمِّي لَهَا غِنَىً، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَى الكُتَّابِ، وَكُنْتُ أَنْطَلِقُ مَعَ غِلْمَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِنَا، إِلَى أَنْ دَنَا مِنِّي فَرَاغٌ مِنَ الكِتَابَةِ. (1/516) وَلَمْ يَكُنْ فِي الغِلْمَانِ أَكْبَرُ مِنِّي وَلاَ أَطْوَلُ، وَكَانَ ثَمَّ جَبَلٌ فِيْهِ كَهْفٌ فِي طَرِيْقِنَا، فَمَرَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ وَحْدِي، فَإِذَا أَنَا فِيْهِ بِرَجُلٍ، عَلَيْهِ ثِيَابُ شَعْرٍ، وَنَعْلاَهُ شَعْرٌ، فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! أَتَعْرِفُ عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هُوَ رَسُوْلُ اللهِ، آمِنْ بِعِيْسَى، وَبِرَسُوْلٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِ اسْمُهُ أَحْمَدُ. أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْ غَمِّ الدُّنْيَا إِلَى رُوْحِ الآخِرَةِ وَنَعِيْمِهَا. قُلْتُ: مَا نَعِيْمُ الآخِرَةِ؟ قَالَ: نَعِيْمٌ لاَ يَفْنَى. (1/462) فَرَأَيْتُ الحَلاَوَةَ وَالنُّوْرَ يَخْرُجُ مِنْ شَفَتَيْهِ، فَعَلِقَهُ فُؤَادِي، وَفَارَقْتُ أَصْحَابِي، وَجَعَلْتُ لاَ أَذْهَبُ وَلاَ أَجِيْءُ إِلاَّ وَحْدِي، وَكَانَتْ أُمِّي تُرْسِلُنِي إِلَى الكُتَّابِ، فَأَنْقَطِعَ دُوْنَهُ. فَعَلَّمَنِي شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ عِيْسَى رَسُوْلُ اللهِ، وَمُحَمَّداً بَعْدَهُ رَسُوْلُ اللهِ، وَالإِيْمَانَ بِالبَعْثِ، وَعَلَّمَنِي القِيَامَ فِي الصَّلاَةِ، وَكَانَ يَقُوْلُ لِي: إِذَا قُمْتَ فِي الصَّلاَةِ فَاسْتَقْبَلْتَ القِبْلَةَ، فَاحْتَوَشَتْكَ النَّارُ، فَلاَ تَلْتَفِتْ، وَإِنْ دَعَتْكَ أُمُّكَ وَأَبُوْكَ فَلاَ تَلْتَفِتْ، إِلاَّ أَنْ يَدْعُوْكَ رَسُوْلٌ مِنْ رُسُلِ اللهِ، وَإِنْ دَعَاكَ وَأَنْتَ فِي فَرِيْضَةٍ فَاقْطَعْهَا، فَإِنَّهُ لاَ يَدْعُوْكَ إِلاَّ بِوَحْيٍ. وَأَمَرَنِي بِطُوْلِ القُنُوْتِ، وَزَعَمَ أَنَّ عِيْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- قَالَ: طُوْلُ القُنُوْتِ أَمَانٌ عَلَى الصِّرَاطِ، وَطُوْلُ السُّجُوْدِ أَمَانٌ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ. وَقَالَ: لاَ تَكْذِبَنَّ مَازِحاً وَلاَ جَادّاً، حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيْكَ مَلاَئِكَةُ اللهِ، وَلاَ تَعْصِيَنَّ اللهَ فِي طَمَعٍ وَلاَ غَضَبٍ، لاَ تُحْجَبْ عَنِ الجَنَّةِ طَرْفَةَ عَيْنٍ. ثُمَّ قَالَ لِي: إِنْ أَدْرَكْتَ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ، فَآمِنْ بِهِ، وَاقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلاَمَ مِنِّي، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- قَالَ: مَنْ سَلَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ - رَآهُ أَوْ لَمْ يَرَهُ - كَانَ لَهُ مُحَمَّدٌ شَافِعاً، وَمُصَافِحاً. فَدَخَلَ حَلاَوَةُ الإِنْجِيْلِ فِي صَدْرِي. (1/517) قَالَ: فَأَقَامَ فِي مُقَامِهِ حَوْلاً. (1/463) ثُمَّ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! إِنَّكَ قَدْ أَحْبَبْتَنِي وَأَحْبَبْتُكَ، وَإِنَّمَا قَدِمْتُ بِلاَدَكُم هَذِهِ، إِنَّهُ كَانَ لِي قَرِيْبٌ، فَمَاتَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُوْنَ قَرِيْباً مِنْ قَبْرِهِ، أُصَلِّي عَلَيْهِ، وَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، لِمَا عَظَّمَ اللهُ عَلَيْنَا فِي الإِنْجِيْلِ مِنْ حَقِّ القَرَابَةِ، يَقُوْلُ اللهُ: مَنْ وَصَلَ قَرَابَتَهُ وَصَلَنِي، وَمَنْ قَطَعَ قَرَابَتَهُ فَقَدْ قَطَعَنِي. وَإِنَّهُ قَدْ بِدَا لِي الشُّخُوْصُ مِنْ هَذَا المَكَانِ، فَإِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ صُحْبَتِي، فَأَنَا طَوْعُ يَدَيْكَ. قُلْتُ: عَظَّمْتَ حَقَّ القَرَابَةِ، وَهُنَا أُمِّي وَقَرَابَتِي. قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ أَنْ تُهَاجِرَ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَدَعِ الوَالِدَةَ وَالقَرَابَةَ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ يُصْلِحُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُم، حَتَّى لاَ تَدْعُو عَلَيْكَ الوَالِدَةُ. فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا نَصِيْبِيْنَ، فَاسْتَقْبَلَهُ اثْنَا عَشَرَ مِنَ الرُّهْبَانِ، يَبْتَدِرُوْنَهُ، وَيَبْسُطُوْنَ لَهُ أَرْدِيَتَهُم، وَقَالُوا: مَرْحَباً بِسَيِّدِنَا، وَوَاعِي كِتَابِ رَبِّنَا. فَحَمِدَ اللهَ، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ: إِنْ كُنْتُمْ تُعَظِّمُوْنِي لِتَعْظِيْمِ جَلاَلِ اللهِ، فَأَبْشِرُوا بِالنَّظَرِ إِلَى اللهِ. ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ أَتَعَبَّدَ فِي مِحْرَابِكُمْ هَذَا شَهْراً، فَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الغُلاَمِ، فَإِنِّي رَأَيْتُهُ رَقِيْقاً، سَرِيْعَ الإِجَابَةِ. فَمَكَثَ شَهْراً لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيَّ، وَيَجْتَمِعُ الرُّهْبَانُ خَلْفَهُ، يَرْجُوْنَ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَلاَ يَنْصَرِفُ. فَقَالُوا: لَوْ تَعَرَضَّتَ لَهُ؟ فَقُلْتُ: أَنْتُم أَعْظَمُ عَلَيْهِ حَقّاً مِنِّي. |