سَعِيْدُ بنُ العَاصِ بنِ أَبِي أُحَيْحَةَ الأُمَوِيُّ (م، س)
 
سَعِيْدِ بنِ العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ، وَالِدُ عَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ الأَشْدَقِ، وَوَالِدُ يَحْيَى، القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، المَدَنِيُّ، الأَمِيْرُ.
قُتِلَ أَبُوْهُ يَوْم بَدْرٍ مُشْرِكاً، وَخلَّفَ سَعِيْداً طِفْلاً.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَهُ صُحْبَةٌ.
قُلْتُ: لَمْ يَرْوِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَهُوَ مُقِلٌّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ، وَعُرْوَةُ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
وَكَانَ أَمِيْراً، شَرِيْفاً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، حَلِيماً، وَقُوراً، ذَا حَزْمٍ وَعَقْلٍ، يَصْلُحُ لِلْخِلاَفَةِ.
وَلِيَ إِمْرَةَ المَدِيْنَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ لِمُعَاوِيَةَ.
وَقَدْ وَلِي أَمْرَ الكُوْفَةِ لِعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ.
وَقَدِ اعْتَزَلَ الفِتْنَةَ، فَأَحْسَنَ، وَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَ مُعَاوِيَةَ.
وَلَمَّا صَفَا الأَمْرُ لِمُعَاوِيَةَ، وَفَدَ سَعِيْدٌ إِلَيْهِ، فَاحْتَرَمَهُ، وَأَجَازَهُ بِمَالٍ جَزِيْلٍ.
وَلَمَّا كَانَ عَلَى الكُوْفَةِ، غَزَا طَبَرِسْتَانَ، فَافْتَتَحَهَا.
وَفِيْهِ يَقُوْلُ الفَرَزْدَقُ:
تَرَى الغُرَّ الجَحَاجِحَ مِنْ قُرَيْشٍ * إِذَا مَا الأَمْرُ ذُو الحَدَثَانِ عَالاَ
قِيَاماً يَنْظُرُوْنَ إِلَى سَعِيْدٍ * كَأَنَّهُمُ يَرَوْنَ بِهِ هِلاَلاَ (3/446)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِسَعِيْدٍ تِسْعُ سِنِيْنَ أَوْ نَحْوُهَا.
(5/442)

وَلَمْ يَزَلْ فِي صَحَابَةِ عُثْمَانَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، فَوَلاَّهُ الكُوْفَةَ لَمَّا عَزَلَ عَنْهَا الوَلِيْدَ بنَ عُقْبَةَ، فَقَدِمَهَا وَهُوَ شَابٌّ مُتْرَفٌ، فَأَضَرَّ بِأَهْلِهَا، فَوَلِيَهَا خَمْسَ سِنِيْنَ إِلاَّ أَشْهُراً.
ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ أَهْلُهَا، وَطَرَدُوْهُ، وَأَمَّرُوا عَلَيْهِم أَبَا مُوْسَى، فَأَبَى، وَجَدَّدَ البَيْعَةَ فِي أَعْنَاقِهِم لِعُثْمَانَ، فَوَلاَّهُ عُثْمَانُ عَلَيْهِم.
وَكَانَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ يَوْمَ الدَّارِ مَعَ المُقَاتِلَةِ عَنْ عُثْمَانَ.
وَلَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَنَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، قَامَ سَعِيْدٌ خَطِيباً، وَقَالَ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ عُثْمَانَ عَاشَ حَمِيداً، وَذَهَبَ فَقِيداً شَهِيداً، وَقَدْ زَعَمْتُم أَنَّكُم خَرَجْتُم تَطْلُبُوْنَ بِدَمِهِ، فَإِنْ كُنْتُم تُرِيْدُوْنَ ذَا، فَإِنَّ قَتَلَتَهُ عَلَى هَذِهِ المَطِيِّ، فَمِيْلُوا عَلَيْهِم.
فَقَالَ مَرْوَانُ: لاَ، بَلْ نَضْرِبُ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ.
فَقَالَ المُغِيْرَةُ: الرَّأْيُ مَا رَأَى سَعِيْدٌ.
وَمَضَى إِلَى الطَّائِفِ، وَانْعَزَلَ سَعِيْدٌ بِمَنِ اتَّبَعَهُ بِمَكَّةَ، حَتَّى مَضَتِ الجَمَلُ وَصِفِّيْنُ.
قَالَ قَبِيْصَةُ بنُ جَابِرٍ: سَأَلُوا مُعَاوِيَةَ: مَنْ تَرَى لِلأَمْرِ بَعْدَكَ؟
قَالَ: أَمَا كَرِيْمَةُ قُرَيْشٍ فَسَعِيْدُ بنُ العَاصِ...، وَذَكَرَ جَمَاعَةً.
ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، قَالَ:
خَطَبَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ أُمَّ كُلْثُوْمٍ بِنْتَ عَلِيٍّ بَعْدَ عُمَرَ، وَبَعَثَ إِلَيْهَا بِمائَةِ أَلْفٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَخُوْهَا الحُسَيْنُ، وَقَالَ: لاَ تَزَوَّجِيْهِ.
فَقَالَ الحَسَنُ: أَنَا أُزَوِّجُهُ.
وَاتَّعَدُوا لِذَلِكَ، فَحَضَرُوا.
(5/443)

فَقَالَ سَعِيْدٌ: وَأَيْنَ أَبُو عَبْدِ اللهِ؟
فَقَالَ الحَسَنُ: سَأَكْفِيكَ.
قَالَ: فَلَعَلَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَرِهَ هَذَا.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: لاَ أَدْخُلُ فِي شَيْءٍ يَكْرَهُهُ.
وَرَجَعَ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ المَالِ شَيْئاً. (3/447)
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّمَشْقِيُّ: إِنَّ عَرَبِيَّةَ القُرْآنِ أُقِيمَتْ عَلَى لِسَانِ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ، لأَنَّهُ كَانَ أَشْبَهَهُم لَهْجَةً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَعَنِ الوَاقِدِيِّ: أَنَّ سَعِيْداً أُصِيْبَ بِمَأْمُوْمَةٍ يَوْمَ الدَّارِ، فَكَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ، غُشِيَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ هُشَيْمٌ: قَدِمَ الزُّبَيْرُ الكُوْفَةَ، وَعَلَيْهَا سَعِيْدُ بنُ العَاصِ، فَبَعَثَ إِلَى الزُّبَيْرِ بِسَبْعِ مائَةِ أَلْفٍ، فَقَبِلَهَا.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ يَخِفُّ بَعْضَ الخِفَّةِ مِنَ المَأْمُوْمَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُ، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَوْفَرِ الرِّجَالِ وَأَحْلَمِهِ.
ابْنُ عَوْنٍ: عَنْ عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
كَانَ مَرْوَانُ يَسُبُّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي الجُمَعِ، فَعُزِلَ بِسَعِيْدِ بنِ العَاصِ، فَكَانَ لاَ يَسُبُّهُ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ إِذَا قَصَدَهُ سَائِلٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ، قَالَ: اكْتُبْ عَلَيَّ سِجِلاًّ بِمَسْأَلَتِكَ إِلَى المَيْسَرَةِ.
وَذَكَرَ عَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ: أَنَّ سَعِيْدَ بنَ العَاصِ اسْتَسْقَى مِنْ بَيْتٍ، فَسَقَوْهُ، وَاتَّفَقَ أَنَّ صَاحِبَ المَنْزِلِ أَرَادَ بَيْعَهُ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ، فَأَدَّى عَنْهُ أَرْبعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ.
(5/444)

وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَطْعَمَ النَّاسَ فِي قَحْطٍ حَتَّى نَفِدَ مَا فِي بَيْتِ المَالِ، وَادَّانَ، فَعَزَلَهُ مُعَاوِيَةُ. (3/448)
وَقِيْلَ: مَاتَ وَعَلَيْهِ ثَمَانُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
وَعَنْ سَعِيْدٍ، قَالَ: القُلُوْبُ تَتَغَيَّرُ، فَلاَ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَكُوْنَ مَادِحاً اليَوْمَ ذَامّاً غَداً.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: تُوُفِّيَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ بِقَصْرِهِ بِالعَرصَةِ، عَلَى ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ المَدِيْنَةِ، وَحُمِلَ إِلَى البَقِيْعِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
كَذَا أَرَّخَهُ: خَلِيْفَةُ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ مُسَدَّدٌ: مَاتَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ سَنَةَ سَبْعٍ، أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ عَمْرَو بنَ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ الأَشْدَقَ سَارَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَبَاعَهُ مَنْزِلَهُ وَبُسْتَانَهُ الَّذِي بِالعَرصَةِ بِثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَيُقَالُ: بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
قَالَهُ: الزُّبَيْرُ.
وَفِي ذَلِكَ المَكَانِ يَقُوْلُ عَمْرُو بنُ الوَلِيْدِ بنِ عُقْبَةَ:
القَصْرُ ذُو النَّخْلِ وَالجُمَّارُ فَوْقَهُمَا * أَشْهَى إِلَى النَّفْسِ مِنْ أَبْوَابِ جَيْرُوْنَ
وَقَدْ كَانَ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ أَحَدَ مَنْ نَدَبَه عُثْمَانُ لِكِتَابَةِ المُصْحَفِ؛ لِفَصَاحَتِهِ، وَشَبَهِ لَهْجَتِهِ بِلَهْجَةِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (3/449)
(5/445)