رَبِيْعَةُ الرَّأْيُ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرُّوْخٍ التَّيْمِيُّ |
الإِمَامُ، مُفْتِي المَدِيْنَةِ، وَعَالِمُ الوَقْتِ، أَبُو عُثْمَانَ - وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ مَوْلاَهُم، المَشْهُوْرُ بِرَبِيْعَةَ الرَّأْيِ، مِنْ مَوَالِي آلِ المُنْكَدِرِ.
رَوَى عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَالسَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَالحَارِثِ بنِ بِلاَلِ بنِ الحَارِثِ، وَيَزِيْدَ مَوْلَى المُنْبَعِثِ، وَحَنْظَلَةَ بنِ قَيْسٍ الزُّرَقِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ سَعِيْدِ بنِ سُوَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، وَعِدَّةٍ. وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ. وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَسُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ - وَهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَعُقَيْلُ بنُ خَالِدٍ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَمَالِكٌ - وَعَلَيْهِ تَفَقَّهَ - وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَفُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَمِسْعَرٌ، وَعُمَارَةُ بنُ غَزِيَّةَ، وَنَافِعٌ القَارِئُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَنَسُ بنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. (6/90) (11/110) مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: بَكَى رَبِيْعَةُ يَوْماً. فَقِيْلَ: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: رِيَاءٌ حَاضِرٌ، وَشَهْوَةٌ خَفِيَّةٌ، وَالنَّاسُ عِنْدَ عُلَمَائِهِم كَصِبْيَانٍ فِي حُجُوْرِ أُمَّهَاتِهم، إِنْ أَمرُوهم ائْتَمرُوا، وَإِنْ نَهوهُم انْتَهَوْا؟! وَرَوَى: ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، عَنْ رَجَاءِ بنِ جَمِيْلٍ، قَالَ: قَالَ رَبِيْعَةُ: رَأَيْتُ الرَّأيَ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ تَبِعَةِ الحَدِيْثِ. قَالَ الأُوَيْسِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: كَانَ رَبِيْعَةُ يَقُوْلُ لابْنِ شِهَابٍ: إِنَّ حَالِي لَيْسَتْ تُشبِهُ حَالَكَ. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: أَنَا أَقُوْلُ بِرَأْيٍ، مَنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَأَنْتَ تُحدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُحْفَظُ. قَالَ أَبُو ضَمْرَةَ: وَقفَ رَبِيْعَةُ عَلَى قَوْمٍ يَتذَاكَرُوْنَ القَدَرَ، فَقَالَ مَا مَعنَاهُ: إِنْ كُنْتُم صَادِقِيْنَ، فَلَمَا فِي أَيْدِيكُم أَعْظَمُ مِمَّا فِي يَدِي رَبِّكُم، إِنْ كَانَ الخَيْرُ وَالشَّرُّ بِأَيْدِيْكُم. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ): حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قَالَ رَبِيْعَةُ، وَسُئِلَ: كَيْفَ اسْتوَى؟ فَقَالَ: الكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُوْلٍ، وَعَلَى الرَّسُوْلِ البَلاَغُ، وَعَلَيْنَا التَّصْدِيْقُ. وَصَحَّ عَنْ رَبِيْعَةَ، قَالَ: العِلْمُ وَسِيْلَةٌ إِلَى كُلِّ فَضِيلَةٍ. قَالَ مَالِكٌ: قَدِمَ رَبِيْعَةُ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَمرَ لَهُ بِجَارِيَةٍ، فَأَبَى، فَأَعْطَاهُ خَمْسَةَ آلاَفٍ لِيَشْتَرِيَ بِهَا جَارِيَةً، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا. وَعَنِ ابْنِ وَهْبٍ: أَنفقَ رَبِيْعَةُ عَلَى إِخْوَانِهِ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، ثُمَّ جَعَلَ يَسْأَلُ إِخْوَانَهُ فِي إِخْوَانِهِ. (6/91) (11/111) النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ وَزِيْرٍ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: كُنَّا إِذَا رَأَينَا طَالباً لِلْحَدِيْثِ يَغْشَى ثَلاَثَةً ضَحِكنَا مِنْهُ: رَبِيْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَجَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ؛ لأَنَّهم كَانُوا لاَ يُتقنُوْنَ الحَدِيْثَ. رَوَى: مُطَرِّفٌ، عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ هُرْمُزَ: رَأَيْتُ رَبِيْعَةَ جُلِدَ، وَحُلِقَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ: كَانَ سَبَبُهُ سَعَايَةَ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ. قَالَ مُطَرِّفٌ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: ذَهَبتْ حَلاَوَةُ الفِقْهِ مُنْذُ مَاتَ رَبِيْعَةُ. قُلْتُ: وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَبُو الزِّنَادِ أَعْلَمُ مِنْهُ. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، أَحَدُ مُفْتِي المَدِيْنَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَبِيْعَةُ، وَعُمَرُ مَوْلَى غَفَرَةَ ابْنَا خَالَةٍ. وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ يُقَالُ لَهُ: رَبِيْعَةُ الرَّأْيُ، وَكَانَ صَاحِبَ الفَتْوَى بِالمَدِيْنَةِ، وَكَانَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ وَجُوْهُ النَّاسِ، كَانَ يُحصَى فِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُوْنَ مُعْتَمّاً، وَعَنْهُ أَخَذَ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ. وَرَوَى: اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفطنَ مِنْ رَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَرَوَى: اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، قَالَ: هُوَ صَاحِبُ مُعْضِلاَتِنَا، وَعَالِمُنَا، وَأَفَضْلُنَا. (11/112) ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، قَالَ: مَكَثَ رَبِيْعَةُ دَهْراً طَوِيْلاً، عَابِداً، يُصَلِّي اللَّيلَ وَالنَّهَارَ، صَاحِبَ عِبَادَةٍ، ثُمَّ نَزعَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ جَالَسَ القَوْمَ. قَالَ: فَجَالَسَ القَاسِمَ، فَنطقَ بِلُبٍّ وَعَقلٍ. قَالَ: وَكَانَ القَاسِمُ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، قَالَ: سَلُوا هَذَا لِرَبِيْعَةَ، فَإِنْ كَانَ فِي كِتَابِ اللهِ أَخْبَرَهُم بِهِ القَاسِمُ، أَوْ فِي سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِلاَّ قَالَ: سَلُوا رَبِيْعَةَ، أَوْ سَالِماً. (6/92) الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُجَالِسُ رَبِيْعَةَ، فَإِذَا غَابَ رَبِيْعَةُ، حَدَّثَهم يَحْيَى أَحْسَنَ الحَدِيْثِ - وَكَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ - فَإِذَا حَضَرَ رَبِيْعَةُ، كفَّ يَحْيَى إِجْلاَلاً لِرَبِيْعَةَ، وَلَيْسَ رَبِيْعَةُ أَسنَّ مِنْهُ، وَهُوَ فِيْمَا هُوَ فِيْهِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبجِّلاً لِصَاحِبِهِ. وَرَوَى: مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، عَنْ سَوَّارِ بنِ عَبْدِ اللهِ العَنْبَرِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ رَبِيْعَةَ الرَّأْيِ. قُلْتُ: وَلاَ الحَسَنُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ؟ قَالَ: وَلاَ الحَسَنُ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: لَمَّا جِئْتُ العِرَاقَ، جَاءنِي أَهْلُ العِرَاقِ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ رَبِيْعَةَ الرَّأْيِ. فَقُلْتُ: يَا أَهْلَ العِرَاقِ! تَقُوْلُوْنَ: رَبِيْعَةُ الرَّأْيُ، وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ لِسُنَّةٍ مِنْهُ. (11/113) ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدٍ، قَالَ: صَارَ رَبِيْعَةُ إِلَى فِقهٍ وَفَضْلٍ، وَمَا كَانَ بِالمَدِيْنَةِ رَجُلٌ أَسْخَى بِمَا فِي يَدَيْهِ لِصَدِيْقٍ، أَوْ لابْنِ صَدِيْقٍ، أَوْ لِباغٍ يَبتغِيهِ مِنْهُ، كَانَ يَسْتَصْحِبُهُ القَوْمُ، فَيَأْبَى صُحْبَةَ أَحَدٍ، إِلاَّ أَحَداً لاَ يَتزوَّدُ مَعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَا يَحْمِلُ ذَلِكَ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَبِيْعَةُ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي العَبَّاسِ، أَمرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَأَعْطَاهُ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ يَشْتَرِي بِهَا جَارِيَةً حِيْنَ أَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا. (6/93) وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ رَبِيْعَةَ، قَالَ: قَالَ لِي حِيْنَ أَرَادَ العِرَاقَ: إِنْ سَمِعْتَ أَنِّي حَدَّثْتُهم، أَوْ أَفْتَيْتُهم، فَلاَ تَعُدَّنِي شَيْئاً. قَالَ: فَكَانَ كَمَا قَالَ، لَمَّا قَدِمهَا لَزمَ بَيْتَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِم، وَلَمْ يُحَدِّثْهُم بِشَيْءٍ حَتَّى رَجَعَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ عِمْرَانَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَبِيْعَةُ جَالِسٌ، وَقَدْ أَحَدقَ بِهِ غِلمَانُ أَهْلِ الرَّأْيِ، فَسَألتُهُ: أَسَمِعْتَ مِنْ أَنَسٍ شَيْئاً؟ قَالَ: حَدِيْثَيْنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ رَبِيْعَةُ فَقِيْهاً، عَالِماً، حَافِظاً لِلْفِقْهِ وَالحَدِيْثِ، قَدِمَ عَلَى السَّفَّاحِ الأَنْبَارَ، وَكَانَ أَقدَمَهُ لِيُولِّيَهُ القَضَاءَ. فَيُقَالُ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ بِالأَنْبَارِ. وَيُقَالُ: بَلْ تُوُفِّيَ بِالمَدِيْنَةِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ بِالمَدِيْنَةِ، فِيْمَا أَخْبَرَنِي بِهِ الوَاقِدِيُّ. (11/114) وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ بِالأَنْبَارِ، وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَكَانُوا يَتَّقُونَهُ لِمَوْضِعِ الرَّأيِ. وَكَذَا أَرَّخَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: ذَهَبتْ حَلاَوَةُ الفِقْهِ مُنْذُ مَاتَ رَبِيْعَةُ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. ذِكْرُ حِكَايَةٍ بَاطِلَةٍ قَدْ رُوِيَتْ: فَأَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، أَنْبَأَنَا القَزَّازُ، أَنْبَأَنَا الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ شَاذَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ المَالِكِيُّ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ الخَفَّافُ، حَدَّثَنِي مَشْيَخَةُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ: أَنَّ فَرُّوْخَ وَالِدَ رَبِيْعَةَ، خَرَجَ فِي البُعوثِ إِلَى خُرَاسَانَ، أَيَّامَ بَنِي أُمَيَّةَ غَازِياً، وَرَبِيْعَةُ حِملٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَخلَّفَ عِنْدَ زَوْجَتِهِ أُمِّ رَبِيْعَةَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ. فَقَدِمَ المَدِيْنَةَ بَعْد سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ رَاكِبُ فَرسٍ، فِي يَدِهِ رُمْحٌ، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ، ثُمَّ دَفعَ البَابَ بِرُمْحِهِ، فَخَرَجَ رَبِيْعَةُ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ! أَتَهجمُ عَلَى مَنْزِلِي؟ فَقَالَ: لاَ. وَقَالَ فَرُّوْخٌ: يَا عَدُوَّ اللهِ! أَنْتَ رَجُلٌ دَخَلتَ عَلَى حُرمَتِي. (6/94) فَتَوَاثبَا، وَتَلبَّثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ الجِيْرَانُ. فَبَلَغَ مَالِكَ بنَ أَنَسٍ وَالمَشْيَخَةَ، فَأَتَوْا يُعِيْنُوْنَ رَبِيْعَةَ، فَجَعَلَ رَبِيْعَةُ يَقُوْلُ: وَاللهِ لاَ فَارقتُكَ إِلاَّ عِنْدَ السُّلْطَانِ. (11/115) وَجَعَلَ فَرُّوْخٌ يَقُوْلُ كَذَلِكَ، وَيَقُوْلُ: وَأَنْتَ مَعَ امْرَأَتِي. وَكثُرَ الضَّجِيْجُ، فَلَمَّا أَبصَرُوا بِمَالِكٍ، سَكتَ النَّاسُ كُلُّهُم. فَقَالَ مَالِكٌ: أَيُّهَا الشَّيْخُ! لَكَ سَعَةٌ فِي غَيْرِ هَذِهِ الدَّارِ. فَقَالَ الشَّيْخُ: هِيَ دَارِي، وَأَنَا فَرُّوْخٌ مَوْلَى بَنِي فُلاَنٍ. فَسَمِعَتِ امْرَأَتُه كَلاَمَهُ، فَخَرَجتْ، فَقَالَتْ: هَذَا زَوْجِي، وَهَذَا ابْنِي الَّذِي خَلَّفتَهُ وَأَنَا حَامِلٌ بِهِ. فَاعْتَنَقَا جَمِيْعاً، وَبَكَيَا. فَدَخَلَ فَرُّوْخٌ المَنْزِلَ، وَقَالَ: هَذَا ابْنِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَخرِجِي المَالَ الَّذِي عِنْدَكَ، وَهَذِهِ مَعِي أَرْبَعَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ. قَالَتْ: المَالُ قَدْ دَفنتُهُ، وَأَنَا أُخْرِجُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ. فَخَرَجَ رَبِيْعَةُ إِلَى المَسْجِدِ، وَجَلَسَ فِي حَلقَتِهِ، وَأَتَاهُ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَالحَسَنُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي عَلِيٍّ اللَّهْبِيُّ، وَالمُسَاحِقِيُّ، وَأَشرَافُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَأَحدَقَ النَّاسُ بِهِ. فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اخْرُجْ صَلِّ فِي مَسْجِدِ الرَّسُوْلِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَخَرَجَ، فَصَلَّى، فَنَظَرَ إِلَى حَلْقَةٍ وَافرَةٍ، فَأَتَاهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَفرَّجُوا لَهُ قَلِيْلاً، وَنكَّسَ رَبِيْعَةُ رَأْسَهُ يُوْهِمُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ، وَعَلَيْهِ طَوِيْلَةٌ، فَشكَّ فِيْهِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالُوا لَهُ: هَذَا رَبِيْعَةُ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ: لَقَدْ رَفعَ اللهُ ابْنِي. فَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَقَالَ لِوَالِدتِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ وَلدَكِ فِي حَالَةٍ مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالفِقْهِ عَلَيْهَا. (11/116) فَقَالَتْ أُمُّهُ: فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، أَوْ هَذَا الَّذِي هُوَ فِيْهِ مِنَ الجَاهِ؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ، إِلاَّ هَذَا. قَالَتْ: فَإِنِّي قَدْ أَنفقتُ المَالَ كُلَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَوَاللهِ مَا ضَيَّعْتِهِ. قُلْتُ: لَوْ صَحَّ ذَلِكَ، لَكَانَ يَكْفِيْهِ أَلفُ دِيْنَارٍ فِي السَّبْعِ وَالعِشْرِيْنَ سَنَةً، بَلْ نِصْفُهَا، فَهَذِهِ مُجَازَفَةٌ بَعِيْدَةٌ. (6/95) ثُمَّ لَمَّا كَانَ رَبِيْعَةُ ابْنَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، كَانَ شَابّاً لاَ حَلْقَةَ لَهُ، بَلِ الدَّسْتُ لِمِثلِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَمَشَايِخِ رَبِيْعَةَ، وَكَانَ مَالِكٌ لَمْ يُوْلَدْ بَعْدُ، أَوْ هُوَ رَضِيعٌ. وَالطَّوِيْلَةُ: إِنَّمَا أَخْرَجَهَا لِلنَّاسِ المَنْصُوْرُ بَعْدَ مَوْتِ رَبِيْعَةَ، وَالحَسَنُ بنُ زَيْدٍ وَإِنَّمَا كَبِرَ وَاشتهرَ بَعْدَ رَبِيْعَةَ بِدَهْرٍ، وَإِسْنَادُهَا مُنْقَطِعٌ، وَلَعَلَّهُ قَدْ جَرَى بَعْضُ ذَلِكَ. قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بنُ اللَّيْثِ اللَّبَّانُ، وَزَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَيِّعُ بِبَغْدَادَ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ عَبْدِ البَاقِي بنِ قَفَرْجَلَ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بنِ قَيْسٍ الزُّرَقِيِّ: أَنَّهُ سَألَ رَافِعَ بنَ خَدِيْجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. فَقَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. (11/117) فَقُلْتُ: أَبِالذَّهَبِ وَالوَرِقِ؟ قَالَ: أَمَّا الذَّهَبُ وَالوَرِقُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، عَالٍ، أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ. قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: عَنْ مَالِكٍ: قَدِمَ الزُّهْرِيُّ، فَأَخَذَ بِيَدِ رَبِيْعَةَ، وَدَخَلاَ المَنْزِلَ، فَمَا خَرَجَا إِلَى العَصْرِ. وَخَرَجَ ابْنُ شِهَابٍ يَقُوْلُ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ بِالمَدِيْنَةِ مِثْلَ رَبِيْعَةَ. وَخَرَجَ رَبِيْعَةُ وَهُوَ يَقُوْلُ نَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ يُوْنُسَ: شَهِدْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ فِي مَجْلِسِ رَبِيْعَةَ، مَجهودُهُ أَنْ يَفهمَ مَا يَقُوْلُ رَبِيْعَةُ. (6/96) مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنِ ابْنِ أَخِي يَزِيْدَ بنِ هُرْمُزَ: أَنَّ رَجُلاً سَألَ ابْنَ هُرْمُزَ عَنْ بَولِ الحِمَارِ، فَقَالَ: نَجِسٌ. قَالَ: فَإِنَّ رَبِيْعَةَ لاَ يَرَى بِهِ بَأْساً. قَالَ: لاَ عَلَيْكَ أَلاَّ تَذْكُرَ هَنَاتِ رَبِيْعَةَ، فَلَرُبَّمَا تَكَلَّمْنَا فِي المَسْأَلَةِ نُخَالفُهُ فِيْهَا، ثُمَّ نَرجِعُ إِلَى قَوْلِه بَعْدَ سَنَةٍ. قَالَ مَالِكٌ: اعْتَمَمْتُ وَمَا فِي وَجْهِي شَعرَةٌ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَجْلِسِ رَبِيْعَةَ بِضْعَةً وَثَلاَثِيْنَ مُعْتَمّاً. قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ المَاجَشُوْنِ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحوطَ لِسُنَّةٍ مِنْ رَبِيْعَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ رَبِيْعَةُ أَعجلَ شَيْءٍ جَوَاباً. (6/97) (11/118) |