سُفْيَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ الثَّوْرِيُّ (ع) ث |
عَلِيِّ بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ.
مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ مَالِكاً، وَالأَوْزَاعِيَّ، وَابْنَ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيَّ، وَمَعْمَراً، يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ. الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: إِنَّ قَوْماً يَقُوْلُوْنَ: لاَ نَقُوْلُ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلاَّ خَيْراً، وَلَكِنْ عَلِيٌّ أَوْلَى بِالخِلاَفَةِ مِنْهُمَا، فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ، فَقَدْ خَطَّأَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيّاً، وَالمُهَاجِرِيْنَ، وَالأَنْصَارَ، وَلاَ أَدْرِي تَرتفِعُ مَعَ هَذَا أَعْمَالُهُم إِلَى السَّمَاءِ. (7/253) أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ يَقُوْلُ: (13/291) مَا رَأَيتُ بِالكُوْفَةِ رَجُلاً أَتْبَعَ لِلسُّنَّةِ، وَلاَ أَودُّ أَنِّي فِي مِسلاَخِهِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَعَنْ زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، قَالَ: خَرَجَ سُفْيَانُ إِلَى أَيُّوْبَ، وَابْنِ عَوْنٍ، فَتَرَكَ التَّشَيُّعَ. وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِي المَهْدِيِّ، فَمَا تَقُوْلُ فِيْهِ؟ قَالَ: إِنْ مَرَّ عَلَى بَابِكَ، فَلاَ تَكُنْ فِيْهِ فِي شَيْءٍ، حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ. مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: تَرَكَتْنِي الرَّوَافِضُ وَأَنَا أَبغُضُ أَنْ أَذْكُرَ فَضَائِلَ عَلِيٍّ. الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ زِيَادٍ المَصِّيْصِيُّ، سَمِعْتُ الفِرْيَابِيَّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ، وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَنْ يَشتُمُ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: كَافِرٌ بِاللهِ العَظِيْمِ. قَالَ: نُصَلِّي عَلَيْهِ؟ قَالَ: لاَ، وَلاَ كَرَامَةَ. قَالَ: فَزَاحَمَهُ النَّاسُ، حَتَّى حَالُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُ. فَقُلْتُ لِلَّذِي قَرِيْباً مِنْهُ: مَا قَالَ؟ قُلْنَا: هُوَ يَقُوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مَا نَصْنعُ بِهِ؟ قَالَ: لاَ تَمَسُّوهُ بِأَيْدِيْكُم، ارْفَعُوْهُ بِالخَشَبِ حَتَّى تُوَارُوْهُ فِي قَبْرِه. عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبَانٍ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ قَدَّمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَحَداً، فَقَدْ أَزرَى عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ وَهُوَ عَنْهُم رَاضٍ. (13/292) عَبَّاسٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: امسَحْ عَلَيْهِمَا مَا تَعَلَّقَتَا بِالقَدَمِ، وَإِنْ تَخَرَّقَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ خِفَافُ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ مُخَرَّقَةٌ مُشَقَّقَةٌ. (7/254) مَشَايِخُ حَدَّثَ عَنْهُمُ الثَّوْرِيُّ، وَحَدَّثُوا هُمْ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ، مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، سَلَمَةُ الأَبْرَشُ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ، أَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، جَعْفَرٌ الصَّادِقُ، حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، الحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ، خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، خُصَيْفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، أَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمٍ، سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ، شَرِيْكٌ القَاضِي، الأَوْزَاعِيُّ، أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، ابْنُ جُرَيْجٍ، فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، أَبُو حَنِيْفَةَ، وَكِيْعُ بنُ الجَرَّاحِ. سَمَّى هَؤُلاَءِ: الحَاكِمُ. وَرَوَى: سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ. وَرُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: أُحبُّ أَنْ يَكُوْنَ صَاحِبُ العِلْمِ فِي كِفَايَةٍ، فَإِنَّ الآفَاتِ إِلَيْهِ أَسرَعُ، وَالأَلسِنَةَ إِلَيْهِ أَسرَعُ. قَالَ زَائِدَةُ: كَانَ سُفْيَانُ أَفْقَهَ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ سُفْيَانَ. وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: مَا رَأَى سُفْيَانُ مِثْلَ نَفْسِه. (7/255) قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ: قُلْتُ لابْنِ المُبَارَكِ: رَأَيتَ مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ؟ فَقَالَ: وَهَلْ رَأَى هُوَ مِثْلَ نَفْسِهِ؟ (13/293) وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: مَا رَأَيتُ مُحَدِّثاً أَفْضَلَ مِنَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: مَا كَتَبتُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا كَتَبتُ عَنِ الأَعْمَشِ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ رَأَى بِعَيْنِه مِثْلَ سُفْيَانَ، فَلاَ تُصَدِّقْهُ. وَقَالَ شَرِيْكٌ: نَرَى أَنَّ سُفْيَانَ حُجَّةٌ للهِ عَلَى عِبَادِه. قَالَ أَبُو الأَحْوَصِ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنِّي أَنْجُو مِنْ هَذَا الأَمْرِ كَفَافاً، لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِيَ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: لَيْسَ طَلَبُ الحَدِيْثِ مِنْ عِدَّةِ المَوْتِ، لَكِنَّهُ عِلَّةٌ يَتشَاغَلُ بِهِ الرَّجُلُ. قُلْتُ: يَقُوْلُ هَذَا، مَعَ قَوْلِه لِلْخُرَيْبِيِّ: لَيْسَ شَيْءٌ أَنفعُ لِلنَّاسِ مِنَ الحَدِيْثِ؟! وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَخَافُ عَلَى شَيْءٍ أَنْ يُدْخِلَنِي النَّارَ، إِلاَّ الحَدِيْثَ. وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي قَرَأْتُ القُرْآنَ، وَوَقَفتُ عِنْدَهُ، لَمْ أَتَجَاوَزْهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَنْ يَزْدَدْ عِلْماً، يَزْدَدْ وَجَعاً، وَلَوْ لَمْ أَعْلَمْ، كَانَ أَيْسَرَ لِحُزْنِي. وَعَنْهُ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ عِلْمِي نُسِخَ مِنْ صَدْرِي، أَلَسْتُ أُرِيْدُ أَنْ أُسْأَلَ غَداً عَنْ كُلِّ حَدِيْثٍ رَوَيتُهُ: أَيْش أَرَدْتَ بِهِ؟ قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ الثَّوْرِيُّ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ الحَدِيْثِ، مَا أَخَافُ عَلَيْهِ إِلاَّ مِنْ حُبِّهِ لِلْحَدِيْثِ. (7/256) (13/294) قُلْتُ: حُبُّ ذَاتِ الحَدِيْثِ، وَالعَمَلُ بِهِ للهِ مَطْلُوْبٌ مِنْ زَادِ المَعَادِ، وَحُبُّ رِوَايَتِهِ وَعَوَالِيْه وَالتَّكَثُّرِ بِمَعْرِفَتِهِ مَذْمُوْمٌ مَخُوفٌ، فَهُوَ الَّذِي خَافَ مِنْهُ سُفْيَانُ وَالقَطَّانُ، وَأَهْلُ المرَاقبَةِ، فَإِنَّ كَثِيْراً مِنْ ذَلِكَ وَبَالٌ عَلَى المُحَدِّثِ. وَرَوَى: مُوْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُوْلُ: رَأَيتُ الثَّوْرِيَّ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا وَجَدْتَ أَفْضَلَ؟ قَالَ: الحَدِيْثَ. وَقَالَ الفِرْيَابِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا عَملٌ أَفْضَلُ مِنَ الحَدِيْثِ، إِذَا صحَّتِ النِّيَّةُ فِيْهِ. وَقَالَ ضَمْرَةُ: كَانَ سُفْيَانُ رُبَّمَا حَدَّثَ بِعَسْقَلاَنَ، يَبْتِدِئُهُم يَقُوْلُ: انْفَجَرتِ العُيُونُ! يَعجَبُ مِنْ نَفْسِهِ. مُهَنَّا بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ صَاحِبٌ لَنَا لِسُفْيَانَ: حَدِّثْنَا كَمَا سَمِعْتَ. فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ سَبِيْلَ إِلَيْهِ، مَا هُوَ إِلاَّ المَعَانِي. وَقَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: إِنْ قُلْتَ: إِنِّي أُحَدِّثُكُم كَمَا سَمِعْتُ، فَلاَ تُصَدِّقُوْنِي. أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: كُنَّا نَكونُ عِنْدَ سُفْيَانَ، فَكَأَنَّهُ قَدْ أُوقِفَ لِلْحِسَابِ، فَلاَ نَجتَرِئُ أَنْ نُكَلِّمَهُ، فَنُعَرِّضُ بِذِكْرِ الحَدِيْثِ، فَيَذهبُ ذَلِكَ الخُشُوْعُ، فَإِنَّمَا هُوَ حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: رَأَيتُ سُفْيَانَ بِصَنْعَاءَ يُمْلِي عَلَى صَبِيٍّ، وَيَسْتَمْلِي لَهُ. (7/257) وَعَنْ سُفْيَانَ: لَوْ لَمْ يَأْتِنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، لأَتَيْتُهُم. سَيَأْتِي بَقِيَّةُ هَذَا الفَصْلِ. الفِرْيَابِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: (13/295) دَخَلْتُ عَلَى المَهْدِيِّ، فَقُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنفَقَ فِي حَجَّتِهِ اثْنَيْ عَشَرَ دِيْنَاراً، وَأَنْتَ فِيْمَا أَنْتَ فِيْهِ. فَغَضِبَ، وَقَالَ: تُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ مِثْلَ هَذَا الَّذِي أَنْتَ فِيْهِ. قُلْتُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ مَا أَنَا فِيْهِ، فَفِي دُوْنِ مَا أَنْتَ فِيْهِ. فَقَالَ وَزِيْرُهُ: جَاءتْنَا كُتُبُكَ، فَأَنفَذْتُهَا. فَقُلْتُ: مَا كَتَبتُ إِلَيْكَ شَيْئاً قَطُّ. الخُرَيْبِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَا أَنفَقتُ دِرْهَماً فِي بِنَاءٍ. وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: عَنْ سُفْيَانَ: لَوْ أَنَّ البَهَائِمَ تَعقِلُ مِنَ المَوْتِ مَا تَعْقِلُوْنَ، مَا أَكَلتُمْ مِنْهَا سَمِيْناً. ثُمَّ قَالَ ابْنُ يَمَانٍ: مَا رَأَيتُ مِثْلَ سُفْيَانَ، أَقْبَلتِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ، فَصَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهَا. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ: كُنْتُ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ مَعَ سُفْيَانَ، وَالمُنَادِي يُنَادِي: مَنْ جَاءَ بِسُفْيَانَ، فَلَهُ عَشْرَةُ آلاَفٍ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ لأَجلِ الطَّلَبِ هَربَ إِلَى اليَمَنِ، فَسُرِقَ شَيْءٌ، فَاتَّهَمُوا سُفْيَانَ. قَالَ: فَأَتَوْا بِي مَعْنَ بنَ زَائِدَةَ، وَكَانَ قَدْ كُتِبَ إِلَيْهِ فِي طَلَبِي، فَقِيْلَ لَهُ: هَذَا قَدْ سَرَقَ مِنَّا. فَقَالَ: لِمَ سَرَقْتَ مَتَاعَهُم؟ قُلْتُ: مَا سَرَقْتُ شَيْئاً. فَقَالَ لَهُم: تَنَحَّوْا لأُسَائِلَهُ. ثُمَّ أَقْبَل عَلَيَّ، قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ لَمَّا انْتَسَبْتَ. قُلْتُ: أَنَا سُفْيَانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ. قَالَ: الثَّوْرِيُّ؟ قُلْتُ: الثَّوْرِيُّ. قَالَ: أَنْتَ بُغْيَةُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. قُلْتُ: أَجَلْ. (13/296) فَأَطْرَقَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَأَقِمْ، وَمتَى شِئْتَ، فَارْحَلْ، فَوَاللهِ لَوْ كُنْتَ تَحْتَ قَدَمِي مَا رَفَعتُهَا. (7/258) قَرَأْتُهَا عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُعَاذٍ البَصْرِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ...، فَذَكَرَهَا. وَكِيْعٌ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: مَا عَالَجْتُ شَيْئاً أَشدَّ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي، مَرَّةً عَلَيَّ، وَمَرَّةً لِي. الخُرَيْبِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ: {سَنَسْتَدْرِجُهُم} [الأَعْرَافُ: 182]، وَ[القَلَمُ: 44]، قَالَ: نُسْبِغُ عَلَيْهِم النِّعَمَ، وَنَمْنَعُهُمُ الشُّكْرَ. أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: البُكَاءُ عَشْرَةٌ أَجزَاءٍ: جُزْءٌ للهِ، وَتِسْعَةٌ لِغَيْرِ اللهِ، فَإِذَا جَاءَ الَّذِي للهِ فِي العَامِ مَرَّةً، فَهُوَ كَثِيْرٌ. قَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: مَنْ أَحَبَّ أَفْخَاذَ النِّسَاءِ، لَمْ يُفْلِحْ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: بَاتَ سُفْيَانُ عِنْدِي، فَجَعَلَ يَبْكِي. فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: لَذُنُوبِي عِنْدِي أَهْوَنُ مِنْ ذَا. وَرَفَعَ شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ، إِنِّيْ أَخَافُ أَنْ أُسْلَبَ الإِيْمَانَ قَبْلَ أَنْ أَمُوْتَ. وَعَنْ سُفْيَانَ: السَّلاَمَةُ فِي أَنْ لاَ تُحبَّ أَنْ تُعْرَفَ. وَرَوَى: رُسْتَه، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: (13/297) قَدِمَ سُفْيَانُ البَصْرَةَ، وَالسُّلْطَانُ يَطْلُبُهُ، فَصَارَ إِلَى بُسْتَانٍ، فَأَجَّرَ نَفْسَهُ لِحِفْظِ ثِمَارِهِ، فَمَرَّ بِهِ بَعْضُ العَشَّارِيْنَ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا شَيْخُ؟ قَالَ: مَنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ. قَالَ: أَرُطَبُ البَصْرَةِ أَحْلَى، أَمْ رُطَبُ الكُوْفَةِ؟ قَالَ: لَمْ أَذُقْ رُطَبَ البَصْرَةِ. قَالَ: مَا أَكْذَبَكَ! البَرُّ وَالفَاجِرُ وَالكِلاَبُ يَأْكُلُوْنَ الرُّطَبَ السَّاعَةَ. وَرَجَعَ إِلَى العَامِلِ، فَأَخْبَرَهُ لِيُعجِبَهُ، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! أَدْرِكْهُ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقاً، فَإِنَّهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَخُذْهُ لِنَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَرَجَعَ فِي طَلَبِهِ، فَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ. (7/259) قَالَ شُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ: كُنْتُ أَحجُّ مَعَ سُفْيَانَ، فَمَا يَكَادُ لِسَانُهُ يَفتُرُ مِنَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، ذَاهِباً وَرَاجِعاً. وَعَنْ سُفْيَانَ: أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى خُرَاسَانَ فِي حَقٍّ لَهُ، فَأَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ جَمَّالِيْنَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَعْيَنَ: كُنْتُ مَعَ سُفْيَانَ وَالأَوْزَاعِيِّ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ - وَهُوَ أَمِيْرُ مَكَّةَ - وَسُفْيَانُ يَتوَضَّأ، وَأَنَا أَصُبُّ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ بَطَّأَهُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: لاَ تَنْظُرُوا إِلَيَّ، أَنَا مُبْتَلَىً. فَجَاءَ عَبْد الصَّمَدِ، فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَان: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ اتَّقِ اللهَ، اتَّقِ اللهَ، وَإِذَا كَبَّرْتَ فَأَسْمِعْ. قَالَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَرَى المُنْكَرَ، فَلاَ أَتكلَّمُ، فَأَبُولُ أَكدمَ دَماً. (13/298) قُلْتُ: مَعَ جَلاَلَةِ سُفْيَانَ، كَانَ يُبِيْحُ النَّبِيذَ الَّذِي كَثِيْرُهُ مُسكِرٌ. (7/260) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلَمٍ، حَدَّثَنَا الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُوْنِيُّ، سَمِعْتُ يَعْلَى بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: قَالَ سُفْيَانُ: إِنِّيْ لآتِي الدَّعْوَةَ، مَا أَشْتَهِي النَّبِيذَ، فَأَشْرَبُهُ لَكِي يَرَانِي النَّاسُ. المُحَارِبِيُّ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ لِلْغُلاَمِ إِذَا رَآهُ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ: احْتلَمْتَ؟ فَإِنْ قَالَ: لاَ، قَالَ: تَأَخَّرْ. يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: لَيْسَ شَيْءٌ أَقطَعَ لِظِهْرِ إِبْلِيسَ مِنْ قَوْلِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. عَنْ سُفْيَانَ: وَسُئِلَ مَا الزُّهدُ؟ قَالَ: سُقُوطُ المَنْزِلَةِ. وَعَنْهُ، قَالَ: إِنِّيْ لأَلْقَى الرَّجُلَ أُبْغِضُهُ، فَيَقُوْلُ: كَيْفَ أَصْبَحتَ؟ فَيَلِيْنُ لَهُ قَلْبِي، فَكَيْفَ بِمَنْ آكُلُ طَعَامَهُم؟ وَكِيْعٌ: عَنْ سُفْيَانَ: لَوْ أَنَّ اليَقِيْنَ ثَبتَ فِي القَلْبِ، لَطَارَ فَرَحاً أَوْ حُزْناً أَوْ شَوْقاً إِلَى الجَنَّةِ، أَوْ خَوْفاً مِنَ النَّارِ. قَالَ قُتَيْبَةُ: لَوْلاَ سُفْيَانُ، لَمَاتَ الوَرَعُ. ابْنُ المُبَارَكِ: قَالَ لِي سُفْيَانُ: إِيَّاكَ وَالشُّهْرَةَ، فَمَا أَتَيْتُ أَحَداً إِلاَّ وَقَدْ نَهَى عَنِ الشُّهرَةِ. وَعَنِ الفِرْيَابِيِّ، قَالَ: أَتَى سُفْيَانُ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَأَقَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَرَابَطَ بِعَسْقَلاَنَ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، وَصَحِبتُهُ إِلَى مَكَّةَ. أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ لِلإِنْسَانِ خَيْراً مِنْ أَنْ يَدْخُلَ جُحْراً. (13/299) قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: إِذَا كُنْتَ بِالشَّامِ، فَاذْكُرْ مَنَاقِبَ عَلِيٍّ، وَإِذَا كُنْتَ بِالكُوْفَةِ، فَاذْكُرْ مَنَاقِبَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. (7/261) وَعَنْهُ: مَنْ أَصْغَى بِسَمْعِهِ إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ، خَرَجَ مِنْ عِصمَةِ اللهِ، وَوُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ. وَعَنْهُ: مَنْ سَمِعَ بِبِدْعَةٍ، فَلاَ يَحْكِهَا لِجُلَسَائِهِ، لاَ يُلقِهَا فِي قُلُوْبِهِم. قُلْتُ: أَكْثَرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ عَلَى هَذَا التَّحذِيرِ، يَرَوْنَ أَنَّ القُلُوْبَ ضَعِيْفَةٌ، وَالشُّبَهُ خَطَّافَةٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ: إِذَا رَأَيتَ عِرَاقِيّاً، فَتعوَّذْ مِنْ شَرِّهِ، وَإِذَا رَأَيتَ سُفْيَانَ، فَسَلِ اللهَ الجَنَّةَ. وَعَنِ الأَصْمَعِيِّ: أَنَّ الثَّوْرِيَّ أَوْصَى أَنْ تُدْفَنَ كُتُبُهُ، وَكَانَ نَدِمَ عَلَى أَشْيَاءَ كَتَبَهَا عَنْ قَوْمٍ. عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ، عَنْ مُفَضَّلِ بنِ مُهَلْهِلٍ، قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ سُفْيَانَ، فَوَافَيْنَا بِمَكَّةَ الأَوْزَاعِيَّ، فَاجْتَمَعْنَا فِي دَارٍ، وَكَانَ عَلَى المَوْسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ، فَدَقَّ دَاقٌّ البَابَ. قُلْنَا: مَنْ ذَا؟ قَالَ: الأَمِيْرُ. فَقَامَ الثَّوْرِيُّ، فَدَخَلَ المَخْرَجَ، وَقَامَ الأَوْزَاعِيُّ، فَتَلَّقَاهُ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الشَّيْخُ؟ قَالَ: أَنَا الأَوْزَاعِيُّ. قَالَ: حَيَّاكَ اللهُ بِالسَّلاَمِ، أَمَا إِنَّ كُتُبَكَ كَانَتْ تَأْتِيْنَا، فَنَقضِيَ حَوَائِجَك، مَا فَعَلَ سُفْيَانُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: دَخَلَ المَخْرَجَ. قَالَ: فَدَخَلَ الأَوْزَاعِيُّ فِي إِثْرِهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَا قَصَدَ إِلاَّ قَصْدَكَ. (13/300) فَخَرَجَ سُفْيَانُ مُقَطِّباً، فَقَالَ: سَلاَمٌ عَلَيْكُم، كَيْفَ أَنْتُم؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ: أَتَيْتُ أَكْتُبُ عَنْكَ هَذِهِ المَنَاسِكَ. قَالَ: أَوَّلاً أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ أَنفعُ لَكَ مِنْهَا. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَدَعُ مَا أَنْتَ فِيْهِ. قَالَ: وَكَيْفَ أَصْنَعُ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: إِنْ أَرَدْتَ كَفَاكَ اللهُ أَبَا جَعْفَرٍ. فَقَالَ لَهُ الأَوْزَاعِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ هَؤُلاَءِ لَيْسَ يَرضُوْنَ مِنْكَ إِلاَّ بِالإِعْظَامِ لَهُم. فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو! إِنَّا لَسْنَا نَقْدِرُ أَنْ نَضْرِبَهُم، وَإِنَّمَا نُؤَدِّبُهُم بِمِثْلِ هَذَا الَّذِي تَرَى. قَالَ مُفَضَّلٌ: فَالتَفَتَ إِلَيَّ الأَوْزَاعِيُّ، فَقَالَ لِي: قُمْ بِنَا مِنْ هَا هُنَا، فَإِنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَبْعَثَ هَذَا مَنْ يَضَعُ فِي رِقَابِنَا حِبَالاً، وَإِنَّ هَذَا مَا يُبَالِي. (7/262) يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ الزُّهدَ فِي شَيْءٍ أَقلَّ مِنْهُ فِي الرِّئَاسَةِ، تَرَى الرَّجُلَ يَزْهَدُ فِي المَطْعَمِ وَالمَشْرَبِ وَالمَالِ وَالثِّيَابِ، فَإِنْ نُوزِعَ الرِّئَاسَةَ حَامَى عَلَيْهَا، وَعَادَى. عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ المَهْدِيُّ، بَعَثَ إِلَى سُفْيَانَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، خَلَعَ خَاتَمَهُ، فَرمَى بِهِ إِلَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! هَذَا خَاتَمِي، فَاعمَلْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَأَخَذَ الخَاتَمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: تَأْذَنُ فِي الكَلاَمِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَالَ لَهُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَتَكَلَّمُ عَلَى أَنِّي آمِنٌ؟ (13/301) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لاَ تَبعثْ إِلَيَّ حَتَّى آتِيَكَ، وَلاَ تُعْطِنِي حَتَّى أَسْأَلَكَ. قَالَ: فَغَضِبَ، وَهَمَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ كَاتِبُهُ: أَلَيْسَ قَدْ آمَنْتَهُ؟ قَالَ: بَلَى. فَلَمَّا خَرَجَ، حَفَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: مَا مَنَعَكَ وَقَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَعْمَلَ فِي الأُمَّةِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَاسْتَصْغَرَ عُقُوْلَهُم، وَخَرَجَ هَارباً إِلَى البَصْرَةِ. وَعَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: لَيْسَ أَخَافُ إِهَانَتَهُم، إِنَّمَا أَخَافُ كَرَامَتَهُم، فَلاَ أَرَى سَيِّئَتَهُم سَيِّئَةً، لَمْ أَرَ لِلسُّلْطَانِ مِثْلاً، إِلاَّ مِثْلاً ضُرِبَ عَلَى لِسَانِ الثَّعْلَبِ. قَالَ: عَرَفْتُ لِلْكَلْبِ نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ دُستَاناً، لَيْسَ مِنْهَا دُستَانٌ خَيْراً مِنْ أَنْ لاَ أَرَى الكَلْبَ، وَلاَ يَرَانِي. مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: أُدْخِلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ بِمِنَىً، فَقُلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّمَا أُنْزِلْتَ فِي هَذِهِ المَنْزِلَةِ، وَصِرتَ فِي هَذَا المَوْضِعِ، بِسُيُوْفِ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، وَأَبْنَاؤُهُم يَمُوْتُوْنَ جُوعاً، حَجَّ عُمَرُ، فَمَا أَنفَقَ إِلاَّ خَمْسَةَ عَشَرَ دِيْنَاراً، وَكَانَ يَنْزِلُ تَحْتَ الشَّجرِ. فَقَالَ: أَتُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ مِثْلَكَ؟ قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ دُوْنَ مَا أَنْتَ فِيْهِ، وَفَوْقَ مَا أَنَا فِيْهِ. قَالَ: اخْرُجْ. (7/263) قَالَ عِصَامُ بنُ يَزِيْدَ: لَمَّا أَرَادَ سُفْيَانُ أَنْ يُوَجِّهَنِي إِلَى المَهْدِيِّ، قُلْتُ لَهُ: إِنِّيْ غُلاَمٌ جَبَلِيٌّ، لَعَلِّي أَسقُطُ بِشَيْءٍ، فَأَفضَحُكَ. (13/302) قَالَ: يَا نَاعِسُ! تَرَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يَجِيْئُوْنِي، لَوْ قُلْتُ لأَحَدِهِم، لَظَنَّ أَنِّي قَدْ أَسدَيتُ إِلَيْهِ مَعْرُوْفاً، وَلَكِنْ قَدْ رَضِيْتُ بِكَ، قُلْ مَا تَعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ. قَالَ: فَلَمَّا رَجَعتُ، قُلْتُ: لأَيِّ شَيْءٍ تَهرُبُ مِنْهُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: لَوْ جَاءَ، لَخَرَجْتُ مَعَهُ إِلَى السُّوْقِ، فَأَمَرْنَا وَنَهَيْنَا؟ فَقَالَ: يَا نَاعِسُ! حَتَّى يَعْمَلَ بِمَا يَعْلَمُ، فَإِذَا فَعَلَ لَمْ يَسعْنَا إِلاَّ أَنْ نَذهَبَ، فَنُعَلِّمَهُ مَا لاَ يَعْلَمُ. قَالَ عِصَامٌ: فَكَتَبَ مَعِي سُفْيَانُ إِلَى المَهْدِيِّ، وَإِلَى وَزِيْرِه أَبِي عُبَيْدِ اللهِ. قَالَ: وَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ، فَجَرَى كَلاَمِي، فَقَالَ: لَوْ جَاءنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، لَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا فِي يَدِهِ، وَارْتَدَيْنَا بُرْداً، وَاتَّزَرْنَا بِآخَرَ، وَخَرَجنَا إِلَى السُّوْقِ، وَأَمَرْنَا بِالمَعْرُوْفِ، وَنَهَيْنَا عَنِ المُنْكرِ، فَإِذَا تَوَارَى عَنَّا مِثْلُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، لقَدْ جَاءنِي قُرَّاؤُكُمُ الَّذِيْنَ هُم قُرَّاؤُكُم، فَأَمَرُوْنِي، وَنَهَوْنِي، وَوَعَظُوْنِي، وَبَكَوْا -وَاللهِ- لِي، وَتَباكَيتُ لَهُم، ثُمَّ لَمْ يَفجَأْنِي مِنْ أَحَدِهِم إِلاَّ أَنْ أَخْرَجَ مِنْ كُمِّهِ رُقْعَةً: أَنِ افعَلْ بِي كَذَا، وَافعَلْ بِي كَذَا، فَفَعَلتُ وَمَقَتُّهُم. (13/303) قَالَ: وَإِنَّمَا كَتَبَ إِلَيْهِ، لأَنَّهُ طَالَ مَهْرَبُهُ، أَنْ يُعْطِيَهُ الأَمَانَ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ البَصْرَةَ بِالأَمَانِ، ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ. (7/264) أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: أَملَى عَلَيَّ سُفْيَانُ كِتَابَهُ إِلَى المَهْدِيِّ، فَقَالَ: اكْتُبْ مِنْ سُفْيَانَ بنِ سَعِيْدٍ، إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ. فَقُلْتُ: إِذَا كَتَبتَ هَذَا، لَمْ يَقرَأْهُ. قَالَ: اكْتُبْ كَمَا تُرِيْدُ. فَكَتَبتُ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُوَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٍ. فَقُلْتُ: مَنْ كَانَ يَكْتُبُ هَذَا الصَّدْرَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ: أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُهُ. وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ الفَرَّاءِ، قَالَ: كَتبَ سُفْيَانُ إِلَى المَهْدِيِّ مَعَ عِصَامِ جَبْرٍ: طَرَدْتَنِي، وَشَرَّدْتَنِي، وَخَوَّفْتَنِي، وَاللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأَرْجُو أَنْ يَخِيْرَ اللهُ لِي قَبْلَ مَرْجُوْعِ الكِتَابِ. فَرَجَعَ الكِتَابُ وَقَدْ مَاتَ. (13/304) أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ شَاذَانَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: أُدْخِلْتُ عَلَى المَهْدِيِّ بِمِنَىً، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ. فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ! طَلَبْنَاكَ، فَأَعجَزْتَنَا، فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي جَاءَ بِكَ، فَارْفعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ. فَقُلْتُ: قَدْ مَلأتَ الأَرْضَ ظُلْماً وَجَوْراً، فَاتَّقِ اللهَ، وَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ عِبرَةً. فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيتَ إِنْ لَمْ أَسْتطِعْ دَفْعَهُ؟ قَالَ: تُخَلِّيهِ وَغَيْرَكَ. فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: ارْفَعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ. قُلْتُ: أَبْنَاءُ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ بِالبَابِ، فَاتَّقِ اللهَ، وَأَوْصِلْ إِلَيْهِم حُقُوقَهُم. فَطَأطَأَ رَأْسَه، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ: أَيُّهَا الرَّجُلُ! ارْفَعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ. قُلْتُ: وَمَا أَرْفَعُ؟ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: حَجَّ عُمَرُ، فَقَالَ لِخَازنِهِ: كَمْ أَنفَقْتَ؟ قَالَ: بَضْعَةَ عَشَرَ دِرْهَماً، وَإِنِّيْ أَرَى هَا هُنَا أُمُوْراً لاَ تُطِيْقُهَا الجِبَالُ. (7/265) وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي: (13/305) لَقِيَنِي الثَّوْرِيُّ بِمَكَّةَ، فَأَخذَ بِيَدِي، وَسَلَّم عَلَيَّ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَإِذَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَاعِدٌ عَلَى بَابِهِ يَنْتَظِرُهُ، |