دَاوُدُ الطَّائِيُّ أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ نُصَيْرٍ (س)
 
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، الطَّائِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَوْلِيَاءِ.
وُلِدَ: بَعْدَ المائَةِ بِسَنَوَاتٍ.
وَرَوَى عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عُلَيَّةَ، وَزَافِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّلُوْلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الفَقْهِ وَالرَّأْيِ، بَرَعَ فِي العِلْمِ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ، وَلَزِمَ الصَّمْتَ، وَآثَرَ الخُمُوْلَ، وَفَرَّ بِدِيْنِهِ.
سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ حَدِيْثٍ، فَقَالَ: دَعْنِي أُبَادِرْ خُرُوْجَ نَفْسِي.
وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُعَظِّمُهُ، وَيَقُوْلُ: أَبصَرَ دَاوُدُ أَمرَهُ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: هَلِ الأَمْرُ إِلاَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ دَاوُدُ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ غَرَّقَ كُتُبَهُ.
وَسَأَلَه زَائِدَةُ عَنْ تَفْسِيْرِ آيَةٍ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ، انْقَطَعَ الجوَابُ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ دَاوُدُ مِمَّنْ عَلِمَ وَفَقُهَ، وَنَفَذَ فِي الكَلاَمِ، فَحَذَفَ إِنْسَاناً، فَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ! طَالَ لِسَانُكَ وَيَدُكَ.
فَاخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةً، لاَ يَسْأَلُ وَلاَ يُجِيْبُ.
قُلْتُ: حَرَّبَ نَفْسَهُ وَدرَّبَهَا، حَتَّى قَوِيَ عَلَى العُزلَةِ. (7/424)
(13/469)

قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: جِئْتُ أَنَا وَابْن عُيَيْنَةَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ جِئْتُمَانِي مَرَّةً، فَلاَ تَعُودَا.
وَقِيْلَ: كَانَ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الفَرِيْضَةِ أَسرَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ.
قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَوْصِنِي.
قَالَ: اتَّقِ الله، وَبِرَّ وَالِدَيكَ، وَيْحَكَ! صُمِ الدُّنْيَا، وَاجْعَلْ فِطْرَكَ المَوْتَ، وَاجْتَنِبِ النَّاسَ غَيْرَ تَارِكٍ لِجَمَاعَتِهِم.
وَعَنْهُ، قَالَ: كَفَى بِاليَقِيْنِ زُهداً، وَكَفَى بِالعِلْمِ عِبَادَةً، وَكَفَى بِالعِبَادَةِ شُغُلاً.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: رَأَيتُ دَاوُدَ الطَّائِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَفصَحِ النَّاسِ وَأَعْلَمِهِم بِالعَرَبِيَّةِ، يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً طَوِيْلَةً سَوْدَاءَ.
وَعَنْ حَفْصٍ الجُعْفِيِّ، قَالَ: وَرِثَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ مِنْ أُمِّهِ أَرْبَعَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَمَكَثَ يَتَقَوَّتُ بِهَا ثَلاَثِيْنَ عَاماً، فَلَمَّا نَفِدَتْ، جَعَلَ يَنْقُضُ سُقُوفَ الدُّوَيْرَةِ، فَيَبِيْعُهَا.
قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: عَاشَ دَاوُدُ عِشْرِيْنَ سَنَةً بِثَلاَثِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ السَّلُوْلِيُّ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَعِيْدٍ، قَالَتْ:
كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ دَاوُدَ الطَّائِيِّ جِدَارٌ قَصِيْرٌ، فَكُنْتُ أَسْمَعُ حَنِيْنَه عَامَّةَ اللَّيْلِ، لاَ يَهْدَأُ، وَرُبَّمَا تَرَنَّمَ فِي السَّحَرِ بِالقُرْآنِ، فَأَرَى أَنَّ جَمِيْعَ النَّعِيْمِ قَدْ جُمِعَ فِي تَرَنُّمِهِ، وَكَانَ لاَ يُسرجُ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ: قَالَ لِي دَاوُدُ الطَّائِيُّ:
كُنْتَ تَأْتِيْنَا إِذْ كُنَّا، ثُمَّ مَا أُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي. (7/425)
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَضَرتُ دَاوُدَ، فَمَا رَأَيتُ أَشدَّ نَزْعاً مِنْهُ.
(13/470)

وَقَالَ حَسَنُ بنُ بِشْرٍ: حَضَرتُ جَنَازَةَ دَاوُدَ الطَّائِيِّ، فَحُمِلَ عَلَى سَرِيْرِيْنَ أَوْ ثَلاَثَةٍ، تَكَسَّرُ مِنَ الزِّحَامِ.
قِيْلَ: إِنَّ دَاوُدَ صَحِبَ حَبِيْباً العَجَمِيَّ، وَلَيْسَ يَصِحُّ، وَلاَ عَلِمنَا دَاوُدَ سَارَ إِلَى البَصْرَةِ، وَلاَ قَدِمَ حَبِيْبٌ الكُوْفَةَ.
وَمَنَاقِبُ دَاوُدَ كَثِيْرَةٌ، كَانَ رَأْساً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ جِنَازَتِه، حَتَّى قِيْلَ: بَاتَ النَّاسُ ثَلاَثَ لَيَالٍ مَخَافَةَ أَنْ يَفُوْتَهُم شُهُوْدُهُ.
مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ.
وَقَدْ سُقْتُ مِنْ حَدِيْثِهِ وَأَخْبَارِهِ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ)، وَلَمْ يُخَلِّفْ بِالكُوْفَةِ أَحَداً مِثْلَهُ. (7/426)
(13/471)