عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ بنِ وَاضِحٍ الحَنْظَلِيُّ (ع) ث |
بِدِيْنَارٍ.
وَعَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ السُّكَّرِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُعجِبُه إِذَا خَتَمَ القُرْآنَ أَنْ يَكُوْنَ دُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ نُوْحٍ المَوْصِلِيُّ: قَدِمَ الرَّشِيْدُ عَيْنَ زَرْبَةَ، فَأَمَرَ أَبَا سُلَيْمٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بَابْنِ المُبَارَكِ. قَالَ: فَقُلْتُ: لاَ آمَنُ أَنْ يُجِيْبَ ابْنُ المُبَارَكِ بِمَا يَكرَهُ، فَيَقتُلُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هُوَ رَجُلٌ غَلِيْظُ الطِّبَاعِ، جِلْفٌ. فَأَمسَكَ الرَّشِيْدُ. الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يَصُوْمُ يَوْماً وَيُفطِرُ يَوْماً. قَالَ: هَذَا رَجُل يُضِيعُ نِصْفَ عُمُرِهِ، وَهُوَ لاَ يَدْرِي. يَعْنِي: لِمَ لاَ يَصُوْمُهَا. (15/423) قُلْتُ: أَحسِبُ ابْنَ المُبَارَكِ لَمْ يَذْكُرْ حِيْنَئِذٍ حَدِيْثَ: (أَفْضَلُ الصَّوْمِ صَوْمُ دَاوُدَ)، وَلاَ حَدِيْثَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ. (8/407) قَالَ أَبُو وَهْبٍ المَرْوَزِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: مَا الكِبْرُ؟ قَالَ: أَنْ تَزْدَرِيَ النَّاسَ. فَسَأَلْتُهُ عَنِ العُجْبِ؟ قَالَ: أَنْ تَرَى أَنَّ عِنْدَكَ شَيْئاً لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِك، لاَ أَعْلَمُ فِي المُصَلِّيْنَ شَيْئاً شَرّاً مِنَ العُجْبِ. قَالَ حَاتِمُ بنُ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَرْحَةٍ خَرَجتْ فِي رُكبَتِهِ مُنْذُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَقَدْ عَالَجتُهَا بِأَنْوَاعِ العِلاَجِ، وَسَأَلْتُ الأَطِبَّاءَ، فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِهِ. فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ، فَاحفِرْ بِئْراً فِي مَكَانِ حَاجَةٍ إِلَى المَاءِ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَنبُعَ هُنَاكَ عَيْنٌ، وَيُمْسِكَ عَنْكَ الدَّمَ. فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَبَرَأَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُحَدِّثُ مِنَ الكِتَابِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَقطٌ كَثِيْرٌ، وَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، فَكَانَ يَكُوْنُ لَهُ سَقطٌ كَمْ يَكُوْنُ حَفِظُ الرَّجُلِ. وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ قِيْلَ لَهُ: إِلَى مَتَى تَكتُبُ العِلْمَ؟ قَالَ: لَعَلَّ الكَلِمَةَ الَّتِي أَنْتَفِعُ بِهَا لَمْ أَكتُبْهَا بَعْدُ. قَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ يُشْبِهُ ابْنَ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ. (8/408) وَقَالَ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: جَالَسْتُ أَيُّوْبَ، وَابْنَ عَوْنٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيْهِم مَنْ أُفَضِّلُهُ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ. (15/424) قَالَ عَبْدَانُ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ - وَذَكَرَ التَّدْلِيسَ - فَقَالَ فِيْهِ قَوْلاً شَدِيْداً، ثُمَّ أَنْشَدَ: دَلَّسَ لِلنَّاسِ أَحَادِيْثَهُ * وَاللهُ لاَ يَقْبَلُ تَدْلِيْسَا عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَنِ اسْتَخَفَّ بِالعُلَمَاءِ، ذَهَبتْ آخِرَتُهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالأُمَرَاءِ، ذَهَبتْ دُنْيَاهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالإِخْوَانِ، ذَهَبتْ مُرُوءتُهُ. قَدْ أَسلَفْنَا لِعَبْدِ اللهِ مَا يَدلُّ عَلَى فُرُوْسِيَّتِه. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سِنَانٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ بِطَرَسُوْسَ، فَصَاحَ النَّاسُ: النَّفِيرُ. فَخَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ، وَالنَّاسُ، فَلَمَّا اصطَفَّ الجَمْعَانِ، خَرَجَ رُوْمِيٌّ، فَطَلَبَ البِرَازَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَشَدَّ العِلْجُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ سِتَّةً مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَطلُبُ المُبَارَزَةَ، وَلاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ! إِنْ قُتِلْتُ، فَافعَلْ كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ حَرَّكَ دَابَّتَه، وَبَرَزَ لِلْعِلْجِ، فَعَالَجَ مَعَهُ سَاعَةً، فَقَتَلَ العِلْجَ، وَطَلَبَ المُبَارَزَةَ، فَبَرَزَ لَهُ عِلْجٌ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ سِتَّةَ عُلُوجٍ، وَطَلَبَ البِرَازَ، فَكَأَنَّهُم كَاعُوا عَنْهُ، فَضَرَبَ دَابَّتَه، وَطَرَدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، ثُمَّ غَابَ، فَلَمْ نَشْعُرْ بِشَيْءٍ، وَإِذَا أَنَا بِهِ فِي المَوْضِعِ الَّذِي كَانَ، فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ! لَئِنْ حَدَّثتَ بِهَذَا أَحَداً، وَأَنَا حَيٌّ...، فَذَكَرَ كَلِمَةً. (8/409) (15/425) قَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنْ كِتَابَةِ العِلْمِ، فَقَالَ: لَوْلاَ الكِتَابُ مَا حَفِظْنَا. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الحِبْرُ فِي الثَّوْبِ خَلُوْقُ العُلَمَاءِ. وَقَالَ: تَوَاطُؤُ الجِيْرَانِ عَلَى شَيْءٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ المُبَارَكِ مَرَّ بِرَاهِبٍ عِنْدَ مَقْبُرَةٍ وَمَزْبَلَةٍ، فَقَالَ: يَا رَاهِبُ، عِنْدَكَ كَنْزُ الرِّجَالِ، وَكَنْزُ الأَمْوَالِ، وَفِيْهِمَا مُعْتَبَرٌ. وَقَدْ تَفَقَّهَ ابْنُ المُبَارَكِ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي تَلاَمِذَتِهِ. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ غَنِيّاً، شَاكِراً، رَأْسُ مَالِهِ نَحْوُ الأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ. قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: رَأَيْتُ سُفرَةَ ابْنِ المُبَارَكِ حُمِلَتْ عَلَى عَجَلَةٍ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: رَأَيْتُ بَعِيْرَيْنِ مُحَمَّلَيْنِ دَجَاجاً مَشْوِياً لِسُفْرَةِ ابْنِ المُبَارَكِ. وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْمٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَكَانَ يَأْكُلُ كُلَّ يَوْمٍ، فَيُشْوَى لَهُ جَدْيٌ، وَيُتَّخَذُ لَهُ فَالُوذَقُ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّيْ دَفَعتُ إِلَى وَكِيلِي أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَأَمَرتُهُ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْنَا. قَالَ الحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ: دَخَلَ أَبُو أُسَامَةَ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ، فَوَجَدَ فِي وَجْهِه عَبْدُ اللهِ أَثَرَ الضُّرِّ، فَلَمَّا خَرَجَ، بَعَثَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: وَفَتَىً خَلاَ مِنْ مَالِهِ * وَمِنَ المُرُوءةِ غَيْرُ خَالِ أَعْطَاكَ قَبْلَ سُؤَالِهِ * وَكَفَاكَ مَكْرُوهَ السُّؤَالِ (8/410) (15/426) وَقَالَ المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: سُدَّ بِهَا فِتْنَةَ القَوْمِ عَنْكَ. قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمَ: قُلْتُ لِعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ: كَيْفَ فَضَلَكُمُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَلَمْ يَكُنْ بِأَسَنَّ مِنْكُم؟ قَالَ: كَانَ يَقْدَمُ، وَمَعَهُ الغِلْمَةُ الخُرَاسَانِيَّةُ، وَالبِزَّةُ الحَسَنَةُ، فَيَصِلُ العُلَمَاءَ، وَيُعْطِيْهِم، وَكُنَّا لاَ نَقدِرُ عَلَى هَذَا. قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ أَيْلَةَ عَلَى يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ، وَمَعَهُ غُلاَمٌ مُفرَّغٌ لِعَمَلِ الفَالُوذَجِ، يَتَّخِذُهُ لِلْمُحَدِّثِيْنَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ فِي كِتَابِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (البَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ). فَقُلْتُ لِلْوَلِيْدِ: أَيْنَ سَمِعْتَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ؟ قَالَ: فِي الغَزْوِ. (8/411) عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِيْنِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ. قَالَ الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي السَّفَرِ، قَالَ: أَشْتَهِي سَوِيْقاً. فَلَمْ نَجِدْه إِلاَّ عِنْدَ رَجُلٍ كَانَ يَعْمَلُ لِلسُّلْطَانِ، وَكَانَ مَعَنَا فِي السَّفِيْنَةِ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: دَعُوْهُ. (15/427) فَمَاتَ وَلَمْ يَشْرَبْهُ. قَالَ العَلاَءُ بنُ الأَسْوَدِ: ذُكِرَ جَهْمٌ عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ: عَجِبتُ لِشَيْطَانٍ أَتَى النَّاسَ دَاعِياً * إِلَى النَّارِ وَانشَقَّ اسْمُهُ مِنْ جَهَنَّمِ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ بِأَهْلِهِ الضِّيْقُ، أَمَرَهُمْ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً، نَحْنُ نَرْزُقُكَ...}. هَذَا مُرْسَلٌ، قَدِ انْقَطَع فِيْهِ مَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَجَدِّ أَبِيْهِ عَبْدِ اللهِ. وَقَدْ كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ -رَحِمَهُ اللهُ- شَاعِراً، مُحْسِناً، قَوَّالاً بِالحَقِّ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَمِيْلٍ المَرْوَزِيُّ: قِيْلَ لابْنِ المُبَارَكِ: إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عُلَيَّةَ قَدْ وَلِي القَضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً * يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ احْتَلْتَ لِلدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا * بِحِيْلَةٍ تَذْهَبُ بِالدِّيْنِ فِصِرتَ مَجْنُوْناً بِهَا بَعْد مَا * كُنْتَ دَوَاءً لِلمَجَانِيْنِ أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِي سَرْدِهَا * عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَابْنِ سِيْرِيْنِ أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِيْمَا مَضَى * فِي تَرْكِ أَبْوَابِ السَّلاَطِيْنِ (15/428) إِنْ قُلْتَ: أُكْرِهْتُ، فَمَا ذَا كَذَا * زَلَّ حِمَارُ العِلْمِ فِي الطِّيْنِ (8/412) وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ قَاضِي نَصِيْبِيْنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي سُكَيْنَةَ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَنفَذَهَا مَعِي إِلَى الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ مِنْ طَرَسُوْسَ: يَا عَابِدَ الحَرَمِيْنِ لَوْ أَبْصَرْتَنَا * لَعَلِمْتَ أَنَّكَ فِي العِبَادَةِ تَلْعَبُ مَنْ كَانَ يَخْضِبُ جِيْدَهُ بِدُمُوْعِهِ * فَنُحُوْرُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ أَوْ كَانَ يُتْعِبُ خَيْلَهُ فِي بَاطِلٍ * فَخُيُوْلُنَا يَوْمَ الصَّبِيْحَةِ تَتْعَبُ رِيْحُ العَبِيْرِ لَكُمْ وَنَحْنُ عَبِيْرُنَا * رَهَجُ السَّنَابِكِ وَالغُبَارُ الأَطْيَبُ وَلَقَدْ أَتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا * قَوْلٌ صَحِيْحٌ صَادِقٌ لاَ يُكْذَبُ: لاَ يَسْتَوِي وَغُبَارُ خَيْلِ اللهِ فِي * أَنْفِ امْرِئٍ وَدُخَانُ نَارٍ تَلهبُ هَذَا كِتَابُ اللهِ يَنْطِقُ بَيْنَنَا * لَيْسَ الشَّهِيْدُ بِمَيِّتٍ لاَ يُكْذَبُ فَلَقِيْتُ الفُضَيْلَ بِكِتَابِهِ فِي الحَرَمِ، فَقَرَأَهُ، وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَنَصَحَ. (8/413) قَالَ ابْنُ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنْشِدُ: فَكَيْفَ قَرَّتْ لأَهْلِ العِلْمِ أَعْيُنُهُم * أَوِ اسْتَلَذُّوا لَذِيذَ النَّوْمِ أَوْ هَجَعُوا وَالنَّارُ ضَاحِيَةٌ لاَ بُدَّ مَوْرِدُهَا * وَلَيْسَ يَدْرُوْنَ مَنْ يَنْجُو وَمَنْ يَقَعُ وَطَارَتِ الصُّحْفُ فِي الأَيْدِي مُنَشَّرَةً * فِيْهَا السَّرَائِرُ وَالجَبَّارُ مُطَّلِعُ إِمَّا نَعِيْمٌ وَعَيْشٌ لاَ انْقِضَاءَ لَهُ * أَوِ الجَحِيمُ فَلاَ تُبْقِي وَلاَ تَدَعُ (15/429) تَهْوِي بِسَاكِنِهَا طَوْراً وَتَرْفَعُهُ * إِذَا رَجَوْا مَخْرَجاً مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا لِيَنْفَعِ العِلْمُ قَبْلَ المَوْتِ عَالِمَهُ * قَدْ سَالَ قَوْمٌ بِهَا الرُّجْعَى فَمَا رَجَعُوا وَرَوَى: إِسْحَاقُ بنُ سُنَيْنٍ لابْنِ المُبَارَكِ: إِنِّيْ امْرُؤٌ لَيْسَ فِي دِيْنِي لِغَامِزِه * لِيْنٌ، وَلَسْتُ عَلَى الإِسْلاَمِ طَعَّانَا فَلاَ أَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَلاَ عُمَراً * وَلَنْ أَسُبَّ - مَعَاذَ اللهِ - عُثْمَانَا وَلاَ ابْنَ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ أَشْتِمُهُ * حَتَّى أُلَبَّسَ تَحْتَ التُّربِ أَكْفَانَا وَلاَ الزُّبَيْرَ حَوَارِيَّ الرَّسُوْلِ، وَلاَ * أُهْدِي لِطَلْحَةَ شَتْماً عَزَّ أَوْ هَانَا وَلاَ أَقُوْلُ: عَلِيٌّ فِي السَّحَابِ، إِذاً * قَدْ قُلْتُ -وَاللهِ- ظُلْماً ثُمَّ عُدْوَانَا وَلاَ أَقُوْلُ بِقَوْلِ الجَهْمِ، إِنَّ لَهُ * قَوْلاً يُضَارِعُ أَهْلَ الشِّركِ أَحْيَانَا وَلاَ أَقُوْلُ: تَخَلَّى مِنْ خَلِيقَتِهِ * رَبُّ العِبَادِ وَوَلَّى الأَمْرَ شَيْطَانَا مَا قَالَ فِرْعَوْنُ هَذَا فِي تَمَرُّدِهِ * فِرْعَوْنُ مُوْسَى وَلاَ هَامَانُ طُغْيَانَا اللهُ يَدْفَعُ بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً * عَنْ دِيْنِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَرِضْوَانَا لَوْلاَ الأَئِمَّةُ لَمْ تَأْمَنْ لَنَا سُبُلٌ * وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْباً لأَقْوَانَا (8/414) فَيُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ أَعْجَبَهُ هَذَا، فَلَمَّا أَن بَلَغَهُ مَوْتُ ابْنِ المُبَارَكِ بِهِيْتَ، قَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، يَا فَضْلُ! إِيْذَنْ لِلنَّاسِ يُعَزُّونَا فِي ابْنِ المُبَارَكِ. وَقَالَ: أَمَا هُوَ القَائِلُ: اللهُ يَدفَعُ بِالسُّلْطَان مُعْضِلَةً *... فَمَنِ الَّذِي يَسْمَعُ هَذَا مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ يَعْرِفُ حَقَّنَا؟ (15/430) قَالَ الكُدَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ فُضَيلِ بنِ عِيَاضٍ وَعِنْدَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ أَهْلَكَ وَعِيَالَكَ قَدِ احْتَاجُوا مَجْهُوْدِيْنَ مُحْتَاجِينَ إِلَى هَذَا المَالِ، فَاتَّقِ اللهَ، وَخُذْ مِنْ هَؤُلاَءِ القَوْمِ. (8/415) فَزَجَرَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَنْشَأَ يَقُوْلُ: خُذْ مِنَ الجَارُوْشِ وَالـ * آرُزِّ وَالخُبْزِ الشَّعِيْرِ وَاجْعَلَنْ ذَاكَ حَلاَلاً * تَنْجُ مِنْ حَرِّ السَّعِيْرِ وَانْأَ مَا اسْطَعْتَ هَدَا * كَ اللهُ عَنْ دَارِ الأَمِيْرِ لاَ تَزُرْهَا وَاجْتَنِبْهَا * إِنَّهَا شَرُّ مَزُورِ تُوهِنُ الدِّيْنَ وَتُدْ * نِيْكَ مِنَ الحُوبِ الكَبِيْرِ قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ يَا * مَغْرُوْرُ فِي حُفْرَةِ بِيْرِ وَارْضَ - يَا وَيْحَكَ! - مِنْ * دُنْيَاكَ بِالقُوتِ اليَسِيْرِ إِنَّهَا دَارُ بَلاَءٍ * وَزَوَالٍ وَغُرُوْرِ مَا تَرَى قَدْ صَرَعَتْ * قَبْلَكَ أَصْحَابَ القُصُوْرِ؟ كَمْ بِبَطْنِ الأَرْضِ مِنْ * ثَاوٍ شَرِيْفٍ وَوَزِيْرِ؟ وَصَغِيْرِ الشَّأْنِ عَبْدٍ * خَامِلِ الذِّكرِ حَقِيْرِ؟ لَوْ تَصَفَّحتَ وُجُو * هَ القَوْمِ فِي يَوْمٍ نَضِيْرِ لَمْ تُمَيِّزْهُم، وَلَم * تَعْرِفْ غَنِيّاً مِنْ فَقِيْرِ خَمَدُوا فَالقَوْمُ صَرْعَى * تَحْتَ أَشقَاقِ الصُّخُورِ وَاسْتَوَوْا عِنْدَ مَلِيكٍ * بِمَسَاوِيهِم خَبِيْرِ احْذَرِ الصَّرْعَةَ يَا * مِسْكِيْنُ مِنْ دَهْرٍ عَثُورِ أَيْنَ فِرْعَوْنُ وَهَا * مَانُ وَنُمْرُودُ النُّسُورِ؟ أَوَ مَا تَخْشَاهُ أَنْ * يَرْمِيكَ بِالمَوْتِ المُبِيْرِ؟ أَوَ مَا تَحْذَرُ مِنْ * يَوْمٍ عَبُوْسٍ قَمْطَرِيْرِ؟ اقْمَطرَّ الشَّرُّ فِيْهِ * بِعَذَابِ الزَّمْهرِيْرِ قَالَ: فَغُشِيَ عَلَى الفُضَيْلِ، فَردَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْه. (8/416) وَلابْنِ المُبَارَكِ: (15/431) جَرَّبتُ نَفْسِي فَمَا وَجَدْتُ لَهَا * مِنْ بَعْدِ تَقْوَى الإِلَهِ كَالأَدَبِ فِي كُلِّ حَالاَتِهَا وَإِنْ كَرِهَتْ * أَفْضَلَ مِنْ صَمْتِهَا عَنِ الكَذِبِ أَوْ غِيْبَةِ النَّاسِ إِنَّ غِيْبَتَهُم * حَرَّمَهَا ذُو الجَلاَلِ فِي الكُتُبِ قُلْتُ لَهَا طَائِعاً وَأُكْرِهُهَا *: الحِلْمُ وَالعِلْمُ زَيْنُ ذِي الحَسَبِ إِنْ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ كَلاَمُكِ يَا * نَفْسُ، فَإِنَّ السُّكُوتَ مِنْ ذَهَبِ قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: أَنْشَدَنِي يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ لابْنِ المُبَارَكِ: أَبِإِذْنٍ نَزَلْتَ بِي يَا مَشِيْبُ * أَيُّ عَيْشٍ وَقَدْ نَزَلْتَ يَطِيْبُ؟ وَكَفَى الشَّيْبُ وَاعِظاً غَيْرَ أَنِّي * آمُلُ العَيْشَ وَالمَمَاتُ قَرِيْبُ كَمْ أُنَادِي الشَّبَابَ إِذْ بَانَ مِنِّي * وَنِدَائِي مُوَلِّياً مَا يُجِيْبُ وَبِهِ: يَا عَائِبَ الفَقْرِ أَلاَ تَزْدَجِرْ؟ * عَيْبُ الغِنَى أَكْثَرُ لَوْ تَعْتَبِرْ مِنْ شَرَفِ الفَقْرِ وَمِنْ فَضْلِهِ * عَلَى الغِنَى لَوْ صَحَّ مِنْكَ النَّظَرْ أَنَّكَ تَعْصِي لِتَنَالَ الغِنَى * وَلَيْسَ تَعْصِي اللهَ كِي تَفْتَقِرْ قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنشِدُ: كَيْفَ القَرَارُ وَكَيْفَ يَهْدَأُ مُسْلِمٌ * وَالمُسْلِمَاتُ مَعَ العَدُوِّ المُعْتَدِي؟ الضَّارِبَاتُ خُدُوْدَهُنَّ بِرَنَّةٍ * الدَّاعِيَاتُ نَبِيَّهُنَّ مُحَمَّدِ القَائِلاَتُ إِذَا خَشِيْنَ فَضِيحَةً * جَهدَ المَقَالَةِ: لَيْتَنَا لَمْ نُولَدِ مَا تَسْتَطِيْعُ وَمَا لَهَا مِنْ حِيْلَةٍ * إِلاَّ التَّسَتُّرُ مِنْ أَخِيْهَا بِاليَدِ (8/417) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَانْهَدَّ القَهَنْدَزُ، فَأَتَى بِسِنَّيْنِ، فَوُجِدَ وَزْنُ أَحَدِهِمَا مَنَوَانِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: (15/432) أَتَيْتُ بِسِنَّيْنِ قَدْ رُمَّتَا * مِنَ الحِصْنِ لَمَّا أَثَارُوا الدَّفِيْنَا عَلَى وَزْنِ مَنَوَيْنِ، إِحْدَاهُمَا * تُقِلُّ بِهِ الكَفُّ شَيْئاً رَزِيْنَا ثَلاَثُوْنَ سِنّاً عَلَى قَدْرِهَا * تَبَارَكْتَ يَا أَحسَنَ الخَالِقِيْنَا! فَمَاذَا يَقُوْمُ لأَفْوَاهِهَا * وَمَا كَانَ يَمْلأُ تِلْكَ البُطُونَا إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ أَجسَامَهُم * تَصَاغَرَتِ النَّفْسُ حَتَّى تَهُوْنَا وَكُلٌّ عَلَى ذَاكَ ذَاقَ الرَّدَى * فَبَادُوا جَمِيْعاً، فَهُم هَامِدُوْنَا وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ - وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ لِحَمِيْدٍ النَّحْوِيِّ -: اغْتَنِمْ رَكْعَتَيْنِ زُلفَى إِلَى اللهِ * إِذَا كُنْتَ فَارِغاً مُسْتَرِيْحَا وَإِذَا مَا هَمَمْتَ بِالنُّطْقِ بِالبَاطِلِ * فَاجْعلْ مَكَانَهُ تَسْبِيْحَا فَاغْتِنَامُ السُّكُوتِ أَفْضَلُ مِنْ * خَوْضٍ، وَإِنْ كُنْتَ بِالكَلاَمِ فَصِيْحَا وَسَمِعَ بَعْضُهُم ابْنَ المُبَارَكِ وَهُوَ يُنْشِدُ عَلَى سُوْرِ طَرَسُوْسَ: وَمِنَ البَلاَءِ وَلِلْبَلاَءِ عَلاَمَةٌ * أَنْ لاَ يُرَى لَكَ عَنْ هَوَاكَ نُزُوعُ العَبْدُ عَبْدُ النَّفْسِ فِي شَهَوَاتِهَا * وَالحُرُّ يَشْبَعُ مَرَّةً وَيَجُوْعُ قَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الأَسْوَدُ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: أُحِبُّ الصَّالِحِيْنَ وَلَسْتُ مِنْهُم، وَأُبْغِضُ الطَّالِحِيْنَ وَأَنَا شَرٌّ مِنْهُم، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ: الصَّمْتُ أَزْيَنُ بِالفَتَى * مِنْ مَنْطِقٍ فِي غَيْرِ حِيْنِهِ وَالصِّدْقُ أَجْمَلُ بِالفَتَى * فِي القَوْلِ عِنْدِي مِنْ يَمِيْنِهِ وَعَلَى الفَتَى بِوَقَارِهِ * سِمَةٌ تَلُوحُ عَلَى جَبِيْنِهِ فَمَنِ الَّذِي يَخفَى عَلَيـ * ـكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى قَرِيْنِهِ رُبَّ امْرِئٍ مُتَيَقِّنٍ * غَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَى يَقِيْنِهِ (15/433) فَأَزَالَهُ عَنْ رَأْيِهِ * فَابْتَاعَ دُنْيَاهُ بِدِيْنِهِ (8/418) قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ، جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تُحْسِنُ، وَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِماً بَعْدِي، إِذَا لَقَّنْتَنِي، فَقُلْتُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ لَمْ أُحْدِثْ كَلاَماً بَعْدَهَا، فَدَعْنِي، فَإِذَا أَحْدَثْتُ كَلاَماً، فَلَقِّنِّي حَتَّى تَكُوْنَ آخِرَ كَلاَمِي. يُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَاتَ اليَوْمَ سَيِّدُ العُلَمَاءِ. قَالَ عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ: مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ بِهِيْتَ وَعَانَاتَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَ حَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ: أَنَا ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ذَهَبْتُ لأَسْمَعَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَلَمْ أُدْرِكْهُ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ، فَخَرَجَ إِلَى الثَّغْرِ، وَلَمْ أَرَهُ. (8/419) قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: أَيُّ العَمْلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الأَمْرُ الَّذِي كُنْتُ فِيْهِ. قُلْتُ: الرِّبَاطُ وَالجِهَادُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي مَغْفِرَةً مَا بَعْدَهَا مَغْفِرَةٌ. رَوَاهَا: رَجُلاَنِ، عَنْ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّسَفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ وَاقِفاً عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، بِيَدِهِ مِفْتَاحٌ، فَقُلْتُ: مَا يُوقِفُكَ هَهُنَا؟ قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ الجَنَّةِ، دَفَعَهُ إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: حَتَّى أَزُورَ الرَّبَّ، فَكُنْ أَمِيْنِي فِي السَّمَاءِ، كَمَا كُنْتَ أَمِيْنِي فِي الأَرْضِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَصِّيْصِيُّ: رَأَيْتُ الحَارِثَ بنَ عَطِيَّةَ فِي النَّومِ، فَسَأَلتُهُ، فَقَالَ: غَفَر لِي. قُلْتُ: فَابْنُ المُبَارَكِ؟ قَالَ: بَخٍ بَخٍ، ذَاكَ فِي عِلِّيِّينَ، مِمَّنْ يَلِجُ عَلَى اللهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. وَعَنْ نَوْفَلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي بِرِحْلَتِي فِي الحَدِيْثِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ. قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ السَّوَاقُ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي بِرِحْلَتِي. قَالَ النَّسَائِيُّ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الأَوْزَاعِيِّ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ. قَالَ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ): سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الرَّبِيْعِ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ مَوْتَ ابْنِ المُبَارَكِ، مَاتَ لِعَشْرٍ مَضَى مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ سَحَراً، وَدَفَنَّاهُ بِهِيْتَ. وَلبَعْضِ الفُضَلاَءِ: مَرَرْتُ بِقَبْرِ ابْنِ المُبَارَكِ غَدْوَةً * فَأَوْسَعَنِي وَعْظاً وَلَيْسَ بِنَاطِقِ وَقَدْ كُنْتُ بِالعِلْمِ الَّذِي فِي جَوَانِحِي * غَنِيّاً وَبِالشَّيْبِ الَّذِي فِي مَفَارِقِي وَلَكِنْ أَرَى الذِّكْرَى تُنَبِّهُ عَاقِلاً * إِذَا هِيَ جَاءتْ مِنْ رِجَالِ الحَقَائِقِ (8/420) (15/435) قَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيِّ، أَخْبَرَكُمُ القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُميلٍ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِمَنْزِلِهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ الخَرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ السُّوْسِيُّ، أَخْبَرَنَا سَهْلُ بنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُنِيْرٍ الخَلاَّلُ، حَدَّثَنِي خَالِي أَحْمَدُ بنُ عَتِيْقٍ الخَشَّابُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الأَصْبَغِ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ الفَرَّاءَ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: المَرْءُ مِثْلُ هِلاَلٍ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ * يَبدُو ضَئِيْلاً تَرَاهُ ثُمَّ يَتَّسِقُ حَتَّى إِذَا مَا تَرَاهُ ثُمَّ أَعقَبَهُ * كَرُّ الجَدِيْدَيْنِ نَقْصاً ثُمَّ يَمَّحِقُ مِنْ (تَارِيْخِ أَبِي عُمَرَ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الصَّدَفِيِّ): مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَاسْتُؤْذِنَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ بِالدُّخُولِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَرَأَيْنَا مَالِكاً تَزَحزَحَ لَهُ فِي مَجْلِسِهِ، ثُمَّ أَقعَدَهُ بِلصْقِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مَالِكاً تَزَحزَحَ لأَحَدٍ فِي مَجْلِسِهِ غَيْرِه، فَكَانَ القَارِئُ يَقْرَأُ عَلَى مَالِكٍ، فَرُبَّمَا مَرَّ بِشَيْءٍ، فَيَسْأَلُهُ مَالِكٌ: مَا مَذْهَبُكُم فِي هَذَا؟ أَوْ: مَا عِنْدَكُم فِي هَذَا؟ فَرَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُجَاوِبُه، ثُمَّ قَامَ، فَخَرَجَ، فَأُعْجِبَ مَالِكٌ بِأَدَبِهِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا مَالِكٌ: هَذَا ابْنُ المُبَارَكِ فَقِيْهُ خُرَاسَانَ. (15/436) عَنِ المُسَيَّبِ بنِ وَاضِحٍ، قَالَ: أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: سُدَّ بِهَذِهِ فِتْنَةَ القَوْمِ عَنْكَ. وَسُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ بِحُضُوْرِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: إِنَّا نُهِيْنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ عِنْد أَكَابِرِنَا. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُحَدِّثُ مِنْ كِتَابٍ، وَمَنْ حَدَّثَ مِنْ كِتَابٍ، لاَ يَكَادُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ سَقطٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، فَكَانَ يَكُوْنُ لَهُ سَقَطٌ، كَمْ يَكُوْنُ حِفْظُ الرَّجُلِ؟ (8/421) |