مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ وَاقِدٍ الأَسْلَمِيُّ مَوْلاَهُمْ
 
الوَاقِدِيُّ، المَدِيْنِيُّ، القَاضِي، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ وَالمَغَازِي، العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، أَحَدُ أَوْعِيَةِ العِلْمِ عَلَى ضَعفِهِ، المُتَّفَقِ عَلَيْهِ.
وُلِدَ: بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَطَلَبَ العِلْمَ عَامَ بِضْعَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: صِغَارِ التَّابِعِيْنَ فَمَنْ بَعْدَهُم، بِالحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَكَثِيْرِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَالضَّحَّاكِ بنِ عُثْمَانَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَفْلَحَ بنِ حُمَيْدٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَهِشَامِ بنِ الغَازِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي سَبْرَةَ، وَمَالِكٍ، وَفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ، إِلَى الغَايَةِ مِنْ عَوَامِّ المَدَنِيِّينَ.
وَجَمَعَ فَأَوعَى، وَخَلَطَ الغَثَّ بِالسَّمِيْنِ، وَالخَرَزَ بِالدُّرِّ الثَّمِيْنِ، فَاطَّرَحُوهُ لِذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا، فَلاَ يُسْتَغنَى عَنْهُ فِي المَغَازِي، وَأَيَّامِ الصَّحَابَةِ، وَأَخْبَارِهِم. (9/455)
(17/480)

حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ - كَاتِبُهُ - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو حَسَّانٍ الحَسَنُ بنُ عُثْمَانَ الزِّيَادِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الشَّاذَكُوْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الأَزْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ نَاصِحٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ، وَالحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الأَزْرَقُ، وَأَحْمَدُ بنُ الوَلِيْدِ الفَحَّامُ، وَأَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ البُرْجَلاَنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الهَاشِمِيُّ، وَعِدَّةٌ.
الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
لَمْ نَزَلْ نُدَافِعُ أَمرَ الوَاقِدِيِّ حَتَّى رَوَى عَنْ: مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ نَبْهَانَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟).
فَجَاءَ بِشَيْءٍ لاَ حِيْلَةَ فِيْهِ، فَهَذَا حَدِيْثُ يُوْنُسَ، مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ. (9/456)
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَرَوَاهُ الذُّهْلِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا نَافِعُ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ الرَّمَادِيُّ: لَمَّا حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ بِهَذَا، ضَحِكتُ.
فَقَالَ: مِمَّ تَضحَكُ؟
فَأَخْبَرتُهُ بِمَا قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ يَقُوْلُ:
هَذَا حَدِيْثٌ تَفَرَّدَ بِهِ يُوْنُسُ، وَهَذَا أَنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ، عَنْ نَافِعِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عُقَيْلٍ.
فَقَالَ: إِنَّ شُيُوْخَنَا المِصْرِيِّينَ لَهُم عِنَايَةٌ بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ.
قَالَ: وَفِيْمَا كَتَبَ أَحْمَدُ إِلَى ابْنِ المَدِيْنِيِّ:
(17/481)

كَيْفَ تَسْتَحِلُّ تَروِي عَنْ رَجُلٍ يَرْوِي عَنْ مَعْمَرٍ حَدِيْثَ نَبْهَانَ مُكَاتَبِ أُمِّ سَلَمَةَ؟
رَوَاهُ: الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ القَزْوِيْنِيِّ، عَنِ الرَّمَادِيِّ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَابِرٍ الحَافِظُ: سَمِعْتُ الرَّمَادِيَّ، وَحَدَّثَ بِحَدِيْثِ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فَقَالَ: هَذَا مِمَّا ظُلِمَ فِيْهِ الوَاقِدِيُّ. (9/457)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ مَوْلَى لِبَنِي أَسْلَمَ، ثُمَّ بَنِي سَهْمٍ، بَطْنٍ مِنْ أَسْلَمَ، وَلِيَ القَضَاءَ بِبَغْدَادَ لِلْمَأْمُوْنِ أَرْبَعَ سِنِيْنَ، وَكَانَ عَالِماً بِالمَغَازِي، وَالسِّيرَةِ، وَالفُتُوْحِ، وَالأَحكَامِ، وَاخْتِلاَفِ النَّاسِ، وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي كُتُبٍ اسْتَخْرَجَهَا وَوَضَعَهَا، وَحَدَّثَ بِهَا، أَخْبَرَنِي أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ الكَبِيْرِ): هُوَ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَدِمَ بَغْدَادَ فِي دَيْنٍ لَحِقَهُ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا، وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ وَالرَّقَّةِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَوَلاَّهُ المَأْمُوْنُ القَضَاءَ، إِذْ قَدِمَ مِنْ خُرَاسَانَ، وَلاَّهُ القَضَاءَ بِعَسْكَرِ المَهْدِيِّ، فَلَمْ يَزَلْ قَاضِياً حَتَّى مَاتَ بِبَغْدَادَ لإِحْدَى عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ.
وَذَكَرَهُ البُخَارِيُّ، فَقَالَ: سَكَتُوا عَنْهُ، تَرَكَهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوْكُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ.
(17/482)

وَقَالَ الخَطِيْبُ: هُوَ مِمَّنْ طَبَّقَ ذِكْرُهُ شَرقَ الأَرْضِ وَغَرْبَهَا، وَسَارَتْ بِكُتُبِهِ الرُّكبَانُ فِي فُنُوْنِ العِلْمِ مِنَ المَغَازِي، وَالسِّيَرِ، وَالطَّبَقَاتِ، وَالفِقْهِ، وَكَانَ جَوَاداً، كَرِيْماً، مَشْهُوْراً بِالسَّخَاءِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: الوَاقِدِيُّ عَالِمُ دَهْرِهِ. (9/458)
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: الوَاقِدِيُّ أَمِيْنُ النَّاسِ عَلَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ، كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَمرِ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: فَأَمَّا الجَاهِلِيَّةُ، فَلَمْ يَعْلَمْ فِيْهَا شَيْئاً.
وَقَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ مُصْعَباً الزُّبَيْرِيَّ يَذْكُرُ الوَاقِدِيَّ،
فَقَالَ: وَاللهِ مَا رَأَينَا مِثْلَهُ قَطُّ.
وَعَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ - وَذَكَرَ الوَاقِدِيَّ - فَقَالَ: ذَاكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
رَوَاهَا: يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ أَبِي الفَرَجِ، عَنْ يَعْقُوْبَ مَوْلَى آلِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْهُ.
وَعَنِ الوَاقِدِيِّ، قَالَ: كَانَتْ أَلوَاحِي تَضِيعُ، فَأُوْتَى بِهَا مِنْ شُهْرَتِهَا بِالمَدِيْنَةِ.
يُقَالَ: هَذِهِ أَلوَاحُ ابْنِ وَاقِدٍ.
قَدْ كَانَتْ لِلوَاقِدِيِّ فِي وَقْتِهِ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَوَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ، بِحَيْثُ إِنَّ أَبَا عَامِرٍ العَقَدِيَّ قَالَ:
نَحْنُ نُسَأَلُ عَنِ الوَاقِدِيِّ؟ مَا كَانَ يُفِيْدُنَا الشُّيُوْخُ وَالحَدِيْثُ إِلاَّ الوَاقِدِيَّ.
وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَقْدَمُ المَدِيْنَةَ، فَمَا يُفِيْدُنِي وَيَدُلُّنِي عَلَى الشُّيُوْخِ إِلاَّ الوَاقِدِيُّ. (9/459)
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنِي سُيَيْدُ بنُ دَاوُدَ، قَالَ:
(17/483)

كُنَّا عِنْدَ هُشَيْمٍ، فَدَخَلَ الوَاقِدِيُّ، فَسَأَلَهُ هُشَيْمٌ عَنْ بَابٍ: مَا يَحْفَظُ فِيْهِ؟
فَقَالَ: مَا لاَ عِنْدَكَ يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ.
فَذَكَرَ خَمْسَةَ أَحَادِيْثَ - أَوْ سِتَّةً - فِي البَابِ، ثُمَّ قَالَ هُشَيْمٌ لِلوَاقِدِيِّ: مَا عِنْدَكَ؟
فَحَدَّثَهُ بِثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِيْنَ.
ثُمَّ قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكاً، وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، وَسَأَلْتُ، وَسَأَلْتُ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ هُشَيْمٍ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ هُشَيْمٌ: لَئِنْ كَانَ كَذَّاباً، فَمَا فَيَ الدُّنْيَا مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ صَادِقاً، فَمَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُهُ.
أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: سَمِعْتُ مُجَاهِدَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ: مَا كَتَبْنَا عَنْ أَحَدٍ أَحْفَظَ مِنَ الوَاقِدِيِّ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: قَالَ سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ:
كَتَبتُ وَرَقَةً مِنْ حَدِيْثِ الوَاقِدِيِّ، وَجَعَلتُ فِيْهَا حَدِيْثاً عَنْ مَالِكٍ، لَمْ يَرْوِهِ إِلاَّ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهَا الوَاقِدِيَّ، فَحَدَّثَنِي إِلَى أَنْ بَلَغَ الحَدِيْثَ، فَتَرَكَنِي، وَقَامَ، ثُمَّ أَتَى، فَقَالَ لِي: هَذَا الحَدِيْثُ سَأَلَ عَنْهُ إِنْسَانٌ بَغِيضٌ لِمَالِكٍ، فَلَمْ أَكْتُبْهُ، ثُمَّ حَدَّثَنِي بِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ:
كَانَ الوَاقِدِيُّ يَقُوْلُ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَكُتُبُهُ أَكْثَرُ مِنْ حِفْظِهِ، وَحِفظِي أَكْثَرُ مِنْ كُتُبِي.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: لَمَّا انْتَقَلَ الوَاقِدِيُّ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِيِّ، يُقَالَ: إِنَّهُ حَمَّلَ كُتُبَهُ عَلَى عِشْرِيْنَ وَمائَةِ وِقْرٍ. (9/460)
(17/484)

وَعَنْ أَبِي حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، قَالَ: كَانَ لِلْوَاقِدِيِّ سِتُّ مائَةِ قِمَطْرٍ كُتُبٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ المُسَيَّبِيَّ يَقُوْلُ:
رَأَينَا الوَاقِدِيَّ يَوْماً جَالِساً إِلَى أُسْطُوَانَةٍ فِي مَسْجِدِ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ يُدَرِّسُ، فَقُلْنَا: أَيَّ شَيْءٍ تُدَرِّسُ؟
فَقَالَ: جُزْئِي مِنَ المَغَازِي.
وَقُلْنَا يَوْماً لَهُ: هَذَا الَّذِي تَجْمَعُ الرِّجَالَ تَقُوْلُ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، وَجِئْتَ بِمَتْنٍ وَاحِدٍ، لَوْ حدَّثْتَنَا بِحَدِيْثِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ.
فَقَالَ: يَطُولُ.
قُلْنَا لَهُ: قَدْ رَضِيْنَا.
فغَابَ عَنَّا جُمُعَةً، ثُمَّ جَاءنَا بِغَزْوَةِ أُحُدٍ فِي عِشْرِيْنَ جِلْداً، فَقُلْنَا: رُدَّنَا إِلَى الأَمْرِ الأَوَّلِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ الوَاقِدِيُّ مَعَ مَا ذَكَرنَاهُ مِنْ سَعَةِ عِلْمِهِ، وَكَثْرَةِ حِفْظِهِ، لاَ يَحْفَظُ القُرْآنَ:
فَأَنْبَأَنِي الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّافِقِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبَرِيُّ، قَالَ:
قَالَ المَأْمُوْنُ لِلْوَاقِدِيِّ: أُرِيْدُ أَنْ تُصَلِيَ الجُمُعَةَ غَداً بِالنَّاسِ، فَامْتَنَعَ.
قَالَ: لاَ بُدَّ.
فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَحْفَظُ سُوْرَةَ الجُمُعَةِ.
قَالَ: فَأَنَا أُحَفِّظُكَ.
فَجَعَلَ المَأْمُوْنُ يُلَقِّنُهُ سُوْرَةَ الجُمُعَةِ، حَتَّى بَلَغَ النِّصْفَ مِنْهَا، فَإِذَا حَفِظَهُ، ابْتَدَأَ بِالنِّصْفِ الثَّانِي، فَإِذَا حَفِظَهُ نَسِيَ الأَوَّلَ، فَأَتعَبَ المَأْمُوْنَ، وَنَعِسَ، فَقَالَ لعَلِيِّ بنِ صَالِحٍ: حَفِّظْهُ أَنْتَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَفَعَلتُ، فَبَقِيَ كلَمَّا حفَّظْتُهُ شَيْئاً، نَسِيَ شَيْئاً، فَاسْتَيْقَظَ المَأْمُوْنُ، فَقَالَ لِي: مَا فَعَلتَ؟
(17/485)

فَأَخْبَرتُهُ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ يَحْفَظُ التَّأْوِيْلَ، وَلاَ يَحْفَظُ التَّنْزِيلَ، اذْهَبْ، فَصَلِّ بِهِم، وَاقرَأْ أَيَّ سُوْرَةٍ شِئْتَ.
فَهَذِهِ حِكَايَةٌ مُرْسَلَةٌ، وَالبَرْبَرِيُّ فَحَافِظٌ. (9/461)
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَابِرٍ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصَّاغَانِيَّ - وَذَكَرَ الوَاقِدِيَّ - فَقَالَ: وَاللهِ لَوْلاَ أَنَّهُ عِنْدِي ثِقَةً، مَا حَدَّثْتُ عَنْهُ، قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ...، وَسَمَّى غَيْرَهُمَا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: الوَاقِدِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
وَسُئِلَ مَعْنُ بنُ عِيْسَى، عَنِ الوَاقِدِيِّ، فَقَالَ:
أَنَا أُسْأَلُ عَنِ الوَاقِدِيِّ؟ الوَاقِدِيُّ يُسْأَلُ عَنِّي.
وَسَأَلْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ عَنْهُ، فَقَالَ: أَمَّا حَدِيْثُهُ هَا هُنَا فَمُسْتَوٍ، وَأَمَّا حَدِيْثُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، فَهُم أَعْلَمُ بِهِ.
وَرَوَى: جَابِرُ بنُ كُرْدِيٍّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، قَالَ: الوَاقِدِيٌّ ثِقَةٌ.
الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: الوَاقِدِيُّ ثِقَةٌ.
قَالَ الحَرْبِيُّ: أَمَّا فِقْهُ أَبِي عُبَيْدٍ، فَمِنْ كُتُبِ الوَاقِدِيِّ: الاخْتِلاَفُ وَالإِجْمَاعُ كَانَ عِنْدَهُ.
ثُمَّ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: وَهُوَ إِمَامٌ كَبِيْرٌ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ هَذَا، مَنْ قَالَ: إِنَّ مَسَائِلَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ تُؤخَذُ عَمَّنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنَ الوَاقِدِيِّ، فَلاَ يُصَدَّقُ؛ لأَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكاً، وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ. (9/462)
(17/486)

قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: أَخْبَرَنِي مَن سَمِعَ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: رَوَى الوَاقِدِيُّ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ غَرِيْبٍ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
عِنْدَ الوَاقِدِيِّ عِشْرُوْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ لَمْ أَسْمَعْ بِهَا.
ثُمَّ قَالَ: لاَ يُرْوَى عَنْهُ...، وَضَعَّفَهُ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: أَغرَبَ الوَاقِدِيُّ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: كُتُبُ الوَاقِدِيِّ كَذِبٌ.
المُغِيْرَةُ بنُ مُحَمَّدٍ المُهَلَّبِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ الوَاقِدِيِّ.
قُلْتُ: أَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِ الهَيْثَمِ.
أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ الوَاقِدِيُّ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ مَرَّةً: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
الدُّوْلاَبِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: الوَاقِدِيُّ كَذَّابٌ.
النَّسَائِيُّ فِي (الكُنَى): أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَفَّافُ،
قَالَ:
قَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ عِنْدِي مِمَّنْ يَضَعُ الحَدِيْثَ -يَعْنِي: الوَاقِدِيَّ-. (9/463)
أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ: لَمْ يَكُنِ الوَاقِدِيُّ مَقْنَعاً، ذَكَرتُ لأَحْمَدَ مَوْتَهُ يَوْمَ مَاتَ بِبَغْدَادَ، فَقَالَ: جَعَلتُ كُتُبَهُ ظَهَائِرَ لِلْكُتِبِ مُنْذُ حِيْنَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَا عِنْدِي لِلْوَاقِدِيِّ حَرْفٌ، وَمَا عَرَفْتُ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَلاَ أَقْنَعُ بِهِ.
(17/487)

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ أَكْتُبُ حَدِيْثَهُ، مَا أَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ يَنْقُلُ الحَدِيْثَ، لاَ يُنْظَرُ لِلْوَاقِدِيِّ فِي كِتَابٍ، إِلاَّ تَبَيَّنَ أَمرُهُ فِيْهِ، رَوَى فِي فَتحِ اليَمَنِ وَخَبَرِ العَنْسِيِّ أَحَادِيْثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، لَيْسَتْ مِنْ حَدِيْثِهِ.
وَكَانَ أَحْمَدُ لاَ يَذْكُرُ عَنْهُ كَلِمَةً.
قَالَ النَّسَائِيُّ: المَعْرُوْفُونَ بِوَضعِ الحَدِيْثِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَةٌ: ابْنُ أَبِي يَحْيَى بِالمَدِيْنَةِ، وَالوَاقِدِيُّ بِبَغْدَادَ، وَمُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ بِخُرَاسَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ بِالشَّامِ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: تَرَكَ النَّاسُ حَدِيْثَ الوَاقِدِيِّ.
قُلْتُ: لاَ شَيْءَ لِلْوَاقِدِيِّ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ إِلاَّ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ عِنْدَ ابْنِ مَاجَه، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا، فَمَا جَسَرَ ابْنُ مَاجَه أَنْ يُفصِحَ بِهِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِوَهْنِ الوَاقِدِيِّ عِنْدَ العُلَمَاءِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّ مَا رَوَاهُ عَنْهُ كَاتِبُهُ فِي (الطَّبَقَاتِ)، هُوَ أَمثَلُ قَلِيْلاً مِنْ رِوَايَةِ الغَيْرِ عَنْهُ. (9/464)
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ الأَنْبَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا العَنْبَرِيُّ، قَالَ:
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كُنْتُ حَنَّاطاً بِالمَدِيْنَةِ، فِي يَدِي مائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِلنَّاسِ أُضَارِبُ بِهَا، فَتَلِفَتِ الدَّرَاهِمُ، فَشَخَصْتُ إِلَى العِرَاقِ، فَأَتَيْتُ يَحْيَى بنَ خَالِدٍ البَرْمَكِيَّ فِي دِهْلِيزِهِ، وَآنَسْتُ الخَدَمَ، وَسَأَلتُهُم أَنْ يُوصِلُوْنِي إِلَيْهِ، فَقَالُوا: إِذَا قُدِّمَ الطَّعَامُ إِلَيْهِ، لَمْ يُحْجَبْ عَنْهُ أَحَدٌ، وَنَحْنُ نُدْخِلُكَ.
(17/488)

قَالَ: فَأَدخَلُوْنِي، فَأَجلَسُونِي عَلَى المَائِدَةِ.
فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ وَمَا قِصَّتُكَ؟
فَأَخْبَرتُهُ، فَلَمَّا رُفِعَ الطَّعَامُ، دَنَوْتُ لأُقَبِّلَ رَأْسَهُ، فَاشْمَأَزَّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا خَرَجْتُ، لَحِقَنِي خَادمٌ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: الوزِيْرُ يَقرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: اسْتَعِنْ بِهَذِهِ، وَعُدْ إِلَيْنَا.
قَالَ: فَعُدْتُ مِنَ الغَدِ، فَوَصَلَنِي بِأَلْفِ دِيْنَارٍ أُخْرَى، وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ بِأَلفٍ، وَقَالَ: لَمْ يَمْنَعنِي أَنْ أَدَعَكَ تُقَبِّلُ رَأْسِي إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَصَلَكَ مِنْ مَعْرُوْفِنَا مَا يُوجِبُ ذَلِكَ، يَا غُلاَمُ! أَعْطِهِ الدَّارَ الفُلاَنِيَّةَ، وَأَعْطِهِ مائَتَيْ أَلفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ: الزَمْنِي، وَكُنْ عِنْدِي.
فَقُلْتُ: أَعَزَّ اللهُ الوَزِيْرَ، لَوْ أَذِنْتَ لِي فِي الشُّخُوصِ إِلَى المَدِيْنَةِ لأَقْضِيَ النَّاسَ أَمْوَالَهُم، وَأَعُوْدَ.
قَالَ: قَدْ فَعَلتُ، وَأَمَرَ بِتَجهِيزِي.
قَالَ: فَقَضَيْتُ دَيْنِي، وَرَجَعتُ، فَلَمْ أَزَلْ فِي نَاحِيَتِهِ. (9/465)
وَرَوَى: حُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُسَبِّحٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ لِي الوَاقِدِيُّ: حَجَّ هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ، فَوَرَدَ المَدِيْنَةَ، فَقَالَ لِيَحْيَى بنِ خَالِدٍ: ارْتَدْ لِي رَجُلاً عَارِفاً بِالمَدِيْنَةِ وَالمَشَاهِدِ، وَكَيْفَ كَانَ نُزُوْلُ جِبْرِيْلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَأْتِيْهِ، وَقُبُوْرِ الشُّهَدَاءِ؟
(17/489)

فَسَأَلَ يَحْيَى، فُكُلُّ أَحَدٍ دَلَّهُ عَلَيَّ، فَبَعَثَ إِلَيَّ، فَأَتَيْتُهُ، فَوَاعَدَنِي إِلَى عِشَاءِ الآخِرَةِ، فَإِذَا شُمُوْعٌ، فَلَمْ أَدَعْ مَشْهَداً وَلاَ مَوْضِعاً إِلاَّ أَرَيْتُهُمَا، فَجَعَلاَ يُصَلِّيَانِ وَيَجْتَهِدَانِ فِي الدُّعَاءِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَ لِي بُكْرَةً بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ لِي الوَزِيْرُ: لاَ عَلَيْكَ أَنْ تَلقَانَا حَيْثُ كُنَّا.
قَالَ: فَاتَّسَعْنَا، وَزَوَّجْنَا بَعْضَ الوَلَدِ، ثُمَّ إِنَّ الدَّهْرَ أَعَضَّنَا، فَقَالَتْ لِي أُمُّ عَبْدِ اللهِ: مَا قُعُوْدُكَ؟
فَقَدِمْتُ العِرَاقَ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَالُوا: هُوَ بِالرَّقَّةِ.
فَمَضَيْتُ إِلَيْهَا، وَطَلَبْتُ الإِذْنَ عَلَى يَحْيَى، فَصَعُبَ، فَأَتَيْتُ أَبَا البَخْتَرِيِّ - وَهُوَ فِيَّ عَارِفٌ - فَقَالَ: أَخْطَأْتَ عَلَى نَفْسِكَ، وَسَأَذْكُرُكَ لَهُ.
وَقَلَّتْ نَفَقَتِي، وَتَحَرَّقَتْ ثِيَابِي، فَرَجَعْتُ مَرَّةً فِي سَفِيْنَةٍ، وَمَرَّةً أَمْشِي حَتَّى وَرَدْتُ السَّيْلَحِيْنَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي سُوْقِهَا، إِذْ بِقَافِلَةٍ مِنْ بَغْدَادَ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَإِنَّ صَاحِبَهُم بَكَّاراً الزُّبَيْرِيَّ أَخْرَجَهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ لِيُوَلِّيَهُ قَضَاءَ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ أَصْدَقُ النَّاسِ لِي.
فَقُلْتُ: أَدَعُهُ حَتَّى يَنْزِلَ وَيَسْتَقِرَّ.
ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَاسْتَخْبَرَنِي أَمْرِي، فَقَالَ: أَمَّا عَلِمْتَ أَنَّ أَبَا البَخْتَرِيِّ لاَ يُحِبُّ أَنْ يَذْكُرَكَ لأَحَدٍ.
قُلْتُ: أَصِيْرُ إِلَى المَدِيْنَةِ.
قَالَ: هَذَا رَأْيٌ خَطَأٌ، وَلَكِن صِرْ مَعِي، فَأَنَا الذَّاكِرُ لِيَحْيَى بنِ خَالِدٍ أَمْرَكَ.
(17/490)

قَالَ: فَصِرْتُ مَعَهُم إِلَى الرَّقَّةِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، ذَهَبْتُ إِلَى بَابِ الوَزِيْرِ، فَإِذَا الزُّبَيْرِيُّ قَدْ خَرَجَ، فَقَالَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ! أُنْسِيْتُ أَمْرَكَ، قِفْ حَتَّى أَدْخُلَ إِلَيْهِ.
فَدَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ الحَاجِبُ، فَقَالَ لِي: ادْخُلْ.
فَدَخَلْتُ فِي حَالٍ خَسِيْسَةٍ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ ثَلاَثَةُ، أَوْ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، فَلَمَّا رَآنِي يَحْيَى فِي تِلْكَ الحَالِ، رَأَيْتُ الغَمَّ فِي وَجْهِهِ، فَقَرَّبَ مَجْلِسِي، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ يُحَادِثُوْنَهُ، فَجَعَلَ يُذَاكِرُنِي الحَدِيْثَ بَعْدَ الحَدِيْثِ. (9/466)
وَقَالَ: أَفْطِرْ عِنْدَنَا.
فَأَفْطَرْتُ عِنْدَهُ، وَأَعْطَانِي خَمْسَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: عُدْ إِلَيْنَا.
فَذَهَبْتُ، فَتَجَمَّلْتُ، وَاكْتَسَيْتُ، وَلَقِيْتُ الزُّبَيْرِيَّ، فَلَمَّا رَآنِي بِتِلْكَ الحَالِ سُرَّ، وَأَخْبَرْتُهُ الخَبَرَ.
وَلَمْ يَزَلِ الوَزِيْرُ يُقَرِّبُنِي، وَيُوْصِلُنِي كُلَّ لَيْلَةٍ خَمْسَ مائَةِ دِيْنَارٍ إِلَى لَيْلَةِ العِيْدِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَزَيَّنْ غَداً لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ بِأَحْسَنِ زِيٍّ لِلْقُضَاةِ، وَاعْتَرِضْ لَهُ، فَإِنَّهُ سَيَسْأَلُنِي عَنْ خَبَرِكَ، فَأُخْبِرُهُ.
فَفَعَلْتُ، قَالَ: وَجَعَلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَلْحَظُنِي فِي المَوْكِبِ، ثُمَّ نَزَلْنَا، وَمَضَيْتُ مَعَ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا زَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَسْأَلُنِي عَنْكَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ حَجِّنَا، وَقَدْ أَمَرَ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
ثُمَّ تَجَهَّزْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَكَيْفَ أُلاَمُ عَلَى حُبِّ يَحْيَى؟
وَسَاقَ حِكَايَةً طَوِيْلَةً.
(17/491)

قَالَ أَبُو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ، حَدَّثَنَا الوَاقِدِيُّ، قَالَ:
أَضَقْتُ مَرَّةً، وَأَنَا مَعَ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ، وَحَضَرَ عِيْدٌ، فَجَاءتْنِي الجَارِيَةُ، فَقَالَتْ: لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ آلَةِ العِيْدِ شَيْءٌ.
فَمَضَيْتُ إِلَى تَاجِرٍ صَدِيْقٍ لِي لِيُقْرِضَنِي، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ كِيْساً مَخْتُوْماً فِيْهِ أَلْفُ دِيْنَارٍ وَمائَتَا دِرْهَمٍ، فَأَخَذْتُهُ، فَمَا اسْتَقْرَرْتُ فِي مَنْزِلِي حَتَّى جَاءنِي صَدِيْقٌ لِي هَاشِمِيٌّ، فَشَكَا إِلَيَّ تَأَخُّرَ غَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ إِلَى القَرْضِ.
فَدَخَلْتُ إِلَى زَوْجَتِي، فَأَخْبَرْتُهَا، فَقَالَتْ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ عَزَمْتَ؟
قُلْتُ: عَلَى أَنْ أُقَاسِمَهُ الكِيْسَ.
قَالَتْ: مَا صَنَعْتَ شَيْئاً، أَتَيْتَ رَجُلاً سُوْقَةً، فَأَعْطَاكَ أَلْفاً وَمائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَجَاءكَ رَجُلٌ مِنْ آلِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُعْطِيْهِ نِصْفَ مَا أَعْطَاكَ السُّوْقَةُ؟!
فَأَخْرَجْتُ الكِيْسَ كُلَّهُ إِلَيْهِ، فَمَضَى، فَذَهَبَ صَدِيْقِي التَّاجِرُ إِلَى الهَاشِمِيِّ - وَكَانَ صَاحِبَهُ - فَسَأَلَهُ القَرْضَ، فَأَخْرَجَ الهَاشِمِيُّ إِلَيْهِ الكِيسَ بِعَيْنِهِ، فَعَرفَهُ التَّاجِرُ، وَانْصَرَفَ إِلَيَّ، فَحَدَّثَنِي بِالأَمْرِ. (9/467)
قَالَ: وَجَاءنِي رَسُوْلُ يَحْيَى يَقُوْلُ: إِنَّمَا تَأَخَّرَ رَسُوْلُنَا عَنْكَ لِشُغْلِي.
فَرَكِبْتُ إِلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ أَمْرَ الكِيسِ.
فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! هَاتِ تِلْكَ الدَّنَانِيْرَ.
فَجَاءهُ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَقَالَ: خُذْ أَلْفَي دِيْنَارٍ لَكَ، وَأَلْفَي دِيْنَارٍ لِلتَّاجِرِ، وَأَلْفَيْنِ لِلْهَاشِمِيِّ، وَأَرْبَعَةَ آلاَفٍ لِزَوْجَتِكَ، فَإِنَّهَا أَكرَمُكُم.
(17/492)

رَوَاهَا: المُعَافَى، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ ابْنِ الأَنْبَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عِكْرِمَةَ.
وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ إِلَى الوَاقِدِيِّ نَحْوٌ مِنْهَا، لَكِنْ أَمَرَ لَهُ بِخَمْسِ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَلِكُلٍّ مِنَ الثَّلاَثَةِ بِمائَتَيْ دِيْنَارٍ، وَهَذَا أَشْبَهُ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ شَاذَانَ، عَنْهُ: صَارَ إِلَيَّ مِنَ السُّلْطَانِ سِتُّ مائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةٌ فِيْهَا.
قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: مَاتَ الوَاقِدِيُّ، وَهُوَ عَلَى القَضَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ كَفَنٌ، فَبَعَثَ المَأْمُوْنُ بِأَكْفَانِهِ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ الوَاقِدِيُّ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ.
قَرَأْتُ عَلَى المُؤَيَّدِ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَحْيَى الكَاتِبِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ نَجْمٍ، أَخْبَرَتْنَا فَخْرُ النِّسَاءِ شُهْدَةُ. (9/468)
وَأَخْبَرَنَا المُؤَيَّدُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَاسُوَيْه المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو السَّعَادَاتِ القَزَّازُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الخُشَيْشِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَدَمِيُّ القَارِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْ مَوْلُوْدٍ يُوْلَدُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِيْنَ يُوْلَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ، إِلاَّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا).
(17/493)

ثُمَّ يَقُوْلُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {أُعِيْذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ} [آلُ عِمْرَانَ: 36].
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَهْمِ بنِ أَحْمَدَ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ البَانْيَاسِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ، حَدَّثَنَا الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بنُ عُمَرَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي أَرْوَى السَّدُوْسِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِساً، فَطَلَعَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَقَالَ: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَيَّدَنِي بِكُمَا). (9/469)
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا النِّعَالِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَخْتَرِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الخَلِيْلِ، حَدَّثَنَا الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ سَبِّ أَسَعْدَ الحِمْيَرِيِّ، قَالَ: (هُوَ أَوَّلُ مَنْ كَسَا البَيْتَ).
(17/494)

وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الوَاقِدِيَّ ضَعِيْفٌ، يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الغَزَوَاتِ وَالتَّارِيْخِ، وَنُوْرِدُ آثَارَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِجَاجٍ، أَمَّا فِي الفَرَائِضِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ، فَهَذِهِ الكُتُبُ السِّتَّةُ، وَ(مُسْنَدُ أَحْمَدَ)، وَعَامَّةُ مَنْ جَمَعَ فِي الأَحْكَامِ، نَرَاهُم يَتَرَخَّصُوْنَ فِي إِخْرَاجِ أَحَادِيْثِ أُنَاسٍ ضُعَفَاءَ، بَلْ وَمَتْرُوْكِيْنَ، وَمَعَ هَذَا لاَ يُخَرِّجُوْنَ لِمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ شَيْئاً، مَعَ أَنَّ وَزنَهُ عِنْدِي أَنَّهُ - مَعَ ضَعْفِهِ - يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ وَيُرْوَى؛ لأَنِّي لاَ أَتَّهِمُهُ بِالوَضْعِ، وَقَوْلُ مَنْ أَهدَرَهُ، فِيْهِ مُجَازَفَةٌ مِنْ بَعْضِ الوُجُوْهِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ عِبْرَةَ بِتَوْثِيقِ مَنْ وَثَّقَهُ: كَيَزِيْدَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَالصَّاغَانِيِّ، وَالحَرْبِيِّ، وَمَعْنٍ، وَتَمَّامِ عَشْرَةِ مُحَدِّثِيْنَ، إِذْ قَدِ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ اليَوْمَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَأَنَّ حَدِيْثَهَ فِي عِدَادِ الوَاهِي -رَحِمَهُ اللهُ-. (9/470)
(17/495)