خَلَفُ بنُ أَيُّوْبَ أَبُو سَعِيْدٍ العَامِرِيُّ (ت) |
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، مُفْتِي المَشْرِقِ، أَبُو سَعِيْدٍ العَامِرِيُّ، البَلْخِيُّ، الحَنَفِيُّ، الزَّاهِدُ، عَالِمُ أَهْلِ بَلْخَ.
تَفَقَّه عَلَى: القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ. وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَطَائِفَةٍ. وَصَحِبَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ مُدَّةً. حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَعَلِيُّ بنُ سَلَمَةَ اللَّبَقِيُّ، وَأَهْلُ بَلَدِهِ. وَقَدْ لَيَّنَهُ مِنْ جِهَةِ إِتْقَانِهِ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. (9/542) قَالَ أَبُو عِيْسَى فِي (جَامِعِهِ) فِي بَابِ تَفْضِيْلِ الفِقْهِ عَلَى العِبَادَةِ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ أَيُّوْبَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خَصْلَتَانِ لاَ تَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ: حُسْنُ سَمْتٍ، وَفِقْهٌ فِي الدِّيْنِ). قَالَ أَبُو عِيْسَى: تَفَرَّدَ بِهِ خَلَفٌ، وَلاَ أَدْرِي كَيْفَ هُوَ. قَالَ الحَاكِمُ فِي (تَارِيْخِهِ): سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْد العَزِيْزِ المُذَكِّرَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ: (18/75) سَمِعْتُ مَشَايِخَنَا يَذْكُرُوْنَ أَنَّ السَّبَبَ لِثَبَاتِ مُلْكِ آلِ سَامَانَ، أَنَّ أَسَدَ بنَ نُوْحٍ خَرَجَ إِلَى المُعْتَصِمِ، وَكَانَ شُجَاعاً عَاقِلاً، فَتَعَجَّبُوا مِنْ حُسْنِهِ وَعَقْلهِ، فَقَالَ لَهُ المُعْتَصِمُ: هَلْ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ أَشْجَعُ مِنْكَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ فِيْهِم أَعْلَمُ وَأَعقَلُ مِنْكَ؟ قَالَ: لاَ. فَلَمْ يُعْجِبِ المُعْتَصِمَ، ثُمَّ سَأَلَهُ: لِمَ قُلْتَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَهْلِ بَيْتِي مَنْ وَطِئَ بِسَاطَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ وَرَآهُ غَيْرِي. فَاسْتَحسَنَ ذَلِكَ، وَوَلاَّهُ بَلْخَ، فَكَانَ يَتَوَلَّى الخُطبَةَ بِنَفْسِهِ. ثُمَّ سَأَلَ عَنْ عُلَمَاءِ بَلْخَ، فَذَكَرُوا لَهُ خَلَفَ بنَ أَيُّوْبَ، فَتَحَيَّنَ مَجِيْئَه لِلْجُمُعَةِ، وَرَكِبَ إِلَى نَاحِيَتِهِ، فَلَمَّا رَآهُ، تَرَجَّلَ وَقَصَدَهُ، فَقَعَدَ خَلَفٌ، وَخَمَّرَ وَجْهَه، فَقَالَ لَهُ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم. فَأَجَابَه، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَرَفَعَ الأَمِيْرُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا العَبْدَ الصَّالِحَ يُبْغِضُنَا فِيْكَ، وَنَحْنُ نُحِبُّه فِيْكَ، ثُمَّ رَكِبَ. (9/543) قَالَ: وَمَرِضَ خَلَفٌ، فَعَادَهُ الأَمِيْرُ أَسَدٌ، وَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنْ لاَ تَعُوْدَ إِلَيَّ، وَإِنْ مُتُّ، فَلاَ تُصَلِّ عَلَيَّ، وَعَلَيْكَ السَّوَادُ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ، شَيَّعَهُ، وَنَزَعَ سَوَادَهُ. فَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ صَوْتاً: بِتَوَاضُعِكَ وَإِجْلاَلِكَ خَلَفاً بُنِيَتِ الدَّوْلَةُ فِي عَقِبِكَ. هَذِهِ حِكَايَةٌ غَرِيْبَةٌ، فَإِنْ صَحَّتْ، فَلَعَلَّ وِفَادَةَ أَسَدٍ عَلَى المَأْمُوْنِ حَتَّى يَسْتَقِيْمَ ذَلِكَ، فَإِنَّ خَلَفاً مَاتَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ. وَقِيْلَ: عَاشَ تِسْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. (9/544) (18/76) |