ابْنُ المَدِيْنِيِّ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ (خ، د، م، س) ب |
دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-.
فَقُلْتُ: خَيْراً رَأَيْتَ، تَخطُبُ عَلَى مِنْبَرِ نَبِيٍّ. فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتُ أَنِّي أَخطُبُ عَلَى مِنْبَرِ أَيُّوْبَ، كَانَ خَيْراً لِي؛ لأَنَّهُ بُلِيَ فِي دِيْنِهِ، وَدَاوُدُ فُتِنَ فِي دِيْنِهِ. قَالَ: فَكَانَ مِنْهُ مَا كَانَ -يَعْنِي: إِجَابَتَهُ فِي مِحْنَةِ القُرْآنِ-. قُلْتُ: غُلاَمُ خَلِيْلٍ غَيْرُ ثِقَةٍ. (11/52) الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ لِلْمُعْتَصِمِ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَذَا يَزْعُمُ -يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ- أَنَّ اللهَ يُرَى فِي الآخِرَةِ، وَالعَيْنُ لاَ تَقَعُ إِلاَّ عَلَى مَحْدُوْدٍ، وَاللهُ لاَ يُحَدُّ. فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! عِنْدِيَ مَا قَالَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ (21/57) قَالَ: حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَنَظَرَ إِلَى البَدْرِ، فَقَالَ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا البَدْرَ، لاَ تُضَامُوْنَ فِي رُؤْيَتِهِ). فَقَالَ لاِبْنِ أَبِي دُوَادَ: مَا تَقُوْلُ؟ قَالَ: أَنْظُرُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الحَدِيْثِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. فَوَجَّهَ إِلَى عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَعَلِيٌّ بِبَغْدَادَ مُمْلِقٌ، مَا يَقْدِرُ عَلَى دِرْهَمٍ، فَأَحضَرَهُ، فَمَا كَلَّمَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى وَصَلَهُ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: هَذِهِ وَصَلَكَ بِهَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ. وَأَمَرَ أَنْ يُدفَعَ إِلَيْهِ جَمِيْعُ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ أَرزَاقهِ. وَكَانَ لَهُ رِزْقُ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا الحَسَنِ! حَدِيْثُ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ فِي الرُّؤْيَةِ مَا هُوَ؟ قَالَ: صَحِيْحٌ. قَالَ: فَهَلْ عِنْدَكَ عَنْهُ شَيْءٌ؟ قَالَ: يُعفِينِي القَاضِي مِنْ هَذَا. قَالَ: هَذِهِ حَاجَةُ الدَّهْرِ. ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِثِيَابٍ وَطِيْبٍ وَمَرْكَبٍ بِسَرجِهِ وَلِجَامِهِ. وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قَالَ لَهُ: فِي هَذَا الإِسْنَادِ مَنْ لاَ يُعْمَلُ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَى مَا يَرْوِيْهِ، وَهُوَ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، إِنَّمَا كَانَ أَعْرَابِيّاً بَوَّالاً عَلَى عَقِبَيْهِ. فَقَبَّلَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ عَلِيّاً، وَاعتَنَقَهُ. فَلَمَّا كَانَ الغَدُ وَحَضَرُوا، قَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، يَحْتَجُّ فِي الرُّؤْيَةِ بِحَدِيْثِ جَرِيْرٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْهُ قَيْسٌ، وَهُوَ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ؟ (21/58) قَالَ: فَقَالَ أَحْمَدُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَحِينَ أَطْلَعَ لِي هَذَا، عَلِمتُ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، فَكَانَ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِنْ أَوْكَدِ الأُمُورِ فِي ضَرْبِهِ. (11/53) رَوَاهَا المَرْزُبَانِيُّ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى -يَعْنِي: الصُّوْلِيَّ- حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ. ثُمَّ قَالَ الخَطِيْبُ: أَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذَا الخَبَرِ مِنْ أَنَّهُ لاَ يَعْمَلُ عَلَى مَا يَرْوِيْهِ قَيْسٌ، فَهُوَ بَاطِلٌ. قَدْ نَزَّهَ اللهُ عَلِيّاً عَنْ قَوْلِ ذَلِكَ؛ لأَنَّ أَهْلَ الأَثَرِ، وَفِيْهُم عَلِيٌّ، مُجْمِعُوْنَ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ قَيْسٍ وَتَصْحِيْحِهَا، إِذْ كَانَ مِنْ كُبَرَاءِ تَابِعِيِّ أَهْلِ الكُوْفَةِ. وَلَيْسَ فِي التَّابِعِيْنِ مَنْ أَدْرَكَ العَشَرَةَ وَرَوَى عَنْهُمْ، غَيْرَ قَيْسٍ مَعَ رِوَايَتهِ عَنْ خَلْقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ...، إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوْظاً عَنِ ابْنِ فَهْمٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّ ابْنَ أَبِي دُوَادَ تَكَلَّمَ فِي قَيْسٍ بِمَا ذَكَرَ فِي الحَدِيْثِ، وَعَزَا ذَلِكَ إِلَى ابْنِ المَدِيْنِيِّ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. قُلْتُ: إِنْ صَحَّتِ الحِكَايَةُ، فَلَعَلَّ عَلِيّاً قَالَ فِي قَيْسٍ مَا عِنْدَهُ عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. ثُمَّ سَمَّى لَهُ أَحَادِيْثَ اسْتَنكَرَهَا، فَلَمْ يَصنَعْ شَيْئاً، بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ، فَلاَ يُنْكَرُ لَهُ التَفَرَّدُ فِي سَعَةِ مَا رَوَى، مِنْ ذَلِكَ حَدِيْثُ كِلاَبِ الحَوْأَبِ، وَقَدْ كَادَ قَيْسٌ أَنْ يَكُوْنَ صَحَابِيّاً. (21/59) أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ هَاجَرَ إِلَيْهِ، فَمَا أَدْرَكَهُ، بَلْ قَدِمَ المَدِيْنَةَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَيَالٍ. وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ - فِيْمَا نَقَلَهُ عَنْهُ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ -: كَانَ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ أَوْثَقَ مِنَ الزُّهْرِيِّ. (11/54) نَعَمْ، وَرُؤْيَةُ اللهِ -تَعَالَى- فِي الآخِرَةِ مَنْقُوْلَةٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَقْلَ تَوَاتُرٍ، فَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الهَوَى وَرَدِّ النَّصِّ بِالرَّأْيِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَجوَدُ التَّابِعِيْنَ إِسْنَاداً: قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، قَدْ رَوَى عَنْ تِسْعَةٍ مِنَ العَشَرَةِ، لَمْ يَرْوِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ. قَالَ الخَطِيْبُ: وَلَمْ يَحْكِ أَحَدٌ مِمَّنْ سَاقَ المِحْنَةَ أَنَّ أَحْمَدَ نُوظِرَ فِي حَدِيْثِ الرُّؤْيَةِ. قَالَ: وَالَّذِي يُحْكَى عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ رَوَى لاِبْنِ أَبِي دُوَادَ حَدِيْثاً عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ فِي القُرْآنِ، كَانَ الوَلِيْدُ أَخْطَأَ فِي لَفْظَةٍ مِنْهُ، فَكَانَ أَحْمَدُ يُنْكِرُ عَلَى عَلِيٍّ رِوَايَتَهُ لِذَلِكَ الحَدِيْثِ. فَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ حَدَّثَ عَنِ الوَلِيْدِ حَدِيْثَ عُمَرَ: كِلُوْهُ إِلَى عَالِمِهِ، فَقَالَ: إِلَى خَالِقِهِ. فَقَالَ: هَذَا كَذِبٌ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا قَدْ كَتَبنَاهُ عَنِ الوَلِيْدِ، إِنَّمَا هُوَ (فَكِلُوْهُ إِلَى عَالِمِهِ). وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ غَيْرُهَا. (11/55) (21/60) قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرِ بنِ أَبِي الدُّمَيْكِ: حَدَّثَنَا ابْنُ المَدِيْنِيِّ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ فِي أَصْحَابهِ، إِذْ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عَبَسَ:31]...، ثُمَّ قَالَ: هَذَا كُلَّهُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الأَبُّ؟ قَالَ، وَفِي يَدِهِ عُصَيَّةٌ يَضْرِبُ بِهَا الأَرْضَ، فَقَالَ: هَذَا - لَعَمْرُ اللهِ - التَّكَلُّفُ، فَخُذُوا أَيُّهَا النَّاسُ بِمَا بُيِّنَ لَكُمْ، فَاعمَلُوا بِهِ، وَمَا لَمْ تَعْرِفُوهُ، فَكِلُوْهُ إِلَى رَبِّهِ. قَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنِيْهِ أَبُو طَالِبٍ بنُ بُكَيْرٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بنُ جَعْفَرٍ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّمَيْكِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّ عَلِيّاً يُحَدِّثُ عَنِ الوَلِيْدِ...، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ، وَقَالَ: فَكِلُوهُ إِلَى خَالِقِهِ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَذِبٌ. حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ مَرَّتَيْنِ إِنَّمَا هُوَ: كِلُوْهُ إِلَى عَالِمِهِ. وَقَالَ عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: قُلْتُ لاِبْنِ المَدِيْنِيِّ: إِنَّهُم قَدْ أَنْكَرُوهُ عَلَيْكَ. فَقَالَ: حَدَّثْتُكُمْ بِهِ بِالبَصْرَةِ...، وَذكَرَ أَنَّ الوَلِيْدَ أَخْطَأَ فِيْهِ. فَغَضِبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: فَنَعَمْ، قَدْ عَلِمَ أَنَّ الوَلِيْدَ أَخْطَأَ فِيْهِ، فَلِمَ حَدَّثَهُمْ بِهِ، أَيُعْطِيْهُمُ الخَطَأَ! قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ العَسْكَرِ يَقُوْلُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ابْنُ المَدِيْنِيِّ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ. (21/61) فَسَكَتَ، فَقُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ لِي عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ: قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: وَذَكَرَ رَجُلاً، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُم لاَ يَقبَلُوْنَ مِنْكَ، إِنَّمَا يَقبَلُوْنَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. قَالَ: قَوِيَ أَحْمَدُ عَلَى السُّوطِ، وَأَنَا لاَ أَقْوَى. (11/56) أَبُو بَكْرٍ الجُرْجَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو العَيْنَاءِ، قَالَ: دَخَلَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ إِلَى ابْنِ أَبِي دُوَادَ بَعْدَ مَا تَمَّ مِنْ مِحْنَةِ أَحْمَدَ مَا جَرَى، فَنَاوَلَهُ رُقْعَةً، قَالَ: هَذِهِ طُرِحَتْ فِي دَارِي، فَإذَا فِيْهَا: يَا ابْنَ المَدِيْنِيِّ الَّذِي شُرِعَتْ لَهُ * دُنْيَا فَجَادَ بِدِيْنِهِ لِيَنَالَهَا مَاذَا دَعَاكَ إِلَى اعْتِقَادِ مَقَالَةٍ * قَدْ كَانَ عِنْدَكَ كَافِراً مَنْ قَالَهَا أَمرٌ بَدَا لَكَ رُشْدُهُ فَقَبِلْتَه * أَمْ زَهْرَةُ الدُّنْيَا أَرَدْتَ نَوَالَهَا؟ فَلَقْدَ عَهِدْتُكَ - لاَ أَبَا لَكَ - مَرَّةً * صَعْبَ المَقَادَةِ لِلَّتِي تُدْعَى لَهَا إِنَّ الحَرِيْبَ لَمَنْ يُصَابُ بِدِيْنِهِ * لاَ مَنْ يُرَزَّى نَاقَةً وَفِصَالَهَا فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: هَذَا بَعْضُ شُرَّادِ هَذَا الوَثَنِ -يَعْنِي: ابْنَ الزَّيَّاتِ- وَقَدْ هُجِيَ خِيَارُ النَّاسِ، وَمَا هَدَمَ الهِجَاءُ حَقّاً، وَلاَ بَنَى بَاطِلاً، وَقَدْ قُمْتَ وَقُمنَا مِنْ حَقِّ اللهِ بِمَا يُصَغِّرُ قَدْرَ الدُّنْيَا عِنْدَ كَثِيْرِ ثَوَابهِ. ثُمَّ دَعَا لَهُ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: اصْرِفْهَا فِي نَفَقَاتِكَ وَصَدَقَاتِكَ. قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: قَدِمَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ البَصْرَةَ، فَصَارَ إِلَيْهِ بُنْدَارُ، فَجَعَلَ عَلِيُّ يَقُوْلُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ. (21/62) فَقَالَ بُنْدَارُ عَلَى رُؤُوْسِ المَلأِ: مَنْ أَبُو عَبْدِ اللهِ، أَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟ قَالَ: لاَ، أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ. فَقَالَ بُنْدَارُ: عِنْدَ اللهِ أَحْتَسِبُ خُطَايَ، شُبِّه عَلَيَّ هَذَا. وَغَضِبَ، وَقَامَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: كَانَ عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ قِمَطْرٌ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، وَمَا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ، فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ لاَ تُحَدِّثُ عَنْهُ؟ قَالَ: لَقِيْتُهُ يَوْماً وَبِيَدِهِ نَعْلُهُ، وثِيَابُهُ فِي فَمِهِ، فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ: أَلْحَقُ الصَّلاَةَ خَلْفَ أَبِي عَبْدِ اللهِ. فَظَنَنتُ أَنَّهُ يَعْنِي أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: مَنْ أَبُو عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: ابْنُ أَبِي دُوَادَ. فَقلتُ: وَاللهِ لاَ حَدَّثتُ عَنْكَ بِحَرْفٍ. (11/57) وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ، وَآخَرُ: قِيْلَ لإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ: أَكَانَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ يُتَّهَمُ؟ قَالَ: لاَ، إِنَّمَا كَانَ إِذَا حَدَّثَ بِحَدِيْثٍ، فَزَادَ فِي خَبَرِهِ كَلِمَةً، لِيُرضِيَ بِهَا ابْنَ أَبِي دُوَادَ. فَقِيْلَ لَهُ: أَكَانَ يَتَكَلَّمُ فِي أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟ قَالَ: لاَ، إِنَّمَا كَانَ إِذَا رَأَى فِي كِتَابٍ حَدِيْثاً عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: اضْرِبْ عَلَى ذَا؛ لِيُرضِيَ بِهِ ابْنَ أَبِي دُوَادَ. وَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنْ أَحْمَدَ، وَكَانَ فِي كِتَابِهِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ. وَكَانَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ إِذَا رَأَى فِي كِتَابٍ حَدِيْثاً عَنِ الأَصْمَعِيِّ، قَالَ: اضْرِبْ عَلَى ذَا؛ لِيُرْضِيَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِ. (21/63) فَقُلْتُ: مَا هُوَ عِنْدَ النَّاسِ إِلاَّ مُرتَدٌّ. فَقَالَ: مَا هُوَ بِمُرْتَدٍّ، هُوَ علَى إِسْلاَمهِ، رَجُلٌ خَافَ، فَقَالَ. قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ): قَالَ لِي عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَفِّرَ الجَهْمِيَّةَ، وَكُنْتُ أَنَا أَوَّلاً لاَ أُكَفِّرُهُمْ؟ فَلَمَّا أَجَابَ عَلِيٌّ إِلَى المِحْنَةِ، كَتَبْتُ إِلَيْهِ أُذَكِّرُهُ مَا قَالَ لِي، وَأُذَكِّرُهُ اللهَ. فَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ عَنْهُ: أَنَّه بَكَى حِيْنَ قَرَأَ كِتَابِي. ثُمَّ رَأَيْتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ لِي: مَا فِي قَلْبِيَ مِمَّا قُلْتُ، وَأَجَبتُ إِلَى شَيْءٍ، وَلَكِنِّي خِفتُ أَنْ أُقْتَلَ، وَتَعْلَمُ ضَعْفِيَ أَنِّي لَوْ ضُرِبتُ سَوْطاً وَاحِداً لَمِتُّ، أَوْ نَحْوَ هَذَا. قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: وَدَفَعَ عَنِّي عَلِيٌّ امْتِحَانَ ابْنِ أَبِي دُوَادَ إِيَّايَ، شَفَعَ فِيَّ، وَدَفَعَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ المَوْصِلِ مِنْ أَجْلِي، فَمَا أَجَابَ دِيَانَةً إِلاَّ خَوْفاً. (11/58) وَعَنْ عَلِيِّ بنِ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيِّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ الوَلِيْدِ يَقُوْلُ: وَدَّعتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: بَلِّغْ أَصْحَابَنَا عَنِّي أَنَّ القَوْمَ كُفَّارٌ ضُلاَّلٌ، وَلَمْ أَجِدْ بُدّاً مِنْ مُتَابَعَتِهِمْ؛ لأَنِّي جَلَسْتُ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَفِي رِجْلِيَ قَيدٌ ثَمَانِيَةُ أُمَنَاءٍ، حَتَّى خِفْتُ عَلَى بَصَرِي. فَإِنْ قَالُوا: يَأْخُذُ مِنْهُمْ، فَقَدْ سُبِقْتُ إِلَى ذَلِكَ، قَدْ أَخَذَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي. إِسْنَادُهَا مُنْقَطِعٌ. رَوَاهَا الحَاكِمُ، فَقَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ سَلَمَةَ. (21/64) قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ مُسَدَّدَ بنَ أَبِي يُوْسُفَ القُلُوْسِيَّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: قُلْتُ لاِبْنِ المَدِيْنِيِّ: مِثْلُكَ يُجِيْبُ إِلَى مَا أَجَبْتَ إِلَيْهِ؟! فَقَالَ: يَا أَبَا يُوْسُفَ، مَا أَهْوَنَ عَلَيْكَ السَّيْفَ. قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَذْكُرُ فَضْلَ ابْنِ المَدِيْنِيِّ وَتَقَدُّمَهُ. فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ. فَقَالَ: وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُ قُوَّةً، لَخَرَجْتُ إِلَى البَصْرَةِ، فَبُلْتُ عَلَى قَبْرِ عَمْرٍو. أَجَازَ لَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ النَّضْرِ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، سَمِعْتُ عَلِيّاً عَلَى المِنْبَرِ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لاَ يُرَى، فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوْسَى عَلَى الحَقِيْقَةِ، فَهُوَ كَافِرٌ. ابْنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ بِشَهْرَيْنِ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: هُوَ كُفْرٌ -يَعْنِي: مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ-. (11/59) (21/65) قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ أَبُو زُرْعَةَ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَجْلِ مَا بَدَا مِنْهُ فِي المِحْنَةِ، وَكَانَ وَالِدِي يَرْوِي عَنْهُ؛ لِنُزُوْعِهِ عَمَّا كَانَ مِنْهُ. قَالَ أَبِي: كَانَ عَلِيٌّ عَلَماً فِي النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ وَالعِلَلِ. قُلْتُ: وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، أَنَّ أَبَاهُ أَمسَكَ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ، بَلْ فِي (مُسْنَدِهِ) عَنْهُ أَحَادِيْثُ، وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) عَنْهُ جُمْلَةٌ وَافِرَةٌ. قَالَ الإِمَامُ أَبُو زَكَرِيَّا صَاحِبُ (الرَّوْضَةِ): وَلابْنِ المَدِيْنِيِّ فِي الحَدِيْثِ نَحْوٌ مِنْ مائَتَي مُصَنَّفٍ. قَالَ حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ: أَقْدَمَ المُتَوَكِّلُ عَلِيّاً إِلَى هَا هُنَا، وَرَجَعَ إِلَى البَصْرَةِ، فَمَاتَ. قُلْتُ: إِنَّمَا مَاتَ بِسَامَرَّاءَ. قَالَهُ: البَغَوِيُّ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ: مَاتَ بِسَامَرَّاءَ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ لِيَومَيْنِ بَقِيَا مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَوَهِمَ الفَسَوِيُّ، فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ - رَحِمَهُ اللهُ، وَغَفَرَ لَهُ -. (21/66) وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ: مَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَالشَّاذَكُوْنِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ طَالُوْتَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ بَحْرٍ القَطَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَعُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ الكُوْفِيُّ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، وَالمُعَافَى بنُ سُلَيْمَانَ الجَزَرِيُّ، وَشُجَاعُ بنُ مَخْلَدٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ. (11/60) قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ قَاضِي القُضَاةِ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحٍ الهَاشِمِيَّ يَقُوْلُ: هَذِهِ أَسَامِي مُصَنَّفَاتِ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: (الأَسْمَاءُ وَالكُنَى) ثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ، (الضُّعَفَاءُ) عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (المُدَلِّسُوْنَ) خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ، (أَوَّلُ مَنْ فَحَصَ عَنِ الرِّجَالِ) جُزْءٌ، (الطَّبَقَاتُ) عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (مَنْ رَوَى عَمَّنْ لَمْ يَرَهُ) جُزْءٌ، (عِللُ المُسْنَدِ) ثَلاَثُوْنَ جُزْءاً، (العِلَلُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي) أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (عِلَلُ حَدِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ) ثَلاَثَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (مَنْ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ وَلاَ يَسْقُطُ) جُزَآنِ، (مَنْ نَزَلَ مِنَ الصَّحَابَةِ النَّوَاحِيَ) خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ، (التَّارِيْخُ) عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (العَرْضُ عَلَى المُحَدِّثِ) جُزْآنِ، (مَنْ حَدَّثَ وَرَجَعَ عَنْهُ) جُزْآنِ، (سُؤَالُ يَحْيَى وَابْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ الرِّجَالِ) خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ. (21/67) (سُؤَالاَتُ يَحْيَى القَطَّانِ) أَيْضاً جُزْآنِ، (الأَسَانِيْدُ الشَّاذَّةُ) جُزْآنِ، (الثِّقَاتُ) عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، (اخْتِلاَفُ الحَدِيْثِ) خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ، (الأَشْرِبَةُ) ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ، (الغَرِيْبُ) خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ، (الإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتُ) ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ، (مَنْ عُرِفَ بِغَيْرِ اسْمِ أَبِيْهِ) جُزْآنِ، (مَنْ عُرِفَ بِلَقَبِهِ)، (العِلَلُ المُتَفَرِّقَةُ) ثَلاَثُوْنَ جُزْءاً، (مَذَاهِبُ المُحَدِّثِيْنَ) جُزْآنِ. ثُمَّ قَالَ عَقِيْبَ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: فَجَمِيْعُ هَذِهِ الكُتُبِ انْقَرَضَتْ، رَأَيْنَا مِنْهَا أَرْبَعَةَ كُتُبٍ، أَوْ خَمْسَةً. (11/61) |