إِسْحَاقُ النَّدِيْمُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْمُوْنٍ المَوْصِلِيُّ
 
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْمُوْنٍ التَّمِيْمِيُّ، المَوْصِلِيُّ، الأَخْبَارِيُّ، صَاحِبُ المُوْسِيقَى، وَالشِّعْرِ الرَّائِقِ، وَالتَّصَانِيْفِ الأَدَبِيَّةِ، مَعَ الفِقْهِ، وَاللُّغَةِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ، وَالبَصَرِ بِالحَدِيْثِ، وَعُلُوِّ المَرْتَبَةِ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَهُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَالأَصْمَعِيِّ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ حَمَّادٌ الرَّاوِيَةُ، وَشَيْخُهُ؛ الأَصْمَعِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَأَبُو العَيْنَاءِ، وَيَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُهَلَّبِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَلَمْ يُكْثِرْ عَنْهُ الحُفَّاظُ؛ لاشْتِغَالِهِ عَنْهُمْ بِالدَّوْلَةِ.
وَقِيْلَ: وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ ثِقَةً، عَالِماً.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ حُلْوَ النَّادِرَةِ، حَسَنَ المَعْرِفَةِ، جَيِّدَ الشِّعْرِ، مَذْكُوْراً بِالسَّخَاءِ.
صَنَّفَ كِتَابَ (الأَغَانِي)؛ الَّذِي يَرْوِيْهِ عَنْهُ ابْنُهُ.
(21/138)

وَعَنْ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيِّ، قَالَ: بَقِيْتُ دَهْراً منْ عُمُرِي أُغَلِّسُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى هُشَيْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، ثُمَّ أَصِيرُ إِلَى الكِسَائِيِّ، أَوِ الفَرَّاءِ، أَوِ ابْنِ غَزَالَةَ، فَأَقْرَأُ عَلَيْهِ جُزْءاً مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ إِلَى أَبِي مَنْصُوْرٍ زَلْزَلٍ، فَيُضَارِبُنِي طَرْقَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، ثُمَّ آتَي عَاتِكَةَ بِنْتَ شَهْدَةَ، فَآخُذُ مِنْهَا صَوتاً أَوْ صَوْتَيْنِ، ثُمَّ آتَي الأَصْمَعِيَّ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ، فَأَسْتَفِيْدُ مِنْهُمَا، وَآتَي مَجْلِسَ الرَّشِيْدِ بِالعَشِيِّ. (11/120)
كَانَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ يَصِفُ إِسْحَاقَ بِالعِلْمِ وَالصِّدْقِ وَالحِفْظِ، وَيَقُوْلُ: هَلْ سَمِعْتُمْ بِأَحْسَنَ مِنِ ابْتِدَائِهِ:
هَلْ إِلَى أَنْ تَنَامَ عَيْنِي سَبِيْلُ * إِنَّ عَهْدِيَ بِالنَّوْمِ عَهْدٌ طَوِيْلُ
قَالَ إِسْحَاقُ: لَمَّا خَرَجْنَا مَعَ الرَّشِيْدِ إِلَى الرَّقَّةِ، قَالَ لِيَ الأَصْمَعِيُّ: كمْ حَمَلْتَ مَعَكَ منْ كُتُبِكَ؟
قُلْتُ: سِتَّةَ عَشَرَ صُندُوقاً.
وَعَنْ إِسْحَاقَ: أَنَّهُ كَانَ يَكرَهُ أَنْ يُنسَبَ إِلَى الغِنَاءِ، وَيَقُوْلُ: لأَنْ أُضرَبَ عَلَى رَأْسِي بِالمَقَارِعِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنِّي: مُغَنِّي.
وَقَالَ المَأْمُوْنُ: لَوْلاَ شُهْرَةُ إِسْحَاقَ بِالغِنَاءِ، لَوَلَّيْتُهُ القَضَاءَ.
الصُّوْلِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو العَيْنَاءِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ المَوْصِلِيُّ، قَالَ:
كُنْتُ قَدْ جِئْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرَ بِمائَةِ حَدِيْثٍ، فَوَجَدْتُ ضَرِيْراً يَحْجُبُهُ لِيَنفَعَهُ، فَوَهبتُهُ مائَةَ دِرْهَمٍ، فَاسْتَأْذَنَ لِي، فَقَرَأْتُ المائَةَ حَدِيْثٍ، فَقَالَ لِي أَبُو مُعَاوِيَةَ: هَذَا مُعِيدٌ ضَعِيْفٌ، وَمَا وَعَدتَهُ فَيَأْخُذَهُ منْ أَذنَابِ النَّاسِ، وَأَنْتَ أَنْتَ.
قُلْتُ: قَدْ جَعَلتُهَا مائَةَ دِيْنَارٍ.
قَالَ: أَحسَنَ اللهُ جَزَاءكَ. (11/121)
وَقَدْ أَنشَدَ إِسْحَاقُ الرَّشِيْدَ أَبيَاتاً يَقُوْلُ فِيْهَا:
عَطَائِي عَطَاءُ المُكْثِرِينَ تَكَرُّماً * وَمَالِي - كَمَا قَدْ تَعْلَمِيْنَ - قَلِيْلُ
وَكَيْفَ أَخَافُ الفَقْرَ أَوْ أُحْرَمُ الغِنَى * وَرَأْيُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ جَلِيْلُ
فَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلفِ دِرْهَمٍ.
مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
(21/139)