أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع) ب |
إِلَى الكُوْفَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ، وَأَوَّلُ رَحَلاَتِي إِلَى البَصْرَةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَخَرَجتُ إِلَى سُفْيَانَ سنَةَ سَبْعٍ، فَقَدِمنَا، وَقَدْ مَاتَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ.
وَحَجَجتُ خَمْسَ حِجَجٍ، مِنْهَا ثَلاَثٌ رَاجِلاً، أَنْفَقْتُ فِي إِحْدَاهَا ثَلاَثِيْنَ دِرْهَماً. (21/219) وَقَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَفِيْهَا أَوَّلُ سَمَاعِي مِنْ هُشَيْمٍ، فَذَهَبْتُ إِلَى مَجْلِسِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالُوا: قَدْ خَرَجَ إِلَى طَرَسُوْسَ، وَكَتَبْتُ عَنْ هُشَيْمٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ آلاَفٍ. وَلَوْ كَانَ عِنْدِي خَمْسُوْنَ دِرْهَماً، لَخَرَجتُ إِلَى جَرِيْرٍ إِلَى الرَّيِّ - قُلْتُ: قَدْ سَمِعَ مِنْهُ أَحَادِيْثَ -. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ فِي أَلْوَاحٍ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَه غَيْرَ مَرَّةٍ، فَكَانَ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً. (11/184) وَقَدْ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ مِنْ شُيُوْخِهِ: ابْنُ مَهْدِيٍّ. فَقَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ خُضَيْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عِنْدِي، فَقَالَ: نَظَرنَا فِيْمَا كَانَ يُخَالِفُكم فِيْهِ وَكِيْعٌ، أَوْ فِيْمَا يُخَالِفُ وَكِيْعٌ النَّاسَ، فَإِذَا هِيَ نَيِّفٌ وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً. رَوَى: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ: مَاتَ هُشَيْمٌ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَأَنَا أَحْفَظُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ. (21/220) وَمِنْ صِفَتِهِ: قَالَ ابْنُ ذَرِيْحٍ العُكْبَرِيُّ: طَلَبتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَيْخاً مَخضُوباً، طُوَالاً، أَسْمَرَ، شَدِيدَ السُّمرَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: سَمِعْتُ مِنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، فَأَتَيْتُه المَجْلِسَ الآخَرَ، وَقَدْ مَاتَ. وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا مَالِكٌ، وَأَقَمتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَأَقَمْتُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ. وَرَأَيْتُ ابْنَ وَهْبٍ بِمَكَّةَ، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ: وَلِيَ حَنْبَلٌ - جَدُّ الإِمَامِ - سَرْخَسَ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الدَّعوَةِ، فَحُدِّثْتُ أَنَّه ضَرَبَه المُسَيَّبُ بنُ زُهَيْرٍ بِبُخَارَى لِكَوْنِهِ شَغَّبَ الجُنْدَ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبَّاسٍ النَّحْوِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ حَسَنَ الوَجْهِ، رَبْعَةً، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ خِضَاباً لَيْسَ بِالقَانِي، فِي لِحْيَتِه شَعَرَاتٌ سُودٌ، وَرَأَيْتُ ثِيَابَهُ غِلاَظاً بِيضاً، وَرَأَيْتُهُ مُعْتَمّاً، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ. وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا كَانَ فِي البَيْتِ عَامَّةُ جُلُوسِه مُتَرَبِّعاً خَاشِعاً. فَإذَا كَانَ بَرَّا، لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْهُ شِدَّةُ خُشُوعٍ، وَكُنْتُ أَدْخُلُ وَالجُزْءُ فِي يَدِهِ يَقْرَأُ. (11/185) (21/221) رِحْلَتُهُ وَحِفْظُهُ: قَالَ صَالِحٌ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: خَرَجتُ إِلَى الكُوْفَةِ، فَكُنْتُ فِي بَيْتٍ تَحْتَ رَأْسِي لَبِنَةٌ، فَحَجَجتُ، فَرَجَعتُ إِلَى أُمِّي، وَلَمْ أَكُنِ اسْتَأْذَنتُهَا. وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: تَزَوَّجتُ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَرَزَقَ اللهُ خَيْراً كَثِيْراً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ فِي كِتَابِ (أَخْلاَقِ أَحْمَدَ)- وَهُوَ مُجَلَّدٌ -: أَمْلَى عَلَيَّ زُهَيْرُ بنُ صَالِحِ بنِ أَحْمَدَ، قَالَ: تَزَوَّجَ جَدِّي عَبَّاسَةَ بِنْتَ الفَضْلِ؛ مِنَ العَرَبِ، فَلَمْ يُولَدْ لَهُ مِنْهَا غَيْرُ أَبِي، وَتُوُفِّيَتْ، فَتَزَوَّجَ بَعْدهَا رَيْحَانَةَ، فَوَلَدَتْ عَبْدَ اللهِ؛ عَمِّي، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، فَاشْتَرَى حُسْنَ، فَوَلَدَتْ أُمَّ عَلِيٍّ زَيْنَبَ، وَوَلَدَتْ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ تَوْأَماً، وَمَاتَا بِقُرْبِ وِلاَدَتِهِمَا، ثُمَّ وَلَدَتِ الحَسَنَ وَمُحَمَّداً، فَعَاشَا حَتَّى صَارَا مِنَ السِّنِّ إِلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ وَلَدَتْ سَعِيْداً. قِيْلَ: كَانَتْ وَالِدَةُ عَبْدِ اللهِ عَورَاءَ، وَأَقَامَتْ مَعَهُ سِنِيْنَ. قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: اخْتَلَفْتُ إِلَى الكُتَّابِ، ثُمَّ اختَلَفتُ إِلَى الدِّيْوَانِ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. (11/186) وَذَكَرَ الخَلاَّلُ حِكَايَاتٍ فِي عَقْلِ أَحْمَدَ وَحَيَاتِه فِي المَكْتَبِ، وَوَرَعِهِ فِي الصِّغَرِ. حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: (21/222) مَاتَ هُشَيْمٌ وَلِي عِشْرُوْنَ سَنَةً، فَخَرَجتُ أَنَا وَالأَعْرَابِيُّ - رَفِيْقٌ كَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ - قَالَ: فَخَرَجْنَا مُشَاةًَ، فَوَصَلْنَا الكُوْفَةَ -يَعْنِي: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ- فَأَتَينَا أَبَا مُعَاوِيَةَ، وَعِنْدَهُ الخَلْقُ، فَأَعطَى الأَعْرَابِيَّ حَجَّةً بِسِتِّيْنَ دِرْهَماً، فَخَرَجَ وَتَرَكَنِي فِي بَيْتٍ وَحدِي، فَاسْتَوحَشتُ، وَلَيْسَ مَعِي إِلاَّ جِرَابٌ فِيْهِ كُتُبِي، كُنْتُ أَضَعُهُ فَوْقَ لَبِنَةٍ، وَأَضَعُ رَأْسِي عَلَيْهِ. وَكُنْت أُذَاكِرُ وَكِيْعاً بِحَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ، وَذَكَرَ مَرَّةً شَيْئاً، فَقَالَ: هَذَا عِنْدَ هُشَيْمٍ؟ فَقُلْتُ: لاَ. وَكَانَ رُبَّمَا ذَكَرَ العَشْرَ أَحَادِيْثَ، فَأَحْفَظُهَا، فَإِذَا قَامَ، قَالُوا لِي، فَأُملِيهَا عَلَيْهِم. وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ لِي أَبِي: خُذْ أَيَّ كِتَابٍ شِئْتَ مِنْ كُتُبِ وَكِيْعٍ مِنَ المُصَنَّفِ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْأَلَنِي عَنِ الكَلاَمِ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِالإِسْنَادِ، وَإِنْ شِئْتَ بِالإِسْنَادِ حَتَّى أُخْبِرَكَ أَنَا بِالكَلاَمِ. وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ وَكِيْعٍ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ عَنِ أَبِيْكَ مَسْأَلَةً مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً. سُئِلَ عَنِ الطَّلاَقِ قَبْلَ النِّكَاحِ، فَقَالَ: يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاس، وَنَيِّفٍِ وَعِشْرِيْنَ مِنَ التَّابِعِيْنَ، لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْساً. فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: صَدَقَ، كَذَا قُلْتُ. قَالَ: وَحَفِظتُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ يَقُوْلُ: لاَ يُقَالُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ؟ (11/187) (21/223) وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيَّ، يَذْكُرُ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ وَكِيْعٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ -أَوْ قَالَ: جَمَاعَةٌ- مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيْفَةَ، فَقَالُوا لَهُ: هَا هُنَا رَجُلٌ بَغْدَادِيٌّ يَتَكَلَّمُ فِي بَعْضِ الكُوْفِيِّيْنَ، فَلَمْ يَعْرِفْه وَكِيْعٌ. فَبَيْنَا نَحْنُ إذْ طَلَعَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالُوا: هَذَا هُوَ. فَقَالَ وَكِيْعٌ: هَا هُنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. فَأَفرَجُوا لَهُ، فَجَعَلُوا يَذْكُرُوْنَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الَّذِي يُنْكِرُوْنَ. وَجَعَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَحْتَجُّ بِالأَحَادِيْثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالُوا لِوَكِيْعٍ: هَذَا بِحَضْرَتِكَ تَرَى مَا يَقُوْلُ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ، أَيْشٍ أَقُوْلُ لَهُ؟ ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ القَوْلُ إِلاَّ كَمَا قُلْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ القَوْمُ لِوَكِيْعٍ: خَدَعَكَ -وَاللهِ- البَغْدَادِيُّ. قَالَ عَارِمٌ: وَضَعَ أَحْمَدُ عِنْدِي نَفَقَتَهُ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ مِنَ العَرَبِ. فَقَالَ: يَا أَبَا النُّعْمَانِ، نَحْنُ قَوْمٌ مَسَاكِيْنُ. فَلَمْ يَزَلْ يُدَافِعُنِي حَتَّى خَرَجَ، وَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً. قَالَ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَا تَزَوَّجتُ إِلاَّ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ. وَعَنْ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: نَحْنُ كَتَبْنَا الحَدِيْثَ مِنْ سِتَّةِ وُجُوْهٍ وَسَبْعَةٍ لَمْ نَضبِطْهُ، فَكَيْفَ يَضبِطُه مَنْ كتبه مِن وَجْهٍ وَاحِدٍ؟! قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ لِي أَبُو زُرْعَةَ: أَبُوكَ يَحْفَظُ أَلفَ أَلفِ حَدِيْثٍ. فَقِيْلَ لَهُ: وَمَا يُدرِيكَ؟ (21/224) قَالَ: ذَاكَرْتُهُ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ الأَبْوَابَ. فَهَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيْحَةٌ فِي سَعَةِ عِلمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَكَانُوا يَعُدُّوْنَ فِي ذَلِكَ المُكَرَّرَ، وَالأَثَرَ، وَفَتْوَى التَّابِعِيِّ، وَمَا فُسِّرَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَإِلاَّ فَالمُتُوْنَ المَرفُوعَةُ القَوِيَّةُ لاَ تَبلُغُ عُشْرَ مِعشَارِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو: يَا أَبَا زُرْعَةَ، أَأَنتَ أَحْفَظُ، أَمْ أَحْمَدُ؟ قَالَ: بَلْ أَحْمَدُ. قُلْتُ: كَيْفَ عَلِمتَ؟ قَالَ: وَجَدتُ كُتُبَه، لَيْسَ فِي أَوَائِلِ الأَجزَاءِ أَسْمَاءُ الَّذِيْنَ حَدَّثُوهُ، فَكَانَ يَحْفَظُ كُلَّ جُزءٍ مِمَّنْ سَمِعَهُ، وَأَنَا لاَ أَقدِرُ عَلَى هَذَا. (11/188) وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: حُزِرَتْ كُتُبُ أَحْمَدَ يَوْمَ مَاتَ، فَبَلَغَتْ اثْنَي عَشَرَ حِملاً وَعِدلاً، مَا كَانَ عَلَى ظَهرِ كِتَابٍ مِنْهَا: حَدِيْثُ فُلاَنٍ، وَلاَ فِي بَطنِهِ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ يَحْفَظُهُ. وَقَالَ حَسَنُ بنُ مُنَبِّهٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ: أَخرَجَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَجْزَاءً كُلُّهَا سُفْيَانُ سُفْيَانُ، لَيْسَ عَلَى حَدِيْثٍ مِنْهَا: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، فَظَنَنْتُهَا عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَانتَخَبتُ مِنْهَا. فَلَمَّا قَرَأَ ذَلِكَ عَلَيَّ، جَعَلَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، وَيَحْيَى، وَحَدَّثَنَا فُلاَنٌ، فَعَجِبتُ، وَلَمْ أَقْدِرْ أَنَا عَلَى هَذَا. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَأَنَّ اللهَ جَمَعَ لَهُ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ. وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِفِقْهِ الحَدِيْثِ وَمَعَانِيْهِ مِنْ أَحْمَدَ. أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: (21/225) كُنْتُ أُجَالِسُ أَحْمَدَ وَابْنَ مَعِيْنٍ، وَنَتَذَاكَرُ، فَأَقُوْلُ: مَا فِقْهُهُ؟ مَا تَفْسِيْرُهُ؟ فَيَسكُتُوْنَ إِلاَّ أَحْمَدَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ: كَانَ أَحْمَدُ قَدْ كَتَبَ كُتُبَ الرَّأْيِ وَحَفِظَهَا، ثُمَّ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا. قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَمَّاسٍ: سَأَلنَا وَكِيْعاً عَنْ خَارِجَةَ بنِ مُصْعَبٍ، فَقَالَ: نَهَانِي أَحْمَدُ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ. (11/189) قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَمَّاسٍ، سَمِعْتُ وَكِيْعاً وَحَفْصَ بنَ غِيَاثٍ يَقُوْلاَنِ: مَا قَدِمَ الكُوْفَةَ مِثْلُ ذَاكَ الفَتَى - يَعنِيَانِ: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ -. وَقِيْلَ: إِنَّ أَحْمَدَ أَتَى حُسَيْناً الجُعْفِيَّ بِكِتَابٍ كَبِيْرٍ يَشفَعُ فِي أَحْمَدَ، فَقَالَ حُسَيْنٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لاَ تَجعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مُنعِماً، فَلَيْسَ تَحَمَّلُ عَلَيَّ بِأَحَدٍ، إِلاَّ وَأَنْتَ أَكْبَرُ مِنْهُ. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا خُضْرٌ المَرُّوْذِيُّ بِطَرَسُوْسَ، سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ يَقُوْلُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إِمَامُنَا. الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ، حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُم كَانُوا يَجْتَمِعُوْنَ عِنْدَ يَحْيَى بنِ آدَمَ، فَيَتَشَاغَلُوْنَ عَنِ الحَدِيْثِ بِمُنَاظَرَةِ أَحْمَدَ يَحْيَى بنَ آدَمَ، وَيَرتَفِعُ الصَّوتُ بَينَهُمَا، |