البُوَيْطِيُّ يُوْسُفُ أَبُو يَعْقُوْبَ بنُ يَحْيَى المِصْرِيُّ |
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، سَيِّدُ الفُقَهَاءِ، يُوْسُفُ أَبُو يَعْقُوْبَ بنُ يَحْيَى المِصْرِيُّ، البُوَيْطِيُّ، صَاحِبُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، لاَزَمَهُ مُدَّةً، وَتَخَرَّجَ بِهِ، وَفَاقَ الأَقْرَانَ.
وَحَدَّثَ عَنِ: ابْنِ وَهْبٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغيْرِهِمَا. رَوَى عَنْهُ: الرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ - وَقَالَ: هُوَ صَدُوْقٌ - وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ فِيْلٍ، وَالقَاسِمُ بنُ هَاشِمٍ السِّمْسَارُ، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ إِمَاماً فِي العِلْمِ، قُدْوَةً فِي العَمَلِ، زَاهِداً رَبَّانِيّاً، مُتَهَجِّداً، دَائِمَ الذِّكْرِ وَالعُكُوْفِ عَلَى الفِقْهِ. بَلَغَنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: لَيْسَ فِي أَصْحَابِي أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنَ البُوَيْطِيِّ. وَقَالَ الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ البُوَيْطِيُّ أَبَداً يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بِذِكْرِ اللهِ، وَمَا أَبْصَرْتُ أَحَداً أَنْزَعَ بِحُجَّةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مِنَ البُوَيْطِيِّ! (23/53) وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ عَلَى بَغْلٍ، فِي عُنُقِهِ غُلٌّ، وَفِي رِجْلَيْهِ قَيْدٌ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الغُلِّ سِلْسِلَةٌ فِيْهَا لَبِنَةٌ وَزْنُهَا أَرْبَعُوْنَ رِطْلاً، وَهُوَ يَقُوْلُ: إِنَّمَا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ بـ (كُنْ)، فَإِذَا كَانَتْ مَخْلُوْقَةً، فَكَأَنَّ مَخْلُوْقاً خُلِقَ بِمَخْلُوْقٍ، وَلَئِنْ أُدْخِلْتُ عَلَيْهِ لأَصْدُقَنَّهُ -يَعْنِي الوَاثِقَ- وَلأَمُوْتَنَّ فِي حَدِيْدِيَ هَذَا حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ يَعْلَمُوْنَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فِي هَذَا الشَّأْنِ قَوْمٌ فِي حَدِيْدِهِم. (12/60) قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ:كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ أَعْلَمَ مَنْ رَأَيْتُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البُوَيْطِيِّ عِنْدَ مَوْتِ الشَّافِعِيِّ، فَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: تَنَازَعَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ وَالبُوَيْطِيُّ مَجْلِسَ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ البُوَيْطِيُّ: أَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ، وَقَالَ الآخَرُ كَذَلِكَ. فَجَاءَ الحُمَيْدِيُّ، وَكَانَ بِمِصْرَ، فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِمَجْلِسِي مِنْ يُوْسُفَ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَعْلَمَ مِنْهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ: كَذَبْتَ. قَالَ: بَلْ كَذَبْتَ أَنْتَ وَأَبُوْكَ وَأَمُّكَ. وَغَضِبَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ، فَجَلَسَ البُوَيْطِيُّ فِي مَكَانِ الشَّافِعِيِّ، وَجَلَسَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ فِي الطَّاقِ الثَّالِثِ. القَاضِي زَكَرِيَّا بنُ أَحْمَدَ البَلْخِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: (23/54) كَانَ البُوَيْطِيُّ حِيْنَ مَرِضَ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ هُوَ وَابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ وَالمُزَنِيُّ، فَتَنَازَعُوا الحَلَقَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّ، فَقَالَ: الحَلَقَةُ لِلْبُوَيْطيِّ. فَلِهَذَا اعْتَزَلَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ، وَكَانَتْ أَعْظَمَ حَلَقَةٍ فِي المَسْجِدِ. فَكَانَ البُوَيْطِيُّ يَصُوْمُ، وَيَتْلُو غَالِباً فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَتْمَةً مَعَ صَنَائِعِ المَعْرُوْفِ إِلَى النَّاسِ. وَبِهِ، إِلَى الرَّبِيْعِ، قَالَ: فَسُعِيَ بِالبُوَيْطِيِّ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الأَصَمُّ مِمَّنْ سَعَى بِهِ - وَمَا هُوَ بِابْنِ كَيْسَانَ الأَصَمِّ - وَكَانَ أَصْحَابُ ابْنِ أَبِي دُوَادَ وَابْنُ الشَّافِعِيِّ مِمَّنْ سَعَى بِهِ، حَتَّى كَتَبَ فِيْهِ ابْنُ أَبِي دُوَادَ إِلَى وَالِيَ مِصْرَ، فَامْتَحَنَهُ فَلَمْ يُجِبْ، وَكَانَ الوَالِي حَسَنَ الرَّأْيِ فِيْهِ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ. قَالَ: إِنَّهُ يَقْتَدِي بِي مائَةُ أَلْفٍ، وَلاَ يَدْرُوْنَ المَعْنَى. قَالَ: وَقَدْ كَانَ أُمِرَ أَنْ يُحْمَلَ إِلَى بَغْدَادَ فِي أَرْبَعِيْنَ رِطْلَ حَديدٍ. (12/61) قَالَ الرَّبِيْعُ: وَكَانَ المُزَنِيُّ مِمَّنْ سَعَى بِهِ، وَحَرْمَلَةُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ: فَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ، عَنِ البُوَيْطِيِّ أَنَّهُ قَالَ: بَرِئَ النَّاسُ مِنْ دَمِي إِلاَّ ثَلاَثَةً: حَرْمَلَةَ وَالمُزَنِيَّ وَآخَرَ. قُلْتُ: اسْتَفِقْ، وَيْحَكَ! وَسَلْ رَبَّكَ العَافِيَةَ، فَكَلاَمُ الأَقْرَانِ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ أَمْرٌ عَجِيْبٌ، وَقَعَ فِيْهِ سَادَةٌ - فَرَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ -. قَالَ الرَّبِيْعُ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو يَعْقُوْبَ البُوَيْطِيُّ: أَنِ اصْبِرْ نَفْسَكَ لِلْغُرَبَاءِ، وَحَسِّنْ خُلُقَكَ لأَهْلِ حَلْقَتِكَ، فَإِنِّي لَمْ أَزَلْ أَسَمَعُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ كَثِيْراً وَيَتَمَثَّلُ: أُهِيْنُ لَهُم نَفْسِي لِكَي يُكْرِمُونَهَا * وَلَنْ تُكْرَمَ النَّفْسُ الَّتِي لاَ تُهِيْنُهَا مَاتَ الإِمَامُ البُوَيْطِيُّ: فِي قَيْدِهِ، مَسْجُوْناً بِالعِرَاقِ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. عِنْدِي حَدِيْثٌ فِي (مُسْندِ أَبِي مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيِّ): حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ البُوَيْطِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ...، فَذَكَرَهُ. (12/62) (23/55) |