أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ عَبْدِ اللهِ بنِ مَيْمُوْنٍ الثَّعْلَبِيُّ (د، ق)
 
وَاسْمُ أَبِيْهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ مَيْمُوْنٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو الحَسَنِ الثَّعْلَبِيُّ، الغَطَفَانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الزَّاهِدُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، أَصْلُهُ مِنَ الكُوْفَةِ.
وَقَدْ قَالَ: سَأَلَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَتَى مَوْلِدُكَ؟
قُلْتُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ: هِيَ مَوْلِدِي.
قُلْتُ: عُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ أَتَمَّ عِنَايَةٍ. (12/86)
وَسَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ، وَأَبِي الحَسَنِ الكِسَائِيِّ، وَوَكِيْعٍ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَشُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، وَطَبَقَتِهِم.
وَدَخَلَ دِمَشْقَ، فَصَحِبَ الشَّيْخَ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ مُدَّةً.
وَأَخَذَ عَنْ: مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيِّ، وَطَائِفَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى العِبَادَةِ وَالتَّأَلُّهِ.
(23/79)

حَدَّثَ عَنْهُ: سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ فِي (سُنَنِهِمَا)، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الحَلَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُعَافَى الصَّيْدَاوِيُّ، وَأَبُو الجَهْمِ بنُ طَلاَّبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَعُمَرُ بنُ بَحْرٍ الأَسَدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ خُرَيْمٍ، وَيُوْسُفُ بنُ الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ نَائِلَةَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ، وَأَبُو بَكْر بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخِرُهُم: أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ زَبَّانَ الكِنْدِيُّ؛ أَحَدُ الضُّعَفَاءِ.
قَالَ هَارُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ الأَيْلِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَذكَرَ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، فَقَالَ: أَهْلُ الشَّامِ بِهِ يُمْطَرُونَ. (12/87)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يُحْسِنُ الثَنَاءَ عَلَيْهِ، وَيُطْنِبُ فِيْهِ.
وَقَالَ فَيَّاضُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَذكَرَ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، فَقَالَ: أَظُنُّ أَهْلَ الشَّامِ يَسْقِيْهُمُ اللهُ بِهِ الغَيْثَ.
قَالَ مَحْمُوْدُ بنُ خَالِدٍ - وَذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ - فَقَالَ:
مَا أَظُنُّ بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُهُ.
وَرُوِيَ عَنِ الجُنَيْدِ، قَالَ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ رَيْحَانَةُ الشَّامِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ:
قُلْتُ لِشَيْخٍ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دُلَّنِي عَلَى مَجْلِسِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى.
(23/80)

فَمَا كَلَّمَنِي، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَطَاءٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ يَقُوْلُ:
كُنَّا نَسْمَعُ بُكَاءَ أَبِي بِاللَّيْلِ حَتَّى نَقُوْلَ: قَدْ مَاتَ، ثُمَّ نَسْمَعُ ضَحِكَةً حَتَّى نَقُوْلَ: قَدْ جُنَّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الحِمْصِيُّ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ عِنْدَنَا بِأَنْطَرْسُوْسَ، فَلَمَّا صَلَّى العَتَمَةَ، قَامَ يُصَلِّي، فَاسْتَفْتَحَ بِـ {الحَمْدُ للهِ} إِلَى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ}، فَطُفْتُ الحَائِطَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ، فَإِذَا هُوَ لاَ يُجَاوِزُهَا، ثُمَّ نُمْتُ، وَمَرَرْتُ فِي السَّحَرِ وَهُوَ يَقْرَأُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.
فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهَا إِلَى الصُّبْحِ. (12/88)
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ يَقُوْلُ:
مَنْ عَمِلَ بِلا اتِّبَاعِ سُنَّةٍ، فَعَمَلُهُ بَاطِلٌ.
وَقَالَ: مَنْ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا نَظَرَ إِرَادَةٍ وَحُبٍّ، أَخْرَجَ اللهُ نُوْرَ اليَقِيْنِ وَالزُّهْدِ مِنْ قَلْبِهِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي (تَارِيْخِ الصُّوْفِيَّةِ): سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرِ بنِ مَطَرٍ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ يُوْسُفَ الهِسِنْجَانِيَّ يَقُوْلُ:
رَمَى أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ بِكُتُبِهِ فِي البَحْرِ، وَقَالَ: نِعْمَ الدَّلِيْلُ كُنْتِ وَالاشْتِغَالُ بِالدَّلِيْلِ بَعْدَ الوُصُوْلِ مَحَالٌ.
السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الطَّبَرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ الحُسَيْنِ يَقُوْلُ:
(23/81)

طَلَبَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ العِلْمَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ حَمَلَ كُتُبَهُ كُلَّهَا إِلَى البَحْرِ، فَغَرَّقَهَا، وَقَالَ: يَا عِلْمُ، لَمْ أَفْعَلْ بِكَ هَذَا اسْتِخْفَافاً، وَلَكِنْ لَمَّا اهْتَدَيْتُ بِكَ، اسْتَغْنَيْتُ عَنْكَ. (12/89)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاغَدِيِّ، وَأَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا الكَاغدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ:
قُلْتُ لِرَاهِبٍ فِي دَيْرِ حَرْمَلَةَ، وَأَشْرَفَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ: مَا اسْمُكَ؟
قَالَ: جُرَيْجٌ.
قُلْتُ: مَا يَحْبِسُكَ؟
قَالَ: حَبَسْتُ نَفْسِي عَنِ الشَّهَوَاتِ.
قُلْتُ: أَمَا كَانَ يَسْتَقيمُ لَكَ أَنْ تَذْهَبَ مَعَنَا هَا هُنَا، وَتَجِيءَ وَتَمْنَعَهَا الشَّهَوَاتِ؟
قَالَ: هَيْهَاتَ!! هَذَا الَّذِي تَصِفُهُ قُوَّةٌ، وَأَنَا فِي ضَعْفٍ.
قُلْتُ: وَلِمَ تَفْعَلُ هَذَا؟
قَالَ: نَجِدُ فِي كُتُبِنَا أَنَّ بَدَنَ ابْنِ آدَمَ خُلِقَ مِنَ الأَرْضِ، وَرُوْحُهُ خُلِقَ مِنْ مَلَكُوْتِ السَّمَاءِ، فَإِذَا أَجَاعَ بَدَنَهُ وَأَعْرَاهُ وَأَسْهَرَهُ وَأَقْمَأَهُ نَازَعَ الرُّوْحَ إِلَى المَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، وَإِذَا أَطْعَمَهُ وَأَرَاحَهُ أَخْلَدَ البَدَنُ إِلَى المَوَاضِعِ الَّذِي مِنْهُ خُلِقَ، فَأَحَبَّ الدُّنْيَا.
قُلْتُ: فَإِذَا فَعَلَ هَذَا يُعَجَّلُ لَهُ فِي الدُّنْيَا الثَّوَابُ؟
قَالَ: نَعَمْ، نُوْرٌ يُوَازِيْهِ.
قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ، فَقَالَ: قَاتَلَهُ اللهُ، إِنَهُمْ يَصِفُوْنَ.
(23/82)

قُلْتُ: الطَّرِيْقَةُ المُثْلَى هِيَ المُحَمَّدِيَّةُ، وَهُوَ الأَخْذُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَتَنَاوُلُ الشَّهَوَاتِ المُبَاحَةِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ، كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المُؤْمِنُوْنَ: 51].
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُوْمُ وَأَنَامُ، وَآتِي النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي)، فَلَمْ يَشْرَعْ لَنَا الرَّهْبَانِيَّةَ، وَلاَ التَّمَزُّقَ وَلا الوِصَالَ، بَلْ وَلا صَوْمَ الدَّهْرِ، وَدِيْنُ الإِسْلاَمِ يُسْرٌ وَحَنِيْفِيَّةٌ سَمْحَةٌ، فَلْيَأْكُلِ المُسْلِمُ مِنَ الطَّيِّبِ إِذَا أَمْكَنَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطَّلاَقُ: 7]، وَقَدْ كَانَ النِّسَاءُ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَى نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَلِكَ اللَّحْمُ وَالحَلْوَاءُ وَالعَسَلُ وَالشَّرَابُ الحُلْوُ البَارِدُ وَالمِسْكُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الخَلْقِ وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-. (12/90)
(23/83)

ثُمَّ العَابِدُ العَرِيُّ مِنَ العِلْمِ، مَتَى زَهَدَ وَتبتَّلَ وَجَاعَ، وَخَلاَ بِنَفْسِهِ، وَتَرَكَ اللَّحْمَ وَالثِّمَارَ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الدُّقَّةِ وَالكِسْرَةِ، صَفَتْ حَوَاسُّهُ وَلَطُفَتْ، وَلاَزَمَتْهُ خَطَرَاتُ النَّفْسِ، وَسَمِعَ خِطَاباً يَتَوَلَّدُ مِنَ الجُوْعِ وَالسَّهَرِ، لاَ وُجُوْدَ لِذَلِكَ الخَطَابِ -وَاللهِ- فِي الخَارِجِ، وَوَلَجَ الشَّيْطَانُ فِي بَاطِنِهِ وَخَرَجَ، فَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ، وَخُوْطِبَ وَارْتَقَى، فَيَتَمَكَّنُ مِنْهُ الشَّيْطَانُ، وَيُوَسْوِسُ لَهُ، فَيَنْظُرُ إِلَى المُؤْمِنِيْنَ بِعَيْنِ الازْدِرَاءِ، وَيَتَذَكَّرُ ذُنُوبَهُم، وَيَنْظُرُ إِلَى نَفْسِهِ بِعَيْنِ الكَمَالِ، وَرُبَّمَا آلَ بِهِ الأَمْرُ إِلَى أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ وَلِيٌّ، صَاحِبُ كَرَامَاتٍ وَتَمَكُّنٍ، وَرُبَّمَا حَصَلَ لَهُ شَكٌّ، وَتَزَلْزَلَ إِيْمَانُهُ.
فَالخَلْوَةُ وَالجُوْعُ أَبُو جَادِ التَّرهُّبِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرِيْعَتِنَا فِي شَيْءٍ.
(23/84)

بَلَى، السُّلُوْكُ الكَامِلُ هُوَ الوَرَعُ فِي القُوْتِ، وَالوَرَعُ فِي المَنْطِقِ، وَحِفْظُ اللِّسَانِ، وَمُلاَزَمَةُ الذِّكْرِ، وَتَرْكُ مُخَالَطَةِ العَامَّةِ، وَالبُكَاءُ عَلَى الخَطِيْئَةِ، وَالتِّلاَوَةُ بِالتَّرْتِيْلِ وَالتَّدَبُّرِ، وَمَقْتُ النَّفْسِ وَذَمُّهَا فِي ذَاتِ اللهِ، وَالإِكْثَارُ مِنَ الصَّوْمِ المَشْرُوْعِ، وَدَوَامُ التَّهَجُّدِ، وَالتَّوَاضُعُ لِلْمُسْلِمِيْنَ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَالسَّمَاحَةُ وَكَثْرَةُ البِشْرِ، وَالإِنْفَاقُ مَعَ الخَصَاصَةِ، وَقَوْلُ الحَقِّ المُرِّ بِرِفْقٍ وَتُؤَدَةٍ، وَالأَمْرُ بِالعُرْفِ، وَالأَخْذُ بِالعَفْوِ، وَالإِعْرَاضُ عَنِ الجَاهِلِيْنَ، وَالرِّبَاطُ بِالثَّغْرِ، وَجِهَادُ العَدُوِّ، وَحَجُّ البَيْتِ، وَتَنَاوُلُ الطَّيِّبَاتِ فِي الأَحَايِيْنِ، وَكَثْرَةُ الاسْتِغْفَارِ فِي السَّحَرِ، فَهَذِهِ شَمَائِلُ الأَوْلِيَاءِ، وَصِفَاتُ المُحَمَّدِيِّيْنَ - أَمَاتَنَا اللهُ عَلَى مَحَبَّتِهِم -. (12/91)
وَبَالإِسْنَادِ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ يَقُوْلُ:
مَنْ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا نَظَرَ إِرَادَةٍ وَحُبٍّ، أَخْرَجَ اللهُ نُوْرَ اليَقِيْنِ وَالزُّهْدِ مِنْ قَلْبِهِ.
ثُمَّ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ، عَنِ السُّلَمِيِّ الحِكَايَتَيْنِ فِي تَغْرِيْقِ كُتُبِ أَحْمَدَ فِي البَحْرِ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ بَحْرٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ يَقُوْلُ:
بَيْنَا أَنَا فِي قُبَّةٍ بِالمَقَابِرِ بِلاَ بَابٍ إِلاَّ كِسَاءٌ أَسْبَلْتُهُ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ تَدُقُّ عَلَى الحَائِطِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالَتْ: ضَالَّةٌ، فَدُلَّنِي عَلَى الطَّرِيْقِ.
(23/85)

فَقُلْتُ: رَحِمَكِ اللهُ، أَيَّ الطَّرِيْقِ تَسْلُكِيْنَ؟
فَبَكَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: عَلَى طَرِيْقِ النَّجَاةِ، يَا أَحْمَدُ.
قُلْتُ: هَيْهَاتَ! إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا عِقَاباً، وَتِلْكَ العِقَابُ لاَ تُقْطَعُ إِلاَّ بِالسَّيْرِ الحَثِيْثِ، وَتَصْحِيْحِ المُعَامَلَةِ، وَحَذْفِ العَلاَئِقِ الشَّاغِلَةِ.
فَبَكَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: سُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ جَوَارِحَكَ فَلَمْ تَتَقَطَّعْ، وَفُؤَادَكَ فَلَمْ يَتَصَدَّعْ!
ثُمَّ خَرَّتْ مَغْشِيّاً عَلَيْهَا، فَقُلْتُ لِبَعْضِ النِّسَاءِ: أَيُّ شَيْءٍ حَالُهَا؟
فَقُمْنَ، فَفَتَّشْنَهَا، فَإِذَا وَصِيَّتُهَا فِي جَيْبِهَا: كَفِّنُونِي فِي أَثْوَابِي هَذِهِ، فَإِنْ كَانَ لِي عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ، فَهُوَ أَسْعَدُ لِي، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَبُعْداً لِنَفْسِي.
قُلْتُ: مَا هِيَ؟
فَحَرَّكُوهَا، فَإِذَا هِيَ مَيْتَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذِهِ الجَارِيَةُ؟
قَالُوا: جَارِيَةٌ قُرَشِيَّةٌ مُصَابَةٌ، وَكَانَ قَرِيْنُهَا يَمْنَعُهَا مِنَ الطَّعَامِ، وَكَانَتْ تَشْكُو إِلَيْنَا وَجَعاً بِجَوْفِهَا، فَكُنَّا نَصِفُهَا لِلأَطِبَّاءِ، فَتَقُوْلُ: خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ الطَّبِيْبِ الرَّاهِبِ - تَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ - أَشْكُو إِلَيْهِ بَعْضَ مَا أَجِدُ مِنْ بَلاَئِي، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُوْنَ عِنْدَهُ شِفَائِي. (12/92)
وَبِهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ أَسْمَعُ وَكِيْعاً يَبْتَدِئُ قَبْلَ أَنْ يُحَدِّثَ، فَيَقُوْلُ: مَا هُنَالِكَ إِلاَّ عَفْوُهُ، وَلاَ نَعِيْشُ إِلاَّ فِي سِتْرِهِ، وَلَوْ كُشِفَ الغِطَاءُ، لَكُشِفَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيْمٍ.
(23/86)

وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَائِلَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ: إِنْ دَخَلْتَ القَبْرَ وَمَعَكَ الإِسْلاَمُ، فَأَبْشِرْ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ: حَدِّثْنَا.
قَالَ: دَعُونَا مِنَ الحَدِيْثِ، فَقَدْ كَبِرْنَا وَنَسِيْنَا، جِيْئُونَا بِذِكْرِ المَعَادِ وَبِذِكْرِ المَقَابِرِ، لَوْ أَنِّي أَعْرِفُ أَهْلَ الحَدِيْثِ، لأَتَيْتُهُمْ إِلَى بُيُوْتِهِم أُحَدِّثَهُم.
وَبِهِ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: أَسْنَدَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ عَنِ المَشَاهِيْرِ وَالأَعْلاَمِ مَا لاَ يُعَدُّ كَثْرَةً.
أَبُو الدَّحْدَاحِ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ حَامِدٍ:
أَنَّ كِتَابَ المَأْمُوْنِ وَرَدَ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ يَحْيَى بنِ مُعَاذٍ أَمِيْرِ دِمَشْقَ: أَنْ أَحْضِرِ المُحَدِّثِيْنَ بِدِمَشْقَ، فَامْتَحِنْهُم.
قَالَ: فَأَحْضَرَ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنَ ذَكْوَانَ، وَابْنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، فَامْتَحَنَهُمُ امْتِحَاناً لَيْسَ بِالشَّدِيْدِ، فَأَجَابُوا خَلاَ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، فَجَعَلَ يَرْفُقُ بِهِ، وَيَقُوْلُ: أَليْسَ السَّمَاوَاتُ مَخْلُوْقَةً؟ أَلَيْسَ الأَرْضُ مَخْلُوْقَةً.
وَأَحْمَدُ يَأْبَى أَنْ يُطِيْعَهُ، فَسَجَنَهُ فِي دَارِ الحِجَارَةِ، ثُمَّ أَجَابَ بَعْدُ، فَأَطْلَقَهُ. (12/93)
(23/87)

قَالَ أَحْمَدُ السُّلَمِيُّ فِي (مِحَنِ الصُّوْفِيَّةِ): أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ شَهِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ أَنَّهُ يُفَضِّلُ الأَوْلِيَاءَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ، وَبَذَلُوا الخُطُوطَ عَلَيْهِ، فَهَرَبَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى مَكَّةَ، وَجَاوَرَ حَتَّى كَتَبَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ يَسْأَلُهُ أَنْ يَرْجِعَ، فَرَجَعَ.
قُلْتُ: إِنْ صَحَّتِ الحِكَايَةُ، فَهَذَا مِنْ كَذِبِهِم عَلَى أَحْمَدَ، هُوَ كَانَ أَعْلَمَ بِاللهِ مِنْ أَنْ يَقُوْلَ ذَلِكَ.
وَنَقَلَ السُّلَمِيُّ حِكَايَةً مُنْكَرَةً، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَنَقَلَهَا ابْنُ بَاكَوَيْه، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الغَازِيِّ، سَمِعَا أَبَا بَكْرٍ الشَّبَّاكَ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ الحُسَيْنِ يَقُوْلُ:
كَانَ بَيْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ عَقْدٌ لاَ يُخَالِفُهُ فِي أَمْرٍ، فَجَاءهُ يَوْماً وَهُوَ يَتَكَلَّمُ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: إِنَّ التَّنُّوْرَ قَدْ سُجِرَ، فَمَا تَأْمُرُ؟
فَلَمْ يُجِبْهُ، فَأَعَادَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، فَقَالَ: اذْهَبْ، فَاقْعُدْ فِيْهِ - كَأَنَّهُ ضَاقَ بِهِ -.
وَتَغَافَلَ أَبُو سُلَيْمَانَ سَاعَةً، ثُمَّ ذَكَرَ، فَقَالَ: اطْلُبُوا أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ فِي التَّنُّوْرِ؛ لأَنَّهُ عَلَى عَقْدٍ أَنْ لاَ يُخَالِفَنِي، فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ فِي التَّنُّوْرِ لَمْ يَحْتَرِقْ مِنْهُ شَعْرَةٌ. (12/94)
تُوُفِّيَ أَحْمَدُ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
(23/88)

أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاغَدِيِّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مَنْ يَحْرِصْ عَلَى الإِمَارَةِ، لَمْ يَعْدِلْ فِيْهَا.
تُوُفِّيَ مَعَ ابْنِ أَبِي الحَوَارِيِّ: أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الدُّوْرِيُّ المُقْرِئُ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ، وَالمُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، وَحَامِدُ بنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ - رَحِمَهُمُ اللهُ -.
(23/89)