بَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ بنِ أَسَدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ بَشِيْرٍ الثَّقَفِيُّ
 
ابْنِ صَاحِب رَسُوْل -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرَةَ نفيع بن الحَارِثِ الثَّقَفِيّ، البَكْرَاوِيّ، البَصْرِيُّ، القَاضِي الكَبِيْرُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو بكرَة الفَقِيْه، الحَنَفِيّ، قَاضِي القُضَاة بِمِصْرَ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، بِالبَصْرَةِ.
وَسَمِعَ: أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ، وَرَوْح بن عُبَادَةَ، وَعَبْد اللهِ بن بَكْرٍ السَّهْمِيّ، وَأَبَا عَاصِم، وَوَهْب بن جَرِيْرٍ، وَسَعِيْد بن عَامِرٍ الضُّبَعيّ، وَطَبَقَتهُم.
وعُنِي بِالحَدِيْثِ، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَبَرَعَ فِي الفروع، وَصَنَّفَ، وَاشتغل.
(24/104)

حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَوَانَةَ فِي (صَحِيْحِهِ)، وَابْن خُزَيْمَةَ، وَعَبْد اللهِ بن عَتَّابٍ الزِّفْتِيّ، وَيَحْيَى بن صَاعِدٍ، وَابْن جَوْصَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ، وَابْن زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَابْن أَبِي حَاتِمٍ، وَمُحَمَّد بن المُسَيَّبِ الأَرْغِيَانِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ حَبِيْب الحصَائِرِي، وَأَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو الخَامِي، وَأَحْمَد بن سُلَيْمَانَ بن حَذْلَم، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حُذَيْفَةَ الدِّمَشْقِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، وَالحَسَن بن مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ الصيدَاوِي، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْنَ بن خَالِدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ النَّاقِد، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنْ أَهْلِ مِصْر وَدِمَشْق، وَمِنَ الرحَالَة، وَكَانَ مِنْ قضَاة العَدْل. (12/600)
قَالَ أَبوبَكْر بن المُقْرِئ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكْر الشّعرَانِي بِالقدس، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سَهْل الهَرَوِيّ، قَالَ:
كُنْتُ سَاكناً فِي جوار بَكَّار بن قُتَيْبَةَ، فَانْصَرَفت بَعْد العشَاء، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأَ: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيْفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيْلِ اللهِ} [ص: 26].
قَالَ: ثُمَّ نَزَلت فِي السّحر، فَإِذَا هُوَ يقرؤهَا، وَيَبْكِي، فعَلِمت أَنَّهُ كَانَ يتلوهَا مِنْ أَوّل اللَّيْل.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الكِنْدِيّ: قَدِمَ بكَار قَاضِياً إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَأَقَامت مِصْر بِلاَ قَاض بَعْدَهُ سَبْع سِنِيْنَ، ثُمَّ وَلَّى خُمَارويه مُحَمَّد بن عَبْدَةَ القَضَاء.
(24/105)

قَالَ: وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ طولُوْنَ أَرَادَ بَكَّاراً عَلَى لعن الموفق -يَعْنِي: وَلِي العهد- فَامْتَنَعَ، فسجنه إِلَى أَنْ مَاتَ أَحْمَدُ بنُ طولُوْنَ، فَأُطلق القَاضِي بكَّار، وَبَقِيَ يَسِيْراً وَمَاتَ، فغسل ليلاً، وَكثرَ النَّاس، فَلَمْ يدفن إِلَى العصر.
قُلْتُ: كَانَ عَظِيْم الحرمَة، وَافر الجَلاَلَة، مِنَ العُلَمَاءِ العَاملين، كَانَ السُّلْطَان يَنْزِل إِلَيْهِ، وَيحضر مَجْلِسه، فذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ أَن بكَار ابْن قُتَيْبَةَ اسْتَعظم فسخ حكم الحَارِث بن مِسْكِيْن فِي قَضِيَّة ابْن السَّائِح -يَعْنِي: لَمَّا حكم عَلَيْهِ- فَأَخْرَجَ مَنْ يَده دَار الفيل، وَتوجّه ابْن السَّائِح إِلَى العِرَاقِ يغوث عَلَى ابْنِ مِسْكِيْن.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَكَانَ الحَارِث إِنَّمَا حكم فِيْهَا بِمَذْهَب أَهْل المَدِيْنَة، فَلَمْ يَزَلْ يُوْنُس بن عَبْدِ الأَعْلَى يُكَلِّم القَاضِي بَكَّاراً، وَيجسّده حَتَّى جَسَد، وَرد إِلَى ابْنَي السَّائِح الدَّار.
وَلاَ أُحصِي كم كَانَ أَحْمَدُ بنُ طولُوْنَ يَجِيْء إِلَى مَجْلِس بكَار وَهُوَ يُمْلِي، وَمَجْلِسه مملوء بِالنَّاسِ، فيتقدم الحَاجِب، وَيَقُوْلُ: لاَ يتغيَّر أَحَد مِنْ مَكَانه.
فَمَا يشعر بكَار إِلاَّ وَأَحْمَد إِلَى جَانبه، فَيَقُوْلُ لَهُ: أَيُّهَا الأَمِيْر، أَلاَ تركتَنِي كُنْت أَقضِي حقّك وَأَقوم؟
قَالَ: ثُمَّ فسد الحَال بَيْنَهُمَا حَتَّى حبسه، وَفعل بِهِ مَا فعل. (12/601)
وَقِيْلَ: إِنَّ بَكَّاراً صَنّف كِتَاباً ينقض فِيْهِ عَلَى الشَّافِعِيّ رَدَّهُ عَلَى أَبِي حَنِيْفَةَ، وَكَانَ يَأْنَس بيُوْنُس بن عَبْدِ الأَعْلَى، وَيَسْأَله عَنْ أَهْل مِصْر وَعدولهم.
وَلَمَّا اعتقله ابْن طولُوْنَ لَمْ يمكنه أَنْ يعزله، لأَنْ القَضَاء لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ أَمره.
(24/106)

وَقِيْلَ: إِنَّ بَكَّاراً كَانَ يشَاور فِي حكم يُوْنُس، وَالرَّجُل الصَّالِح مُوْسَى وَلد عَبْد الرَّحْمَنِ بن القَاسِمِ، فَبلغنَا أَنّ مُوْسَى سأَله: مِنْ أَيْنَ المَعِيْشَة؟
قَالَ: مِنْ وَقفَ لأَبِي أَتكفَى بِهِ.
قَالَ: أُرِيْد أَنْ أَسْأَلك يَا أَبَا بكرَة، هَلْ ركبك دين بِالبَصْرَةِ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ لَكَ وَلد أَوْ زَوْجَة؟
قَالَ: مَا نكحت قط، وَمَا عِنْدِي سِوَى غُلاَمِي.
قَالَ: فَأَكْرَهك السُّلْطَان عَلَى القَضَاءِ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فضربت آباط الإِبل بِغَيْر حَاجَة إِلاَّ لتلِي الدمَاء وَالفروج؟ للهِ عليّ لاَ عدت إِلَيْك.
قَالَ: أَقلنِي يَا أَبَا هَارُوْنَ.
قَالَ: أَنْتَ ابتدأَت بِمَسْأَلتِي، انْصَرَف، وَلَمْ يعد إِلَيْهِ.
قُلْتُ: رَضِيَ اللهُ عَنْ مُوْسَى، فَلَقَدْ صدقه، وَصدعه بِالْحَقِّ.
وَلَمْ يَكُنْ بكَار مكَابراً، فَيَقُوْلُ: تَعَيَّنَ عَلَيَّ القَضَاءُ. (12/602)
وَقَالَ الحَسَنُ بنُ زولاَق فِي تَرْجَمَة بكَار: لمَا اعْتَلَّ أَحْمَد بن طولُوْنَ، رَاسل بكَاراً، وَقَالَ: إِنَّا رَادوك إِلَى مَنْزِلك، فَأَجبنِي.
فَقَالَ: قُلْ لَهُ: شَيْخ فَان وَعليل مدنف، وَالملتقَى قَرِيْب، وَالقَاضِي -عَزَّ وَجَلَّ-.
فَأَبلغهَا الرَّسُوْل أَحْمَد، فَأَطرق، ثُمَّ أَقبل يكرر ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ أَمر بنقله مِنَ السجن إِلَى دَار اكتريت لَهُ، وَفِيْهَا كَانَ يُحَدِّث، فَلَمَّا مَاتَ الملك قِيْلَ لأَبِي بَكْرَةَ: انْصَرَف إِلَى مَنْزِلك.
فَقَالَ: هَذِهِ الدَّار بِأُجْرَة، وَقَدْ صلحت لِي، فَأَقَامَ بِهَا.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَأَقَامَ بِهَا بَعْد أَحْمَد أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، وَمَاتَ.
قُلْتُ: كَانَ وَلِي العهد الموفق قَدِ اسْتبد بِالأُمُور، وضيق عَلَى أَخِيْهِ الخَلِيْفَة المُعْتَمِد.
(24/107)