ابْنُ سَحْنُوْنَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّنُوخِيُّ
 
فَقِيْهُ المَغْرِبِ، مُحَمَّدٌ أَبُو عَبْدِ اللهِ، ابْنُ فَقِيْهِ المَغْرِبِ عَبْدِ السَّلاَمِ سَحْنُوْنُ بنُ سَعِيْدٍ التَّنُوخِيُّ، القَيْرَوَانِيُّ، شَيْخُ المَالِكِيَّةِ.
تَفَقَّهَ بِأَبِيهِ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ، وَطَبَقَتِهِ.
وَكَانَ مُحَدِّثاً بَصِيْراً بِالآثَارِ، وَاسِعَ العِلْمِ، مُتَحَرِّياً مُتْقِناً، عَلاَّمَةً، كَبِيْرَ القَدْرِ، وَكَانَ يُنَاظِرُ أَبَاهُ.
وَقِيْلَ لِعِيْسَى بنِ مِسْكِيْنٍ: مَنْ خَيْرُ مَنْ رَأَيْتَ فِي الغِلْمَةِ؟
قَالَ: ابْنُ سَحْنُوْنَ. (13/61)
قُلْتُ: لَهُ مُصَنَّفٌ كَبِيْرٌ فِي فنُوْنٍ مِنَ العِلْمِ، وَلَهُ كِتَابُ: (السِّيَرِ)، عِشْرُوْنَ مُجَلَّداً، وَكِتَابُ: (التَّارِيْخِ)، وَمُصَنَّفٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَالعِرَاقِيِّيْنَ.
وَقِيْلَ: لَمَّا مَاتَ ضُرِبَتِ الخِيَامُ حَوْلَ قَبْرِهِ، فَأَقَامُوا شَهْراً، وَأُقِيْمَتْ هُنَاكَ أَسْوَاقُ الطَّعَامِ، وَرَثَتْهُ الشُّعَرَاءُ، وَتَأَسَّفُوا عَلَيْهِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
ثمَّ رَأَيْتُ لَهُ تَرْجَمَةً طَوِيْلَةً، فِي (تَارِيْخِ) أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَالِكِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو العَرَبِ:
كَانَ ابْنُ سَحْنُوْنَ إِمَاماً ثِقَةً، عَالِماً بِالفِقْهِ، عَالِماً بِالآثَارِ، لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ أَحَدٌ أَجْمَعَ لِفُنُوْنِ العِلْمِ مِنْهُ، أَلَّفَ فِي جَمِيْعِ ذَلِكَ كُتُباً كَثِيْرَةً، نَحْو مائَتَي كِتَابٍ، فِي العُلُوْمِ وَالمَغَازِي وَالتَّوَارِيْخِ.
(25/57)

وَكَانَ أَبُوْهُ يَقُوْلُ: مَا أُشَبِّهُهُ إِلاَّ بأَشْهَبَ.
وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ غَيْرُ حَلْقَةِ أَبِيْهِ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَمائَتَيْنِ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَمُوْسَى بنِ مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ يَحْيَى المَدَنِيِّ.
وَارتِحَالُهُ إِلَى المَشْرِقِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَلَقِيَ أَبَا المُصْعَبِ الزُّهْرِيَّ، وَيَعْقُوْبَ بنَ كَاسِبٍ. (13/62)
وَقِيْلَ: إِنَّ المُزَنِيَّ - صَاحِبَ الشَّافِعِيِّ - أَتَاهُ، فَلَمَّا خَرَجَ، قِيْلَ لَهُ: كَيْفَ رَأَيْتَهُ؟
فَقَالَ: لَمْ أَرَ أَعْلَمَ مِنْهُ، وَلاَ أَحَدَّ ذِهْناً - عَلَى حَدَاثَةِ سِنِّهِ -.
وَأَلَّف كِتَابَ: (الإِمَامَةِ)، فَقِيْلَ: كَتَبُوْهُ وَنفَّذُوْهُ إِلَى المُتَوَكِّلِ.
وَكَانَ ذَا تَعَبُّدٍ وَتَوَاضُعٍ وَرِبَاطٍ، وَصَدْعٍ بِالْحَقِّ.
ونَاظَرَ شَيْخاً مُعْتَزِلِيّاً، فَقَالَ: يَا شَيْخُ! المَخْلُوْقُ يَذِلُّ لِخَالِقِهِ؟ فَسَكَتَ، فَقَالَ: إِنْ قُلْتَ بِالذِّلَّةِ عَلَى القُرْآنِ، فَقَدْ خَالَفْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيْزٌ}. [فُصِّلَتْ: 41]
وَسُئِلَ ابْنُ عَبْدُوْسٍ عَنِ الإِيْمَانِ: أَمَخْلُوْقٌ هُوَ، أَوْ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟ فَلَمْ يَدْرِ، وَدُلَّ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ سَحْنُوْنَ.
فَقَالَ مُحَمَّدٌ: (الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ دَرَجَةً، أَعْلاَهَا شَهَادَةُ، أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَالإِقْرَارُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَا سِوَاهُ مِنَ الأَعمَالِ مَخْلُوْقَةٌ - يُرِيْدُ كَلِمَةَ الإِقْرَارِ، وَأَمَّا حَقيقَةُ الإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ، فَهُوَ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللهُ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ، وَهُوَ خَلْقٌ للهِ -.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَسْعُوْدٍ: فَمَضَيْتُ إِلَى العِرَاقِ، فَسَأَلْتُ عَنْهَا، فَكَانَ جَوَابُهُ كَجَوَابِ مُحَمَّدٍ.
وَقِيْلَ: لَمَّا تُوُفِّيَ مُحَمَّدٌ رُثِي بِثَلاَثِ مائَةِ قَصِيْدَةٍ. (13/63)
(25/58)