بُنَانُ الحَمَّالُ أَبُو الحَسَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدَانَ |
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الحَسَنِ بُنَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدَانَ بنِ سَعِيْدٍ الوَاسِطِيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ، وَمَنْ يُضْرَبُ بِعِبَادَتِهِ المَثَلُ.
حَدَّثَ عَنْ:الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَرَفَةَ، وَحُمَيْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَطَائِفَةٍ. حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُ يُوْنُسَ، وَالحَسَنُ بنُ رُشَيْقٍ، وَالزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الأَسْدَابَاذِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ المُقْرِئُ، وَجَمَاعَةٌ. وَثَّقَهُ:أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ. صَحِبَ:الجُنَيْدَ، وَغَيْرَهُ. وَقِيْلَ:إِنَّهُ هُوَ أُسْتَاذُ الحُسَيْنِ أَبِي النُّوْرِيِّ، وَهُوَ رَفِيقُهُ، وَمِنْ أَقرَانِهِ. وَكَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ، لاَ يَقْبَلُ مِنَ الدَّوْلَةِ شَيْئاً، وَلَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ عِنْدَ الخَاصِّ وَالعَامِّ.(14/489) وَقَدِ امتُحِنَ فِي ذَاتِ اللهِ، فَصَبَرَ، وَارْتَفَعَ شَأْنُه، فَنَقَلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي(مِحَنِ الصُّوْفِيَّةِ): أَنَّ بُنَاناً الحَمَّالَ قَامَ إِلَى وَزِيْرِ خُمَارَوَيْه - صَاحِبِ مِصْرَ - وَكَانَ نَصْرَانِيّاً، فَأَنزَلَهُ عَنْ مَرْكُوْبِهِ، وَقَالَ:لاَ تَركَبِ الخَيْلَ وَعيِّر، كَمَا هُوَ مَأْخُوْذٌ عَلَيْكُم فِي الذِّمَّةِ. فَأَمَرَ خُمَارَوَيْه بِأَنْ يُؤخَذَ، وَيُوضَعَ بَيْنَ يَدَيْ سَبُعٍ، فَطُرِحَ، فَبَقِيَ لَيْلَةً، ثُمَّ جَاؤُوا وَالسَّبُعُ يَلحَسُهُ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ القِبْلَةِ، فَأَطلَقَهُ خُمَارَوَيْه، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ. (28/59) قَالَ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ:سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الرُّوْذَبَارِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ سَبَبُ دُخُوْلِي مِصْرَ حِكَايَةَ بُنَانَ الحَمَّالَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَ ابْنَ طُوْلُوْنَ بِالمَعْرُوْفِ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُلقَى بَيْنَ يَدَيْ سَبُعٍ، فَجَعَلَ السَّبُعُ يَشُمُّهُ وَلاَ يَضُرُّه، فَلَمَّا أُخرِجَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ السَّبُعِ، قِيْلَ لَهُ:مَا الَّذِي كَانَ فِي قَلْبِكَ حَيْثُ شَمَّكَ؟ قَالَ:كُنْتُ أَتَفَكَّرُ فِي سُؤرِ السِّبَاعِ وَلُعَابِهَا. قَالَ:ثُمَّ ضُرِبَ سَبْعَ دِرَرٍ، فَقَالَ لَهُ - يَعْنِي:لِلْمَلِكِ - :حَبَسَكَ اللهُ بِكُلِّ دِرَّةٍ سَنَةً. فَحُبِسَ ابْنُ طُوْلُوْنَ سَبْعَ سِنِيْنَ - كَذَا قَالَ - . وَمَا عَلِمتُ خُمَارَوَيْه وَلاَ أَبَاهُ حُبِسَا. وَذَكَرَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:أَنَّ القَاضِي أَبَا عُبَيْدِ اللهِ احتَالَ عَلَى بُنَانَ حَتَّى ضَرَبَه سَبْعَ دِرَرٍ، فَقَالَ:حَبَسَكَ اللهُ بِكُلِّ دِرَّةٍ سَنَةً. فَحَبَسَهُ ابْنُ طُوْلُوْنَ سَبْعَ سِنِيْنَ. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ:سَمِعْتُ بُنَاناً يَقُوْلُ:الحُرُّ عَبْدٌ مَا طَمِعَ، وَالعَبْدُ حُرٌّ مَا قَنِعَ. وَمِنْ كَلاَمِ بُنَانَ:مَتَى يُفْلِحُ مَنْ يَسُرُّهُ مَا يَضُرُّه؟!(14/490) وَقَالَ:رُؤْيَةُ الأَسبَابِ عَلَى الدَّوَامِ قَاطِعَةٌ عَنْ مُشَاهَدَةِ المُسَبِّبِ، وَالإِعرَاضُ عَنِ الأَسبَابِ جُمْلَةً يُؤَدِّي بِصَاحِبِهِ إِلَى رُكُوْبِ البَاطِلِ. يُرْوَى:أَنَّهُ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ مائَةُ دِيْنَارٍ، فَطَلَبَ الرَّجُلُ الوَثِيقَةَ، فَلَمْ يَجِدْهَا، فَجَاءَ إِلَى بُنَانَ لِيَدعُو لَهُ، فَقَالَ:أَنَا رَجُلٌ قَدْ كَبِرْتُ، وَأُحِبُّ الحَلْوَاءَ، اذْهَبِ اشْتَرِ لِي مِنْ عِنْدِ دَارِ فَرَجٍ رِطْلَ حُلْوَاءَ حَتَّى أَدْعُوَ لَكَ. فَفَعَل الرَّجُلُ، وَجَاءَ، فَقَالَ بُنَانُ:افتَحْ وَرقَةَ الحُلوَاءِ. فَفَتَحَ، فَإِذَا هِيَ الوَثِيقَةُ، فَقَالَ:هِيَ وَثِيْقَتِي. قَالَ:خُذهَا، وَأَطعِمِ الحُلوَاءَ صِبْيَانَك. قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ:تُوُفِّيَ بُنَانُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَخَرَجَ فِي جِنَازَتِه أَكْثَرُ أَهْلِ مِصْرَ، وَكَانَ شَيْئاً عَجَباً مِنِ ازدِحَامِ الخَلاَئِقِ. (28/60) |