الأَشْعَرِيُّ عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِسْحَاقَ
 
العَلاَّمَةُ، إِمَامُ المُتَكَلِّمِين، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي بِشْرٍ إِسْحَاقَ بنِ سَالِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى ابنِ أَمِيْر البَصْرَةِ بِلاَلِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ ابنِ صَاحِب رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبِي مُوْسَى عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْس بن حَضَّارٍ الأَشْعَرِيُّ، اليَمَانِيُّ، البَصْرِيُّ.
مَوْلِدُهُ:سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقِيْلَ:بَلْ وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ.
وَأَخَذَ عَنْ:أَبِي خَلِيْفَة الجُمَحِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الجُبَّائِيّ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيِّ، وَسَهْلِ بن نُوْح، وَطَبَقَتِهِم، يَرْوِي عَنْهُم بِالإِسْنَاد فِي تَفْسِيْره كَثِيْراً.
وَكَانَ عجباً فِي الذَّكَاء، وَقوَة الفهمِ.
وَلَمَّا بَرَعَ فِي مَعْرِفَةِ الاعتزَال، كرِهه وَتبرَّأَ مِنْهُ، وَصَعِدَ لِلنَّاسِ، فتَابَ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْهُ، ثُمَّ أَخذ يُردُّ عَلَى المُعْتَزِلَة، وَيهتِك عِوَارَهُم.
قَالَ الفَقِيْه أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ:كَانَتِ المُعْتَزِلَةُ قَدْ رفعُوا رُؤُوْسهُم، حَتَّى نشَأَ الأَشْعَرِيُّ فحجرهُم فِي أَقمَاع السِّمْسِم.
وَعَنِ ابْنِ البَاقلاَنِيِّ قَالَ:أَفْضَل أَحْوَالِي أَنْ أَفهَمَ كَلاَمَ الأَشْعَرِيّ.
قُلْتُ:رَأَيْتُ لأَبِي الحَسَن أَرْبَعَة توَالِيف فِي الأُصُوْل يذكرُ فِيْهَا قوَاعدَ مَذْهَبِ السَّلَف فِي الصِّفَات، وَقَالَ فِيْهَا:تُمَرُّ كَمَا جَاءت.
ثُمَّ قَالَ:وَبِذَلِكَ أَقُول، وَبِهِ أَدين، وَلاَ تُؤوَّل.
(29/82)

قُلْتُ:مَاتَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حطَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الحَنَابِلَة وَالعُلَمَاء.
وَكُلُّ أَحَد فيُؤخذ مِنْ قَوْله وَيترك، إِلاَّ مَنْ عصم اللهُ تَعَالَى اللَّهُمَّ اهدنَا، وَارحمنَا.(15/87)
وَلأَبِي الحَسَنِ ذكَاءٌ مُفْرِط، وَتبحُّر فِي العِلْمِ، وَلَهُ أَشيَاء حسنَة، وَتصَانيف جَمَّة تقضِي لَهُ بسَعَةِ العِلْم.
أَخَذَ عَنْهُ:أَئِمَّةٌ مِنْهُم:أَبُو الحَسَنِ البَاهِلِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ الكِرْمَانِيُّ، وَأَبُو زَيْد المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مُجَاهِد البَصْرِيّ، وَبُنْدَار بن الحُسَيْنِ الشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ العِرَاقِيُّ، وَزَاهِر بن أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، وَأَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ الكَوَّاز الشِّيرَازِيُّ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الأَشْعَرِيّ فِي كتَاب(العُمَد فِي الرُّؤْيَة)لَهُ:صَنَّفْتُ(الفصول فِي الرَّدِّ عَلَى الملحدينَ)وَهُوَ اثْنَا عَشرَ كِتَاباً، وكتَاب(الموجز)، وكتَاب(خَلْق الأَعمَال)، وكتَاب(الصِّفَات)، وَهُوَ كَبِيْر، تكلَّمنَا فِيْهِ عَلَى أَصنَافِ المُعْتَزِلَة وَالجَهْمِيَّة، وكتَاب(الرُّؤْيَة بِالأَبصَار)، وكتَاب(الخَاص وَالعَام)، وكتَاب(الرَّدّ عَلَى المجسِّمَة)، وكتَاب(إِيضَاح البرهَان)، وكتَاب(اللُّمَع فِي الرّدِّ عَلَى أَهْلِ البِدَع)، وكتَاب(الشَّرح وَالتَّفصيل)، وكتَاب(النَّقض عَلَى الجُبَائِيّ)، وكتَاب(النَّقْض عَلَى البَلْخِيّ)، وكتَاب(جمل مقَالاَت الملحدين)، وَكتَاباً فِي الصِّفَات هُوَ أَكْبَر كتبنَا، نقضنَا فِيْهِ مَا كُنَّا أَلَّفنَاهُ قَدِيْماً فِيْهَا عَلَى تَصْحِيْحِ مَذْهَب المُعْتَزِلَة، لَمْ يُؤلَّف لَهُم كِتَاب مثلُه، ثُمَّ أَبَان الله لَنَا الحَقَّ فَرَجَعْنَا.(15/88)
(29/83)

وكتَاباً فِي(الرّدّ عَلَى ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ)، وكتَاب(القَامع فِي الردّ عَلَى الخَالديّ)، وكتَاب(أَدب الجَدَل)، وكتَاب(جَوَاب الخُرَاسَانيَّة)، وكتَاب(جَوَاب السِّيْرَافيين)، و(جَوَاب الجُرْجَانيين)، وكتَاب(المَسَائِل المنثَوْرَة البَغْدَادِيَّة)، وكتَاب(الفنُوْنَ فِي الرّدِّ عَلَى المُلْحدين)، وكتَاب(النَّوَادر فِي دقَائِق الكَلاَم)وكتَاب(تَفْسِيْر القُرْآن).
وَسَمَّى كتباً كَثِيْرَةً سِوَى ذَلِكَ.
ثُمَّ صَنَّفَ بَعْد(العُمَد)كتباً عِدَّةً سمَّاهَا ابْنُ فُورَك هِيَ فِي(تبيين كذب المفترِي).
رَأَيْتُ لِلأَشعرِيّ كلمَة أَعجبتَنِي وَهِيَ ثَابِتَة رَوَاهَا البَيْهَقِيّ، سَمِعْتُ أَبَا حَازِم العَبْدَوِيَّ، سَمِعْتُ زَاهِر بن أَحْمَدَ السَّرَخْسِيّ يَقُوْلُ:لَمَّا قَرُبَ حُضُوْرُ أَجل أَبِي الحَسَنِ الأَشْعَرِيِّ فِي دَارِي بِبَغْدَادَ، دعَانِي فَأَتَيْتُه، فَقَالَ:اشهدْ عليَّ أَنِّي لاَ أَكفِّر أَحَداً مِنْ أَهْلِ القِبْلَة، لأَنَّ الكلَّ يُشيَرَوْنَ إِلَى معبودٍ وَاحِد، وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّه اخْتِلاَف العِبَارَات.
قُلْتُ:وَبنحو هَذَا أَدين، وَكَذَا كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ تيمِيَّة فِي أَوَاخِرِ أَيَّامه يَقُوْلُ:أَنَا لاَ أَكفر أَحَداً مِنَ الأُمَّة، وَيَقُوْلُ:
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(لاَ يُحَافِظُ عَلى الوضوء إِلاَّ مُؤْمِنٌ)فَمَنْ لاَزَمَ الصَّلَوَاتِ بوضوءٍ فَهُوَ مُسْلِم.(15/89)
وَقَدْ أَلَّف الأهْوَازِيّ جُزْءاً فِي مثَالب ابْنِ أَبِي بِشْر، فِيْهِ أَكَاذيب.
(29/84)

وَجَمَعَ أَبُو القَاسِمِ فِي مَنَاقِبه فَوَائِد بَعْضهَا أَيْضاً غَيْرُ صَحِيْحٍ، وَلَهُ المُنَاظَرَةُ المَشْهُوْرَةُ مَعَ الجُبَّائِي فِي قَوْلِهِم:يَجِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يَفْعَل الأَصلحَ، فَقَالَ الأَشْعَرِيُّ:بَلْ يَفْعَلُ مَا يشَاء، فَمَا تَقُولُ فِي ثَلاَثَةٍ صِغَار:مَاتَ أَحَدهُم وَكَبُرَ اثْنَانِ، فآمن أَحَدُهُم، وَكَفَرَ الآخر، فَمَا العِلَّةُ فِي اخترَام الطِّفْلِ؟
قَال:لأَنَّه تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ لكَفَر، فَكَانَ اخترَامُه أَصلح لَهُ.
قَالَ الأَشْعَرِيُّ:فَقَدْ أَحيَا أَحَدهُمَا فكفَرَ.
قَالَ:إِنَّمَا أَحيَاهُ ليعرضه أَعْلَى المرَاتب.
قَالَ الأَشْعَرِيُّ:فَلِمَ لاَ أَحيَا الطِّفْل ليعرضه لأَعْلَى المرَاتب؟
قَالَ الجُبَّائِي:وَسوست.
قَالَ:لاَ وَاللهِ، وَلَكِنْ وَقَفَ حِمَار الشَّيْخ.
وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا الحَسَنِ تَابَ وَصَعِدَ مِنْبَر البَصْرَة، وَقَالَ:إِنِّيْ كُنْتُ أَقُول:بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَأَنَّ اللهَ لاَ يُرَى بِالأَبصَار، وَأَنَّ الشَّرَّ فِعْلِي لَيْسَ بقدرٍ، وَإِنِّيْ تَائِبٌ مُعتقدٌ الرّدَّ عَلَى المُعْتَزِلَة.
وَكَانَ فِيْهِ دُعَابَة وَمزح كَثِيْر.
قَالَهُ ابْنُ خِلِّكَانَ.
وَأَلَّف كُتُباً كَثِيْرَةً، وَكَانَ يقنَع بِاليَسِيْر، وَلَهُ بَعْضُ قريَةٍ مِنْ وَقَفِ جَدِّهُم الأَمِيْرِ بلاَلِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ.
وَيُقَالُ:بَقِيَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.(15/90)
(29/85)