الحَافِظُ لِدِيْنِ اللهِ عَبْد المَجِيْدِ بن مُحَمَّد بن المُسْتَنْصِر
 
صَاحِبُ مِصْر، أَبُو المَيْمُوْنِ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ الأَمِيْر مُحَمَّدِ بنِ المُسْتَنْصِر بِاللهِ مَعَدّ بن الظَّاهِر عَلِيّ بن الحَاكِم بن العَزِيْز بن المُعِزّ، العُبَيْديُّ الإِسْمَاعِيْلِيُّ المِصْرِيُّ.
بايعُوهُ يَوْمَ مَصْرَعِ ابْنِ عَمِّهِ الآمِر ليدبِّر المملكَةَ إِلَى أَنْ يُولَد حَملٌ لِلآمر إِن وُلِد، وَغَلَبَ عَلَى الأُمُورِ أَمِيْرُ الجُيُوش أَبُو عَلِيٍّ بنُ الأَفْضَل بن بَدْر الجمَالِي.
(29/182)

وَكَانَ الآمِرُ قَدْ سَجَنَه عِنْدَمَا قَتَلَ أَبَاهُ، فَأَخْرَجَتِ الأُمَرَاء أَبَا عَلِيٍّ، وَقدَّمُوهُ عَلَيْهِم، فَأَتَى إِلَى القَصْر، وَأَمرَ وَنَهَى، وَبَقِيَ الحَافِظُ مَعَهُ مُنْقَهراً، فَقَامَ أَبُو عَلِيٍّ بِالمُلْكِ أَتمَّ قِيَام، وَعَدَلَ فِي الرَّعيَة، وَرَدَّ أَمْوَالاً كَثِيْرَةً عَلَى المصَادَرين، وَوَقَفَ عِنْد مَذْهَب الشِّيْعَة، وَتَمَسَّكَ بِالإِثنِي عشر، وَتَرَكَ مَا تقولُهُ الإِسْمَاعِيْلِيَّة، وَأَعْرَضَ عَنِ الحَافِظِ وَآلِ بَيْته، وَدَعَا عَلَى منَابِرِ مِصْر لِلْمُنْتَظَر صَاحِبِ السِّرْدَاب عَلَى زَعْمهِم، وَكَتَبَ اسْمَه عَلَى السِّكَّة وَاسْتمرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَلِقَت الدَّوْلَة إِلَى أَنْ شَدَّ عَلَيْهِ فَارسٌ مِنَ الخَاصَّة، فَقَتَلَهُ بِظَاهِرِ القَاهِرَة فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْس مائَة، وَذَلِكَ بتَدْبِيْرِ الحَافِظِ، فَبَادرتِ الأُمَرَاء إِلَى خدمَة الحَافِظ، وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الضِّيق وَالاعتقَالَ، وَجدَّدُوا بَيعَتَهُ، وَاسْتقلَّ بِالمُلْكِ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي الغُرْبَة بِسبَبِ القَحطِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ بعَسْقَلاَن.(15/201)
وعِنْدَمَا مَاتَ الآمر قبْله، قَالَ الجُهالُ:
هَذَا بَيْتٌ لاَ يموتُ إِمَامٌ مِنْهُم حَتَّى يخلِّفَ ابْناً يَنْصُّ عَلَى إِمَامته، فَخلَّف الآمُر حَمْلاً فَكَانَ بنتاً.
وَكَانَ الحَافِظ يعترِيه القُولَنْج، فَعَمِلَ لَهُ شيرمَاهُ الدّيْلَمِيُّ طَبْلاً مُرَكَّباً مِنْ سَبْعَة معَادنَ فِي شَرَفِ الكواكب السَّبْعَة، فَكَانَ مَنْ ضَرَبَهُ وَبِهِ قُولَنْج، انفشَّ مِنْهُ رِيْح كَثِيْرٌ، فَوجَدَ رَاحَةً.
فَوَجَده السُّلْطَان صلاحُ الدِّينِ فِي خَزَائِنهُم، فَضَرَبَ بِهِ أَمِيْرٌ كرديٌّ فَضَرَطَ، فَغَضِبَ وَشَقَّه، وَلَمْ يعلَم منفَعَتَه.
(29/183)

وَكَانَ الحَافِظُ كلَمَّا أَقَامَ وَزِيْراً تَمَكَّنَ.
وَحَكَمَ عَلَيْهِ، فيتَأَلَّمُ وَيتحيَّلُ عَلَيْهِ، وَيَعْمَلُ عَلَى هلاَكِهِ، مِنْهُم، رِضوَان، فسجنَه سبعَ سِنِيْنَ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الشَّامَ، وَجَمَعَ جُموعاً، وَقَاتَلَ المِصْرِيّين، وَقَاتَلَهُمْ عَلَى بَاب القَاهِرَة، وَانتَصَرَ، ثُمَّ دَخَلَهَا، فَاعتقله الحَافِظُ عِنْدَهُ معزَّزاً فِي القصر، ثُمَّ نقب الحَبْس، وَرَاح إِلَى الصَّعيد، وَأَقبلَ بجمعٍ عَظِيْمٍ، وَحَارَبَ، فَكَانَ المُلْتَقَى عِنْد جَامِع ابْنِ طولُوْنَ، فَانتصر وَتَمَلَّكَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الحَافِظُ بِعِشْرِيْنَ أَلْفِ دِيْنَارٍ، رسمَ الوِزَارَة، فَمَا رضيَ حَتَّى كمل لَهُ سِتِّيْنَ أَلْفاً، ثُمَّ بعثَ إِلَيْهِ عِدَّةً مِنَ المَمَالِيْك، فَقَاتَلَهُم غِلْمَانُهُ وَهُوَ، فَقُتِلَ، وَبَقِيَ الحَافِظ بِلاَ وَزِيْرٍ عَشْرَ سِنِيْنَ.
وَلَمَّا قُتِلَ الأَكمل، أَقَامَ فِي الوَزَارَة يَانس مَوْلاَهُ فَكَبُرَ يَانس، وَتعدَّى طَوْرَه فَسقِي.(15/202)
ثم وَزَرَ لَهُ وَلَدُه الحَسَن، فَكَانَ شرَّ وَزِيْرٍ تَمَرَّدَ وَطَغَى، وَقَتَلَ أَرْبَعِيْنَ أَمِيْراً، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فِيْهِ تسنُّنٌ، فَخَافه أَبُوْهُ، وَجَهَّزَ لَهُ عَسْكَراً فتحَاربُوا أَيَّاماً، ثُمَّ سَقَاهُ أَبُوْهُ، وَقَدِ امتدَّتْ أَيَّامهُ.
وَمَاتَ فِي خَامِس جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْس مائَة، فَكَانَتْ دولَتُه عِشْرِيْنَ سَنَةً سِوَى خَمْسَةِ أَشهر.
وَعَاشَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
فَمَا بَلَغَ أَحَدٌ هَذَا السنَّ مِنَ العُبَيْدِيَّة، وَقَامَ بَعْدَهُ وَلدُه الظَّافر.
(29/184)