ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادِ بنِ بِشْرٍ
 
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ القُدْوَة الصَّدُوْق الحَافِظ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ البَصْرِيّ الصُّوْفِيّ، نَزِيْلُ مَكَّةَ، وَشَيْخ الحرَم.
وَمَا هُوَ بِابْنِ مُحَمَّد بن زِيَادٍ الأَعْرَابِيّ اللُّغَوِيّ؛ذَاكَ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يولَد هَذَا بِأَعْوَامٍ عِدَّة.
وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ:الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيّ، وَعَبْدَ اللهِ بن أَيُّوْبَ المُخَرِّمِيّ، وَسَعْدَان بنَ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الدَّقِيْقِيّ، وَأَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ المُنَادِي، وَعباساً التَّرْقُفِيّ، وَعَبَّاس بن مُحَمَّدٍ الدُّوْرِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن عَبْدِ اللهِ العَبْسِي، وَأَمماً سِوَاهُم.
خرَّج عَنْهُم(معجماً)كَبِيْراً، وَرَحَلَ إِلَى الأَقَالِيْم، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، صَحِبَ المَشَايِخ، وَتعبَّد وَتَأَلَّه وَأَلَّف(مَنَاقِب الصُّوْفِيَّة)، وَحمل(السُّنَن)عَنْ أَبِي دَاوُدَ، وَلَهُ فِي غضون الكِتَاب زيَادَاتٌ فِي المَتْن وَالسَّنَد.
(29/401)

رَوَى عَنْهُ:أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ خَفِيْف، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَة، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مفرج، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُمَيْع الصَّيْدَاوِي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيّ القَطَّان، وَصَدَقَة بنُ الدّلم، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ بنِ النَّحَّاسِ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن مُنِيْر المِصْرِيّان، وَمُحَمَّد بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ ضَيْفُون شَيْخُ أَبِي عُمَر بن عَبْدِ البَرِّ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطَّرَسُوْسِيّ وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ مِنَ الحُجَّاج وَالمجَاورين.
وَكَانَ كَبِيرَ الشَّأْنِ، بعيد الصِّيت، عَالِي الإِسْنَاد.(15/409)
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ:سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ الخشَّاب، سَمِعْتُ ابْنَ الأَعْرَابِيّ يَقُوْلُ:
المَعْرِفَةُ كُلُّهَا الاعترَافُ بِالجَهْل، وَالتَّصوفُ كُلُّه تَرْك الفُضُول، وَالزُّهْد كُلُّه أَخْذُ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ، وَالمعَاملَةُ كُلُّهَا اسْتَعمَالُ الأَوْلَى فَالأَوْلَى، وَالرِّضَى كُلُّه تَرْك الاعترَاض، وَالعَافيَة كُلُّهَا سقوطُ التَّكلُّف بِلاَ تكَلُّف.
وَكَانَ - رَحِمَهُ اللهُ - قَدْ صَحِبَ الجُنَيْد، وَأَبَا أَحْمَدَ القَلاَنِسِيَّ.
وعَمِلَ(تَارِيْخاً)لِلْبَصْرَة لَمْ أَره.
أَمَا كِتَابهُ فِي(طَبَقَات النُّسَّاك)فَنقَلْتُ مِنْهُ.
وَمِنْ كَلاَمه فِي تَرْجَمَة أَبِي الحُسَيْنِ النُّوْرِي، قَالَ:مَاتَ وَهُم يَتَكَلَّمُوْنَ عِنْدَهُ فِي شَيْءٍ، سكوتهُم عَنْهُ أَوْلَى لأَنَّه شَيْءٌ يتكهنُوْنَ فِيْهِ، وَيتعسَّفون بظُنونهم، فَإِذَا كَانَ أَولئك كَذَلِكَ، فَكَيْفَ بِمَنْ حدَّث بعدَهُم؟
(29/402)

قَالَ أَيْضاً:إِنَّمَا كَانُوا يَقُوْلُوْنَ:جمع، وَصورَةُ الجمع عِنْد كُلِّ أَحَدٍ بِخِلاَفهَا عِنْد الآخر، وَكَذَلِكَ صُوْرَةُ الفَنَاء، وَكَانُوا يتَّفِقُوْنَ فِي الأَسْمَاء، وَيَخْتلِفُونَ فِي معنَاهَا، لأَن مَا تَحْتَ الاسْم غَيْر محصور، لأَنَّهَا مِنَ المَعَارف.
قَالَ:وَكَذَلِكَ عِلْمُ المعْرفَة غَيْرُ محصورٍ لاَ نهَايَة لَهُ وَلاَ لوجوده، وَلاَ لذوقه...، إِلَى أَنْ قَالَ - وَلَقَدْ أَحسن فِي المَقَال - :فَإِذَا سَمِعْتُ الرَّجُل يَسْأَل عَنِ الجَمْع أَوِ الفَنَاء، أَوْ يُجِيْب فِيْهِمَا، فَاعلمْ أَنَّهُ فَارغٌ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ إِذْ أَهلُهمَا لاَ يَسْأَلُوْنَ عَنْهُ لِعْلمهم أَنَّهُ لاَ يدرك بِالوَصْف.(15/410)
قُلْتُ:إِي وَاللهِ، دقَّقُوا وَعمَّقُوا، وَخَاضُوا فِي أَسرَارٍ عَظِيْمَة، مَا مَعَهُم عَلَى دَعْوَاهُم فِيْهَا سِوَى ظنٍّ وَخيَالٍ، وَلاَ وَجودَ لتلك الأَحْوَال مِنَ الفَنَاء وَالمحو وَالصَّحو وَالسُّكر إِلاَّ مُجَرَّد خَطَرَات وَوسَاوس، مَا تفُوَّه بعبارَاتهم صِدِّيْق، وَلاَ صَاحِبٌ، وَلاَ إِمَامٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ.
فَان طَالبتَهم بدعَاويهم مقَتُوك، وَقَالُوا:محجوب، وَإِن سَلَّمت لَهُم قِيَادك تخبَّط مَا مَعَكَ مِنَ الإِيْمَان، وَهبَطَ بِك الحَال عَلَى الحَيْرَة وَالمُحَال، وَرَمَقْت العُبَّاد بعين المَقْت، وَأَهْل القُرْآن وَالحَدِيْثِ بعين البُعْد، وَقُلْتَ:مسَاكين محجوبُوْنَ.
فلاَ حَوْلَ وَلاَ قوَّة إِلاَّ بِاللهِ.
(29/403)

فَإِنَّمَا التَّصَوُّف وَالتَأَلُّه وَالسُّلوك وَالسَّيْر وَالمَحَبَّة مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الرِّضَا عَنِ اللهِ، وَلزوم تَقْوَى الله، وَالجِهَادِ فِي سَبِيْل الله، وَالتَأَدُّب بآدَاب الشَّريعَة مِنَ التِّلاَوَة بترتيلٍ وَتدبُّرٍ، وَالقِيَامِ بخَشْيَةٍ وَخشوعٍ، وَصَوْمِ وَقتٍ، وَإِفطَار وَقت، وَبَذْلَ المَعْرُوْف، وَكَثْرَة الإِيثَار، وَتَعْلِيم العَوَام، وَالتَّوَاضع لِلْمُؤْمِنين، وَالتعزُّز عَلَى الكَافرين، وَمَعَ هَذَا فَالله يَهْدِي مَنْ يَشَاء إِلَى صرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ.
وَالعَالِمُ إِذَا عَرِيَ مِنَ التَّصوف وَالتَألُّه، فَهُوَ فَارغ، كَمَا أَنَّ الصُّوْفِيّ إِذَا عَرِيَ مِنْ عِلْمِ السُّنَّة، زَلَّ عَنْ سوَاءِ السَّبيل.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ مِنْ عُلَمَاء الصُّوْفِيَّة، فترَاهُ لاَ يَقْبَلُ شَيْئاً مِنِ اصطلاَحَات القَوْم إِلاَّ بحُجَّةٍ.
تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ فِي شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ سنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَلَهُ أَربعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةَ وَأَشهر.(15/411)
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عمَاد، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَاد، أَخْبَرَنَا سَعْدَان بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرو بنِ يَحْيَى بنِ عمَارَة عَنْ أَبِيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(لَيْس فِيْمَا دُوْنَ خَمْسَة أَوَاقٍ صَدقَة، وَلَيْسَ فِيْمَا دُوْنَ خَمْس ذَوْدٍ صَدَقَة).
(29/404)

وَبِهِ:أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرو عَنْ سَالِم بنِ أَبِي الجَعْد عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرو، قَالَ:
كَانَ عَلَى ثَقَل النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ، يُقَال لَهُ:كركرَة، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(هو فِي النَّار).
فَذَهَبُوا ينْظُرُوْنَ إِلَيْهِ، فَوجَدُوا عَلَيْهِ عَبَاءةً قَدْ غَلَّهَا.
قُلْتُ:الجَمَّال حَتَّى فِي الصَّحَابَة لَيْسَ بِشَيْءٍ كمَا تَرَى.
وَفِيْهَا مَاتَ:الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَيُّوْبَ الطُّوْسِيّ، وَالحَسَنُ بنُ يُوْسُفَ بنِ فُلَيْح الطَّرَائِفِيّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيِّ بنِ حَرْب، وَقَاسِم بن أَصْبَغ مُحَدِّث الأَنْدَلُس، وَالحُسَيْنُ بنُ صَفْوَانَ البَرْذَعِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ الأُسْتَاذ بِبُخَارَى، وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِيّ صَاحِب(الجُمَل)، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ بَالُوْيَه بنَيْسَابُوْرَ، وَشَيْخُ الحَنَفِيَّة أَبُو الحَسَنِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ الكَرْخِيّ، وَشَيْخُ الشَّافِعِيَّة أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ المَرْوَزِيُّ.(15/412)
(29/405)