الفَارَابِيُّ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَرْخَانَ
 
شَيْخُ الفَلْسَفَةِ، الحَكِيْمُ، أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَرْخَان بن أَوْزَلَغ التُّركِي الفَارَابِي المنطِقيُّ، أَحَدُ الأَذْكِيَاء.
لَهُ تَصَانِيْفُ مَشْهُوْرَةٌ، مِنِ ابتغى الهُدَى مِنْهَا، ضلَّ وَحَارَ مِنْهَا تَخرَّج ابْنُ سينَا، نَسْأَل اللهَ التَّوفيق.
وَقَدْ أَحكَم أَبُو نَصْرٍ العَرَبيةَ بِالعِرَاقِ، وَلقِي مَتّى بنَ يُوْنُسَ صَاحِبَ المنطق، فَأَخَذَ عَنْهُ، وَسَارَ إِلَى حرَّان، فَلِزمَ بِهَا يوحنَّا بن جيْلاَن النَّصْرَانِيّ.
وَسَارَ إِلَى مِصْرَ، وَسَكَنَ دِمَشْق.
فَقِيْلَ:إِنَّهُ دَخَلَ عَلَى الملك سَيْفِ الدَّوْلَة بنِ حَمْدَان وَهْوَ بزِيِّ التُّرك.
وَكَانَ فِيْمَا يُقَال:يَعرفُ سَبْعِيْنَ لِسَاناً، وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ أُمَرَاءِ الأَتْرَاك، فَجَلَسَ فِي صَدْر المَجْلِس، وَأَخَذَ يُنَاظر العُلَمَاءَ فِي فنُوْنٍ.
فعلا كَلاَمُه، وَبَان فَضْلُه، وَأَنصتُوا لَهُ.
ثُمَّ إِذَا هُوَ أَبرعُ مَنْ يضرِبُ بِالعُود، فَأَخْرَجَ عُوداً مِنْ خَريطَة، وَشدَّه، وَلَعِبَ بِهِ، فَفَرِحَ كُلُّ أَهْلِ المَجْلِس، وضحكُوا مِنَ الطَّرب.
ثُمَّ غَيَّر الضَّرْب، فَنَامَ كُلُّ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى البَّوَاب فِيْمَا قِيْلَ.
فَقَامَ وَذَهَبَ.
وَيُقَالُ:إِنَّهُ هُوَ أَوَّلُ مَنِ اخترع القَانُوْنَ.
وَكَانَ يحبّ الوَحدَةَ، وَيصَنِّف فِي المَوَاضِع النَّزِهَة، وَقلّ مَا يبيِّض مِنْهَا.(15/418)
وَكَانَ يتزهَّد زُهْد الفَلاسفَة، وَلاَ يحتفِل بَملْبَس وَلاَ منزل.
أَجرَى عَلَيْهِ ابْنُ حَمْدَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرْبَعَة درَاهُم.
(29/412)

وَيُقَالُ:إِنَّهُم سأَلُوهُ:أَأَنت أَعْلَم أَوْ أَرسطو؟
فَقَالَ:لَوْ أَدركْتُه لكُنْتُ أَكْبَرَ تلاَمِذته.
وَلأَبِي نَصْرٍ نَظْمٌ جَيِّد، وَأَدعيَةٌ مليحَةٌ عَلَى اصطلاَح الحكمَاء.
ذكره أَبُو العَبَّاسِ بنُ أَبِي أُصَيْبِعَة، وَسرَدَ أَسَامِي مصنَّفَاته وَهِيَ كَثِيْرَةٌ.
منهَا مَقَالَة فِي إِثْبَاتِ الكيمِيَاء.
وَسَائِرُ تَوَالِيفه فِي الرِّيَاضِي وَالإِلهِي.
وبِدِمَشْقَ كَانَ مَوْتُه فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ عَنْ نَحْوٍ مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَصَلَّى عَلَيْهِ الملكُ سَيْفُ الدُّوْلَة بنُ حَمْدَان.
وَقَبْره بِبَابِ الصَّغِيْر.(15/419)
(29/413)