الصُّعْلُوْكِيُّ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ
 
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ هَارُوْنَ الحَنَفِيُّ العِجْلِيُّ الصُّعْلُوْكِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الفَقِيْهُ الشَّافِعِيُّ، المُتَكَلِّمُ، النَّحْوِيُّ، المفسِّرُ، اللُّغَوِيُّ، الصُّوْفِيُّ، شَيْخُ خُرَاسَانَ.
قَالَ الحَاكِمُ:هُوَ حَبْرُ زَمَانِهِ، وَبَقِيَّةُ أَقْرَانِهِ، وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَأَوَّلُ سمَاعِهِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ وَاختلَفَ إِلَى ابْنِ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ اختلَفَ إِلَى أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَنَاظَرَ وَبَرَعَ، ثُمَّ اسْتُدْعِيَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ نَعْيُّ عَمِّهِ أَبِي الطَّيِّبِ الصُّعْلُوْكِيِّ، خَرَجَ فِي الخِفْيَةِ حَتَّى قَدِمَ نَيْسَابُوْرَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، ثُمَّ نَقَلَ أَهْلَهُ مِنْ أَصْبَهَانَ.
أَفْتَى وَدرَّسَ بِنَيْسَابُوْرَ نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
(31/278)

سَمِعَ:إِمَامَ الأَئِمَّةِ ابنَ خُزَيْمَةَ، وَأَبَا العَبَّاسِ السَّرَّاجِ، وَأَحْمَدَ بنَ المَاسَرْجِسِيَّ، وَأَبَا قُرَيْشٍ مُحَمَّدَ بنَ جُمْعَةَ، وَأَحْمَدَ بنَ عُمَرَ المُحَمَّدَابَاذِي، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي حَاتِمٍ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ من:إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الصَّمدِ الهَاشِمِيِّ، وَابنِ الأَنْبَارِيِّ، وَالمَحَامِلِيِّ، وَكَانَ يمتنعُ عَنِ التَحْدِيْثِ كَثِيْراً إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ فَأَجَابَ إِلَى الإِمْلاَءِ، وَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّبْغِيَّ غَيْرَ مَرَّةٍ يعوِّذُ الأُسْتَاذَ أَبَا سَهْلٍ، وَيَقُوْلُ:بَارَكَ اللهُ فِيْكَ، لاَ أَصَابَكَ العَيْنَ.
وَقِيْلَ:سُئِلَ أَبُو الوَلِيْدِ حَسَّانُ الفَقِيْهُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ القَفَّالِ، وَأَبِي سَهْلٍ الصُّعْلُوْكِيِّ، أَيُّهُمَا أَرجحُ، فَقَالَ:وَمَنْ يقدرُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَبِي سَهْلٍ.
وَقَالَ الفَقِيْهُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ:لَمْ يَرَ أَهْلُ خُرَاسَانَ مِثْلَ أَبِي سَهْلٍ.
قَالَ الصَّاحِبُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبَّادٍ:مَا رَأَينَا مِثْلَ أَبِي سَهْلٍ، وَلاَ رَأَى مِثْلَ نَفْسِهِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ:أَبُو سَهْلٍ مُفْتِي البلدَةِ وَفَقِيْهُهَا، وَأَجدلُ مَنْ رَأَينَا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِخُرَاسَانَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَديبٌ، شَاعِرٌ، نَحْوِيٌّ، كَاتبٌ عَرُوضِيٌّ، صَحِبَ الفُقَرَاءَ.(16/237)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي (الطَّبَقَاتِ):الصُّعْلُوْكِيُّ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ أَبِي إِسْحَاقَ المَرْوَزِيِّ، مَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ وَكَانَ فَقِيْهاً أَديباً، متكلِّماً، مُفَسِّراً، صوفيّاً، كَاتِباً.
عَنْهُ أَخذَ ابنُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَفُقَهَاءُ نَيْسَابُوْرَ.
(31/279)

قُلْتُ:هُوَ صَاحِبُ وَجْهٍ، وَمِنْ غَرَائِبِهِ وَجوبُ النِّيَّةِ لإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ.
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ النَّسَوِيُّ:كَانَ أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوْكِيُّ مُقدَّماً فِي عِلْمِ التَّصَوفِ، صَحِبَ الشِّبلِيَّ، وَأَبَا علِيٍّ الثَّقَفِيَّ، وَالمرتعشَ، وَلَهُ كَلاَمٌ حسنٌ فِي التَّصَوفِ.
قُلْتُ:منَاقبُ هَذَا الإِمَامِ جَمَّةٌ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ:سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ فُوركَ، يَقُوْلُ:سُئِلَ الأُسْتَاذُ أَبُو سَهْلٍ عَنْ جَوَازِ رُؤْيَةِ اللهِ بِالعقلِ، فَقَالَ:الدَّلِيْلُ عَلَيْهِ شوقُ المُؤْمِنِيْنَ إِلَى لقَائِهِ، وَالشوقُ إِرَادَةٌ مُفرِطَةٌ، وَالإِرَادَةُ لاَ تتعلَّقُ بِمُحَالٍ.
وَقَالَ السُّلَمِيُّ:سَمِعْتُ أَبَا سَهْلٍ يَقُوْلُ:مَا عَقدْتُ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ، وَمَا كَانَ لِي قُفلٌ وَلاَ مفتَاحٌ، وَلاَ صَررْتُ عَلَى فِضَّةٍ وَلاَ ذهبٍ قَطُّ.
وَسمِعتُهُ يُسأَلُ عَنِ التَّصَوفِ، فَقَالَ:الإِعْرَاضُ عَنِ الاعترَاضِ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:مَنْ قَالَ لِشَيْخِهِ:لِمَ؟لاَ يُفْلِحُ أَبَداً.(16/238)
وَقَدْ حَضَرَ أَبُو القَاسِمِ النَّصرَابَاذِي وَجَمَاعَةٌ، وَتكلَّمَ قوَّالٌ فَقَالَ:
جعلتُ تنزُّهِي نَظَرِي إِلَيْكَا *
فَقَالَ النَّصرَابَاذِي:قُلْ، جعلتَ، فَقَالَ أَبُو سَهْلٍ:بَلْ جعلتُ، فَرَأَينَا النَّصرَابَاذِي أَلطَفُ قَوْلاً مِنْهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:مَا لَنَا وَلِلتَّفرِقَةِ؟أَلَيْسَ عينُ الجمعِ أَحقُّ؟فَسَكَتَ النَّصرَابَاذِي وَمَنْ حَضَرَ.
قُلْتُ:يُشيرُ إِلَى الوحدَةِ وَهِيَ الجمعُ، وَهَذَا الجمعُ مقيِّدٌ بِنَاظرٍ وَمَنظورٍ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى القَدَرِ، فَمَا جُعلَ نظرُهُ حَتَّى جَعلَهُ اللهُ، قَالَ - تَعَالَى - :{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ}[الإنسان:30]يَعْنِي:إِذَا قُلْتَهَا بِالضمِ أَوْ بِالفتحِ فَهُمَا مُتلاَزمَانِ.
(31/280)

قَالَ السُّلَمِيُّ:قَالَ لِي أَبُو سَهْلٍ:أَقمتُ بِبَغْدَادَ سَبْعَةَ أَعوامٍ مَا مرَّتْ بِي جُمُعَةٌ إِلاَّ وَلِي عَلَى الشِّبلِيِّ وَقفَةٌ أَوْ سُؤَالٌ.
وَدَخَلَ الشِّبلِيُّ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ المَرْوَزِيِّ فَرَآنِي عِنْدَهُ، فَقَالَ:ذَا المَجْنُوْنَ مِنْ أَصحَابِكَ، لاَ بَلْ مِنْ أَصحَابِنَا.
أَخْبَرَنَا أَبُوَ الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الحَافِظُ، أَخْبَرَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي القَاسِم، (ح)
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ عَنْ زَيْنَبٍ، قَالَتْ:أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مَسْرُوْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الحَنَفِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو قُرَيْشٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ بنِ نَضْلَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعَىً وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ).(16/239)
وَبِهِ أَنشدَنَا أَبُو سَهْلٍ الحَنَفِيُّ لِنَفْسِهِ:
أَنَامُ عَلَى سَهْوٍ وَتَبْكِي الحَمَائِمُ *وَلَيْسَ لَهَا جُرْمٌ وَمِنِّي الجَرَائِمُ
كذبتُ وَبيْتِ اللهِ لَوْ كُنْتَ عَاقِلاً *لَمَّا سَبَقَتْنِي بِالبُكَاءِ الحَمَائِمُ
قَالَ الحَاكِمُ:تُوُفِّيَ أَبُو سَهْلٍ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
(31/281)

قُلْتُ:وَفِيْهَا مَاتَ:شَيْخُ العَارِفِيْنَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ عَطَاءٍ الرُّوْذْبَارِيُّ، بِصُورٍ، وَقَدْ رَوَى عَنِ:البَغَوِيِّ، وَشيخُ الحنَابلَةِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَاقِلاَ البَزَّازُ بِبَغْدَادَ كَهْلاً، وَالحَافِظُ أَبُو سَعِيْدٍ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّعْفَرَانِيُّ بأَصْبَهَانَ، وَشيخُ التَّعْبِيرِ رُحَيمُ بنُ سَعِيْدٍ الدِّمَشْقِيُّ الضَّريرُ خَاتِمَةُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ:أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ مائَةٍ وَسَبْعِ سِنِيْنَ، وَمُسْنِدُ بَغْدَادَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ مَاسِي البَزَّازُ، وَقَاضِي دِمَشْقَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَاشِدِ بنِ أُخْتِ وَلِيْدٍ البَغْدَادِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو الشَّيْخِ بِأَصْبَهَانَ، وَقَاضِي القُضَاةِ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ عَلِيِّ ابْنِ أُمِّ شَيْبَانَ العَبَّاسِيُّ بِبَغْدَادَ، وَالحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْلٍ الغزَّالُ بأَصْبَهَانَ، وَالحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ النَّقَّاشُ بِتِنِّيْسَ، وَأَبُو عَلِيٍّ مَخْلَدُ بنُ جَعْفَرٍ البَاقِرحِيُّ، سَمِعْنَا مشيخَتَهُ.(16/240)
(31/282)