حكم الإشمام
 

الإشمام لغة : مأخوذ من أشممته الطيب، أي وصلت إليه شيئا يسيرا مما يتعلق به وهو الرائحة
وعرفا: عبارة عن ضم الشفتين كهيئتهما عند التقبيل بعد تسكين الحرف.‏
أو يقال: هو أن تجعل شفتيك بعد النطق بالحرف ساكنا على صورتهما إذا نطقت بالضمة.‏
وقال السخاوي: هو الإشارة إلى الحركة من غير تصويت، ‏
وقال في موضع آخر: حقيقته أن تجعل شفتيك على صورتهما إذا لفظت بالضمة،‏
وكلاهما واحد، لأن الإشارة في كلامه معناها: أن تجعل شفتيك على صورتهما إذا نطقت بالضمة، ويرجعان إلى المعنى الأول، لأن الإشارة لا ‏تكون بعد سكون الحرف، وهذا مما لا يختلف فيه، ‏
وقول الشاطبي:‏
وَالاِشْمَامُ إِطْبَاقُ الشِّفَاهِ بُعَيْدَ مَا*** يُسَكَّنُ لاَ صَوْتٌ هُنَاكَ فَيَصْحَلاَ
فسره بعضهم بقوله: هو حذف كل حركة المتحرك، فضم الشفتين في الوقف بلا صوت يسمع، ‏
وبعضهم بقوله: هو إطباق الشفاه بعيد السكون من غير صوت مسموع عنده.‏
فهو أيضا راجع إلى المعنى الأول كما لا يخفى.‏
وقوله "إطباق الشفاه"، يريد به ضمها كهيئتها عند التقبيل بحيث يكون بين الشفتين فرجة لإخراج النفس. وليس مراده بالإطباق حقيقته، ‏لأنه يقتضي أن الإشمام لا فرجة معه، وليس كذلك. و"الشفاه"، بالهاء جمع شفة، وإنما جمعها باعتبار القارئين، أو هو من باب قولهم عريض ‏الحواجب، عظيم المناخر. ثم هو قيد أخرج به الإسكان المجرد، ‏
وقوله "بعيدما يسكن"، أي بعيد السكون وأتى به بالتصغير ليفيد اتصال ضم الشفتين بالإسكان، يعني من غير تراخ، فلو تراخى فإسكان ‏مجرد لا إشمام فيه لعدم التبعية.‏
وقوله "لا صوت" ، إشارة إلى الفرق بينه وبين الروم، لأن الروم معه صوت ضعيف ، كما مر، وهذا عار منه.‏

واعلم أن الأعمى لا يدرك الإشمام من غيره لأنه مما يرى ولا يسمع، ولهذا لا يأخذه الأعمى عن مثله، بخلاف الروم، فإن الأعمى يدركه من ‏غيره بسمعه، والبصير يدركه بسمعه وبصره ، لأنه مما يرى ويسمع.‏

وما ذكرناه في حقيقة الروم والإشمام هو مذهب القراء ونحاة البصريين، غير ابن كيسان. وذهب الكوفيون وابن كيسان إلى العكس فسموا ‏الروم إشماما والإشمام روما.‏
وهو اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح إذا عرفت الحقائق.‏
وأما قول الجوهري في الصحاح: "إشمام الحرف أن تشمه الضمة أو الكسرة، وهو أقل من روم الحركة لأنه لا يسمع، وإنما يتبين بحركة الشفة ‏العليا، ولا يعتد بها حركة لضعفها، الحرف الذي فيه الإشمام ساكن أو كالساكن" .‏
فهو خلاف ما يقوله الناس في حقيقة الإشمام، وفي محله ، فلم يوافق مذهبا من المذهبين.‏
والإشمام يكون في المضموم من المبنيات وفي المرفوع من المعربات.‏
فالمضموم نحو: من قبل ومن بعد، ويا جبال.‏
والمرفوع نحو: الله الصمد، ولا يصيبهم ظمأ، ونستعين، ‏
وإنما اختص بهما لأن معناه -وهو ضم الشفتين- إنما يناسب الضمة لانضمام الشفتين عند النطق بهما دون الفتحة والكسرة لخروج الفتحة ‏بانفتاح والكسر بانخفاض، ولأن إشمام المفتوح والمكسور يوهم ضمهما في الوصل. ولا يختص بآخر الكلمة بل كما يكون في آخرها يكون ‏في غيره كما في: تأمنا، في وجه الإشمام خلافا لمكي في تخصيصه بالآخر.‏
واعلم أن مما ذكرناه أشياء يتعين الوقف عليها بالإسكان مطلقا أو في قول، وجملتها أربعة:‏
‏(اثنان متفق على عدم دخول الروم والإشمام فيهما وهما)‏
‎1‎‏- هاء التأنيث
‎2‎‏- وعارض الشكل
‏(واثنان مختلف فيهما وهما)‏
‎3‎‏- ميم الجمع
‎4‎‏- وهاء الضمير
وتفصيل الكلام عليهما في المطولات، فارجع إليها إن شئت.

 

دروس الشيخ أيمن سويد في علم التجويد

الموضوع التالي


حكم التكرير