ابْنُ حِنْزَابَةَ جَعْفَرُ بنُ الفَضْلِ بنِ جَعْفَرٍ البَغْدَادِيُّ
 
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الوَزِيْرُ الأَكْمَلُ، أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ ابْنُ الوَزِيْرِ أَبِي الفَتْحِ الفَضْلِ بنِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ الحَسَنِ بنِ الفُرَاتِ البَغْدَادِيُّ، نزيلُ مِصْرَ.
وُلِدَ:بِبَغْدَادَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَوَزَرَ أَبُوْهُ للمُقْتَدِرِ عَامَ مصرعِهِ، وَوَزَرَ عمُّ أَبِيهِ الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ للمُقْتَدِرِ غَيْرَ مَرَّةٍ.
فَقُتِلَ فِي سَنَةِ 332.
وَوَزَرَ أَبُو الفَضْلِ بِمِصْرَ لكَافُوْرٍ.(16/485)
وَحَدَّثَ عَنْ:أَبِي حَامِدٍ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الحَضْرَمِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّارِكِيِّ الأَصْبَهَانِيِّ، وَأَبِي يَعْلَى مُحَمَّدِ بنِ زُهَيْرٍ الأُبُلِّيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ بنِ عُمَارَةَ الأَصْبَهَانِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الخَرَائِطيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ الحِمْصِيِّ، وَعِدَّةٍ.
قَالَ الخَطِيْبُ:وَكَانَ يذكرُ أَنَّهُ سَمِعَ مَجْلِساً مِنْ أَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ، وَيَقُوْلُ:مَنْ جَاءنِي بِهِ أَغْنَيْتُهُ.
وَكَانَ يُمْلِي الحَدِيْثَ بِمِصْرَ، وَبسببِهِ خَرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِلَيْهَا، فَإِنَّ ابنَ حِنْزَابَةَ كَانَ يُرِيْدُ أَنْ يصَنَّفَ مُسْنَداً، فَخَرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِلَى مِصْرَ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ مُدَّةً، وَحصلَ لَهُ مِنْهُ مَالٌ كَثِيْرٌ.
(32/76)

حَدَّثَ عَنْهُ:الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الغنِيِّ المِصْرِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
وَيَعسرُ وَقوعُ حَدِيْثِهِ لَنَا، فَإِنَّهُ - حَالَ أَوَانَ الرِّوَايَةِ - كَانَ علمُهُ كَاسِداً بِمِصْرَ لمَكَانِ الدَّوْلَةِ الإِسْمَاعِيْلِيَّةِ.
وَقِيْلَ:هُوَ الَّذِي كَاتَبَهُمْ وَجَسَّرَهُمْ عَلَى المجِيْءِ لأَخذِ مِصْرَ، ثُمَّ نَدِمَ.
قَالَ السِّلَفِيُّ:كَانَ ابْنُ حِنْزَابَةَ مِنَ الحُفَّاظِ الثِّقَاثِ المُتَبَجِّحِيْنَ بِصُحبَةِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، مَعَ جَلاَلَةٍ وَريَاسَةٍ، يَرْوِي وَيُمْلِي بِمِصْرَ فِي حَالِ وَزَارتِهِ، وَلاَ يَختَارُ عَلَى العِلْمِ وَصُحبَةِ أَهلِهِ شَيْئاً، وَعِنْدِي مِنْ أَمَالِيهِ، وَمِنْ كلاَمِهِ عَلَى الحَدِيْثِ وَتصرُّفِهِ الدَّالِّ عَلَى حِدَّةِ فَهْمِهِ وَوُفُورِ عِلْمِهِ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ:حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنَانِيُّ الحَافِظُ مَعَ تَقَدُّمِهِ.(16/486)
وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ابنَ حِنْزَابَةَ بَعْدَ موتِ كَافور وَزَرَ للملكِ أَبِي الفَوَارِسِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ الإِخْشِيْذِ، فَقَبَضَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَربَابِ الدَّوْلَةِ، وَصَادَرَهُمْ، وَصَادَرَ يَعْقُوْبَ بنَ كلِّسَ الَّذِي وَزَرَ، فَأَخَذَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَهَرَبَ إِلَى المَغْرِبِ، وَتوصَّلَ وَعظُمَ قَدْرُهُ.
ثُمَّ إِنَّ ابنَ حِنْزَابَةَ لَمْ يَقدرْ عَلَى إِرضَاءِ الإِخْشِيْذِيَّةِ وَمَاجَت الأُمورُ، فَاخْتَفَى مَرَّتَيْنِ، وَنُهِبَتْ دَارُهُ، ثُمَّ قَدِمَ أَمِيْرُ الرَّمْلَةِ، الحَسَنُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ طُغْجَ، وَتملَّكَ، وَصَادَرَ ابْنُ حِنْزَابَةَ وَعَذَّبَهُ، فنزحَ إِلَى الشَّامِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، ثُمَّ رَجعَ.
(32/77)

قَالَ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ السَّبِيْعِيُّ:قَدِمَ عَلَيْنَا الوَزِيْرُ جَعْفَرُ بنُ الفَضْلِ إِلَى حلبَ، فتلقَّاهُ النَّاسُ، فكُنْتُ فِيهِمْ، فَعُرِّفَ أَنِّي مُحَدِّثٌ، فَقَالَ لِي:تعرفُ إِسْنَاداً فِيْهِ أَرْبَعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ؟قُلْتُ:نَعَمْ، حَدِيْثُ السَّائِبِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ حُوَيْطِبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ السَّعْدِيِّ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عَنْهُمْ فِي العُمَالَةِ.
فَعَرفَ لِي ذَلِكَ، وَصَارَ لِي عِنْدَهُ منزلَةً.
قِيْلَ:كَانَ الوَزِيْرُ عِنْدَهُ عِدَّةَ وَرَّاقِيْنَ، وَكَانَ يُسْتَعملُ بِسَمَرْقَنْدَ الكَاغد، وَيُحملُ إِلَيْهِ.
قُلْتُ:كَاتبَ ابْنُ حِنْزَابَةَ وَعِدَّةٌ مِنَ الكُبَرَاءِ القَائِدَ جَوْهَراً يطلُبُونَ الأَمَانَ، فَأَمَّنَهُمْ، وَدَخَلَ فِي دست عظيمٌ، فَاسْتَوْزَرَ ابنَ حِنْزَابَةَ مرَّةً.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ:كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ المُهَلَّبِيِّ بِمِصْرَ، فَقَالَ:كُنْتُ حَاضراً فِي دَارِ الوَزِيْرِ ابْنِ كلِّسَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو العَبَّاسِ؛وَلَدُ الوَزِيْرِ أَبِي الفَضْل بنِ حِنْزَابَةَ، وَكَانَ قَدْ زَوَّجَهُ بَابنَتِهِ، فَقَالَ لَهُ:يَا سيِّدِي مَا أَنَا بِأَجلَّ مِنْ أَبِيكَ، وَلاَ بأَفضلَ، أَتَدْرِي مَا أَقعدَهُ خَلْفَ النَّاسِ؟شَيْل أَنْفِهِ بِأَبِيهِ، فَلاَ تَشِلْ - يَا أَبَا العَبَّاسِ - أَنْفَكَ بِأَبِيكَ.
تَدْرِي مَا الإِقبالُ؟نشَاطٌ وَتواضعٌ، وَالإِدْبارُ كسلٌ وَترفُّعٌ.(16/487)
قِيْلَ:كَانَ ابْنُ حِنْزَابَةَ مُتَعَبِّداً، ثُمَّ يفطرُ ثُمَّ ينَامُ، ثُمَّ ينهضُ فِي اللَّيْلِ، وَيدخلُ بَيْتَ مُصَلاَّهُ فيصفُّ قَدَمَيْهِ إِلَى الفَجْرِ.
قَالَ المُسَبِّحِيُّ:لمَا غُسّلَ ابْنُ حِنْزَابَةَ جُعلَ فِيْهِ ثَلاَثُ شعرَاتٍ مِنْ شعرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَخَذَهَا بِمَالٍ عظيمٍ.
(32/78)

وحِنْزَابَةُ:جَارِيَةٌ هِيَ وَالِدَةُ الفَضْلِ الوَزِيْرِ، وَفِي اللُّغَةِ:الحِنْزَابَةُ:هِيَ القَصِيْرَةُ السَّمِيْنَةُ.
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ:رَأَيْتُ عِنْدَ الحبَّالِ كَثِيْراً مِنَ الأَجزَاءِ الَّتِي خرِّجَتْ لابنِ حِنْزَابَةَ، وَفِي بَعْضِهَا الجزءُ الموفِي أَلْفاً مِنْ مُسْنَدِ كَذَا، وَالجزءُ الموفِي خَمْسَ مائَةٍ مِنْ مُسْنَدِ كَذَا، وَكَذَا سَائِرُ المسندَاتِ.
وَلَمْ يَزَلْ يُنفقُ فِي البِرِّ وَالمَعْرُوفِ الأَمْوَالَ، وَأَنفقَ كَثِيْراً عَلَى أَهْلِ الحَرَمَيْنِ إِلَى أَن اشْتَرَى دَاراً أَقربَ شَيْءٍ إِلَى الحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَأَوْصَى أَنْ يُدفنَ فِيْهَا، وَأَرضَى الأَشرَافَ بِالذَّهَبِ.
فَلَمَّا حُمِلَ تَابوتُهُ مِنْ مِصْرَ تلقَّوْهُ وَدُفِنَ فِي تِلْكَ الدَّارِ.
تُوُفِّيَ:فِي ثَالثَ عشرَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَلَمْ أَظفرْ بِحَدِيْثٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حِنْزَابَةَ بَعْدُ.
وَفِيْهَا مَاتَ:أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ زُرَيْقٍ بِمِصْرَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ وَاضِحٍ الخَشَّابُ بِأَصْبَهَانَ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ حَاجبٍ الكُشَانِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَجَّاجِ الشَّاعِرُ، وَأَبُو الحَسَنِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَحْمَدَ الخَرزِيُّ شَيْخُ الظَاهِريَّةِ بِبَغْدَادَ، وَأَبُو القَاسِمِ عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ، وَصَاحِبُ المَوْصِلِ حُسَامُ الدَّوْلَةِ مقلَّدُ بنُ المسيَّبِ العُقَيْلِيُّ، وَالمُؤَمَّلُ بنُ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيُّ.(16/488)
(32/79)