ابْنُ أَبِي عَامِرٍ أَبُو عَامِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَحْطَانِيُّ
 
المَلِكُ، المَنْصُوْرُ، حَاجِبُ المَمَالِكِ الأَنْدَلُسِيَّةِ، أَبُو عَامِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَامِرٍ مُحَمَّدِ بن وَلِيْدٍ القحطَانِيُّ، المَعَافِرِيُّ، القُرْطُبِيُّ، القَائِمُ بِأَعبَاءِ دَوْلَةِ الخَلِيْفَةِ المَرْوَانِيِّ المُؤَيَّدِ بِاللهِ هِشَامِ بنِ الحَكَمِ أَمِيْرِ الأَنْدَلُسِ، فَإِنَّ هَذَا المُؤَيَّدَ اسْتُخلِفَ ابْنَ تِسْعِ سِنِيْنَ، وَرُدَّت مَقَالِيدُ الأُمُورِ إِلَى الحَاجِبِ هَذَا، فَيَعمَدُ إِلَى خَزَائِنِ كُتُبِ الحَكَمِ، فَأَبرَزَ مَا فِيْهَا، ثُمَّ أَفردَ مَا فِيْهَا مِنْ كُتُبِ الفَلْسَفَةِ، فَأَحرقَهَا بِمَشهَدٍ مِنَ العُلَمَاءِ، وَطَمَرَ كَثِيْراً مِنْهَا، وَكَانَتْ كَثِيْرَةً إِلَى الغَايَةِ، فَعَلَهُ تَقبِيحاً لِرَأْي المُستَنْصِرِ الحَكَمِ.
وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، حَازماً سَائِساً، غَزَّاءً عَالِماً، جَمَّ المَحَاسِن، كَثِيْرَ الفُتوحَات، عَالِي الهمَّةِ، عَدِيْمَ النَّظير، وَسَيَأْتِي مِنْ أَخْبَاره فِي تَرْجَمَة المُؤَيَّد.
دَام فِي المَملكَة نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَدَانت لَهُ الجَزِيْرَةُ، وَأَمنت بِهِ، وَقَدْ وَزر لَهُ جَمَاعَة.(17/16)
(33/8)

وَكَانَ المُؤَيَّد مَعَهُ صُورَةً بِلاَ معنَى، بَلْ كَانَ مَحجوباً لاَ يجتمع بِهِ أَمِيْرٌ وَلاَ كَبِيْر، بَلْ كَانَ أَبُو عَامِرٍ يدخُلُ عَلَيْهِ قصرَهُ، ثُمَّ يَخرجُ فَيَقُوْلُ:رَسمَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بكذَا وَكَذَا، فَلاَ يُخَالفه أَحدٌ، وَإِذَا كَانَ بَعْد سَنَة أَوْ أَكْثَر، أَركبه فَرساً، وَجَعَلَ عَلَيْهِ بُرْنُساً، وَحَوْلَهُ جَوَارِيه رَاكبَات، فَلاَ يَعْرِفُه أَحد.
وَقَدْ غَزَا أَبُو عَامِرٍ فِي مدته نَيِّفاً وَخَمْسِيْنَ غَزْوَة، وَكثُر السَّبيُ حَتَّى لأُبيعت بِنْتُ عَظِيْمٍ ذَاتُ حُسنٍ بعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، وَلَقَدْ جَمع مِنْ غُبار غَزَوَاته مَا عُلمت مِنْهُ لَبِنَةٌ، وَأُلحدت عَلَى خَدِّه، أَوْ ذُرَّ ذَلِكَ عَلَى كفنه.
تُوُفِّيَ:بِأَقصَى الثُّغوْرِ، بِالبَطَنِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ جَوَاداً، مُمَدَّحاً، مِعَطَاءً.
وَتملَّك بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو مَرْوَانَ عَبْد المَلِكِ.(17/17)
(33/9)