جَيْشُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَمْصَامَةَ أَبُو الفَتْحِ المَغْرِبِيُّ
 
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، نَائِبُ دِمَشْقَ، أَبُو الفَتْحِ المَغْرِبِيُّ.
وَلِي البلدَ مِنْ قِبْلَ خَاله الأَمِيْر أَبِي مَحْمُوْد الكُتَامِي فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، ثُمَّ وَلِيهَا مستقلاً بَعْد مَوْتِ خَاله سَنَة سَبْعِيْنَ، ثُمَّ صرف بَعْد عَامِين، ثُمَّ وَلِيهَا سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَكَانَ ظلوماً مُتجبراً سَفَّاكاً للدمَاء، مُصَادِراً، خبيثَ العقيدَة، عَجَّ الخلقُ فِيْهِ إِلَى اللهِ حَتَّى هلك بِالجُذَام.(17/54)
وَكَانَ قَدِمَ الشَّامَ فِي جَيْشٍ، فَنَزَلَ الرَّمْلَة، وَبَادَرَ إِلَى خِدْمَته نُوَّابُ الشَّام، فَقبض عَلَى سُلَيْمَان بن فلاَح الأَمِيْر، وَجَهَّزَ طَائِفَةً لمنَازلَة صور لأَنَّهُم عَصَوْا وَأَمَّرُوا عَلَيْهِم علاَّقَة الملاَح، فَاسْتنجد بِالرُّوْم، فَأَمدّهُ بَسيل المَلِكُ بعدَة مرَاكبَ، فَالتَقَوا هُم وَأُسطول جَيْشٍ، فَأُخِذَتْ مرَاكبُ الرُّوْم، وَهَرَبَ مِنْ نَجَا، ثُمَّ أُخِذَتْ صور، وَأُسِرَ علاَّقَة، وَسُلخ بِمِصْرَ حياً، وَولِي عَلَى صور حُسَيْنُ بنُ صَاحِب المَوْصِل نَاصِرِ الدَّوْلَة، وَهَرَبَ مُفَرِّج أَمِيْرُ العَرَب مِنْ جَيْشٍ إِلَى جبال طيء.
(33/42)

وَأَقبلَ جَيْشٌ طَالباً لجموع الرُّوْم النَّازلين عَلَى فَامِيَة، وَأَقبلَ عَلَى أَحدَاثِ دِمَشْق وَاحْتَرَمهُم، وَخلعَ عَلَى أَعيَانهم، وَسَارَ إِلَى حِمْصَ، وَأَتته الأَمدَادُ وَالمُطَّوِّعَة، فَالتقَاهُ الذُّوفس - لعنه الله - ، وَحملت الرُّوْمُ، فَطحنت القَلْبَ، ثُمَّ انهزمت مِيسرَةُ جَيْشٍ وَعَلَيْهَا مِيسورٌ نَائِبُ طَرَابُلُس، وَهَرَبَ جَيْشٌ فِي المِيمنَة، فَرَكبت الرُّوْمُ أَقفيتهُم، وَقتلُوا نَحْو الأَلفين، وَأَخَذُوا الخيَام، فثبتَ بِشَارَةُ الإِخشيدِي فِي خَمْس مائَة فَارس، فضج الخلقُ مِنْ دَاخل فَامِيَة إِلَى اللهِ بِالدُّعَاء، وَكَانَ طَاغيَةُ الرُّوْم الذُّوفسُ عَلَى رَابيَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ ابْنَاهُ وَعشرَةُ فوَارس، فَقصدهُ أَحْمَدُ بنُ ضحَّاكٍ الكُرْدِي عَلَى جَوَاده، فَظَنَّه مُستَأْمناً، فَلَمَّا قرب طعنه أَحْمَد، قَتَلَه، فصَاح أَهْلُ فَامِيَة:أَلاَ إِنّ عَدُوَّ اللهِ قُتل، فَانهرمت الملاعِين ثُمَّ ترَاجعت المِصْرِيّون وَركبُوا أَقفيَة العَدُوّ وَأَلجؤوهُم إِلَى مضيقِ الجبل، إِلَى جَانب بحيرَة فَامِيَة، وَأُسِرَ وَلد الطَّاغيَة، وَحُمِلَ إِلَى مِصْرَ مِنْ رُؤُوْسهم نَحْو عِشْرِيْنَ أَلْف رَأْس، وَأَلفَا أَسير، وَسَارَ جَيْشٌ إِلَى أَنطَاكيَة فسبَى وَغنم.(17/55)
(33/43)

وَقَدِمَ دِمَشْقَ وَقَدْ عَظُمَتْ سَطْوَتُهُ، وَنَزَلَ بِظَاهِرهَا، وَزُينَت دِمَشْقُ، فَأَظهر العَدْل، وَشرع يُلاَطِفُ الأَحدَاثَ حَتَّى طمَّنَهُم، وَأَمر قُوَّاده بِالأُهبَة، وَهيَّأ رِقَاعاً مختومَةً، وَقسَّم البَلَد، وَعيَّن كُلَّ دربٍ لقَائِد، وَأَن يَبْذُلُوا السَّيْفَ، وَهَيَّأ فِي حمَّام دَاره الَّتِي ببَيْت لهيَا مائَتَيْنِ بِالسُّيوف، وَمَدَّ السِّمَاطَ للأَحدَاثِ، فَلَمَّا قَامُوا لغسلِ الأَيدِي أَغلقَ عَلَيْهِم، وَكَانَ كُلّ مُقَدَّم مِنَ الأَحدَاثِ يركب فِي جمعه بِالسِّلاَح، وَكَانَ الَّذِيْنَ أُغلق عَلَيْهِم اثْنَيْ عَشَرَ مُقَدّماً، فَقُتلُوا، وَمَالت أَعوَانُهُ عَلَى أَصحَابهم قتلاً، وَدخلت المِصْرِيّون دِمَشْقَ بِالسَّيْف، فَكَانَ يَوْماً عصيباً، نَسْأَلُ اللهَ العَافيَةَ، ثُمَّ جهَّز إِلَى قُرَى الغوطَة وَالمرج نصرُوْنَ القَائِدَ، فَقَتَل نَحْو الأَلْفِ، وَاسْتَغَاثَ أَهْلُ البَلَدِ إِلَى جَيْشٍ:العَفْوَ العَفْوَ، فَكَفَّ، وَطَلَبَ الأَكَابِرَ فَلَمَّا اجتَمَعُوا، أَخْرَجَ رُؤُوْسَ الأَحْدَاث قَدْ ضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ شَرَعَ فِي المُصَادَرَة وَالعَذَاب، وَوَضَعَ عَلَيْهِم خَمْس مائَة أَلْف دِيْنَار.
فَقِيْلَ:عِدَّةُ مِنْ قُتل مِنَ الأَحْدَاث وَالشُّطَّار ثَلاَثَةُ آلاَف نَفْس، فَاسْتَأصَلَهُ اللهُ بَعْد أَشْهُر، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَلقَدْ لَقِيَ المُسْلِمُوْنَ مِنَ العُبَيْدِيَّة وَالمغَارِبَة أَعْظَمَ البَلاَء فِي النَّفْسِ وَالمَالِ وَالدِّيْنِ، فَالأَمْرُ للهِ، وَابتُلِيَ جَيْشٌ بِمَا لاَ مَزِيْدَ عَلَيْهِ، حَتَّى أَلْقَى مَا فِي بَطْنِهِ وَكَانَ يَقُوْلُ لأَصْحَابِهِ:اقْتُلُونِي، وَيْلَكُم!أَرِيْحُونِي مِنَ الحَيَاة.
وَيُقَالُ:نفذت فِيْهِ دَعْوَةُ أَبُو بَكْرٍ بنُ الحرمِي الزَّاهِد، وَأَرَاقَ لَهُ خُمُوراً فَمَا سَلَّطَهُ اللهُ عَلَيْهِ.(17/56)
(33/44)