السُّلَمِيُّ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى
 
ابْنِ خَالِد بن سَالِم بن زَاويَةَ بن سَعِيْدِ بنِ قَبِيْصَة بن سَرَّاق الأَزْدِيُّ، السُّلَمِيُّ الأُمِّ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، شَيْخُ خُرَاسَان، وَكبِيرُ الصُّوْفِيَّة، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصُّوْفِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
أَفرد لَهُ المُحَدِّثُ أَبُو سَعِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الخَشَّابُ تَرْجَمَةً فِي جُزء،
فَقَالَ:وُلِدَ فِي عَاشر جُمَادَى الآخِرَة سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَذَلِكَ بَعْد مَوْتِ مَكِّيّ بن عَبْدَانَ بِسِتَّةِ أَيَّام، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ فِي سَنَة ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّبْغِي، وَمن الأَصَمِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الأَخْرَم، وَسَمِعَ كَثِيْراً:مِنْ جَدِّه لأُمِّهِ إِسْمَاعِيْل بن نُجَيْد، وَمن خَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَلَهُ رِحْلَةٌ - يَعْنِي إِلَى العِرَاقِ - ابْتَدَأَ بِالتَّصْنِيْفِ سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَصَنَّفَ فِي عُلُوْمِ القَوْمِ سبع مائَة جُزء، وَفِي أَحَادِيْث النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منْ جمع الأَبْوَاب وَالمَشَايخ وَغَيْر ذَلِكَ ثَلاَث مائَة جُزء، وَكَانَتْ لَهُ تَصَانِيْفُهُ مَقْبُوْلَةً.(17/248)
(33/235)

قَالَ الخَشَّاب:كَانَ مَرْضِيّاً عِنْد الخَاصّ وَالعَامّ، وَالمُوَافق وَالمُخَالف، وَالسُّلْطَانِ وَالرَّعِيَّةِ، فِي بَلَدِهِ وَفِي سَائِرِ بِلاَدِ المُسْلِمِيْنَ، وَمَضَى إِلَى اللهِ كَذَلِكَ، وَحَبَّبَ تَصَانِيْفَهُ إِلَى النَّاسِ وَبِيْعَت بِأَغلَى الأَثمَانِ، وَقَدْ بعتُ يَوْماً مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَدَاءة خَطِّي بعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، وَكَانَ فِي الأَحيَاء، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ كِتَاب(حَقَائِق التَّفْسِيْر)أَبُو العَبَّاسِ النَّسَوِيُّ، فَوَقَعَ إِلَى مِصْرَ، فَقُرِئَ عَلَيْهِ، وَوزَّعُوا لَهُ أَلفَ دِيْنَار، وَكَانَ الشَّيْخُ بِبَغْدَادَ حَيّاً.
وَسَمِعْتُ أَبَا مُسْلِم غَالِبَ بنَ عَلِيٍّ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ:
لَمَّا قَرَأنَا كِتَاب(تَاريخ الصُّوْفِيَّة)فِي شهور سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بِالرَّيِّ، قُتِلَ صَبِيٌّ فِي الزِّحَام، وَزعقَ رَجُلٌ فِي المَجْلِسِ زَعْقَةً، وَمَاتَ، وَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ هَمَذَان، تَبِعَنَا النَّاسُ لِطَلَبِ الإِجَازَة مَرحلَةً.
قَالَ السُّلَمِيُّ:وَلَمَّا دَخَلْنَا بَغْدَادَ، قَالَ لِي الشَّيْخ أَبُو حَامِدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيّ:أُرِيْدُ أَنْ أَنْظُرَ فِي(حَقَائِق التَّفْسِيْر)، فَبعثَتُ بِهِ إِلَيْهِ، فَنَظَرَ فِيْهِ، وَقَالَ:أُرِيْدُ أَنْ أَسمعه، وَوضعُوا لِي مِنْبَراً.
قَالَ:وَرأَينَا فِي طَرِيْقِ هَمَذَان أَمِيْراً، فَاجْتَمَعْتُ بِهِ، فَقَالَ:لاَ بُدَّ مِنْ كِتَابَة(حَقَائِق التَّفْسِيْر).
فَنُسِخَ لَهُ فِي يَوْمٍ، فُرِّقَ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَمَانِيْنَ نَاسِخاً، فَفَرَغُوهُ إِلَى العَصْر، وَأَمَرَ لِي بِفَرَسٍ جَوَادٍ وَمائَة دِيْنَارٍ وثِيَابٍ كَثِيْرَة.
(33/236)

فَقُلْتُ:قَدْ نَغَّصتَ عَلِيَّ، وَأَفْزَعْتَنِي، وَأَفزعتَ الحَاجَّ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَرْويعِ المُسْلِمِ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ يُبَارَكَ لَكَ فِي الكِتَاب، فَاقضِ لِي حَاجَتِي.
قَالَ:وَمَا هِيَ؟
قُلْتُ:أَنْ تُعْفِينِي مِنْ هَذِهِ الصِّلَة، فَإِنِّي لاَ أَقْبَلُ ذَلِكَ.
فَفَرَّقهَا فِي نُقَبَاء الرِّفْقَة، وَبَعَثَ مِنْ خَفَّرَنَا، وَكَانَ الأَمِيْر نَصْرُ بنُ سُبُكْتِكِيْن صَاحِبُ الجَيْشِ عَالِماً، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ التَّفْسِيْر، أَعْجَبَهُ وَأَمَرَ بِنَسْخِهِ فِي عشر مُجَلَّدَات، وَكِتْبةِ الآيَات بِمَاءِ الذَّهَب، ثُمَّ قَالُوا:تَأَتِي حَتَّى يسمعَ الأَمِيْرُ الكِتَابَ.
فَقُلْتُ:لاَ آتيه البتَّة.
ثُمَّ جَاؤُوا خَلْفِي إِلَى الخَانقَاه، فَاختَفَيْتُ، ثُمَّ بَعَثَ بِالمُجَلَّدِ الأَوّل، وَكتبتُ لَهُ بِالإِجَازَةِ.(17/249)
قَالَ:وَلَمَّا تُوُفِّيَ جَدِّي أَبُو عَمْرٍو، خَلَّفَ ثَلاَثَة أَسهُمٍ فِي قريَة، قيمتُهَا ثَلاَثَةُ آلاَف دِيْنَار، وَكَانُوا يتوَارِثُونَ ذَلِكَ عَنْ جدِّه أَحْمَدَ بن يُوْسُفَ السُّلَمِيّ، وَكَذَلِكَ خَلَّفَ أَيْضاً ضِيَاعاً وَمَتَاعاً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرَ وَالدتِي، وَكَانَ عَلَى التَّرِكَات رَجُلٌ مُتَسَلِّطٌ، فَكَانَ مِنْ صُنعِ الله أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، وَسَلَّمَ إِليَّ الكُلَّ، فَلَمَّا تَهَيَّأَ أَبُو القَاسِمِ النَّصرَاباذِي للحجّ، اسْتَأْذنتُ أُمِّي فِي الحَجّ، فَبِعتُ سَهْماً بِأَلف دِيْنَار، وَخَرَجتُ سَنَة 366.
فَقَالَتْ:أُمِّي توجَّهْتَ إِلَى بَيْت الله، فَلاَ يَكْتُبَنَّ عَلَيْك حَافِظَاك شَيْئاً تَسْتحِي مِنْهُ غداً.
وَكُنْتُ مَعَ النَّصرَاباذِي أَيَّ بَلَدٍ أَتينَاهُ يَقُوْلُ:قُمْ بِنَا نَسْمَعِ الحَدِيْثَ.
(33/237)

وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:إِذَا بدَا لَكَ شَيْءٌ مِنْ بَوَادِي الحَقّ، فَلاَ تَلْتَفتْ مَعَهَا إِلَى جَنَّةٍ وَلاَ نَارٍ، وَإِذَا رجعتَ عَنْ تِلْكَ الحَالِ، فَعَظِّم مَا عَظَّمَهُ اللهُ.
وَقَالَ:أَصْلُ التَّصَوُّفِ مُلاَزَمَةُ الكِتَابِ وَالسُّنَّة، وَتَرْكُ الأَهْوَاءِ وَالبِدَع، وَتَعْظِيْمُ حُرُمَاتَ المَشَايِخ، وَرؤيَةُ أَعذَار الخَلْق، وَالدَّوَامُ عَلَى الأَورَاد.
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيّ فِي(سيَاق التَّارِيْخ):أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَيْخُ الطَّرِيْقَة فِي وَقْتِهِ، المُوَفَّقُ فِي جَمِيْعِ عُلُومِ الحَقَائِقِ، وَمَعْرِفَةِ طَرِيْق التَّصَوُّف، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ المَشْهُوْرَةِ العَجِيْبَة، وَرِثَ التَّصَوُّفَ مِنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، وَجَمَعَ مِنَ الكُتُبِ مَا لَمْ يُسْبَقْ إِلَى تَرْتِيْبِهِ حَتَّى بَلَغَ فَهْرَسُ كُتُبه المائَةَ أَوْ أَكْثَر، حَدَّثَ أَكْثَر مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً قِرَاءةً وَإِملاَءً، وَكَتَبَ الحَدِيْثَ بِنَيْسَابُوْرَ وَمرو وَالعِرَاق وَالحِجَاز، وَانتخب عَلَيْهِ الحُفَّاظ.(17/250)
سَمِعَ مِنْ:أَبِيهِ، وَجَدِّهِ ابْنِ نُجَيْد، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّفَّار، وَأَبِي العَبَّاسِ الأَصَمِّ، وَمُحَمَّد بن يَعْقُوْبَ الحَافِظ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الحِيْرِيّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيّ، وَأَبِي الحَسَنِ الكَارِزِي، وَأَبِي الحَسَنِ الطَّرَائِفِيّ، وَالإِمَام أَبِي بَكْرٍ الصِّبْغِي، وَالأُسْتَاذِ أَبِي الوَلِيْد حسَّان، وَابني المُؤَمَّل، وَيَحْيَى بن مَنْصُوْرٍ القَاضِي، وَأَبِي سَعِيْدٍ بنِ رُميح، وَأَبِي بَكْرٍ القَطِيْعِيّ، وَطَبَقَتِهِم.
ووُلِدَ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، كَذَا وَرّخه عَبْد الغَافر، فَالله أَعلم.
(33/238)

وَقَالَ:حَدَّثَنَا عَنْهُ جَدِّي زَيْنُ الإِسْلاَمِ القُشَيْرِيّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ رَامش، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ زَكَرِيَّا، وَأَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّنُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خَلَف، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّفْليسِي، وَأَبُو نَصْرٍ الجُوْرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المَدِيْنِيّ.
قُلْتُ:وَمُحَمَّد بن يَحْيَى المُزَكِّي، وَأَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الثَّقَفِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَمَا هُوَ بِالقَوِيِّ فِي الحَدِيْثِ.
ذَكَرَهُ الخَطِيْبُ، فَقَالَ:مَحَلُّهُ كَبِيْرٌ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ، مُجَوِّداً، جَمَعَ شُيُوخاً وَتَرَاجمَ، وَأَبوَاباً، وَعمل دُوَيرَةً لِلْصُّوْفِيَّة، وَصَنَّفَ سُنَناً وَتَفْسِيْراً.
قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ القُشَيْرِيّ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ يَسْأَلُ أَبَا عَلِيٍّ الدَّقَّاق، فَقَالَ الذِّكْرُ أَتَمُّ أَم الفِكْرُ؟
فَقَالَ:مَا الَّذِي يُفْتَحُ لِلشَّيْخِ فِيْهِ؟
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ:عِنْدِي الذِّكْرُ أَتَمُّ، لأَنَّ الحَقَّ يُوْصَفُ بِالذِّكْرِ، وَلاَ يُوْصَفُ بِالفِكْر.
فَاسْتحسنه أَبُو عَلِيٍّ.(17/251)
السُّلَمِيّ:حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الضَّبِّيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نعيم، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ، سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الفَرَاهيجِي، سَمِعْتُ فَضَالَة النَّسَوِيَّ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَك يَقُوْلُ:
حقٌّ عَلَى العَاقِلِ أَنْ لاَ يَسْتَخفَّ بِثَلاَثَةٍ:العُلَمَاءِ وَالسَّلاَطِيْنِ وَالإِخْوَانِ، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَخَفَّ بِالعُلَمَاءِ ذَهَبَتْ آخِرَتُهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالسُّلْطَانِ ذَهَبَتْ دُنيَاهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالإِخْوَانِ ذَهَبَتْ مُرُوءتُهُ.
(33/239)

القُشَيْرِيّ:سَمِعْتُ السُّلَمِيّ يَقُوْلُ:خَرَجْتُ إِلَى مَرْو فِي حَيَاةِ الأُسْتَاذ أَبِي سَهْلٍ الصُّعْلُوْكِي، وَكَانَ لَهُ قَبْلَ خُرُوْجِي أَيَّام الجُمَع بِالغَدَوات مَجْلِسُ دوْر القُرْآن بختم، فَوَجَدتُهُ عِنْد رُجُوعِي قَدْ رَفَعَ ذَلِكَ المَجْلِس، وَعَقَدَ لابْنِ العُقَابِي فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مَجْلِسَ القَوْل فَدَاخلنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْء، وَكُنْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي:اسْتبدلَ مَجْلِس الختم بِمَجْلِس القَوْل - يَعْنِي الغِنَاء - .
فَقَالَ لِي:يَوْماً يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيشٍ يَقُوْلُ النَّاس لِي؟
قُلْتُ:يَقُوْلُوْنَ رَفَعَ مَجْلِسَ القُرْآن، وَوَضَعَ مَجْلِسَ القَوْل.
فَقَالَ:مَنْ قَالَ لأُسْتَاذِه لِمَ؟لاَ يفلح أَبَداً.
قُلْتُ:يَنْبَغِي لِلْمُرِيْدِ أَنْ لاَ يَقُوْلُ لأُسْتَاذِهِ:لِمَ، إِذَا علمه مَعْصُوْماً لاَ يَجُوْزُ عَلَيْهِ الخَطَأ، أَمَا إِذَا كَانَ الشَّيْخُ غَيْرَ مَعْصُوْمٍ وَكَرِهَ قَوْلَ:لِمَ؟فَإِنَّهُ لاَ يُفلح أَبَداً، قَالَ الله - تَعَالَى - :{وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى}[المَائِدَة:2]، وَقَالَ:{وَتَوَاصُوْا بِالْحَقِّ} [العَصْر:3]، :{وَتَوَاصُوْا بِالمَرْحَمَة}[البَلَد:17]بَلَى هُنَا مُريدُوْنَ أَثقَالٌ أَنكَاد، يَعْتَرِضُون وَلاَ يَقْتَدُوْنَ، وَيَقُوْلُوْنَ وَلاَ يَعْمَلُوْنَ، فَهَؤُلاَءِ لاَ يُفْلِحُون.(17/252)
قَالَ الخَطِيْبُ:قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ القَطَّان النَّيْسَابُوْرِيُّ كَانَ:أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَكَانَ يَضَعُ لِلْصُوْفِيَّة الأَحَادِيْثَ.
(33/240)

قُلْتُ:وَللسُّلَمِيِّ سُؤَالاَتٌ للدَارَقُطْنِيِّ عَنْ أَحْوَالِ المَشَايخ الرُّوَاةِ سُؤَالَ عَارِفٍ، وَفِي الجُمْلَةِ فَفِي تَصَانِيْفِهِ أَحدَايثٌ وَحكَايَاتٌ مَوْضُوعَة، وَفِي(حَقَائِقِ تَفْسِيْره)أَشْيَاءُ لاَ تسوَغُ أَصْلاً، عَدَّهَا بَعْضُ الأَئِمَّة مِنْ زَنْدَقَةِ البَاطِنيَّة، وَعَدَّهَا بَعْضُهُم عِرْفَاناً وَحَقِيْقَةً، نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الضَّلاَلِ وَمِنَ الكَلاَمِ بهوَى، فَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ فِي مُتَابَعَةِ السُّنَّة وَالتَّمَسُّكِ بِهَدْي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ رضي الله عَنْهُم.
مَاتَ السُّلَمِيُّ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة.
وَقِيْلَ:فِي رَجَبٍ بِنَيْسَابُوْرَ، وَكَانَتْ جِنَازَتُه مَشْهُودَة.
وَفِيْهَا مَاتَ:عَبْدُ الجَبَّارِ الجَرَّاحِيّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عُمَرَ بنِ بَرْهَان الغَزَّال، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ رَزْقُوَيْه، وَمُنِيْرُ بنُ أَحْمَدَ الخَشَّاب، وَالمُحَدِّثُ أَبُو سَعْدٍ المَالِيْنِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الكَرْجِي السُّكَّرِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنْجَار.(17/253)
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الفَارِسِيُّ وَأَبُو سَعِيْدٍ الحَلَبِيّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْد وَأَخْبَرَنَا بلاَلٌ الحَبَشِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ ظَافر، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْن الشَّيْبَانِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ زُغْبَة، حَدَّثَنَا حَامِدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي عَمْرو بنُ دِيْنَار، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَة:
(33/241)

أَنَّ الزُّبَيْرَ خَاصَمَ رَجُلاً، فَقضَى رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للزبِير، فَقَالَ الرَّجُلُ:إِنَّمَا قَضَى لَهُ أَنَّهُ ابْنُ عَمَّتِهِ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَة:{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُوْنَ حَتَّى يُحَكِّمُوْكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم} - الآيَة[النِّسَاء:65].
تَفَرَّد بِهِ حَامِدٌ البَلْخِيّ، وَهُوَ صَدُوْقٌ مُكْثِر.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَسَاكِر(ح).(17/254)
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَازِم، أَخْبَرْنَا ابْنُ غَسَّان(خ).
وَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُكْرَمُ بنُ أَبِي الصَّقْرِ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو المُظَفَّرِ سَعِيْدُ بنُ سَهْل الفَلَكِيّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المَدِيْنِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدُوْس، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا القَعْنَبِيّ، حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنِ العَلاَء، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(إِذَا دَعَا أَحَدكُم، فَلاَ يَقُلْ:اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ، وَليُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَعْطَاهُ).رَوَاهُ مُسْلِم.
وِمِنْ كِبَارِ شُيُوخِهِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَسْنُويه المُقْرِئ وَأَبُو ظُهَير عَبْدُ اللهِ ابْن فَارس العُمَرِيّ البَلْخِيّ وَسَعِيْدُ بنُ القَاسِمِ البَرْدَعِيّ.
قَالَ الخَطِيْبُ:وَأَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ قَالَ:
(33/242)

جَرَى ذِكْرُ السُّلَمِيّ، وَأَنَّهُ يقومُ فِي السَّمَاعِ مُوَافقَةً للفُقَرَاء، فَقَالَ أَبُو علِي الدَّقَّاق:مثلُه فِي حَالِهِ لَعَلَّ السُّكُونَ أَوْلَى بِهِ، امضِ إِلَيْهِ، فَسَتَجِدُهُ قَاعِداً فِي بَيْتِ كُتُبِهِ، عَلَى وَجه الكُتُبِ مُجلَّدَةٌ مربعَة فِيْهَا أَشعَارُ الحَلاَّج، فَهَاتِهَا، وَلاَ تَقُلْ لَهُ شَيْئاً.
قَالَ:فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَإِذَا هُوَ فِي بَيْتِ كُتُبه، وَالمُجلَّدَةُ بحيثُ ذكر، فَلَمَّا قَعَدْتُ، أَخَذَ فِي الحَدِيْثِ، وَقَالَ:كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يُنْكِرُ عَلَى عَالِمٍ حَرَكتَهُ فِي السَّمَاع، فرُئي ذَلِكَ الإِنسَانُ يَوْماً خَالياً فِي بَيْتٍ وَهُوَ يَدُورُ كَالمُتَواجد، فسُئِلَ عَنْ حَاله، فَقَالَ:كَانَتْ مَسأَلَةٌ مشكلَة عليّ، تبيَّن لِي معنَاهَا، فَلَمْ أَتمَالك مِنَ السُّرُور، حَتَّى قُمْتُ أَدورُ فَقُلْ لَهُ:مِثْلَ هذا يَكُون حَالهم.
قَالَ:فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، تَحَيَّرتُ كَيْفَ أَفْعَلُ بَيْنَهُمَا.
فَقُلْتُ:لاَ وَجهَ إِلاَّ الصِّدْقُ.(17/255)
فَقُلْتُ:إِنَّ أَبَا عَلِيّ وَصَفَ هَذِهِ المُجَلَّدَةَ، وَقَالَ:احْمِلْهَا إِليَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْلِمَ الشَّيْخَ، وَأَنَا أَخَافُكَ، وَلَيْسَ يُمْكِنُنِي مُخَالَفَتُهُ، فَأَيشٍ تَأَمُرُ؟
فَأَخْرَجَ أَجْزَاء مِنْ كَلاَمِ الحُسَيْن الحَلاَّج، وَفِيْهَا تَصْنِيْفٌ لَهُ سَمَّاهُ(الصّيهور فِي نقضِ الدُّهور)وَقَالَ:احْمِلْ هَذِهِ إِلَيْهِ.
وَقِيْلَ:بلغت تآلِيفُ السُّلَمِيّ أَلف جُزْء، وَ(حَقَائِقُه)قرمطَة، وَمَا أَظنّه يَتَعَمَّدَ الكَذِّبَ، بَلَى يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيِّ الصُّوْفِيِّ أَباطيلَ وَعَنْ غَيْره.
قَالَ الإِمَامُ تَقِيُّ الدِّيْن ابْنُ الصَّلاَح فِي(فتَاويه):وَجدتُ عَنِ الإِمَامِ أَبِي الحَسَنِ الوَاحِدِيّ المُفَسِّر - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهُ قَالَ:
صَنَّفَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ(حَقَائِق التَّفْسِيْر)، فَإِنْ كَانَ اعتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ تَفْسِيْرٌ فَقَدْ كَفَرَ.
قُلْتُ:وَاغَوثَاهُ!وَاغُربتَاهُ!(17/256)
(33/243)