الصُّوْرِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ الشَّامِيُّ
 
الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، الأَوْحَدُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ رُحَيْمٍ الشَّامِيُّ، السَّاحلِيُّ، الصُّوْرِيُّ، أَحَدُ الأَعلاَمِ.
وُلِدَ - فِيمَا ذَكَرَه - :سَنَةَ سِتٍّ، أَوْ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ:مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ جُمَيْعٍ الصَّيْدَاوِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الصَّمَدِ الزَّرَافِيَّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ أَبِي كَامِلٍ الأَطْرَابُلُسِيَّ، وَعَبْدَ الغَنِيِّ بنَ سَعِيْدٍ المِصْرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرٍ الكَلاَعِيَّ، وَأَبَا نَصْرٍ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ بُنْدَار، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عُمَرَ بنِ النَّحَّاسِ.
وَصَحِبَ الحَافِظَ عَبْدَ الغَنِيِّ، وَتَخَرَّجَ بِهِ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، وَلَحِقَ بِهَا البَقَايَا، فسَمِعَ مِنْ:أَبِي الحَسَنِ بنِ مَخْلَدٍ(جُزْءَ ابْنِ عَرَفَةَ)، وَمِنْ أَحْمَدَ بنِ طَلْحَةَ المُنَقِّي، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ البَرْقَانِيِّ، وَعُثْمَانَ بنِ دُوْسْتَ، وَخَلْقٍ، فَأَكْثَرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ:شَيْخُهُ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّامَغَانِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ السَّرَّاجُ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ بَيَانٍ الرَّزَّازُ، وَسَعْدُ اللهِ بنُ صَاعِدٍ الرَّحَبِيُّ، وَالمُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الصَّيْرَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.(17/628)
(34/136)

وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ:أَبُو سَعْدٍ بنُ الطُّيُوْرِيِّ.
قَالَ الخَطِيْبُ:كَانَ الصُّوْرِيُّ مِنْ أَحرَصِ النَّاسِ عَلَى الحَدِيْثِ، وَأَكْثَرِهِم كَتْباً لَهُ، وَأَحْسَنِهِم مَعْرِفَةً بِهِ، لَمْ يَقْدَمْ عَلَيْنَا أَحدٌ أَفهَمُ مِنْهُ لِعِلْمِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ دَقِيقَ الخَطِّ، صَحِيْحَ النَّقلِ.
حَدَّثَنِي أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ فِي الوجهَةِ مِنْ ثَمَنِ الكَاغَدِ الخُرَاسَانِيِّ ثَمَانِيْنَ سَطراً، وَكَانَ مَعَ كَثْرَةِ طَلَبِه صَعبَ المَذْهَبِ فِي الأَخذِ، رُبَّمَا كَرَّرَ قِرَاءةَ الحَدِيْثِ الوَاحِدِ عَلَى شَيْخِه مَرَّاتٍ، وَكَانَ - رَحِمَهُ اللهُ - يَسْرُدُ الصَّوْمَ إِلاَّ الأَعيَادَ، وَلَمْ يَزَلْ بِبَغْدَادَ حَتَّى تُوُفِّيَ بِهَا.
وَذَكَرَ لِي أَنَّ شَيْخَه الحَافِظَ عَبْدَ الغَنِيِّ كَتَبَ عَنْهُ أَشْيَاءَ فِي تَصَانِيْفِه، وَصَرَّحَ بِاسْمِهِ فِي بَعْضِهَا، وَمَرَّةً يَقُوْلُ:حَدَّثَنِي الوَرْدُ بنُ عَلِيٍّ.
قَالَ الخَطِيْبُ:كَانَ الصُّوْرِيُّ صَدُوْقاً، كَتبَ عَنِّي، وَكَتَبتُ عَنْهُ.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ:الصُّوْرِيُّ أَحفَظُ مَنْ رَأَينَاهُ.
وَقَالَ غَيْثُ بنُ عَلِيٍّ الأَرْمَنَازِيُّ:رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَقُوْلُوْنَ:مَا رَأَينَا أَحفَظَ مِنَ الصُّوْرِيِّ.
وَقَالَ عَبْدُ المُحْسِنِ الشِّيْحِيُّ التَّاجِرُ:مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الصُّوْرِيِّ!كَانَ كَأَنَّهُ شُعلَةُ نَارٍ بِلسَانٍ كَالحُسَامِ القَاطعِ.(17/629)
قَالَ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ:كَتبَ الصُّوْرِيُّ(صَحِيْحَ البُخَارِيِّ)فِي سَبْعَةِ أَطبَاقٍ مِنَ الوَرقِ البَغْدَادِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ.
(34/137)

قَالَ:وَذَكَرَ أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ فِي كِتَابِ(فِرَقِ الفُقَهَاءِ)لَهُ:حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الوَرَّاقُ - وَكَانَ ثِقَةً، مُتْقِناً - :
أَنَّهُ شَاهدَ أَبَا عَبْدِ اللهِ الصُّوْرِيَّ، وَكَانَ فِيْهِ حُسنُ خُلُقٍ وَمُزَاحٌ وَضَحِكٌ، لَمْ يَكُنْ وَرَاءَ ذَلِكَ إِلاَّ الخَيْرُ وَالدِّينُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ شَيْئاً جُبِلَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ بِالخَارِقِ لِلعَادَةِ، فَقَرَأَ يَوْماً جُزءاً عَلَى أَبِي العَبَّاسِ الرَّازِيِّ، وَعَنَّ لَهُ أَمرٌ ضَحَّكَهُ، وَكَانَ بِالحضرَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَأَنكَرُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا:
هَذَا لاَ يَصلُحُ، وَلاَ يَلِيقُ بِعِلمِكَ وَتَقدُّمِكَ أَنْ تَقرَأَ حَدِيْثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْت تَضْحَكُ.
وَكثَّرُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا:شُيُوْخُ بَلَدِنَا لاَ يَرضُوْنَ بِهَذَا.
فَقَالَ:مَا فِي بَلَدِكُم شَيْخٌ إِلاَّ يَجِبُ أَنْ يَقْعُدَ بَيْنَ يَدَيَّ، وَيَقْتَدِي بِي، وَدَلِيْلُ ذَلِكَ:أَنِّي قَدْ صِرتُ مَعَكُم عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ، فَانظُرُوا إِلَى أَيِّ حَدِيْثٍ شِئْتُمْ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، اقْرَؤُوا إِسْنَادَه، لأَقْرَأَ مَتنَهُ، أَوِ اقْرَؤُوا مَتْنَهُ حَتَّى أُخْبِرَكُم بِإِسْنَادِهِ.
ثُمَّ قَالَ البَاجِيُّ:لَزِمتُ الصُّوْرِيَّ ثَلاَثَةَ أَعْوَامٍ، فَمَا رَأَيْتُهُ تَعرَّضَ لِفَتْوَى.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الطُّيُوْرِيِّ:كَتبتُ عَنْ عِدَّةٍ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَحفَظَ مِنَ الصُّوْرِيِّ، كَانَ يَكْتُبُ بِفَردِ عَينٍ، وَكَانَ مُتَفَنِّناً، يَعرِفُ مِنْ كُلِّ عِلمٍ، وَقَولُهُ حُجَّة، وَعَنْهُ أَخذَ الخَطِيْبُ عِلْمَ الحَدِيْثِ.(17/630)
قُلْتُ:كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، وَلَهُ شِعرٌ رَائِقٌ.
(34/138)

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ جُبَارَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الصُّوْرِيُّ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ النَّحَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، حَدَّثَنَا المُعَافَى - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ - ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ:(تَجَوَّزُوا فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ خَلْفَكُمُ الضَّعِيْفَ وَالكَبِيْرَ وَذَا الحَاجَةِ).
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ.
وَعَبْدُ اللهِ:هُوَ بِشْرٌ الرَّقِّيُّ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ، وَمُحَمَّد بنُ عَلِيِّ ابْنِ الوَاسِطِيِّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ سَلاَمَةَ المَنْبِجِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ الهِلاَلِيُّ، حَدَّثَنَا المِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الأَحَدِ بنُ اللَّيْثِ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ الحَكَمِ الجُذَامِيِّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ
، قَالَتْ:
أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الوَحي الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا، إِلاَّ جَاءتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ.
أَنْشَدَنَا أَبُو الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الطُّيُوْرِيِّ، أَنْشَدَنَا الصُّوْرِيُّ لِنَفْسِهِ:
قُلْ لِمَنْ عَانَدَ الحَدِيْثَ وَأَضْحَى*عَائِباً أَهلَهُ وَمَنْ يَدَّعِيهِ
أَبِعِلمٍ تَقُولُ هَذَا أَبِنْ لِي*أَمْ بِجَهلٍ، فَالجَهْلُ خُلُقُ السَّفِيهِ
أَيُعَابُ الَّذِيْنَ هُم حَفِظُوا الدِّيْ*ـنَ مِنَ التُّرَّهَاتِ وَالتَّمْوِيهِ
وَإِلَى قَوْلِهِم وَمَا قَدْ رَوَوْهُ*رَاجِعٌ كُلُّ عَالِمٍ وَفَقِيْهِ
قَالَ الخَطِيْبُ:مَاتَ الصُّوْرِيُّ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.(17/631)
(34/139)